في ذكرى مولد أمير الشعراء الـ 150 ووفاته الـ 86 حسين شوقي يكشف سر أبيه في كتاب نادر!

أربعاء, 2018-10-24 08:57

إذا كان الولد سر أبيه كما يقول العرب ، فحسين أحمد شوقي  كان سرا لأبيه أمير شعرء العصر الحديث ، الذي ربما تصدق  فيه الكلمة التي  قيلت في أمير الشعراء أول مرة  ، واسمه  – و يا للمصادفة –  أحمد أيضا ” أحمد  بن الحسين ” أبو الطيب المتنبي ” :
ملأ الدنيا  ، وشغل الناس .
ولد  أحمد شوقي  في  السادس عشر من أكتوبر عام 1868
وتوفي في 14 أكتوبر عام  1932  ، وفي السطور  التالية قراءة  في كتاب ” أبي شوقي” تحية  لذكراه .
في كتابه  الصادر  عن دار الفضيلة في القاهرة  بعنوان ” أبي  شوقي ”   لم يكتف حسين شوقي  بسرد  ذكرياته مع أبيه  شوقي ، بل  تعرض  له  بالنقد  تارة ، وبالسخرية  اللاذعة تارة أخرى .
عيوب  شوقي
يتكلم حسين شوقي   عن عيوب  أبيه ، ويرى أن أهم  عيوبه أنانيته الشديدة، ويتساءل :
 تُرى  هل هي ” الأنانية ” من  لوازم  الشعراء ؟ إذ أن  ” شيلر”  عندما  يتحدث عن  طبع صديقه  جوتة  يقول :
” إنه في الواقع أناني  إلى أقصى حدود  الأنانية! ” .
ويحي  حسين  قصة عن   أنانية  أبيه  فيقول :
” فمن أنانية أبي  مثلا أننا  لم نكن  نستطيع أن  نتغدى  في ساعة  معينة ، بل كان لزاما  علينا أن ننتظر الى  أن  تأتي شهيته ، وكثيرا  ما  كان  يطول  هذا  الانتظار ، لأنه  كان يصحو من  نومه متأخرا  فيفطر  بطبيعة الحال  متأخرا أيضا  ، وسبب هذا  التأخير  في النوم  أنه  يراجع بعد ما يعود من سهرته  ما نظم من  شعر  طوال نهاره ” .
هل كان شوقي  بوهيميا ؟
قسا حسين  على أبيه   مرة  حينما  قرر في  كتابه   أن  أباه  كان  بوهيمي  النزعة الى  حد  بعيد ، مشيرا الى أن  كثيرا  من تصرفاته  يدل على  ذلك .
وتساءل  حسين  :
” ألم  يكن  بوهيميا ، حين  كان  يعاونني  على الهروب من المدرسة  في  المطرية ؟
كذلك  الحادث  التالي  الذي وقع ونحن  في برشلونة  دليل  ساطع على ذلك :
 ركبنا   ” الأوتوبيس ”  ذات يوم  ” هو وأنا ”  فصعد  رجل  عملاق  بادي  الترف والثراء ، يعلق  سلسلة  ذهبية  بصدره  وفي فمه  سيجار  ضخم ، ثم  ما  لبث أن استسلم  في ركن من العربة ، وراح  يغط  غطيطا   يرهق الأعصاب ، وصعد  نشال في مقتبل العمر  جميل  الصورة  وهم  بأن  يخطف السلسلة  ولكنه أدرك أن أبي يلمحه ، فأشار  اليه   اشارة برأسه  مؤداها : هل  أخذها ؟  فأجابه أبي  برأسه ” خذها ”  ، فنشلها  الشاب  ونزل   ، بعد ما حيا أبي  برفع  قبعته  له !
ولم يكد  ينزل  حتى التفت  الى أبي   وقلت : هل  يصح أن  تترك  النشال  يأخذ سلسلة  الرجل وهو نائم ؟ فأجاب : شيء  عجيب  يا  بني !
 لو كنت  مقسما  الحظوظ  فلمن  كنت تعطي  السلسلة  الذهبية ؟ أكنت تعطيها عملاقا  دميما أم  شابا  جميلا  ؟   فقلت :  كنت أعطيها  الشاب الجميل ،  فأجاب ببساطة :  ها هو  ذا أخذها  ! ” .
دلال  ابن  ورحمة أب
