الدول العربية في فلسطين والمشروع الصهيوني: التقابل بين مشروع هرتزل الصهيوني وهرتزل العربي

أربعاء, 2025-12-24 23:55

يتفق المشروعان في خاصية واحدة وهي أنه عندما جاء مشروع هرتزل الصهيوني كان الواقع يجعل المشروع خياليا، وبالفعل كان رد الفعل حينذاك في القرن 19 لهذا المشروع هو الاستخفاف والاستغراب وربما اتهم  اتهموا هرتزل بالجنون ولكن المشروع ازدهر ودبت فيه الحياة وقيض له القوى والظروف اللازمة لتحويل المشروع من الحلم والخيال إلى الواقع، والغريب أن هرتزل كان يأمل أن تنشأ إسرائيل بعد 50 سنة من إعلان المشروع في المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية صيف1897 وكان المشروع يتصور قيام دولة تجمع كل يهود العالم وتبدأ بإقامة إسرائيل ولكنه كان يحبذ إقامة هذه الدولة في فلسطين.
أما مشروع هرتزل العربي الذي يظهر هذا العام 2022 أي بعد 25 عاما من المشروع الصهيوني..
فاذا كان  مشروع هرتزل  قام على أساس أن اليهود مضطهدون بسبب عبقريتهم وفشلت محاولات إدماجهم لأسباب تتعلق بهم وبالشعوب التي عاشوا بينها أيضاز.
 وكنا نتمنى أن تكون الدولة التي تضم العباقرة كنزا لتقدم للمنطقة  شيئا مفيدا .ولكن قدم المشروع المدروسة خطواته بعناية عددا من المبررات التي أسماها جارودي أساطير أولهاأن المهاجرين الأوائل إلى فلسطين فروا بسبب الاضطهاد وأنهم من العمال والفلاحين الذين استهوتهم الدعاية الصهيونية..

وفي مرحلة تالية قدم المشروع مبررا آخرأعمق وهو انقاذ اليهود من الإبادة من جانب هتلر ولكن اللافت أن الهجرات كانت منتظمة وبإشراف الوكالة اليهودية وبريطانيا بل إن نابليون خلال حملته على مصرأواخر القرن 18 بشر بقيام دولة اليهود في فلسطين تيمنا بالحملات الصليبية التي قصدت بيت المقدس، كما أرسل للمصريين رسالة من مالطة قبيل وصوله إلى مصر عام 1798 يزف لمصر بشرى أنه اعتنق الإسلام، ولكن التبشير بإسلامه وبقيام دولة لليهود لم يقنع المصريين وأعدوا له مقاومة شرسة في جميع محطات الحملة..
ثم قدم المشروع في الأربعينيات من القرن الماضي أن إسرائيل جزء من الحضارة الأوروبية وأنها ستعوض وتعزز الرسالة الحضارية التي أتى بها الاستعمار وكذلك نشر القيم الديمقراطية والازدهار، وزعموا أن اليهود خلاصة سكان الدول التي هاجروا منها وبؤرة مكثفة للحضارة والتكنولوجيا ومهمتها  نقل المتخلفين العرب إلى مدارج الحضارة..
ثبت أن إسرائيل جزء من أوروبا الاستعمارية ووكيل عن الغرب بالاستعانة بالحكام المحليين ولذلك اندهشت أوروبا للتصدي العربي المسلح ولم يكشفوا أنهم دربوا كوادر الميليشيا اليهودية وامدوهم بالأسلحة والمعلومات..

اليوم يريد مشروع هرتزل العربي تفكيك إسرائيل، ووقف فعالية المشروع الصهيوني. .
هذه الفكرة تبدو بالغة الخيال قياسا على الواقع الذي يشهد بتسيد إسرائيل ولكني واثق أن هذا المشروع سوف يبقى غدا للأجيال الأقدر على تحقيقه..
ويقوم المشروع على الركائز الآتية،
الركيزة الأولى: وضوح المشروع الصهيوني وعلاقته بالغرب وبساطته المفرطة، ويقابل هذه الركيزة ركيزة مقابلة على عودة فلسطين إلى ما قبل قيام إسرائيل.,
الركيزة الثانية: إقتناع يهود العالم بالمشروع  يقابله اقتناع الفلسطينيين بحقهم في الانفراد بفلسطين.
الركيزة الثالثة: وهي وجود دولة عظمى لها مصلحة في المشروع الصهيوني يقابله الحاضنة العربية الهشة.
الركيزة الرابعة: هو البيئة الدولية التي سيطر سياسا عليها اليهود وكذلك البيئة الإقليمية بل واقتحام العقل العربي ونحن بحاجة إلى بيئة عربية حاضنة ، وبيئة دولية مؤيدة للمشروع العربي. وفي هذا المقام فإن مقارنة الموقف السوفيتي مع العرب مع الموقف الأمريكي والغربي مع إسرائيل به خلل كبير، والآن الروسي العربي يفترق عن الإسرائيلي الغربي..
الركيزة الخامسة هو الإعلام والسيطرة الإعلامية وفرض مصطلحات بالقانون والنفوذ على العقل الأوروبي مثل الهولوكوست كما فرضت الصهيونية على الأمم المتحدة الاحتفال الرمزي في الإعلام الفلسطيني والعربي في المجال الدولي والإقليمي..
كما أن معاداة السامية صارت جريمة تفرضها الدول الأوروبية على الدول الخاضعة لها،
والحق أن الكتاب والمفكرين الصهاينة يبلورون المفاهيم، بينما العرب يتراجعون ياسا وقهرا ولا شك أن الإعلام بالغ الأهمية خاصة الأسلوب الإسرائيلي . فقد كانت القاعدة عند العرب أن الصورة تتحدث عن نفسها، بينما إسرائيل قررت أن تستنطق الصورة كما تريد والمثال الجاهز هو مقتل الطفل محمد الدرة في حضن والده منذ سنوات، فقلبت إسرائيل الميزان بأن استمطرت اللعنات على الوالد أن جاء بطفله إلى منطقة الخطر دون أن تفطن آلة الإعلام الصهيونية أن الدرة كان بجوار منزله في غزة وليس هناك ساحة قتلى خطرة يمكن تجنبها فقد جعلت إسرائيل كل الفلسطينيين هدفا..
وعلى الجانب الآخر، يتداول الإعلام العربي المقاومة ضد إسرائيل بطريقة مخجلة. وهذا يستحق وقفة معمقة.
استاذ القانون الدولي
المستشار القانوني السابق لمنظمة المؤتمر الاسلامي ووزارة الخارجية المصرية

السفير د. عبدالله الأشعل