زافترا: واشنطن استخدمت تقنيتها بقصف ارامكو في اغتيال سليماني!

ثلاثاء, 2020-01-14 02:00

نشرت صحيفة “زافترا” مقالا للكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر تناول آخر مستجدات المنطقة على خلفية المواجهة الإيرانية الأمريكية.

 

وجاء في المقال: عشية رأس السنة، وقع حادث كاد يفضي إلى كارثة رهيبة. هاجمت مقاتلات الـ F-16 الأمريكية خمسة معسكرات لقوات الحشد الشعبي الشيعية في العراق وشرق سوريا، ما أسفر عن مقتل حوالي 30 شخصا، وإصابة أكثر من 50 آخرين. صرح الأمريكيون وقتها، أن الغارات نفذت انتقاما لمقتل أحد المتعاقدين مع الجيش الأمريكي، في قصف لقاعدة أمريكية في منطقة كركوك. وكان مجهولون قد قاموا بقصف تلك القاعدة، وذهب كثير من المراقبين العرب في المنطقة، أنه من المحتمل أن يكون الأمريكيون أنفسهم، هم من نظموا هذه الواقعة الاستفزازية، للحصول على ذريعة للهجوم على معسكرات تدريب للحشد الشعبي، التي يقوم بالتدريب فيها ضباط إيرانيون بشكل أساسي.

 

لا شك أن غياب أي تعاطف ما بين الضباط الإيرانيين والسياسيين الأمريكيين هو أمر معروف، إلا أن السبب الأكثر جدية للغارات الأمريكية، من وجهة نظري، هو مشروع القانون، الذي كان قد قدم للبرلمان العراقي بشأن الانسحاب الفوري للقوات الأمريكية، أو دعنا نقول بشكل أكثر دقة، طرد هذه القوات من العراق. وبما أن قوات الحشد الشعبي، وغيرها من القوى السياسية الشيعية يسيطرون على أغلبية البرلمان العراقي، تبدو الغارات الأمريكية محاولة يائسة جديدة من جانب السياسيين الأمريكيين، لإرهاب شعوب الشرق الأوسط، باستخدام القوة الغاشمة بهدف الضغط على الشعوب المحبة للحرية.

 

كادت تلك الغارات أن تؤدي إلى كارثة. فقد جاءت الغارات الأمريكية في نفس الوقت بالتحديد الذي كانت تجري فيه مناورات ثلاثية مشتركة للقوات البحرية الإيرانية والصينية والروسية في الخليج. ومع الوضع في الاعتبار أن السلطات الإيرانية كانت قد أعلنت رسميا، أنها سوف تتعامل مع أي طائرات لدول أخرى في منطقة المناورات كعمل عدائي، فإن دخول أي طائرة في مجال المناورات كان سوف يتسبب في إسقاطها. صحيح أن الطائرات الأمريكية لم تحلق في مجال المناورات، لكن دعنا نتخيل حدوث خطأ ما، تسبب في دخول المقاتلة F-16، إلى حيث لا يجب أن تكون. وإسقاط مقاتلة أمريكية، كما نعلم جميعا، “ذريعة حرب” كافية، لإشعال حرب شاملة ودموية، باستخدام أحدث وسائل التدمير.

 

كان المرء ليظن أن واقعة كهذه كافية لإدراك المخاطر الأمريكية على المنطقة وتقييمها. لكن الولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على ذلك، أقدمت على خطوة أكثر خطورة في المنطقة، خطوة يمكن أن يكون لها عواقب مأساوية بعيدة المدى، حيث قامت القوات الجوية الأمريكية، بالتزامن مع احتفالات العالم المسيحي برأس السنة، 2 يناير الجاري، بغارة على مطار بغداد، وقتلت 11 عسكريا إيرانيا، كان من بينهم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الفريق قاسم سليماني، ونائب قائد قوات الحشد الشعبي العراقية، أبو مهدي المهندس، وغيرهما من كبار الضباط الشيعة.

 

لم يكن قاسم سليماني أحد جنرالات إيران الأكثر احتراما فقط، بل كان بطلا قوميا في البلاد. وكان موضع تقدير، ليس فحسب من قبل قيادة بلاده، وإنما من قبل المجتمع الشيعي في جميع بلدان الشرق الأوسط. كانت تكتب له القصائد والأغاني وتسمى الجوائز الرياضية باسمه، ولعب دورا كبيرا في هزيمة داعش، وفي تشكيل تحالف روسيا وتركيا وإيران لمكافحة الإرهاب الدولي. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدّعي السعي دائما إلى القضاء على الإرهاب الدولي، فإن اغتيال جنرال موهوب، يشاركها هذه المسعى، كان بحق جريمة نكراء.

