طَبَقَاتَ المُثَقًفِينَ المُورِيتَانيِيِنَ / المختار ولد داهي، سفير سابق

أربعاء, 2017-02-15 14:38

تكاد تجمع مجالس " النقييم و التحليل السياسي و الاجتماعي" العرفي ومنها و "العفوي" خصوصا أن البلد يعاني " أزمة النخبة المثقفة" و من رواد تلك المجالس من يُصنف تلك الأزمة بأنها "أزمة وجود" و منهم من ينعتها "بأزمة نوعية و جودة" و منهم من يذهب إلي أنها " أزمة انهزام و انكسار" و منهم من يضعها في خانة " الإصابة بدرجة حادة من وباء "الموضة العربية و الإفريقية"  المتمثلة في "كساد النخبوية و رواج الشعبوية"،...

و المثقف المقصود في هذه الحروف هو  كل من كان له  حظ من العلم و الفهم و نصيب من  العمل بما عَلِمَ  و قسط من  المثابرة من أجل تبليغ و تعليم ما عَلِمَ حتي ينتفع به عامة الناس و هو ما يعني أن أركان الاتصاف بصفة المثقف ثلاثٌ أولها العلم و ثانيها العمل بالعلم و ثالثها إفشاء العلم و كل ما فُقِدَ أحد هذه الأركان فُقِدَتْ ذات الثقافة و انْتَفَتْ صفة المثقف.

و المتابع للمشهد الثقافي بالبلد يمكن أن يقسم المثقفين الموريتانيين إلي خمس مجموعات:-

أولا: فئة "القابضين علي الجمر":و يقصد بهم فئة المثقفين الذين لا زالوا حريصين علي تغيير المجتمع نحو الأفضل مع جرأة لافتة في مواجهة "حماة" و "لوبيات" العقليات المضادة لمفهوم الدولة و قيم الجمهورية و مُثُلِ المساواة دافعين في سبيل ذلك أثمانا باهظة من التهميش و الإقصاء  و اللاستهزاءِ و الاستخفاف و الشيطنة و التبخيس ،... و هم يمثلون الفئة الأقل عددا من مجموع فئات المثقفين الموريتانيين، منهم سياسيون محنكون و أدباء نابهون و أساتذة مُبَرًزُون و إعلاميون بارزون و "أَعْمَالِيُونَ ناجحون" و علماء ربانيون و  دعاة "مَنْصُورُونَ" ،...

ثانيا: طائفة "المُكِبِينَ علي وجوههم":و هؤلاء هم المثقفون الذين يئسوا و قنطوا من هزيمة العقليات المجتمعية و السياسية "الرجعية" فلجأوا إلي الانكفاء و الانعزال و البَيَاتِ  و السير مُكبين علي وجوههم غايتُهم القصوي و هدفهم الأسمي أن يُحصنوا أنفسهم من " الردة و الارتكاس" و تأثير العقليات المجتمعية المضادة  للتطور و الإصلاح و التقدم،...كأنما شعارهم و لسان حالهم ناطق "بأن ليس عليهم في أيام موريتانيا المَوَاخِضِ هذه إلا أنفسهم". 

ثالثا:طبقة الصداميين و الاستئصاليين: و أعني بهذه الطبقة مجموعة من المثقفين الموريتانيين الذين ينهجون نهجا صداميا مع المجتمع و عقلياته و رموزه و ثوابته غير آبهين بسنة التدرج في التغيير و لا باذلين أدني الجهد لتمييز العقليات الضارة من العقليات النافعة و العقليات غير الضارة و العقليات الأقل ضررا أعدادهم قليلة و مَقْبُولِيًتُهُمْ لدي بعض فئات المجتمع مهزوزة لكن صخبهم الإعلامي كبير  وظهيرهم الدولي أثير منهم سياسيون و حقوقيون  و جامعيون و نِضَالِيُونَ و فاعلون مدنيون،...

رابعا: مجموعة دعاة "التكيف السلبي":و هم  مجموعة من المثقفين الذين استنتجوا استحالة تغيير العقليات المجتمعية المضادة للتقدم إلا من خلال  الانصهار في المجتمع و التكيف مع هذه العقليات مع الإصرار علي محاولة تغيير و إصلاح ما أمكن منها و قليلٌ من هؤلاء من حقق نجاحا معتبرا و كثيرٌ منهم من تأثر بسلبيات المجتمع أكثر مما أثر و تغير هو سلبا أكثر مما غير إيجابا فجاز أن يطلق علي منهجهم منهج " التكيف السلبي"؛

رابعا: جماعة "المُتَحَوِلِينَ فكريا": وهم الأغلبية الغالبة من المثقفين الموريتانيين الذين كفروا عمليا بثقافتهم و أضحوا من أكابر الممارسين و الممجدين للعقليات المجتمعية و السياسية المضادة للتقدم  و العصرنة و الإصلاح كالقبلية و الشرائحية و المناطقية و العنصرية و "الفردانية" و قد مثل هذا "التحول البهلواني" لهذه المجموعة أسوأ دعاية ضد الثقافة و المثقفين حيث أضحي المثقف في مِخْيَالِ جزء عريض من  الرأي العام الموريتاني  سَمِيً المنافق و رديف الحِرْبَائِيِ وصِنْوَ الإِمًعِيِ و مثيل "الزِئْبَقِيِ"،...

و من المتواتر عليه أن موريتانيا أحوج ما تكون  إلي "يقظة نخبوية" تحمل مشروعا مجتمعيا إصلاحيا يرأب صدع  " اللحمة الشرائحية" و يعيد إلي مربع الفعل الثقافي الإيجابي بكل سرعة وثقة  و قوة و عنفوان و  إيمان صادق بواجب أسبقية و استعجالية تغيير العقليات المجتمعية المضادة و المعادية "للأمن المجتمعي"  فئات " المُكبين علي وجوههم" و الصداميين الاستئصاليين و "المتكيفين تكيفا سلبيا" و المتحولين فكريا.