من التوسل إلى الانتقام

اثنين, 2017-06-12 08:11

كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وابنته إيفانكا ترامب، وزوجها جاريد كوشنر قد سعوا مراراً للحصول على تمويلٍ لاستثماراتٍ مختلفة خلال السنوات الأخيرة من شخصياتٍ بارزة في قطر، وذلك وفقاً لما ذكرته مصادر مُطَّلعة على الاجتماعات التي عُقدت بين الطرفين.

 

واكتسبت هذه المزاعم التي لم يُكشَف عنها من قبل أهميةً جديدة في ظلِّ الأزمة الدبلوماسية التي أثارها ترامب، وتسبَّبت في عزل ومحاصرة الدولة الخليجية الصغيرة قطر من جانب خصومها، ووصول التوترات في الشرق الأوسط إلى مستوىً تاريخي، وفق تقرير نشره موقع هاف بوست (النسخة الأميركية).

 

إذ وصف ترامب قطر، يوم الجمعة الماضي، 9 يونيو/حزيران، بأنَّها كانت مُموِّلاً للإرهاب على مستوىً مذهل خلال الأعوام الماضية، وهو اتهامٌ جاء بعد ساعةٍ فقط من مناشدة وزير خارجيته ريكس تيلرسون بعدم تصعيد الخلاف الدائر بين دول مجلس التعاون الخليجي، وحثه على الحوار لحل الأزمة سريعاً.

 

وأشار تيلرسون إلى أنَّ الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، أحرز تقدماً في وقف الدعم المالي وطرد العناصر الإرهابية من بلاده، وهي التعليقات التي أيَّدتها دانا سميث، سفيرة الولايات المتحدة لدى قطر، التي غرَّدت على حسابها في موقع تويتر قائلةً: “قطر شريكٌ قوي في مكافحة تمويل الإرهاب”.

 

هذه الشراكة “الأميركية القطرية” ليست مجردَ شعارات؛ فقطر هي مقر قاعدة العديد الجوية؛ مقر القيادة المركزية الأميركية التي تُقلع منها قاذفات القنابل في مهماتٍ يومية ضد تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) الإرهابيين. وتعقيباً على الأزمة الخليجية الحالية، امتدحت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التزام قطر بمحاربة تنظيم داعش؛ إذ أعرب وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن ثقته في أنَّ هذا الاضطراب لن يُعِيق مساهمة قطر في تلك الجهود.

 

بالنظر إلى المصالح المشتركة والتعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وقطر، يبحث الكثيرون عن تفسيراتٍ لموقف ترامب المفاجئ ضد قطر في هذه الأزمة؛ إذ يعتقد البعض أنَّ الإجابة لا تتعلق بالسياسة، ولكن تتعلق بتاريخ صفقات ترامب التجارية مع أطراف النزاع المختلفة.

 

إذ تزعم بعض التقارير أنَّ منظمة ترامب، التي تخضع الآن لإدارة دونالد ترامب الابن، تُجري محادثاتٍ مع كبار رجال الأعمال الإماراتيين لتتلقى استثماراتٍ بعدة مليارات دولار، بالإضافة إلى امتلاك ملعبين للغولف في دبي. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن ترامب كان يمتلك سابقاً ثمانية كيانات تجارية مُسجَّلة في مدينة جدة السعودية فقط. وتحدَّث ترامب عام 2015 عن إعجابه بالسعوديين، وعزا ذلك إلى تعاملاته التجارية معهم قائلاً: “أتمتع بعلاقاتٍ طيبة مع السعودية. إنَّهم يشترون المنازل مني، وينفقون 40 مليوناً و50 مليون دولار. هل يُفترض بي أن أكرههم؟ أنا أحبهم كثيراً”.

