جمال عبد الناصر من  نعي  المخلدين،  الى نعيب  الناعبين.. د/ إشيب ولد اباتي

خميس, 2023-10-05 13:36

في موقع " رأي اليوم"، وهو "الموقع"  الذي يناضل بإرادة رئيسه، ومحرريه، وكتابه، وقرائه  في الوطن العربي وخارجه، وذلك المواقع الموريتانية وقرائها، وذلك  لاكتساب  المعايير المستحقة للتعبير عن هموم  الوطن، والمواطن العربي، والدفاع عن قضية الأمة المركزية التي تواجه مشاريع  ستساقط  كأوراق الخريف  بإذن الواحد الأحد..
لقد قرأت  تلك  المقالات التي كتبها بعض من قادة الرأي العام العربي عن جمال عبد الناصر رحمه الله تعالى في ذكرى رحيله ٥٣ سنة. ويمكن تقسيم القراءات  الى محورين: 

١ - محور القوميين، الوحدويين الصادقين ..

٢ - محور النائحة المستأجرة التي تتظاهر، وإن  كتبت، فعكس ما تظاهرت  به…!
فما  هي المفارقة الواضحة  في منطوق، ومضمون  ما جاء في في مقالات  كتاب  المحورين  في " رأي اليوم"  في نهاية الشهر التاسع ٢٠٢٣م ؟!
١-  محور القوميين الوحدويين، كان صادقا فيما كتب من  تقديم موجز للتجربة الناصرية  -  وتجنيبه للقارئ تحليل  الفكرها الثوري الناصري  في فلسفة الثورة، والميثاق الوطني، وبيان ٣٠ مارس،  ومذكرات جمال في  فلسطين التي كتبها  اثناء معاركه  مع العصابات الصهيونية  في حرب الفالوجة في حرب ٤٨ - 
وانجازاتها على المستوى الوطني داخل مصر، وعلى المستوى القومي، كمساندة قائد الثورة  لحركات التحرر العربي،  وثوراتها العظيمة  كما حصل في الجزائر، واليمن، والعراق، وسورية ،والسودان،  وليبيا،،  الأمر الذي جعل الاستعمار يقدم استقلالات مشوهة،  ويتخفي خلفها، كما جرى في أقطار الخليج العربي بدون استثناء،  وكذلك في كل من جيبوتي، وموريتانيا.. 
لماذا ؟
 لأن  مجتمعات الأمة العربية ، استجابت عن بكرة أبيها لنداءات التحرر العربي، ومناهضة الاستعمار الغربي حيث،  وكان التهديد من "صوت العرب من القاهرة "  للحاكم الفرنسي في مراكش " المغلاوي"، كافيا ليمنعه من النوم في قصره في مراكش على سبيل المثال.. ولأن الدعوة للاستقلال  لم تكن من أجل تحرير مصر التي انتصرت بثورتها،  وإنما  من أجل تحرير كل شبر من الوطن العربي، كان لازال  تحت الاحتلال، ولذلك استجابت الجماهير العربية من المحيط" الثائر"  الى الخليج " الهادر"، لنداء قائد الثورة ، وذلك من أجل: 

  أ - التحرير الكامل  بخروج المستعمر الغربي، وجيوشه، ونيل استقلال مكتمل الأركان سياسيا، وعسكريا،  وثقافيا، واقتصاديا..