 تناول  حسين  شيئا من أخلاق أبيه  ،  فقال :
”  كنت أرغمه  على الجلوس  في الحنطور  في المقعد  الصغير  الأمامي ، على حين أجلس أنا  أمامه في  المقعد  الكبير ، وقد  رآه مرة  سمو الخديوي  على هذه الحال ، وكنا  نسير  إذ  ذاك  في ضاحية  المطرية ، وكان  سموه قادما  من قصر القبة  في  طريقه  الى مسطرد ، فاستدعى أبي  ولامه  على ذلك ، سائلا :
 لمَ  تفعل هذا ؟
فأجابه  : سله  هو يا أفندينا  لم  يفعل  بي هذا ؟ ” ؟
وتابع حسين في  كتابه الممتع  :
”  لذلك  عندما  قرروا أن أذهب  الى المدرسة ، نزل علي  الخبر   كالصاعقة ،  إذ كيف أترك  كل هذا النعيم  وأذهب  فأقضى  الساعات  الطويلة  بين جدران أربعة؟ وقد حاول أبي أن  يبطل  هذا القرار أو   يرجئه  ، ولكنه أخفق أمام  تشبث مربيتنا التركية  التي  كانت  تحكم البيت  كله  بيد من  حديد  ! ” .
حنو البنات
 يقول  حسين  شوقي إن أباه  كان  يرى أن البنت  أشد  حنوا    بأبويها  من الولد ، مشيرا الى أنه ذكر  ذلك  في  رثائه  للوزير  الكبير  مصطفى فهمي باشا  الذي مات ولم  ينجب  غير بنات :
 إن  البنات   ذخائر من رحمة .. وكنوز حب صادق  ووفاء
والساهرات  لعلةٍ أو كبرة
 والصابرات  لشدة  وبلاء
ليلة الوفاة
 يقول حسين شوقي عن ليلة وفاة أبيه :
” في يوم الوفاة أي 13 أكتوبر سنة 1932 خرج يتروض في السيارة مع سكرتيره في ضاحية مصر الجديدة ، وقد تحدث معه في موضوعات دينية ، وقد سأله بوجه خاص ، وكأنه  قد أحس بدنو أجله  عن التوبة
والغفران  ، وهل يتذكر نصا صريحا  عنهما في القرآن الكريم؟
ثم زار في مساء اليوم نفسه الاستاذ محمد توفيق دياب بك  في مكتبه  بجريدة الجهاد ، فقد كان أبي  يحب الاستاذ دياب ويرتاح الى مداعباته ، وقد نظم له بيتا  جعله الاستاذ دياب بك شعارا لجريدته ” الجهاد ” وهو :
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا
إن الحياة عقيدة وجهاد
وقد توفي  حوالي الساعة الثانية صباحا .. أيقظني الخادم قائلا :
إن أبي تعبان  وإنه أرسله في طلبي ، كما أرسله في طلب أمي
، فأسرعت الى حجرته فوجدت  أمي  بجانب السرير قلقة تناديه :
ما بك؟
ولكنه لا يجيب ، إذ كانت روحه قد فاضت ، ذهبت الى  ذلك العالم المجهول الذي طالما ساءل عنه ، وتمنى لو  عرف أسراره  ، ألم  يقل مخاطبا شكسبير :
يا صاحب العصر الخالي ألا خبر
عن عالم  الموت يرويه الألباء
أما الحياة فأمر قد وصفت لنا
فهل لما بعد تمثيل وإدناء ؟”.
وأنهى حسين شوقي كتابه قائلا :
” وقد كتبنا على قبره عملا  برغبة أبداها يوما ، البيتين التاليين وهما من قصيدته ” نهج البردة ” في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم :
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي
وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
إن جل ذنبي عن الغفران لي أمل
في الله يجعلني في خير معتصمِ
رحم الله   حسين شوقي وأباه !

” رأي اليوم” – محمود القيعي