خشية الانتقام

 

وهنا يكمن مصدر القلق بين القطريين؛ إذ أعرب العديد من الأشخاص الذين أُجريتْ معهم مقابلاتٌ صحفية في هذا الشأن عن قلقهم من أنَّ تحيز ترامب ضد بلادهم ربما نتج عن سلسلةٍ من المقترحات والصفقات التجارية التي لم يُكتَب لها النجاح، والتي عرضها ترامب وصهره جاريد كوشنر على القطريين منذ 7 سنوات مضت، ولم يُكشَف عنها سوى الآن. وهذه الصفقات لم يُكتب لها النجاح مثلما حدث في صفقات ترامب التي عقدها مع السعوديين والإماراتيين.

 

عام 2010، وبينما كانت الأسواق ما زالت تترنح بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت عام 2008، كانت قطر تتمتع بسيولةٍ نقدية ضخمة، ولجأ عددٌ لا يُحصى من رجال الأعمال والحكومات الأجنبية إليها لطلب المساعدة. وجاء البعض إلى قطر للحصول على السيولة، بينما كان البعض الآخر يبحث عن الأمل وسط الفوضى العالمية، وكان ترامب ضمن الفريق الأخير؛ إذ كان حينئذٍ المدير التنفيذي لمنظمة ترامب، ومُقدِّم ونجم برنامج تلفزيون الواقع الأميركي الشهير “The Apprentice”.

 

زار ترامب العاصمة القطرية الدوحة برفقة ابنته إيفانكا عام 2010 لعقد اجتماعاتٍ منفصلة مع الدكتور حسين العبد الله، عضو مجلس الإدارة التنفيذي في جهاز قطر للاستثمار، بالإضافة إلى الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي كان يشغل منصبي وزير الخارجية ورئيس الوزراء بالبلاد. ولم يستجب أيٌّ منهما لطلبات موقع هاف بوست التعليق على هذا المقال.

 

كان هذا الثنائي بمثابة العقل المدبر لقطاع الاستثمارات والقطاع المالي في قطر. ويُعَدُّ جهاز قطر للاستثمار هو ثاني أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم (تُقدر أصوله حالياً بقيمة 338 مليار دولار أميركي). والآن، كما كان حينها، لا يشتهر الشيخ حمد بن جاسم بأنَّه كان ملك الصفقات السياسية فقط، بل التجارية أيضاً؛ إذ نجح في إبرام صفقاتٍ مميزة باستخدام خبراته التجارية والسياسية، بدايةً من الاستحواذ على متاجر هارودز البريطانية الشهيرة، ومروراً بشراء حصةٍ من أسهم دويتشه بنك الألماني، وانتهاءً بالاستحواذ على استوديوهات ميراماكس في هوليوود.

 

وقال مصدر مُطَّلع على المحادثات التي جرت بين ترامب وقطر عام 2010، إنَّ الرئيس الأميركي الحالي أجرى زيارة الدوحة (بجانب زيارته لدبي وأبو ظبي) لجمع المال من أجل صندوق عقارات متعثر كان يحاول إنشاءه. وبدأ ترامب مناقشاته مع جهاز قطر للاستثمار متباهياً بنجاح منظمته الدولية والصفقات العديدة التي أبرمها بنفسه. واستكمل ترامب سرد سيرته الذاتية بالكاد عندما قاطعه الدكتور حسين العبد الله ليقول له عباراتٍ من قبيل: “نعلم من أنت، وما قمت به. أخبِرنا ما يمكنك فعله من أجلنا الآن”.

مقاطعة قظة

هذه المقاطعة الفظَّة الوحيدة جعلت ترامب مذهولاً؛ لأنَّه توقع أن يكون مضيفوه منبهرين، إن لم يكونوا ممتنين لزيارة شخصٍ بمكانة ترامب للعاصمة القطرية. وبسبب غياب اللباقة فيما يبدو، استمر ترامب مذهولاً في الحديث، وعرض اقتراحه في صورةٍ هزيلة وغير مغرية، وانتهى الاجتماع بشكلٍ مفاجئ، وغادر ترامب الغرفة غاضباً بشكلٍ واضح حسبما ذكر أحد المصادر.

