قصة أحلام متسول الحلقة 24 / ذ. إسلمو ولد ماناّ

خميس, 2022-05-19 16:45

الفصل الثالث  :الأجواء السياسية التي هيأت للأزمة  

إن الأزمة السينغالية لا يمكن تحديد تاريخ لبداية بذرتها  الأولى بدقة كاملة ، لكن أول إرهاصاتها أوشرارتها أولما قدحت مع مبداية تفكير ذ / الرئيس المختار ولد داداه بإدخال عنصر التعريب في مناهج التعليم في موريتانيا حيث قد حدثت يومئذ أول انتفاضة قادها طلبة زنوج ضد زملائهم العب والمعروفة بأحداث 1966م . ثم قد بقى جمر تلك الإنتفاضة حيا تحت رماد تغطيه مصالح الحركة الزنجية ! وكلما شعرت تلك الحركة بشكل ما من أشكال المنافسة من طرف العنصر العربي إلا وتنفخ غبار ذلك الرماد من فوق الجمر الذي كان يخفيه لليبدأ أوار لهيبه يحرق الجميع ! 
وما محاولة الأنقلاب 1987م إلا استمرارا لتك المحاولات السابقة .وكل ذلك تقوم به تلك الحركة من أجل وأد فكرة التعريب في مهدها. 
ولما فشل ذلك الإنقلاب الزنجي وتحولت فلول القائمين به تحت غطاء تلك الحركة الزنجية المدنيية العسكرية إلى قاعدتهم الخلفية في السنغال ، حيث قد احتضنتهم الدولة السينغالية وذلك بالتعاون مع الدولة الفرنسية لكو نهم أداتها الفاعلة لتبقى اللغة الفرنسية مسيطرة على الثقافة والتعليم والإدارة والأقتصاد وكل شيئ مهم في موريتانيا ! 
إذا ففي ذلك الجو الذي كانت تحاك فيه تلك المؤامرات ضد الدولة الموريتانية ، فإن السلطة العسكرية الحاكمة يومئذ فقد كانت اهتماما تها كلها  محصورة  في تقاسم منافع البلاد ! والبحث عن الموضة والمحظيات واللذة والفخفخة ! بحيث قد أصابتهم تلك الموجة العبثية بنوع من الخمول والوهن والضعف مما جعل بعض ضباط تلك الحركة الزنوجية يستغلون تلك الفرصة السانحة لليلعبوا هم أيضا لعبتهم القذرة تلك التي قد لعبها من قبلهم بعض زملاؤهم عربا وزنوجا معا ، ولكن مكمن الخطورة هذه المرة فهو كون تلك اللعبة  قد احتكرت من طرف عنصر واحد كان يهدف من ورائها إلى تقليم أظافر أهم المكونات القومية في البلاد من حيث العدد على الأقل ! 
ولما فشل ذلك الأنقلاب فقد ذهبت فلول عناصره  تحت جنح ليل متخفين في جلباب تلك الحركة الزنجية ،والذين قد أعلنوا تمردهم المسلح يومئذ ضد بلدهم من دولة السنغال قاعدتهم الخلفية ، وذلك بغطاء سياسي ومالي من طرف مشغليهم الحكو متين الفرنسية وكذا ربيبتها السينغالية ! لتكون تحركات تلك الجبهة وإعلامها لاحقا هما العاملان المحرضان على دق إسفين الفتنة بين هذين الشعبين الشقيقين اللذين عاشا تاريخا مشتركا في كنف حضارة إسلامية واحدة ، وذاقا معا مرارة استعمار واحد ، وذلك عبر تاريخ طويل من الأخوة والمودة وحتى تبادل المنافع المشتركة بين الشعبين الشقيقين.
ولكنه في نهاية المطاف فلما رأت فرنسا كون معظم الدول العربية خاصة العراق منها والجزائر اللتان بدأتا يومئذ تساعدان موريتانيا في الإعداد لتلك الحرب بالعتاد والمال خصوصا دولة العراق الشقيقة التي قال رئيسها صدام حسين يومئذ في رده على ملك المغرب الحسن الثاني حليف السينغال  ! الذي قد قال يومئذ في مؤتمر الجامعة العربية 1989م المنعقد في المغرب من أجل محاولة إيجاد حلول لتلك الأزمة الموريتانية السينغالية كلمته تلك التي قال فيها ( نعتبرهما دولتان مسلمتان ) مساويا بينهما في المكانة داخل تجمع عربي ! فماكان من الرئيس صدام حسين المجيد إلا أن قال كلمته الخالدة بالنسبة لنا نحن الموريتانيين "عروبة موريتانيا ولا إسلام السينغال " ! 
