تركيز ثقل الحرب شبه الدولية في بلاد الشام في ساحات جديدة.... الصين تنضم إلى روسيا في مواجهة الحلف الأمريكي المناهض لدمشق

أربعاء, 2021-07-28 15:10

دخلت الحرب شبه الدولية الدائرة على أرض بلاد الشام منذ منتصف شهر مارس سنة 2011 مرحلة تحول جديدة بعد بلوغ سياسات خصوم حكومة دمشق وأنصارها خاصة في لبنان، والقائمة على الحصار والتجويع ومحاولات إثارة النزاعات المسلحة الطائفية ذروتها. في نفس الوقت يتكبد حلفاء واشنطن وتركيا وتل أبيب العاملين على أرض بلاد الشام سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، مزيدا من الخسائر والنكسات وتتقلص إمكانيات لجوء هؤلاء للتدخل العسكري المباشر على ضوء سلبية النتائج في ثلاثة حروب رئيسية خاضتها الولايات المتحدة وعدد من حلفائها انطلاقا من الفيتنام مرورا بالعراق وأفغانستان.

في حرب الفيتنام فقد الأمريكيون حسب بلاغاتهم الرسمية 57 ألف قتيل و 153 ألف جريح.

ببلاد الرافدين وفي 31 أغسطس من عام 2010، أي مع انسحاب آخر من دفعة مما يوصف بالقوات الأمريكية القتالية من العراق، بلغ عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية 4487 عسكريا، قضى 3492 منهم خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية، بينما بلغ عدد الذين أُصيبوا جراء العمليات 32000 شخص.

هذه الأرقام تم الطعن فيها في الولايات المتحدة نفسها، بسبب حرص إدارة البيت الأبيض على إخفاء الخسائر في صفوف ما يسمى بالمتعاقدين والمتطوعين الاجانب الساعين للحصول على الجنسية الأمريكية عبر الانخراط في قواتها المسلحة. وعلى هذا الأساس تسجل خسائر أكبر كثيرا.

وقد تم التوصل إلى نسبة قتيل واحد مقابل كل سبعة جرحى، وطبقا لعدد الجرحى المسجلين لأغراض الرعاية والتعويض في وزارة المحاربين القدامى البالغ 224 ألفا يكون عدد القتلى 32 ألفا.

نفس الأسلوب يمكن استخدامه لتحديد الخسائر البشرية للجيش الأمريكي في أفغانستان. منذ بدء الحرب ضد طالبان في عام 2001، تكبدت القوات الأمريكية أكثر من 2300 قتيل كما أصيب نحو 20660 جنديا بجراح أثناء القتال.

 

الحصار الأمريكي

 

جاء في بحث نشر في العاصمة اللبنانية بيروت خلال الربع الثاني من سنة 2021:

في إطار مراجعتها لتكاليف الحروب العسكرية قبل احتلال العراق وما بعده، وما تسببه من صعوبة وخطورة متزايدة على مصالحها أولا وعلى مصالح حلفائها ثانيا، وبعد أن كانت القوة العسكرية الهجومية هي الأداة الرئيسية في الإستراتيجية الأمريكية العالمية، والتي استخدمتها لتغيير الأنظمة والتدخل في الصراعات الداخلية وتدمير قدرة الدول التي تهدد سياساتها، عملت الولايات المتحدة على استخدام أدوات جديدة وهي عبارة عن بدائل وخيارات غير عسكرية قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة أمريكيا وبتكاليف وخطورة أقل. ارتباطا بالادعاءات الأمريكية المستمرة بمواجهة التهديدات العديدة والمتنوعة لمصالحها، نجح صناع السياسة في أمريكا في خلق خيارات جديدة لإرغام الدول المستهدفة ومعاقبة أولئك الذين يهددون المصالح الأمريكية في المنطقة.

باختصار مكنت عوامل القوة والقدرة لدى الأمريكي والتي اكتسبها بفضل سياسات الهيمنة والسيطرة والتمدد والتدخل في شؤون الدول، صناع السياسة الأمريكية من استخدام أدوات ارغامية الهدف منها تثبيت ما تبقى من الهيمنة ومعاقبة المتمردين على هذه السياسة وردع أي محاولات تمرد جديدة. من بين أكثر خيارات القدرة على الارغام أهمية وتوفرا للولايات المتحدة هي الحصار وتسليط العقوبات بمختلف الياتها من حظر وإجراءات تضييق على كل منافذ الدولة، الى دعم المعارضة السياسية لأنظمة الحكم في الدول المستهدفة، ودعم الأنظمة التابعة وإدارة مؤسسات أمنية واقتصادية بشكل مباشر في الدول المفككة، والعمليات الهجومية الالكترونية.