 

ولكن بحسب مصدرٍ آخر، انتهى الاجتماع بشكلٍ ودي، وكان سبب قرار القطريين بعدم الاستثمار في منظمة ترامب هو عدم تمتع ترامب بسجلٍ سابق في إدارة الصناديق العقارية. وقال نفس المصدر إنَّ أي مشاعر باردة تجاه ترامب كانت بسبب العبد الله، وملله من اقتراحات ترامب، فجهاز قطر للاستثمار كان يتلقَّى عروضاً كتلك بصورةٍ روتينية. وبالنسبة للقطريين، إن لم يكن هذا مجرد تصور لدى ترامب بالأساس، كل ما كان يُميِّز مقترحات ترامب عن المقترحات الأخرى هو شهرته فقط.

 

وانتهى اجتماعٌ لاحق ذاك اليوم بين ترامب والشيخ حمد بن جاسم بالمزاح بينهما، ولكنَّ أكبر رجال أعمال قطر تمسك بموقفه الرافض. ولم يستطع ترامب الحصول على أي تمويلٍ قطري لدعم مؤسسة ترامب، ويقول المراقبون إنَّه بعد أشهرٍ من رحيله تخلَّى ترامب عن فكرة صندوق العقارات المتعثر بعد فشله في إقناع أي داعمين بتمويله.

 

واستمرت تعاملات عائلة ترامب مع قطر بعد عودة إيفانكا ترامب إلى الدوحة بعدها بأشهر، وبصحبتها زوجها جاريد كوشنر، رجل الأعمال الثري والمستثمر الذي صنع لنفسه مكاناً في مجالي الإعلام والعقارات. وكان لدى جاريد عرضٌ جديد ليقدمه، ولكنَّ الصفقة العقارية كانت مختلفة هذه المرة.

 

الأمر المثير للسخرية هو أنَّ بعض عروض جاريد في قطر سهلها مواطنٌ من بلدٍ هي لاعب رئيسي في الأزمة الحالية: السعودية. فمن خلال الصداقة الشخصية بين جاريد وخالد، نجل أمير السعودية بندر بن سلطان، الذي كان يعرف جاريد وبقي في السعودية بعد انتهاء ولاية والده الأسطورية كسفيرٍ للولايات المتحدة عام 2005، استطاع جاريد خلال رحلته الوصول إلى كادرٍ من رجال الأعمال القطريين الناجحين صغار السن.

 

ونزل جاريد وزوجته إيفانكا في فندق فورسيزونز بالدوحة، وقال مراقبون على اطِّلاع مباشر على الزيارة إنَّ الشعور العام بينهما وبين مضيفهم كان أفضل بشكلٍ ملحوظ، إن لم يكن ودياً. وكان لدى جاريد عرضه الخاص ليقدمه إلى مضيفيه القطريين. فقد كان يائساً لتأمين الأموال لإعادة تمويل ممتلكاته في بناية 666 فيفث أفينو بنيويورك، التي كانت حينها كما هي الآن لا تساوي قيمتها قيمة قروض رهنها العقاري. لكن خلال اجتماعات الدوحة رفيعة المستوى، لم يُظهر جهاز قطر للاستثمار، ولا الشيخ حمد بن جاسم، أي اهتمامٍ ببناية جاريد. وكان هذا هو الحال نفسه في الاجتماعات التي عُقِدَت لاحقاً عام 2011 بنيويورك بين إيفانكا والمستثمرين القطريين. 

 

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أنَّ “شركات كوشنر اشترت البناية، في يناير/كانون الثاني 2007، وأتمَّت الصفقة بالتزامن مع ذكرى مولد جاريد، ودفعت سعراً هو الأعلى بين صفقات شراء المباني المكتبية بنيويورك”. ونقلت عن كوشنر قوله آنذاك إنَّه “استحواذٌ كبير لشركتنا”. وأضافت أنَّه وفقاً لعائلة كوشنر فقد دفعت الشركة 500 مليون دولار في صفقة الشراء. 