فحاصل الأمر فإنه من خلال ذلك المؤتمر و مادار فيه من مواقف وماستنتجت من ذلك الحكومة الفرنسية ، مضاف  إلى ذلك تأثير الحديث الذي دار بين السفيرين السينغالي والعراقي المعتمدين في فرنسا . حيث قال العراقي لزميله السينغالي فعلى السينغال إذا ما حاولت دخول حرب ضد موريتانيا فعليها أن تتصرف على كونها سوف تحارب معها العراق جنبا إلى جنب .ولقدكان ما قد تو عدبه السفيرالعراقي حقيقة وليس مجرد مزحة بين سفيرين معتمدين يومئذ في الدولة الفرنسة !  
ولقدكان لذلك الحديث في حينه بالغ الأثر أيضا على كل من السينغال و فرنسا معا ! مما جعل هذه الأخيرة  تعمل بجد من أجل وقف تلك الحرب وبسرعة ، محافظة بذلك قدر الإمكان على مصالحها في معظم الدول العربية من جهة ، وكذا تخوفها أيضا من خسارتها ولاء دولة موريتانيا الدائم لها من جهة ثانية ! ولتلك الأسباب وغيرها فقد تم توقيف تلك الحرب بين الدولتين من طرف فرنسا وذلك بتوجيه رسالتين عاجلتين من الرئيس الفرنسي (افرانسوا متراه) بواسطة ابنه لكل من الرئيسين الموريتاني معاوية سيدي احمد الطائع ، والرئيس عبدو جوف وقد تم توقيف تلك الحرب حينئذ وحتى قبل أن تبدأ فعليا ولم تطلق بعد هتين الرسالتين رصاصة واحدة ! 
إذن فلقد أوقفت فرنسا تلك الحرب . ولكنها للأسف لم توقف ما يشبه تلك الإنتفاضة الشعبية ضد مكون البظان المتواجدين يومئذ في مدن السينغال وقراه وكذا أريافه !
أما الواقع الذي كان معيشا قبل تلك  الأحداث فهو كوننا نحن والسنغالة كنا نعمل مع بعضنا  البعض لا يميز بيننا سوى لون البشرة متساوين في الحقوق والواجبات ، ولكن القشة التي قسمت ظهر البعير فهي تعيين وزيري داخلية لديهما ولاء للدولة الفرنسية في كل من الجارتين ولربما يعود تعينهما في منصبيهما من وجهة نظري الخاصة  إلى نوع من تقرب الدولتين من الدولة التي كانت تستعمرهما والتي هي  (فرنسا)، والمتنافستين دائما في خدمتها . وقد كان صاحبنا من بين هذين الوزيرين يمتاز مثل بقية زملائه بالانشغال في أموره الخاصة وعدم  حنكته في التعامل مع الأمور الدولية المعقدة ، ولوكونه كذلك ينفق معظم وقته في جمع المال كمعظم الضباط الأنقلابيين ، وكذا بحثهم الدائم عن الملذات حتى أنه في سبيل ذلك فقد كان وزير داخليتنا المحترم لا يأخذ معظم عطله الأسبوعية إلا في مدينة كيفه قاطعا في سبيل ذلك مسافة ألف وثلاثمائتي كيلومتر٢ أسبوعيا ، ومن أعضاء تلك اللجنة العسكرية مما يدل أيضا على انعدام المسؤولية لديهم ، حيث منهم مثلا من قد وظف العشرات من الفتيات الجميلات في الأمانة الدائمة للجنة العسكرية ، كمحظيات له ، ومنهن أميات لا يكتبن ولا يقرأن ! ومن تلك اللجنة  أيضا من قد كان وزيرا للوظيفة العمومية ولما قابله بعض الخرجين من المعاهد والجامعات يودون التوظيف . فقد كان رده عليهم قاسيا حسب ماسمعت من أولئك الشباب الذين هم في حدود النصاب حيث قال نحن لم نرسل أيا كان  لدراسة القانون ولا الأ قتصاد ولا حتى لغير ذلك في أي جامعات ، لإننا لا نحتاجهم أصلا ، لكوننا  نعمل على رزمة أوراق تأتي جاهزة معدة سلفا من طرف فرنسا ولا ينقصها سوى ملئها وكذا توقيعها وذلك لا يحتاج بدوره إلى شهادة متريز أو دكتوراه دولة ! بل يمكن توقيع كل تلك الأوراق  من غير متعلم على الإطلاق !