على الرغم من ان البعض في الادارات الامريكية المتعاقبة يقر بأن ارغام الدول المستهدفة مثل إيران وسوريا واليمن وفصائل المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، على الاستسلام للسياسات الامريكية قد نجح الى حد ما بسبب قدرة الولايات المتحدة الامريكية على استخدام هذه الأدوات وتفعيلها، ونجاحها أكثر في استخدام أسلوب المراوغة والدبلوماسية الناعمة لإخضاع هذه القوى، الا ان البعض الاخر يعترف بأن أدوات الارغام لا تزال عاجزة عن تحقيق الاهداف الامريكية، بسبب صمود هذه القوى واعتمادها سياسة ردع فاعلة استطاعت أن تعطّل هذا الاستهداف الامريكي في مراحل متعددة، حيث أن بعض المؤشرات خاصة تلك المرتبطة بدول المنطقة كلبنان وسوريا تؤكد على أنّها لا تزال تشكل تحديا متعاظما لخيارات الولايات المتحدة العسكرية وغير العسكرية في منطقة حيوية واستراتيجية.

 

الأدوات

 

لجأت الولايات المتحدة لاستخدام صفوة خبراءها في الشركات الاستشارية الامريكية والمؤسسات المالية الدولية لخلق ظروف تؤدي إلى خضوع الدول التي تستهدفها ومنها دول المنطقة، أي سوريا ولبنان والعراق واليمن. فعملت على تحديد جملة من العناوين لتحقيق أهدافها:

• نخب سياسية ودول تابعة تمتثل للسياسات الأمريكية

انشاء نخب وجماعات داخل المنظومة السياسية في هذه الدول تديرها حكومات عاجزة، لا تمتلك مشاريع إصلاحية واضحة وفعالة، وتعمل فقط على تطبيق التوجهات والسياسات التي تخدمالمصالح الامريكية. يبدو هذا الأمر جليا في لبنان، حيث تعمل النخبة السياسية المؤيدة للسياسات الامريكية على فرض مشروع في الداخل اللبناني يقصي بقية الأطراف السياسية الفاعلة الرافضة للهيمنة الامريكية ومشاريعها التدميرية.

أما في سوريا فيبدو المشهد أكثر تعقيدا بالنسبة للأمريكي، حيث كانت أولوياته رحيل الرئيس الأسد ووضع المتطلبات الأساسية لمرحلة ما بعد الصراع، بما في ذلك المحافظة على مؤسسات الدولة للسيطرة عليها وانشاء نخبة تابعة جاهزة للامتثال للأوامر الامريكية وتنفيذ مشاريعها الاستعمارية، ولعب دور في اقصاء المقاومة ضد اسرائيل بكل اشكالها وفتح المجال للاعتراف والتطبيع مع هذا الكيان. تفيد الدروس المستخلصة من الصراعات الأخيرة، وعلى ضوء الإدارات الامريكية المتعاقبة أن مسائل الأمن والحوكمة وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا تستدعي وجود سلطة مركزية بالدولة، فانهيار الدولة أو تمزقها سيؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في سوريا ودول الجوار والمنطقة ككل. ولكن فرض الولايات المتحدة لعقوبات على سوريا وفي هذه المرحلة بالذات، يبدو أن الهدف منه ليس فقط محاصرة النظام والرئيس الأسد وفرض قيود على مشاريع إعادة الاعمار لما دمرته الة الحرب المدعومة أمريكيا، بقدر ما هو محاولة أمريكية لإقصاء كل المنافسين الإقليميين الاخرين وعلى رأسهم روسيا والصين إضافة الى اٍيران والانفراد بمحاصرة البلاد وفرض مشاريع التقسيم الطائفي والعرقي التي لن تخدم الا أمريكا وحليفتها إسرائيل.

في العراق ايضا لم يختلف الأمر كثيرا فقد عملت الادارات الأمريكية المتعاقبة على إرساء منظومة سياسية تابعة وموالية لها بعد شنها حرب عسكرية مدمرة على العراق ونشر الفوضى والفتنة التي أدت الى حرب أهلية لم ينجح العراقيون في تجاوزها الا بعد مواجهات طويلة، ويظهر جليا أن الأمريكي وعلى الرغم من اعترافه بفشل سياسته العسكرية في العراق الا انه لا يزال يعمل على التدخل في كل مفاصله لاسقاط أي مشروع مقاوم يرفض الوجود الامريكي ويتصدى له في العراق والمنطقة.

اما في اليمن، تحاول الولايات المتحدة الامريكية الدخول على خط مرحلة ما بعد وقف الحرب لفرض مشروع التقسيم والتفتيت على اليمنيين وادارة الصراع الداخلي على النفوذ والسلطة لفرض شروط وخيارات إعادة الإعمار وبناء الدولة وفقا للمصالح الأمريكية.

 

المنظومة الاقتصادية

 

تتدخل الولايات المتحدة الامريكية لتوجيه الشركات والمؤسسات المالية والبنكية في لبنان (مصرف لبنان المركزي) ومن خلال مجموعة من الخبراء لتكون طرفا مباشرا في المواجهة مع البيئة الداخلية المستهدفة علنا، فتحكم الحصار على الدولة والحكومة وتعطل أي مبادرات وطنية لحل الازمات العالقة سياسية كانت او اقتصادية. يشير التحول اللبناني المتسارع بشكل مباشر الى خطورة الصراع والتعقيدات التي يعمل الأمريكي على زرعها في طريق أي مبادرة تسعى للخروج من الازمة من خلال:

– وضع خطط واليات تستهدف العملة الوطنية والقطاعات الحيوية في الدولة.