ب - وضع سياسات  تسعى لتحقيق التقدم الاجتماعي، والقضاء على مظاهر، وبنى التخلف الاجتماعي، والثقافي،  والاقتصادي الذي كان محصورا في قطاع  تجاري محدود  في المدن، وفي الثروة الرعوية، والزراعة البعلية، والري  السنوي بعد تجمع مياه  التساقطات المطرية  موسميا..
والجدير بالذكر ان الدراسات الاجتماعية التي رصدت حركة التحضر في الوطن العربي،  سجلت  حركات متسارعة نحو التحضر بانتقال المجتمعات العربية من الأرياف،  والقرى،  والصحاري  الشاسعة الى مراكز حضرية   التي صارت  فيما بعد عواصم كبرى، ومدن متوسطة  باسماء إدارية مختلفة، محافظات،  ومقاطعات، وولايات  أكبر .
ج-  العمل على  تكوين نظام سياسي عربي متضامن، تمهيدا للتكامل، وتقريبا للوحدة العربية الشاملة، وهي سلاح الأمة السياسي، والعسكري، والاقتصادي الذي  تسطيع  به   مواجهة الاحتلال الصهيوني  والامريكي،  والغربي مجتمعا 
وذلك في محاولة لقطع   عوامل التبعية  التي "فطم" عليها  قادة المشيخات العربية  بأمرائها، وملوكها  في اقطار" الريع"، الذين انحدروا من أسر كان بعضها معروفا بقطاع الطرق..!
وهي أقطار  ذات الدخل الاقتصادي  أحادي المصدر، وكذلك الأقطار التي استقلت بفضل  نضال حركات التحرير العربية  لتلك الاقطار،  غير أن الاستعمار المجرم  سرق  نتائج النضال الوطني بفرض انظمة ملكية، ما لبثت أن  اجهضت نضال  القوى الحية  من تلك الحركات ..!

 وقد تزامن ذلك مع انطفاء ضوء الأمل بالرحيل  المفاجئ  لقائد  الأمة " الهرم الصغير الذي لازال معنا"، و " سيبقى روحا خالدة، وإرادة قوية،  وعزيمة صلبة، ومبادئ لن نحيد عنها".
وهنا  أغلق القوس للرجوع الى المقالات التي أشادت  بالمرحلة التاريخية التي رفعت  من شأن الأمة العربية بين الأمم التحررية ..
وكانت  ذكرى  رحيل القائد  مناسبة لاسترجاع،  أهم مقومات النهوض العربي، الأمر الذي أحال " النعي" الى خطاب  سياسي  استدعي الحراكات السياسية  في مجتمعاتنا العربية،  لأن تقف مع نفسها لاستلهام  الإرادة، و الفعل  القيادي المقاوم ، وذلك باستحداث  سياساتها، وتجديد نضالها ضد اعداء الامة.. وما لم يحصل ذلك فستبقى  مشاريع  الاستسلام ( التطبيع)  تتنزل بصواعق الخيانات، والهزائم  مستهدفة  شل  أي  حركة  في مراكز الأمة ذات التأثير  القيادي بما امساه  الوحدويون " الإقليم القاعدة" : مصر، وليبيا، والعراق، وسورية، والجزائر، والسودان، واليمن، والصومال المقاوم..

٢-  أما فريق " النائحة المستأجرة" ، فلعله، لازال على قناعاته المعادية  لتيار الثورة العربية،  وقواه الحية  المتمسكة بخيار الوحدة القومية، ومستلهمة  من  التجارب الحررية  السابقة..
 و لأن معاداة  الإسلام  السياسي للتجربة الوحدوية في مصر،  وقادتها، لم يكن من منطلق سياسي  فكري، وإنما هو خطأ تاريخي ارتكبه رموز  بدافع المنافع الذاتية، وضيق الأفق في الوعي  في فترة مبكرة  بعد نشاة  التيار الذي لم يكن في مستوى القيادة  للتفاعل مع التحولات العظمى في خمسينيات القرن الماضي  لسوء حظه -  وحظ الامة العربية - في  الانقياد  الأعمى  لما في الدعاية لشاريع  التبعية،  تزعمتها  السفارة الإنجليزية في مصر في موقفها الرافض  لاتفاقية الجلاء  المفروضة على الإنجليز ، ووقع  تيار الردة الاسلاموي  على بيان صادر من تلك السفارة على رفضه خروج قوات الاحتلال الانجليزي، وانتهج خطا  معاديا لتطلعات الأمة في التحرر والاستقلال، وارتكب بعد ذلك جرائم سياسية ليس أقلها الزج بالشبيبة العربية في حروب امريكا في افغانستان منذ أواخر السبعينيات، و الحرب الأهلية في الجزائر،، والتحالف مع  المشروع  الاحتلالي لليبيا، وسورية، واليمن، والعراق. .!
وكان موقف التيار السياسي المذكور معاديا  لقوى الثورة العربية، في متلازمة  ثابتة في  الموقف من قائد الأمة جمال عبد الناصر..