 

لقد ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كان شخصيا من أعطى الأوامر للجيش بمداهمة موكب سليماني  المتجه من المطار إلى بغداد. وتذهب أغلبية تكهنات السياسيين حول السبب في اتخاذ الرئيس الأمريكي قرارا بقتل ممثل للقيادة الإيرانية على هذا المستوى الرفيع في سوريا والعراق، إلى أنه رأى ذلك مفيدا لحملته الانتخابية. في ذلك لا يبدو ترامب راغبا في أن يحيد عن التقاليد الأمريكية العريقة، بأن يكون لكل رئيس “حربه الخاصة”، التي يصعب عليه النجاح في الانتخابات الرئاسية بدونها.

 

ولكن، حتى لو أخذنا في الاعتبار “دوافع” كهذه، فإن أحدا لا يستطيع أن يعتبر ذلك التصرف خطوة عقلانية. فاغتيال بطل قومي لبلد يملأ أغلبية سكانها  الاعتزاز والكبرياء وحب الحرية، واغتيال شخص، قد أصبح رمزا للرجولة والصلابة والإرادة بالنسبة للشيعة في جميع أنحاء العالم، حتما سيثير ردود فعل غاضبة في عدد من البلدان، ناهيك عن إيران نفسها. لقد أعلنت القيادة الإيرانية فعليا، أن اغتيال بطلها يستدعي الانتقام، وأنه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن تدفع ثمنا مضاعفا لعمليتها الإرهابية، وأنها سوف ترد “في الوقت والمكان المناسبين”.

 

وبحصر عدد القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وقرب بعض حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من إيران، لا يسع المرء إلا أن يتذكر الحكمة القديمة: “إذا كان بيتك من زجاج، فلا تقذف الناس بالحجارة”. وهذا أمر، بالمناسبة، يفهمونه في أوروبا. لذلك أدلى عدد من السياسيين في ألمانيا وفرنسا ودول أخرى بتصريحات، اعتبروا فيها العمل الذي أقدم عليه ترامب خطوة خطيرة، قد تضع الشرق الأوسط على شفا الحرب.

 

يعتقد معظم الخبراء الغربيين في الشرق الأوسط، أن ما قام به ترامب هو خطوة استعراضية، ليوضح للعسكريين الإيرانيين، أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على التخلص من أي شخص يقف عقبة في طريقها. لكن استعراضا من هذا القبيل، قد يكون له أثر عكسي تماما. فبالنسبة للقادة الإيرانيين، ولزملائهم من الشيعة المحليين في سوريا والعراق، يعني هذا النوع من الإرهاب، ضرورة الرد، بما في ذلك توجيه ضربات للقواعد الأمريكية وحلفاء أمريكا في المنطقة، حتى يصبحوا هم أيضا ضحايا للإرهاب الأمريكي.

 

إن المجتمعات الشيعية في لبنان وسوريا واليمن ودول عربية أخرى الآن تموج بالغضب، وخرجت مظاهرات عنيفة في إيران نفسها، دعا خلالها المتظاهرون وقيادات في البلاد إلى الانتقام، وإنزال عقاب قاس بالقتلة والمجرمين. من جانبه وعد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بأن يدفع الأمريكيون ثمن جريمتهم لفترة طويلة. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يلقى باللوم على دونالد ترامب، سوى الزعماء الديمقراطيون، الذين كانوا قد صوتوا من قبل، في مجلس النواب الأمريكي، لصالح إحالة إجراءات عزل الرئيس إلى مجلس الشيوخ. في الوقت نفسه، فمن غير المرجح أن يكون لدى بقية الشعب الأمريكي أدنى فكرة عن هوية الجنرال، قاسم سليماني، حيث تفضل وسائل الإعلام الأمريكية التزام الصمت بشأن ما يعتبرونه غير ضروري بالنسبة للمواطنين الأمريكيين.