– اقحام المؤسسات المالية الدولية وعلى راسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لفرض شروط تعجيزية (رفع الدعم على المواد الأساسية، تفكيك القطاع العام، خصخصة المؤسسات الاقتصادية والصناعية، تعويم الليرة…) على الحكومة مقابل تسهيل قروض تحت عنوان مساعدات استعجالية للبنان.

– استخدام المؤسسات المالية الدولية -كأدوات ضغط – لتقديم قروض بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات بشرط قيام المؤسسات التابعة للولايات المتحدة بتنفيذ تلك المشروعات. يعني ذلك، احتكار أمريكي لكل الإمكانات والموارد وعدم السماح لاي دولة او قوة إقليمية أخرى في المنطقة بتقديم العون او الاستثمار في لبنان مثلا او التدخل لفك الحصار على الشعب اليمني والمساهمة في إعادة إعمار البنى التحتية في اليمن، او دعم غزة المحاصرة، او مساعدة سوريا في مرحلة إعادة ترتيب الأوراق السياسية والاقتصادية بعد وقف الحرب.

– في سياستها المالية، تفرض الولايات المتحدة على الدولة المستفيدة من القروض الدولية شروط صعبة لتسديد أصل القرض والفوائد في زمن الازمات، بمعنى اخر تفرض عليها اليات وشروط لسداد الدين دون مراعاة للازمات والصعوبات التي تعيشها. وعليه، يصبح هذا التعثر عن السداد فرصة للولايات المتحدة للهيمنة والسيطرة على موارد هذا البلد وعلى سلطة اتخاذ القرار فيها. واختراق يسمح لها بالتدخل اكثر في مرحلة اخرى للانقضاض على اي حلول وعرقلتها وتنفيذ خططها لاسقاط الدولة ونشر الفوضى وتحريك النعرات والحروب الاهلية.

 

ارباك الدول

 

عجز الدول والكيانات المستهدفة أمريكيا وتعثرها عن سداد القروض الدولية وارتفاع منسوب المديونية والتضخم والعجز التجاري، كلها مرادفات لصناعة أمريكية بامتياز هدفها الأساسي اسقاط الدول او كما تقر الاستراتيجية الامريكية، تغيير سلوكها، لكن، إذا فشلت الولايات المتحدة في تحقيق ذلك فإنها تذهب الى خيارات أخرى أشد خطورة وهي:

– التحريض والشيطنة ضد من تعتبرهم الولايات المتحدة متمردين على سياساتها وبكل الوسائل اعلامية كانت او سياسية او امنية او استخباراتية.

– نشر الفوضى واستغلال هشاشة البيئة الداخلية لتمرير عناوين طائفية ومذهبية هدفها استنزاف بيئة المقاومة وارباكها.

– ضرب الامن والاستقرار من خلال الذهاب الى خيار الاغتيالات اٍما لإرباك الجبهة الداخلية وتوتير الأوضاع، واٍما لاستهداف بنى المقاومة وتفكيك روابطها، لإخضاع هذه الدول والسيطرة عليها بعد تدميرها داخليا.

– الذهاب الى خيار الحرب الاهلية من خلال زرع الفتن في بيئات هشة وغير متجانسة لإسقاط الدولة لاستنزاف قوى المقاومة ماديا وبشريا. فعند تفاقم الازمات الداخلية وعجز دول المنطقة عن مواجهتها، تصبح الساحة مفتوحة للأمريكي للدخول على خط الانقلابات والفوضى والصراعات الاهلية، وقد حصل ذلك في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

 

الحرب الاقتصادية

 

العقوبة هي أداة للسياسة الخارجية والضغط الاقتصادي. تمتلك الولايات المتحدة انواع مختلفة من العقوبات، في حين أن بعضها يستخدم على نطاق أوسع من البعض الآخر، فإن الهدف العام لكل منها هو فرض تغيير في السلوك على الدولة او الجهة المستهدفة. يمكن أن تتخذ العقوبات أشكالاً عديدة، كما يمكن أن تمارس بعدة طرق ويبدو أن الولايات المتحدة نجحت الى حد ما في تأطير العديد من الاجراءات التعسفية لمحاصرة هذه الدول اقتصاديا وارهاقها من خلال تفعيل الحصار الشامل بتجميد اصول هذه الدول او مصادرتها واصدار قوانين واتخاذ اجراءات تنفيذية (قانون سيزر) لتفعيل قيود مشددة تمنع الدول من التعامل مع سوريا ولبنان وايران مثلا، ومنع الشركات والمؤسسات من المشاركة في مشاريع اعادة الاعمار في سوريا، والهدف بكل تأكيد هو اسقاط الدولة واضعاف النظام الحاكم وارغامه على الرضوخ للشروط الامريكية.