 وفي مقال أحد رموز  مفكري  تيار" الاسلام السياسي"   في  الأسبوع الماضي،  عبر عن مبرر الكتابة، كان  بدافع التفاعل مع الإعلام الفرنسي الذي أشاد بعبد الناصر في ذكرى رحيله  ٥٣ - على حد قوله - .
ولعل  الإعلام الفرنسي، وصاحبه، وجدا في الذكرى مناسبة لتصفية الحسابات مع صاحب الذكرى، وفي أنفسهم  شيء  من " حتى": بمعنى لا زال في نفس الأخير معاداته المبيتة  لتبرير النبش  كحفار للقبور  بالمعنى" الجبراني" - جبران خليل جبران -  لاستبعاث " المثالب"  التي حصرها  في  الاقتصار على  " هزيمة ٦٧" ، هو ذا كان  النعي  في الذكرى، أولا يكون ، بل  هو الحقد  فوق خط  السياسة، ومعاداة الزعيم، والمد القومي، الوحدوي  وتوصيف كتابات أي  قومي  بما اسماه " فلتان فلان" !
ولعل  هذا محطة ثالثة لمواقف المفكر  بعد انحيازه  ل" الوطني "على  حساب "القومي"  على رأيه  في توصيف  الصراع الذي وقع  بعد انتصار  الجزائر، ووقوف القوميين معها سياسيا وعسكريا  في حربيها: حرب التحرير، و"حرب الرمال "، حتى لا تسقط الثورة، ثم  وقع الصراع بين الوطنيين  بين المرحومين  بإذن الله   أحمد بن بلة، وهواري بو مدين..
وبعد قطف ثمار ذلك الانحياز، وجعله  من الوطني معاديا للقومي، وهو ما لم يجده الدارسون  لسياسة وتجربة الراحل  هواري بومدين الذي  كان وطنيا، وقوميا بلا مزايدة ..!

غير أن تتبع القاعدة الفكرية ل" سقراط" ، تشير الى سهولة  معرفة الكاتب مما  كتب على غرار المتحدث، في مقولة  " تكلم،  فأقول لك من أنت وماذا تفكر فيه" ،  ومن هنا  كان وضحا للقارئ العربي الهدف من الكتابة  عن ذكرى رحيل عبد الناصر  بدافع التفاعل مع الاعلام الفرنسي،، ومعاداة مفضوحة   ليس للتجربة الناصرية وتيارها الذي لازال وسيبقى،  وإنما مناهضة لخيارات الأمة   في رفض مشاريع الاستسلام  حيث كتب  المفكر  بعظمة لسان -  قلمه، أنه  أنصف الراحل "  بورقيبة" في ودعوته، أنه كان يجب على العرب القبول بتقسيم فلسطين  مع الكيان الصهيوني، ثم  أكد، أنه أول من نادى  ب"سراطين" قبل أن ينطق بها القذافي فى سبيل التهكم على  جماعة " أوسلو"، وطرد " الفتحاويين" من ليبيا الى مصر، ليدخلوا  فلسطين..
وبمعنى آخر،  ربما يعتبر المفكر من الأصوات المخنوقة  بحكم قوى  الثورة الجزائرية، وشعبها الرافض  لكل اشكال " التطبيع" ..