 

بل يساورني الشك في أن الإعلام الأمريكي قد أبلغ مواطنيه مثلا، أن البرلمان العراقي قد أقر قانونا، يفترض أن تنسحب بموجبه القوات الأمريكية من العراق، وهو ما يعني أن وجود تلك القوات على الأراضي العراقية هو أمر غير قانوني، ومجرّم من وجهة نظر مواطني هذه الدولة. لكن الرئيس الأمريكي صرّح بأنه لن يسحب قواته من العراق، قبل أن يدفع العراقيون للولايات المتحدة الأمريكية تكلفة إنشاء القاعدة التي بناها الأمريكيون هناك. وأنا أدعو القارئ هنا لكي يلاحظ ويزن درجة العبث في هذا التصريح. لقد قام الأمريكيون بغزو العراق بذريعة زائفة، وقتلوا حوالي مليون من سكان هذا البلد، ودمروا وأفلسوا الدولة بعد أن قتلوا زعيمها، وكثير من نخبها السياسية والعسكرية، والآن، وبعد هذا كله، يطالبون بثمن القاعدة التي بنوها بأنفسهم، لصالح جيش الاحتلال الأمريكي. هل يوجد ما هو أكثر وقاحة وصلفا وعجرفة من ذلك؟

 

في الوقت نفسه، دعت السفارة الأمريكية في العراق جميع المواطنين الأمريكيين، ممن لا يرتدون الزي العسكري، إلى مغادرة البلاد، ومن الممكن أن تفعل قوات الاحتلال الأمريكية الأمر نفسه قريبا. ولا أعتقد أن تتنازل إيران، على الرغم من مطالبات قادة العديد من البلدان، عن حقها في الرد على جريمة اغتيال بطلها القومي، والمساس بالكبرياء الوطني. فالتقاعس هنا أو عدم الوفاء بالوعد، قد يؤدي إلى سقوط هيبة الدولة الإيرانية والجيش الإيراني. باختصار، فإن جريمة الإدارة الأمريكية تخلق ظروفا مواتية لتحويل المواجهة السياسية والأيديولوجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران إلى نزاع مسلح.

 

وهنا يطرح الاستنتاج نفسه: إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تلعب بالنار فحسب، وإنما هي على استعداد لأن تضرم النار في المنطقة بأسرها بعملية واحدة. ولا أتصور أن هناك شخص لا يستطيع أن يدرك أن أي مواجهة شاملة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية سوف تطال حتما حلفائها في المنطقة، وما يصاحب ذلك من تداعيات مقتل آلاف السكان، والدمار، وانهيار الاقتصاد، وتلك ليست الآفاق الأسوأ للحرب في المنطقة. ألا يفهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة أن تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية تضعهم في مرمى النيران على نحو خطير؟ أم أنهم يأملون في أنه على خلاف ضرب مصافي النفط السعودية، سوف تخطئ جميع الصواريخ والقنابل أهدافها؟

 

ما هو مدهش أيضا، وبعد أن ارتكب الأمريكيون جريمتهم ضد القانون الدولي، والتي تعد إلى جانب ذلك استفزازا صريحا، قد يتسبب في تصعيد مواجهة مسلحة في المنطقة، تتزايد التساؤلات حول الضربات الصاروخية الأخيرة ضد مصفاة النفط السعودية، وعلى رأسها أنه إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد سمحت لنفسها باستخدام سلاح الجو لاغتيال جنرال إيراني وضباطه، فما الذي يمكن أن يمنعهم من القيام بعملية استفزاز مماثلة للمملكة العربية السعودية على هذا النحو، واتهام إيران بذلك؟ فجوهر الاستفزاز هو واحد في الحالتين: افتعال مواجهة مسلحة في المنطقة، ثم تقديم عروض خدماتها للدول العربية بوصفها الحامي المخلص؟ لقد اتبع الأمريكيون هذا السيناريو من قبل في الخليج، وليست هذه المرة الأولى.

 

كان من الممكن أن يندرج هذا تحت بند الخيال، لولا ما تميزت به الحادثتين من الدقة المتناهية في توجيه الضربات، فعند تنفيذ اغتيال قاسم سليماني، كان الأمريكيون يوجهون صواريخهم بدقة بالغة، باستخدام الجمع ما بين صورة الهدف المحدد من خلال القمر الصناعي وإشارة البث الهاتفي، وفي حالة مصفاة النفط السعودية تمكن الأمريكيون أيضا من إصابة الهدف بدقة، بحيث لم تكن الخسائر كبيرة، وكان من الممكن إصلاح الأجزاء المصابة بسرعة.