في لبنان يبدو الوضع أكثر تعقيدا، حيث تعمل الولايات المتحدة على ادارة “حصار صامت لكنه معلن” يستهدف الدولة والمقاومة وبعناوين مختلفة. تصنف هذه العقوبات الامريكية بأنها احادية الجانب وهي الاكثر خطورة لأنه تم سنها من قبل قوة اقتصادية نافذة ومسيطرة في العالم، قادرة على الاستهداف ولديها الإمكانيات لتحقيق ذلك..

 

تأثير العقوبات

 

تستغل الولايات المتحدة الامريكية العديد من الثغرات داخل الدول المستهدفة لاختراقها ومحاصرتها، وتتمثل هذه الثغرات في جملة من الازمات الناتجة عن الحروب الاهلية او الصراعات الاقليمية التي شهدتها هذه الدول (لبنان، العراق، اليمن، سوريا)، والتي سهلت الاختراق الامريكي الذي لعب على ورقة الحروب والصراعات لتنفيذ خططه، اضافة الى الاخلالات الاقتصادية والتي تتعلق بفشل البرامج الاقتصادية والمشاريع الانمائية وغياب التخطيط الفاعل بسبب بيروقراطية السلطة الحاكمة، وفسادها، وعدم شفافيتها (لبنان)، اضافة الى الاخلالات الاجتماعية والمتمثلة في التفكك الاجتماعي وفشل السلطة الحاكمة في بلورة منظومة اجتماعية موحدة قائمة على عقد اجتماعي جامع لكل الاطياف والاخلالات السياسية المرتبطة بازمة الحكم والسلطة والنظام في هذه الدول (لبنان مثالا).

إذا كانت بعض الحكومات في دول المنطقة تعاني بالأساس من أزمات عديدة ومتنوعة أولها الفشل السياسي في إدارة الازمات وصنع القرار، الى جانب فقدان الميثاقية مع شعوبها واخلالها بوعودها، وانهيار القطاعات الحيوية القادرة على تغطية الثغرات الحاصلة كما في لبنان والعراق، إضافة الى تأخرها في مواجهة تحديات ما بعد وقف الحرب كما في سوريا واليمن، فان تشديد الحصار عليها سيزيد من احتمالية تعرض البلد المستهدف لعبء اقتصادي كبير وازمات طويلة. بالمبدأ، هذا هو الرهان الأمريكي، لكنه رهان قائم على اضعاف الدولة وكسر صمودها لتصبح دول تابعة مرهونة لسياسات الادارة الامريكية، لكنه ايضا يرفض انهيارها كليا. انها الحسابات الامريكية التي تكسر العصا ولا ترميها بل تستمر في توظيفها خدمة لمصالحها.

يحاول الحصار احداث وتعميق الاخلالات بنيوية، تضرب الكيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة المستهدفة، وتفكك بنيتها التحتية لتضع محلها أدوات ضعيفة لا تمتلك برامج ولا خطط إصلاحية واضحة، بل مؤهلة فقط للدخول في نزاعات وصراعات على السلطة والنفوذ.

تستخدم الولايات المتحدة العقوبات كأداة اكراه للتأثير على خيارات الدول المستهدفة لكنها تستهدف الأفراد ايضا، مثل الشخصيات السياسية أو رجال الأعمال والعسكريين. يرجح استخدام هذا النوع من استراتيجية العقوبات عندما تتنامى القوة السياسية والاقتصادية في أيدي مجموعة صغيرة نسبيًا من الأفراد الذين تعتبرهم الولايات المتحدة عائقا كبيرا امام تحقيق خططها بل قد يشكل وجودهم وحضورهم على الساحة تهديدا واضحا لمصالحها. ومن هنا بدأت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في استهداف شخصيات بعينها، سواء بفرض الحظر على حرية التنقل والممتلكات، او قيادات وشخصيات سياسية وحزبية مقربة من خصوم واشنطن في لبنان. يبدو أن فرض العقوبات على الأفراد لم يقف عند حد الحظر بل تجاوزه ليطال الاستهداف المباشر بالاغتيال والقتل لبعض الرموز المقاومة في المنطقة.

يتسبب الحصار الأمريكي بنوع من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي ينتج عنه دولة فاشلة، ويتحمل مواطنوه في نهاية المطاف معاناة البلد المستهدف.

يمكن للعقوبات أن تزيد التكاليف على المستهلكين والشركات في البلدان التي تصدرها، لأن الدولة المستهدفة تتراجع قدرتها على شراء السلع، مما يؤدي إلى خسارة اقتصادية من خلال البطالة، وكذلك خسارة الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، ستقلل الدولة المصدرة من اختيار السلع والخدمات التي يمتلكها المستهلكون المحليون، وقد تزيد تكلفة ممارسة الأعمال التجارية للشركات التي يجب أن تبحث في أماكن أخرى عن الإمدادات.

 

أهداف الحصار

 

ثبت أن العقوبات الأحادية الجانب اقل فاعلية من العقوبات المتعددة الأطراف، وان معدل فاعليتها منخفض مقارنة بغيرها، وعليه، إذا تم فرض عقوبة من جانب واحد، يمكن للبلد المستهدف (سوريا، لبنان، اليمن…) استخدام طرف ثالث لكسر الحصار وفك الحظر المفروض، ويمكن الإشارة هنا الى الدور الروسي وكذلك الصيني في اختراق العقوبات الامريكية المفروضة على سوريا ولبنان.