 

وعانت ناطحة السحاب الفاخرة منذ ذلك الحين من ديونٍ هائلة، يقول المُطَّلعون إنَّ عائلة كوشنر دفعت الكثير لتسديدها، مما يوضِّح سبب لجوء جاريد إلى مصادر خارجية للمساعدة في إنقاذ الأمر. وقال مصدرٌ على اطِّلاع على المحادثات إنَّ المناقشات لشراء الأسهم في بناية 666 فيفث أفينو بين جاريد والشيخ حمد، والذي ترك الحكومة القطرية عام 2013 لمتابعة مهام أعماله التجارية الضخمة، استمرت حتى إجراء انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016. 

 

لكن البحث عن رأس المال استمرَّ حتى بعد أن أنهى جاريد مطاردته للمستثمرين القطريين العام الماضي. وذكرت وكالة بلومبرغ الأميركية، في مارس/آذار 2017، أنَّ شركات كوشنر كانت قريبةً من توفير “شروطٍ مناسبة بشكلٍ غير اعتيادي” لإتمام الصفقة خلال المحادثات مع شركة أنبانغ للتأمين الصينية، رغم كونها على علاقاتٍ بـ”أعلى مستويات الحزب الشيوعي الصيني”. وفي اليوم ذاته، هاجم ترامب قطر باعتبارها ممولاً للإرهاب، وقدم له محامون من وزارة العدل رأياً استشارياً مفاده أنَّه بإمكانه كرئيس قبول مبالغ مالية من حكوماتٍ أجنبية، والتي من الممكن أن تتضمن دولاً مثل قطر والصين.

 

واليوم، مع تحالف ترامب والولايات المتحدة مع أولئك الذين يحاصرون قطر، لا يمكن للقطريين سوى التساؤل: هل هذا يتعلق بغضب ترامب بشأن صفقاته التجارية التي لم تتم؟ 

الشعب الأميركي وعائلة ترامب

 

 

لأعوامٍ طويلة، كانت الولايات المتحدة تنصح الدول العربية بمحاربة الفساد وضرورة وجود شفافية فيما يتعلق بالأمور المالية. ولكن يبدو الآن أنَّه لا الشعب الأميركي، ولا معظم الدول الأجنبية التي تتعامل مع ترامب، يعرفون حقاً طبيعة وحجم استثمارات عائلة ترامب في الخارج، سواءٌ في السعودية، أو في الإمارات، أو في أي مكانٍ آخر.

 

فمثلاً، ما كشفه الإعلام بشأن استثمارات عائلة جاريد كوشنر في الأعوام الماضية في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية بفلسطين، يوفر أمرٌ كهذا للفلسطينيين والمجتمع الدولي دليلاً على تضارب المصالح الواضح الذي تحمله وساطة كوشنر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى لو كان ترامب ما زال يراه مع ذلك وسيطاً مناسباً لحل ذلك الصراع. والأمر نفسه ينطبق في حالة قطر، ولذلك على ترامب وعائلته الكشف عن جميع مصالحهم وممتلكاتهم في الشرق الأوسط. وهذا سيمنح الآخرين القدرة على تقرير ما إن كان موقف ترامب من أزمة الخليج وانضمامه إلى جانب السعودية والإمارات هو محاولةٌ صادقة من جانبه لأداء مهامه كرجل دولة، أم مجرد محاولة للانتقام من قطر رداً على فشل صفقاته التجارية.

 

يظن العديد من القطريين أنَّهم يعرفون إجابة ذلك السؤال، وهي إجابةٌ مؤسفة بالنسبة لهم. هل كان أحدٌ منهم ليتخيل أنَّه منذ خمسة أو عشرة أعوام، عندما رفض رجال الأعمال القطريون عروض ترامب وصفقاته، أنَّهم كانوا يُعرِّضون أمن بلادهم للخطر؟ ناهيك عن المصالح الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط؟!

- هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأميركية لهاف بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.هنا.