إذن فهؤ لاء المسؤولين كما يبدو لاحاجة لديهم يومئذ في العلم ويمارسون أعمالهم من دونه !  ومثال آخر يعطي صورة أضح من خلال ممارسة بعض قضاتهم يومئذ حيث كان أحد رؤساء المحكمة العليا في انواكشوط ويمثل جزءا كبيرا من قضاء تلك المرحلة الضبابية بين العدالة الحقة وعدالة التبتابه ! لما قد تقدم متخاصم أمام محكمته في صيف 1992م بدعوى يريد استرداد وديعة قد تركها له صهره الذي انتقل للعمل في المغرب ، فماكان من ذلك  القاضي إلا أنه قد حكم بعدم تلسليم تلك الوديعة معللا حكمه ذلك بكون  المودع ذهب إلى المغرب لكي يستفيد من شعار ( الوطن غفور رحيم ) وكون ن الوطنية الحقة تقتضي منعه من تحقيق مقصده في غيبة تامة للعدل في حد ذاته !
وبعد عدة أيام من توقيف ذلك التنفيذ فقد اتصل يومئذ بي باعتباري محام المدعي وقال لي أعد طلب التنفيذ وسوف ينفذ لك هذه المرة ، فقلت في نفسي فلعله قد استفاق لديه ضمير العدل بعد سبات عميق !
ثم قدمت الطلب من جديد حيث قد أصدر أمر التنفيذ على أن ينفذه كاتبه الخاص ولكني قد ذهبت من عنده وأنا مضمر تنفيذه من غيره ليلا تحصل الإستفادة التي أوقف التنفيذ أصلا بسببها وقد كان ذلك فعلا ! 
ثم أنه قد كان هنالك أيضا ضابط سامي وهو يدير شركة الكهرباء وقد أوعداني بالتعاقد نائبه ومستشاره القانوني عبد الرحمن لما أكمل تدريبي كمحام متدرب بعد ما رأوا عملي الجيد معهم كمتدرب في مكتب محاماة  ولمدة ثلاث سنوات حيث كنت أتولى  قضايا هم ، ولم يخسروا أي إجراء ولا أي دعوى ، ولما  تخرجت وجئتهم  راغبا في التعاقد معهم حسب وعدهم لي منذ مدة وقد أدخلوني على ذلك الضابط السامي مدير الشركة يومئذ الذي قال لي فهل أنت من القاطعة كذا وإسمك فلان ابن فلان فقد كان أحد زعماء مقاطعتكم  معي الآن ولم يذكر لي اسمك فلم ذلك ؟! فقلت له سيدي فلم أكن اعتقد بأني سوف أحتاج إلى وساطته ولا لغيره ، وذلك لكوني أظن بأن عملي معكم طيلة  ثلاث سنوات دون أن تخسروا أي قضية و لا أي إجراء مسطري ، وكذا وعدكم لي السابق أيضا لكا فيان وحدهما كشفيعين وجيهين لدي عندكم !
فماكان من الرجل حينها إلا أن تطلع في قسمات وجهي وأظنه ربما كان يقرأ لغة جسدي إن كان قد فهمها ؟ ثم قال لي ( بوي آن حد واثق من نفسو إلى هذه الدرجة لايمكنه العمل معي ) وقد أنتهى ذلك اللقاء ومات العهد والوعد كليهما مكفنين بدخان السجاير بين شفتي ذلك الضابط السامي والمدير يومئذ لشركة سنلك ! 
فهذه معلومات موثقة أضيفها أنا أيضا على ذلك الذي قد جمع إطول عمرو من معلومات جد قيمة من تاريخ  تلك الحقبة الزمنية ضمن تاريخنا ! فهذه أمثلة حية من أعمال بعض وزراء تلك الفترة وقضاتها وحتى مدرائها قد نقلتها عن عدد يزيد على حد التواتر من محامين وخبراء وكذا شهود عيان ومتخاصمين قد عايشوا تلك المرحلة من حكم العسكر ! لأقدمها للمواطنين لليتعرفوا  من خلالها على حدود امكانيات الإنقلابيين وتبتابتهم يومئذ في علاج الكثير من المشاكل الإجتماعية والسياسية الوطنية وكذا الدولية منها التي كنا نحن طرفا فيها ، ومن ضمنها طبعا تلك الأزمة السينغالية الموريتانية !

(يتبع)