في كثير من الحالات، تسببت العقوبات في أضرار اقتصادية دون تغيير سياسات الدولة المستهدفة وأكبر دليل على ذلك فشل الإدارات الامريكية المتعاقبة في تغيير سلوك وتوجهات كل من الدولة والنظام في إيران وسوريا وفي لبنان واليمن.

اٍن العقوبات في نهاية المطاف هي أدوات اكراهية يستخدمها صناع السياسة الخارجية الامريكية، ولأنها تفترض مسبقًا أن الضرر الاقتصادي سيؤدي إلى نوع من الضغط السياسي الذي سيفيد الدولة المحرضة أي الولايات المتحدة، فهي تصطدم في كل الحالات بصمود من قبل الجهات المستهدفة التي تعمل هي أيضا على انشاء شبكات وعلاقات ونظم اجرائية لحماية ولتحصين نفسها من الاختراقات الامريكية.

 

فضائح

 

خلال الربع الأخير من شهر يوليو 2021 أظهر تقرير استقصائي نشر في بريطانيا أن حكومة لندن أنفقت خلال السنوات الخمس الممتدة من 2015 إلى 2020 ما يساوي 350 مليون جنيه إسترليني، ما يعادل نحو 477 مليون دولار لتعزيز التنظيمات المسلحة في سوريا.

وجاء في التقرير الذي أعدته مؤسسة البحوث الاستقصائية البريطانية Declassified ونشره موقع “ديلي مافريك” أن الحكومة استخدمت مؤسسة مثيرة للجدل اسمها “صندوق وايتهول الصراع والاستقرار والأمن” (CSSF)، ومولت من خلاله عشرات المشاريع في سوريا لدعم ما أسمته “المعارضة المسلحة المعتدلة” وتثبيت سيطرتها في المناطق التي خرجت عن سيطرة دمشق وفي الترويج لها إعلاميا.

ولا يقدم “صندوق وايتهول للنزاع والاستقرار والأمن”، الذي تم من خلاله تمويل المشاريع منذ العام 2015، تفاصيل كاملة عن برامجه. لكن مؤسسة Declassified وثقت في تقريرها، الذي أعده رئيس تحريرها مارك كيرتس، تمويل 13 مشروعا لدعم التنظيمات المسلحة السورية بقيمة 215 مليون جنيه إسترليني في السنوات الخمس الماضية لوحدها.

ويشير التقرير إلى أن من هذا المبلغ جاء ما لا يقل عن 162 مليون جنيه إسترليني منه من ميزانية المساعدة البريطانية التي تدعي الحكومة أنها تهدف إلى “هزيمة الفقر ومعالجة عدم الاستقرار وخلق الرخاء في البلدان النامية”، علما أن هذه الأموال منفصلة عن برنامج المساعدات الإنسانية البريطاني في سوريا.

الصحفي البريطاني إيان كوبين كشف أن الحكومة البريطانية كانت “تشن حربا إعلامية” في سوريا من خلال تمويل أنشطة إعلامية لبعض الجماعات المقاتلة المتمردة. فيما تظهر وثائق CSSF أن بريطانيا سعت إلى استخدام “الاتصالات الإستراتيجية لتعزيز ما تصفه بالأصوات المعتدلة وتقديم روايات بديلة ومعتدلة تعارض وتقوض روايات النظام. وربما لا تزال بعض هذه المشاريع قيد التشغيل. أحدها بعنوان “برنامج سوريا المستقبل”، والذي بلغت قيمته 6.96 مليون جنيه إسترليني من 2019-2021. ومع أن وزارة الخارجية تموله إلا أنه لم يتضح من يدير الحملة.

 

تداعيات إقليمية أوسع

 

نهاية شهر يونيو 2021 كتب المحلل الفرنسي ألكسندر لانغلوا، في تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنتِرِست" الأمريكية، أنه في خضم الشرق الأوسط المضطرب، وجدول الأولويات المتزاحم للمجتمع الدولي، تحول لبنان تقريبا إلى دولة فاشلة.

ويضيف لانغلوا، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا، أنه بسبب تشعب وتعقد صلاته بالإقليم فإن انهياره اقتصادياً وبالتالي سياسياً سيكون له تداعيات إقليمية يجب على زعماء العالم الاعتراف بها ومعالجتها لمنع مأساة قد تمتد إلى ما وراء حدود لبنان.

ويقول أيضاً أن حجم القضايا السياسية والاقتصادية في لبنان يشير إلى المخاطر الكامنة في تجنب هذه القضية، مشيراً إلى تقرير للبنك الدولي صدر مؤخراً وجاء فيه "من المرجح أن تكون الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان ضمن أقصى الأزمات العشر حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وربما ضمن الأزمات الثلاث الأولى".

