وجهة نظر، لا تسجل موقفا رافضا لمترشحسن، ولا للانتخابات التي تمثل خيارا سياسيا لنظام الحكم في بلادنا، واكراها تشريعيا، وتجسيدا لإرادة شعبية، تفتقد شروط الوعي بها على ما أشار بذلك أحد العارفين بخفايا السياسة في بلادنا، وظواهرها خلال متابعة اعلامنا ، ووسائل التواصل الاجتماعي للحملات المحمومة للمترشحين الخمسة على رأي " بيرام" الذي اعترض على وجود مرشحين اثنين من شريحته، ومرشحين اثنين من مجتمع الإثنية الموريتانية السمراء..ليكون الرئيس الحالي هو المرشح الخامس…
وهنا ارجع بالقارئ إلى ما استحضرته خلال متابعة التجارب السياسية السابقة في بلادنا، عن تعدد الشرعنة، الاستحقاقات لرؤسائنا السابقين، وكيف ساعدت على الاعتراف بتجارب رؤسائنا محليا، واقليميا، ودوليا..
1 - ولعل أول استحقاق في انتخاباتنا الرئاسية التي قرأنا عنها، ولن نحضرها ، فقد أسست للنظام السياسي الحديث في بلادنا التي استقلت بنتائج تلك الانتخابات عن المحتل الفرنسي، وكان ذلك بفضل المشرف الفرنسي على الانتخابات، لا بوعي الناخب، بل بالاشتراطات المتضمنة في التصويت على مزامنة (الاستقلال ) ، وقبول الرئيس المنتخب رغما عنه لتلك الاشتراطات في أي انتخابات لاحقة، لأن نعم (Oui)، كانت تشير إلى تبعية النظام الرئاسي لفرنسا ، وذلك (حماية) للاستقبال الوطني، لهذا فالشرعنة، الأولى اعتمدت منذئذ، هي: التبعية للمحتل..
والسؤال الذي يطرح نفسه موضوعيا، وتاريخيا، هو: هل استعاضت الأنظمة السياسية السابقة منذ التسعينات بالانتخابات عن الاستحقاق الانتخابي الأول " التبعية " الذي رافق نشاة نظام الحكم..؟!
2 - لقد حاول الرئيس الثاني بالانقلاب ١٩٧٨م، وهو انقلاب أملته الضرورة ، الحتمية في ظل العجز عن الحرب ضد الصحراويين ، وفرنسا هي من خططت للانقلاب اللاحق على الرغم، انها تظاهر بالدفاع عن النظام الذي بدأ يؤمم شركاتها التجارية ، ويستبدل الفرنك الإفريقي بالعملة الوطنية ..
كان الراحل مصطفى ولد السالك رحمه الله تعالى، غير مدرك ربما لهذه الشرعنة اللازمة في كل عهد - شرعنة التبعية للمحتل الفرنسي - لذلك كانت رئاسته ضحية رفضه اعطاء الأولوية للشركة الفرنسية للإشراف على مشروع طريق " أمل "، والنتيجة أن تم اقصاؤه، ومحاكمته عسكريا، والحكم عليه بالسجن عشر سنوات، وإن حصل على العفو الرئاسي بعد ذلك وأخرج من السجن ..!
3 - كما حاول الرئيس هيدالة، أن يجرب حظه البائس، باستهتار الجاهل، والمغفل السياسي من بين الرؤساء الأفارقة، فتظاهر باللامبالاة لشروط الشرعنة " التبعية" لفرنسا، لذلك بادرت فرنسا بإرسال رئيس القوات العسكرية الفرنسية على طائرة خاصة، وأرسلت هيدالة الى مؤتمر " الافرنكفونية" في" أبوجا"، واستعاد الزائر الفرنسي دور فرنسا الاحتلالي بانقلاب وطني لعسكري جاهل، و لعله استحق بجهله التفضيل للمهمة الموكلة له في بلادنا.. فاستبدل هيدالة صاحب الحظ النحس بمعاوية ولد سيدي احمد الطايع، وكان مطيعا بما فيه الكفاية لفرنسا، ول" لوبها" الصهيوني طيلة حكمه خلال واحد وعشرين عاما، ولأنه كان عارفا لسبب اختياره ...