لكن هل  هذا الموقف، يمكن تعميمه على  قادة تيار "الاسلام السياسي" العروبي، وليس على  جماهيره العربية الوطنية والقومية ؟
نعم   من جهة تأثير القيادات السياسية لأحزاب  الإخوان  في مصر على عهد المرحوم  محمد مرسي  في رسالته سيئة السمعة التي ارسلها  الى المقبور " بيريز"  بمناسبة  ذكرى اغتصاب الكيان الصهيوني لفلسطين..وكذلك موقف الإسلاميين في المغرب الذين عاقبهم الشعب المغربي  في أول انتخابات بعد توقيعهم للاستسلام " التطبيع" ، وكذلك  في رفض حزب النهضة في تونس لتجريم " التطبيع" في البرلمان الذي كان رئيسه المفكر الدكتور راشد  الغنوشي فك الله أسره، وكذلك موقف حركة حماس بتعديلها للبرنامج السياسي وقبولها  لخط   جماعة " اوسلو"  - لإقامة دولة على حدود الخامس من حزيران -  الأكثر من مطبعة بمسافات فلكية من التوغل، والتغول  في جرائم  الخيانة العظمى..
والجدير بالذكر أن  التيار الاسلامي العروبي، سانده  في موقفه الخياني " التطبيعي "  كل من أنظمة العمالة العربية  التابعة لأمريكا،  والغرب ، وكذلك  الزعيم " أردوغان"  المجدد لخط "تركيا الفتاة " بدعوته للعثمانية  المستأنفة، وهو المطبع مع الكيان الصهيوني،  ودعا أنصاره  للتطبيع عربيا، واسلاميا، وعلاقته مع الصهاينة منطلقاتها "عرقية" على رأي  العارف بخفايا الأمور السياسية والفكرية السيد " المغترب" في الأردن …

ولعل المفارقة القائمة الجديرة بالتوقف عندها، وذلك  لانصاف التيارات  في الاسلام السياسي  في  كل من الاقطار العربية والاسلامية الاخرى: كحزب الله المتحالف مع القوى القومية، والجهاد الاسلامي، وفكر الثورة  الإيرانية، ونظامها بكل ثقله السياسي، والعسكري، وكذلك  الاحزاب السياسية الباكستانية، والبنغالية، والماليزية،  والاندنوسية، والهندية المتمسكة  بخط  الاستقلال الوطني ومعاداة الصهيونية وامريكا..

ومن اجل أن نبقى على التفاؤل،  وعدم التشاؤم ، وتجنب  تعميم  الاحكام، ووصم  رجال الفكر،  والدين الذين انجرف  بعضهم في سياسة تيار الإسلام  العروبي، وكان في  موقفه القيادي ، معادة للتجربة الناصرية ،، لكنه  اعترف  بدور  جمال عبد الناصر بعد ان " فاته القطار " ، وفقد  تراجعه  قيمته  العملية على مستوى نضال الأمة العربية ..
وهذا الاعتراف  نذكر  بمرجعه  الفكري ، وهو اقتباس من  كتاب  " فتاوي العصر "  للمرحوم  - بإذن الله - الشيخ الشعراوي  في ذكرى رحيل جمال عبد الناصر، كقوله  ((  ... وإن توفقنا في إتمام  ما  خطط  له  البطل الراحل  من  آمال وحدة  عروبة،  وتمكين  إسلام ، وإسلام انسانية …  اللهم  اجعل لطفك في قضائك رحمة واسعة،  ونعيما مقيما لعبدك  "جمال"  الذي  جعلت مطلعه  من فلسطين، ومغربه في فلسطين..))
فأين  هذه الروح الاسلامية، والعاطفة الانسانية، والاعتراف بخط جمال الناصر النضالي من فلسطين واليها .. من تيار " النائحة المستأجرة من حفاري القبور ونابشيها  في هزيمة ٦٧ ..؟!