ويرى الباحث أن المقاييس الاقتصادية لا تكذب: فقد انخفض إجمالي الناتج المحلي للبنان بنحو 40 في المئة بين عامي 2018 و2020، وارتفع معدل البطالة من 28 في المئة في فبراير 2020 إلى 40 في المئة في ديسمبر 2020، ووصلت الليرة اللبنانية إلى سعر صرف حقيقي بناء على أسعار السوق السوداء يجاور17 ألف ليرة أمام الدولار الأمريكي، كما انخفضت واردات البضائع بنسبة 45 في المئة حيث رفع التضخم مخزون العملة المتداولة بسبب طباعة الليرات بنسبة 197 في المئة. ونتيجة لذلك، يعيش الآن أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.

ويحدد التقرير الأزمة بأنها "الكساد المتعمد". وهذا المصطلح يعود إلى عدم قيام الطبقة الحاكمة في لبنان بجهد يذكر لمعالجة القضايا الهيكلية وراء الأزمة، والتي تجسدت بأفضل صورة في الفشل في تشكيل حكومة على مدار أكثر من ثمانية أشهر. كما عملت الشخصيات السياسية في لبنان من أجل الاحتفاظ بنظام المحسوبية الذي يثريها، لأن الإصلاحات الهيكلية الجادة من شأنها أن تؤدي إلى تقويض حجم ما ينهبون من البلاد. والنتيجة: جمود سياسي مصطنع يضر فقط باللبنانيين.

ونظرا لدرجة الاضطراب الاجتماعي الناجم عن انفجار الأزمة في أكتوبر عام 2019، أصبح من الصعب بشكل متزايد القول أن لبنان لا يتجه نحو الانهيار والصراع اللاحق.

وقد ازداد الصراع الطائفي والعرقي في ظل تصلب الأحزاب السياسية في خطوط الانقسام على طول شبكات المحسوبية. ويصح هذا بشكل خاص في تعميق الشكوك بين المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين.

 

كبش فداء

 

وتكمن هنا الصلة الإقليمية والقضية الأوسع نطاقاً، وهي أحد العوامل الخارجية لعدم استقرار الدولة، حسب المحلل، الذي يرى أنه لا يمكن إلقاء اللوم على اللاجئين السوريين فيما يواجهه لبنان من مشاكل حاليا، حيث تقدم الحكومة اللبنانية لهم الحد الأدنى من الخدمات في المقام الأول، تحصل مقابلها على منح من الخارج.

لكن وجودهم وفر لبعض النخب السياسية كبش فداء لتأجيج عدم الاستقرار بين المجموعات الطائفية.

وعلاوة على ذلك، فإن أزمة العملة في سوريا ناجمة بدرجة كبيرة عن أزمة العملة اللبنانية، والعكس صحيح.

يذكر أنه منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية التي دارت بين سنة 1975 و سنة 1990 والتدخل السوري في لبنان، فإن عدم الاستقرار داخل إحدى الدولتين يمتد إلى جارتها.

 

بكين في مواجهة واشنطن

 

تشير عدد من مصادر الرصد الغربية أن واشنطن وحلفائها أصبحوا يواجهون خصما قرر أن يبرز تحديه العلني لمحاولات إسقاط دمشق، وهذا الخصم هو الصين التي بقدراتها الاقتصادية الضخمة تكمل مع روسيا المعادلة الاستراتيجية غير الموالية للغرب في بلاد الشام.

فيوم السبت 17 يوليو 2021 أكد وزير خارجية الصين وانغ يي خلال اجتماع مع الرئيس السوري في دمشق، أن بلاده تعارض أي محاولة للسعي لتغيير النظام في سوريا وستعزز التعاون متبادل المنفعة مع سوريا. 

وأشاد وانغ بالإنجازات التي حققتها سوريا في محاربة الإرهاب ومعارضة التدخل الخارجي، مضيفا أن التدخلات الخارجية الفاضحة في سوريا فشلت في الماضي ولن تنجح في المستقبل.

وقال وانغ إن الصين تقدر دعم سوريا الثابت في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والشواغل الرئيسية للصين، مضيفا أن الصين مستعدة للتعاون مع سوريا في دفع الصداقة التقليدية قدما وتعزيز التعاون متبادل المنفعة من أجل مصلحة الشعبين.

في لندن وفي نطاق الحملات الموجهة ضد سوريا كتبت ٍصحيفة "الغارديان" تقريرا عن الدور الصيني في إعادة إعمار سوريا.

وينطلق التقرير الذي كتبه مراسل الغارديان في الشرق الأوسط، مارتن تشولوف، من أن الضيف الأجنبي الأول الذي زار دمشق حين أدى الرئيس السوري بشار الأسد اليمين يوم السبت 17 يوليو، كان وزير الخارجية الصيني وانغ يي.

ويقول تشولوف إن وانغ “أيد فوز الأسد في انتخابات مايو التي وصفتها بريطانيا وأوروبا بأنها “غير حرة ولا نزيهة”، معلنا عن مساعدة الصين في بدء مهمة إعادة الإعمار.

ويقول التقرير إن “حصة الصين البارزة في سوريا ما بعد الحرب، كانت مباشرة من قواعد اللعب في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، وكذلك في آسيا وأفريقيا، وهي: استثمارات غير متوقعة مقابل الحصول على مدخل إلى المحلي مع غطاء عالمي”.