4 - لقد تجاهل محمد ولد عبد العزيز، أن الانتخابات الرئاسية التي تم تصديرها إلى بلادنا في أوج فرض قيم " العولمة"، تؤسس لتداول السلطلة - بعد انتقاء الأصلح للبعية - في مفارقة عجيبة مع تداول السلطة الذي يحصل في الغرب، ولذلك، فالانتخابات الرئاسية تعد من جملة مطالب الشرعنة = التبعية ، لأنها تحمل قيم الديمقراطية الصورية الغربية.
لذلك غاب عن علم ولد عبد العزيز، تلك المعطيات، ولما شق عصا الطاعة، معتمدا على:
فريقه البرلماني لفرض عهدة ثالثة، غير أن فرنسا رفضت بقاله في الحكم، لأن ذلك يقبح مظهر الديمقراطية المصدرة بدعايتها التي لا تدانيها دعاية تجارية، ولذلك يجب اقصاء كل ما يناقض الدعاية للديقراطية…
وعلى المؤلفة قلوبهم من اتباع حزبه…
و الكتبة الحزبيين، والمستشارين الذين بلعوا ألسنتهم السابقة ضد الحزبية الخيانية للدمقراطية المباشرة، واستبدلوها بالدعاية لحزب ولد عبد العزيز، وربطه الذي لا يحمل أي مبدأ غير براغماتية الأفراد …!
ولعل من المهم الإشارة الى أنه عند تعارض " الشرعنة " المحلية مع شرعنة" التبعية" ، فتسقط المحلية مهما كانت، ومثال ذلك، لم تشفع للرئيس "هيدالة"، شرعنة " إفتاء " لفقهاء الشرع الذين دبجوا خطبهم الوعظية في كل جمعة، والقصائد العصماء لشعرائه في كل مناسبة،، على أنه خليفة الشريعة الاسلامية، ومطبق احكامها..!
كذلك لم يشفع لمعاوية شرعنة" الإفتاء " الديني لفقهاء " عبده" التاجر الذي تبع له فريق الفقهاء، بالإضافة إلى أنه جرف إليه غثاء السيل من " إفتاء" النخب السياسية - على رأي محمد اركون - ، وكان يتزعمهم ولد بلال وزير خارجة " التطبيع" الخياني، ووالحقوقي، وزير الخارجية الاسبق، رئيس الجامعة محمد الحسن ولد لبات، صاحب مقولة " إذا لم يترشح معاولة ، سنرفع قضية عليه "، وغيرهما ، وقد أشرت عليهم حينئذ في مقال سنة ١٩٩٩م. بمفهوم " رجع الصدى " ، في فريق :" صوتوا لمعاولة، أهل النعمة "، واصحاب " النظرية الاقتصادية في خطاب معاوية " ..!
كما لم يشفع للرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى ، فريق " الافتاء" الذي كان يغتصب الوظيفة العمومية، فسرح الموظفين في سبيل السيطرة على السلك الإداري، غير أن شرعنة" التبعية" اضمن لحمايتها القوة العسكرية من تبعية الطرق الصوفية في افريقيا نظرا لعجزها عن حماية الأنظمة السياسية في غرب افريقيا من الجماعات المتطرفة ..
5 - ونسأل هل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في بداية الأسبوع القادم، تحظى بتوفر جميع الشروط المتوفرة في المرشحين من حيث الرضى الفرنسي فرنسا لجميع المترشحين من جهة إمكان تفاعلهم مع مطالبها، علاوة على شرعنة الإفتاء الديني، و القبلي، والجهوي، والسياسي، والعرقي، والشرائحي، الإعلامي،، ؟!
وفي كل الأحوال، نتمنى لجميع المترشين، النجاح، والتحلي بالروح الرياضية التي تعني الاعتراف بالنتائج مهما جاءت غير متوقعة…