 

وعلى الرغم من أن الخسائر في حالة مصفاة النفط السعودية لم تكن كبيرة، إلا أن التأثير السياسي لهذا الاستفزاز، وبخاصة في أوروبا الغربية، كان هائلا، حيث التقط الإعلام الغربي الخيط، وبدأ على الفور في شيطنة إيران. فلا يهتم الأمريكيون كثيرا بتكلفة الاستفزاز، لكن الأثمان التي تدفعها الشعوب الأخرى مقابله باهظة…

 

يعتقدون في الولايات المتحدة الأمريكية أن أي حرب، بغض النظر عن مكان وقوعها، وبغض النظر عن الدمار الذي تحدثه، دائما ما تجلب لهم الأرباح، وتتعاظم الأرباح كلما تم تدمير البلدان بشكل وحشي، فحينها يظهر رأس المال الأمريكي، وتعرض الشركات الأمريكية أموال القروض، وتوفر التكنولوجيا، لإنشاء المؤسسات المفيدة لها، كما لا ننسى طوفان المطاعم الجديدة “للوجبات السريعة”، وتوفير المنتجات والأسلحة منتهية الصلاحية في الولايات المتحدة الأمريكية. يعتبر الأمريكيون جيشهم الأفضل في العالم، كما أن دولتهم بعيدة جدا لدرجة أنها عمليا غير معرضة للخطر.

 

إن أنانية الأمريكيين، وثقتهم الزائدة عن الحد في أنفسهم، وإعجابهم بقدراتهم وتفوقهم يجعلهم يتوهمون أنهم لا يقهرون وباقون للأبد، وبمساعدة مصاص الدماء الكهل سورس، أو عائلات كلينتون وبايدن، يستطيعون أن يخدعوا شعبهم والشعوب الأخرى، والمساس بكبرياء وكرامة الدول، والتدخل بوقاحة في شؤون الدول حول العالم، وفرض إرادتهم. وإذا ما ظهر تهديد باندلاع الحرب العالمية الثالثة، التي يمكن أن يروح ضحية فصلها الأول مئات الملايين من البشر، يأمل الأمريكيون أن يظلوا بعيدا فيما وراء المحيط، يطلقون من هناك صواريخهم ومقاتلاتهم. أما ما يخص حلفائهم في أوروبا والشرق الأوسط، وحينما تندلع الحرب، فلا أشك للحظة أن يضحوا بهم من أجل مصالحهم الشخصية.

 

لم يعد الوضع في الشرق الأوسط خطيرا على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة فحسب، وإنما أصبح خطيرا على حلفائها في الناتو. دعونا نتذكر أن ميثاق حلف الناتو يفرض على أعضائه المشاركة في جميع النزاعات المسلحة، التي تتورط فيها الولايات المتحدة. أي أنه سوف يتعين على بلدان أوروبا الغربية أن ترسل عسكرييها إلى الحرب في الشرق الأوسط، إذا ما نشب نزاع مسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. لقد فقد الأمريكيون في حرب العراق حوالي 4.5 ألف قتيل، وأصيب حوالي 32 ألف ما بين جريح ومشوه، وخسر الحلفاء في الناتو حوالي 300 شخص. الآن، من الصعب التكهن في الحرب الجديدة بأعداد الجرحى والقتلى، ما يطرح السؤال، هل يرغب حلفاء الناتو حقا في دفع ثمن عدائية الرئيس الأمريكي ومساعديه؟

 

لكن هذا كله ليس سوى وجها واحدا للقضية. فالحرب، إذا ما اندلعت، سوف تؤدي حتما إلى مشاركة “الحزام الشيعي” بأكمله، علاوة على عدد كبير من المسلمين في أوروبا وآسيا. ولن تقتصر تداعيات الحرب على موجة جديدة من الإرهاب في أوروبا، ورفض عدد من الدول الإسلامية التعاون مع أوروبا الغربية وتدهور الوضع الاقتصادي في دول أوروبا الغربية. بل إن إحدى نتائج الحرب يمكن أن تصبح انهيار بعض الدول المنتجة للنفط في آسيا، أو تدمير بعض حقول النفط والغاز، وأود التذكير هنا بما حدث حينما فرضت عدد من الدول العربية حظرا على إمدادات النفط عام 1973 لأوروبا الغربية، وتحول كثيرون هناك من السيارات إلى الدراجات.