لكن التقرير يضيف استنادا إلى محللين ودبلوماسيين أنه “حتى في ظل الهدوء النسبي، فإن سوريا لن تقدم سوى عوائد ضعيفة لسنوات مقبلة”.

وذكر تشولوف إن “إعادة الإعمار كانت أساسية في خطط حليفتي سوريا، روسيا وإيران. والآن الصين التي حافظت على سياسة أقل انخراطا في معظم القتال، تستشعر الفرصة”.

ويوضح أن “نجاحات الصين في الشرق الأوسط كانت ثابتة وحذرة، وامتدت إلى الاستحواذ على حصص في حقول النفط العراقية وفي البنية التحتية الحيوية لدولة الإمارات العربية المتحدة”.

ويرى مراسل الغارديان أنه في وقت تغادر الولايات المتحدة أفغانستان، وتستعد لمغادرة العراق، وبعدما تخلى دونالد ترمب فجأة عن شمال شرق سوريا قبل 18 شهرا، “بدت بقية البلاد وكأنها مغنما سريعا للدبلوماسيين الصينيين”.

بيد أنه يخلص إلى أن سوريا ما زالت ممزقة وغير متصالحة، حيث تحتفظ روسيا بحصة مهمة في شمالها الشرقي بينما تمتلك تركيا نفوذا في مناطق الشمال الغربي الخارجة عن سيطرة دمشق، ولا يمتلك النظام سوى سيطرة محدودة على موارد البلاد الطبيعية وقد طلب مرارا المساعدة من العراق ويحاول الحصول على النفط من لبنان أيضا، مضيفا عبئا أخر لأزمات الوقود في لبنان.

وقد أعلن الرئيس السوري يوم السبت تأييده لمشروع “الحزام والطريق” الصيني. وتعليقا على هذه الخطوة، نقل التقرير عن دبلوماسي شرق أوسطي قوله إنه “يجب على الصين أن تلقي نظرة حواليها. إنهم يعتقدون أن هذا حزام وطريق. لكن هذا مجرد وهم. فسوريا استثمار ضعيف بالنسبة لهم”.

 

تغييرات تكتيكية

 

جاء في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في 24 مارس 2021:

مع إشارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى فشل السياسة الأمريكية في سوريا على مدار فترة الصراع التي مضى عليها 10 سنوات، لا يبدو أن هناك خطة سياسية أمريكية واضحة. كما تشير تقديرات أمريكية عديدة إلى أن الإدارة لا تمنح أولوية للصراع السوري.

من المتصور أن حسابات الوجود الأمريكي في سوريا تبنى على عدد من الاعتبارات والدوافع ومنها:

1- معالجة الخلل في موازين القوى: كأولوية استراتيجية، تسعى القوات الأمريكية إلى الضغط على نظيرتها الروسية بهدف الحد من مساعي تمدد الأخيرة في مناطق شرق وشمال شرقى البلاد، حيث تتواجد 13 نقطة تقريباً بعضها لقوات روسية على أطراف مناطق الانتشار العسكري التركي في الشمال الشرقي، وبعضها الآخر بطول الفاصل بين شرقى وغرب الفرات، وتحديداً عن منطقة الرقة، والمجموعة الثالثة تلتقي عند دير الزور، وكثيراً ما حدثت احتكاكات بين الطرفين تشير إلى مستوى التقارب في المسافات بين تلك القواعد. كذلك من المتصور أن الولايات المتحدة بصدد التعامل مع طبيعة الانتشار العسكري التركي في شمال سوريا، ووفقاً لخريطة الانتشار، فإن 20 تمركزاً عسكرياً أمريكياً من إجمالي نقاط التمركز العسكري المنفصلة والمشتركة مع التحالف الدولي توجد في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" .

2- منع التمدد الإيراني شرق الفرات: وهو القاسم المشترك في أغلب التصريحات الأمريكية، حيث يرى المسئولون الأمريكيون أن خروج القوات الأمريكية تنفيذاً لقرارات الإدارة السابقة سيصب في صالح إيران التي ستعمل على التمدد في الفراغ في مناطق شرق الفرات، ما قد يوفر فرصة لمعادلة موازين قوى جديدة لن تكون في صالح واشنطن وحلفائها هناك بينما سيضاعف من النفوذ الإيراني في تلك المناطق، على حساب مساحة انتشار التحالف الغربي والأكراد، حيث أن إخلاء القوات الأمريكية من شرق الفرات سيخفض وجود قوات التحالف الدولي إلى أقل من ثلث مستوى الانتشار، وسيسمح للمليشيات الإيرانية بتطويق مناطق الأكراد ومحاصرتها.

إجمالاً، يمكن القول إن الإدارة الأمريكية الجديدة تراهن على توظيف مساحة الانتشار العسكري التي لن تزيد ولن تنقص لكن يمكن تحسين وضعها على مستوى القدرات والإمكانيات، أملاً في أن يسهم ذلك في تغير نظرة الأطراف المعارضة للوجود العسكري الأمريكي في سوريا، والتي ترى بدورها أن واشنطن لا تمتلك رؤية استراتيجية تجاه سوريا. وفي واقع الأمر، فإن واشنطن في المقابل لم تقدم رؤية استراتيجية لسوريا بقدر ما تعكس تحركاتها نوايا مفادها أنها تعمل على تثبيت أقدامها فقط للتكيف مع التطورات التي يمكن أن تأتي بنتائج عكسية حال ما قررت مغادرة سوريا.

 

سباق تسلح

 

بينما تسعى واشنطن للتأقلم مع التطورات على ساحة بلاد الشام تواجه حليفتها إسرائيل مزيدا من المتغيرات السلبية، فالجيش السوري يوسع سيطرته في الجنوب بعد تعديل تفاهمات حكومة دمشق في منطقة درعا وبالتالي يقترب بشكل أكثف وبقوات كبيرة من منطقة هضبة الجولان التي لا تزال إسرائيل تحتل ثلثيها، وعلى صعيد آخر تتقلص قدرات القوات الإسرائيلية في توجيه ضربات ضد أهداف في سوريا.

فيوم 22 يوليو 2021 قال نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، اللواء البحري فاديم كوليت، إن "مقاتلتين إسرائيليتين من طراز "إف 16" أطلقت من المجال الجوي اللبناني بين الساعة 1:11 و1:19 في 22 يوليو 4 صواريخ موجهة إلى مواقع في محافظة حمص". 

وأضاف أن "جميع الصواريخ الـ 4 تم تدميرها من قبل أنظمة "بوك إم 2 إي" الروسية الصنع، والتابعة لقوات الدفاع الجوي السورية".

وفي وقت سابق أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا أن الدفاعات الجوية السورية أسقطت 7 صواريخ من أصل 8 أثناء الغارة الإسرائيلية يوم 19 يوليو.

على مدى سنوات الحرب شبه الدولية في بلاد الشام استخدمت تل أبيب أحدث ما أنتجته المصانع العسكرية الأمريكية وخاصة الصواريخ التي تطلق من الطائرات أو من منصات أرضية وكذلك القنابل الموصوفة بالذكية. وخلال هذه السنوات كان خبراء الجيش الروسي يخوضون سباقا مع نظرائهم الأمريكيين عبر عمليات الجيش الإسرائيلي للتغلب على التقنيات الأمريكية، ومع مرور الوقت تمكن الخبراء الروس من تحسين قدرات تصدي أسلحتهم المضادة للصواريخ والقنابل الذكية فوصلت فعاليتها إلى حوالي 50 في المئة منتصف سنة 2019، وتصاعدت الفعالية سنة 2020 إلى ما بين 65 و 70 في المئة، وأخيرا وصلت نسبة القدرة على التصدي إلى ما يقرب من 95 في المئة بداية صيف سنة 2021. والواقع أن السباق بين الخبراء الأمريكيين ونظرائهم الروس مستمر وكل طرف كما هو الشأن في كل مجالات التسلح يحاول التفوق على الخصم بإضافة مكون جديد لمعداته الموجودة أو صنع أصناف جديدة. 

ويشير خبراء في هذا الإطار كيف تبقي الولايات المتحدة على طائراتها القاذفة من طراز ب 52 في أسطولها الحامل للأسلحة النووية والتي دخلت الخدمة في عقد الستينيات من القرن الماضي وذلك بعد أن أدخلت تحديثات عليها.

حول هذا الموضوع علقت مجلة “ميلتاري واتش” العسكرية الأمريكية المتخصصة بالعتاد والسلاح خلال الأيام الأخيرة من شهر يوليو 2021، وذكرت أن الضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل على سوريا يوم الاربعاء 21 يوليو واجهت رد فعل جديد، حيث نشر الجيش السوري أحدث نظام دفاع جوي روسي الصنع “بوك إم 2”.

وبحسب المصادر العسكرية، نجحت الدفاعات الجوية السورية بإسقاط الصواريخ الإسرائيلية من نوع جو أرض مجهولة التصنيف وحيدتها.

ونقلت المجلة عن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، اللواء البحري فاديم كوليت، تأكيداته بشأن قيام الدفاعات الجوية “بوك إم2” باعتراض 4 صواريخ إسرائيلية وإسقاطها.

وأكد اللواء كوليت أن “جميع الصواريخ الـ 4 تم تدميرها من قبل أنظمة “بوك إم 2 إي” الروسية الصنع، والتابعة لقوات الدفاع الجوي السورية”.

وبحسب المجلة، أثبتت منظومة “بوك إم 2” كفاءتها وقدرتها العالية منذ دخولها الخدمة الفعلية في منتصف العقد الأول من القرنالحادي والعشرين وقد أثبتت مرارا وتكرارا فعاليتها العالية في القتال.

ويمتلك الجيش السوري، بالإضافة إلى هذه المنظومة، نظام “إس 300” بعيد المدى والذي بدأ تشغيله لأول مرة لدى القوات الروسية في عام 1997 ثم جرى تحديثه لاحقا بشكل متواصل.

 

عمر نجيب

[email protected]