 

إن حربا في غرب آسيا يمكن أن تصبح مأساة لكثير من البلدان، وليس من ضامن لأنها سوف تتوقف عند هذه المنطقة. فمن الواضح أن أوروبا الغربية لا يمكن أن تنأى بنفسها عن المشاركة. وكل هذا قد يدفع بالبلدان الأوروبية بالخروج من الحلف، الذي يعتزم رئيسه توريطه في كارثة تصيب نصف العالم. وسوف تكون هذه خطوة على طريق العقل، ناهيك عن كونها خطوة على طريق الإنقاذ. فاليوم لم يعد هناك أساس لوجود وتعزيز هذا الحلف، وإذا كان وجود الناتو مبررا في السابق بحماية العالم الغربي من “التهديد الشيوعي” و”الأيديولوجية الاشتراكية العدائية”، فإن الناتو نفسه اليوم قد أصبح مصدر تهديد للأمن والسلم على الكوكب. وعلى الرغم من اختفاء الاتحاد السوفيتي منذ عشرين عاما، واختفاء “الحلف الاشتراكي”، وعدم وجود حلف وارسو، إلا أن الناتو لا زال يستعرض عضلاته، وينشر أسلحته على حدود روسيا، في الوقت الذي تمشي فيه دول أوروبا الغربية وراء الولايات المتحدة الأمريكية كفئران تمشي وراء صائدها الساحر ذو المزمار.

 

إن إنهاء وجود حلف شمال الأطلسي ليس فحسب حتمية الزمن الراهن، للإسهام إلى حد كبير في تهدئة العقول المستعرة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكي يدركوا أن هيمنتهم على العالم قد انتهت، وإنما هو أيضا فرصة لإمكانية تعزيز دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن على نحو فعال لحل القضايا الدولية، وإنهاء النزاعات الإقليمية، وتفعيل قدرة هذه المؤسسات على فرض السلم في نهاية المطاف، خاصة في المناطق التي تصعب فيها الحلول السلمية. كما أن ذلك سوف يضع حدا للقرارات السرية على مستوى مجلس الناتو، والتي تنتهك بموجبها دول الحلف قرارات القانون الدولي بشكل صارخ، من خلال الغزو والهجوم على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، دون موافقة المجتمع الدولي، ووفقا لرؤية الحلف الخاصة. دعونا نتذكر كيف تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في سوريا بلا أي سند، ودون أي دعوة من الحكومة السورية، لمجرد أنهم قرروا أن كل شيء مسموح لهم.

 

لقد بررت دول حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تصرفها هذا آنذاك بمحاربتها لداعش. ولنذكر أن الرئيس الأمريكي اعترف يوما بان “الإرهاب الدولي” تأسس بمساعدة وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، والرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما. لم يكن الهدف من دخول الولايات المتحدة الأمريكية محاربة الإرهابيين، وإنما استخدامهم كبش فداء ضد الحكومة السورية. لذلك فلا عجب إذن من استيلاء داعش على حوالي 90٪ من الأراضي السورية، في وجود العسكريين الغربيين، وكان دخول روسيا بدعوة من الحكومة السورية الشرعية فقط هو ما حرّر الجزء الأكبر من أراضي البلاد، وأعاد السيادة للحكومة السورية على أراضيها. أي أن روسيا أكدت من جديد على مفاهيم العدل واستعادة استقلال التراب السوري، وتصرفت بروح الأمم المتحدة، وفي إطار القانون الدولي.

 

في تقييم الوضع في الشرق الأوسط وغرب آسيا، تحدوني الرغبة مجددا في دعوة دول أوروبا الغربية ودول الشرق الأوسط التي تدور في فلك السياسات الأمريكية، إلى اتخاذ الإجراءات التي تصب في مصلحة هذه الدول بالأساس، وفي مصلحة السلم العالمي. فعلى تلك الدول أن تختار ما بين البقاء مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تنتهج سياسة عدوانية، فوضوية، وغير قابلة للتنبؤ بها، وبين التوقف عن دعم هذه السياسات، واختيار السيادة الحقيقية. لقد حان الوقت لذلك. فإذا ما استمرت الأمور على هذا النحو، سوف تتلو هذه الحرب في غرب آسيا، حروب أخرى، يمكن أن تحيل آسيا وأمريكا وأوروبا إلى صحارى قاحلة، ملوثة بالمواد المشعة.