عمر نجيب: تفاقم تخبط واشنطن وانقرة وتل أبيب في متاهة بلاد الشام هل تشكل سنة 2019 نهاية الحرب شبه الدولية ضد دمشق؟

ثلاثاء, 2019-01-08 20:17

يعرف التحالف الذي يخوض منذ زهاء ثمان سنوات حربا شبه دولية ضد سوريا حالة من التخبط والإضطراب تزداد تفاقما مع مرور الوقت، ويتركزع هذا التخبط في الأوساط السياسية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإسرائيل.
 الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي دوغ باندو ربما لخص الوضع حينما كتب خلال شهر أكتوبر 2018 في مجلة “ناشنال انترست”:
 “الرئيس السوري بشار الأسد لم يعد في خطر، ويتعين على واشنطن وقف تدخلها العسكري في سوريا”.
وأشار باندو إلى أن الولايات المتحدة راهنت منذ البداية على رحيل الأسد وأخطأت لوجود عدد كبير من المؤيدين والأنصار له”. وأضاف أن الحرب في سوريا، كانت مأساة كبيرة وشدد على أنه لا يحق لإدارة واشنطن غزو دولة أجنبية، واحتلال أراضيها وتقسيمها.
وأعرب عن ثقته بأن الولايات المتحدة، لا تستطيع إجبار روسيا وإيران اللتين تربطهما علاقات وثيقة مع دمشق، على مغادرة سوريا.
وأضاف أن أهداف ترامب العسكرية في سوريا، أصبحت “محض خيال” فلم يعد هناك شيء يهدد دمشق بعد الآن. وختم بالقول: لقد هزم الرئيس السوري خصومه رغم أن قليلين كانوا يؤمنون بقدرته على استعادة السيطرة على معظم البلاد.
حيرة ترامب
 يوم الأحد 6 يناير 2019 أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التأكيد على أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من سوريا، لكنه أشار إلى أن هذه الخطوة ربما لا تتم سريعا.
وذكر للصحفيين في واشنطن ”لم أقل مطلقا أننا نفعل ذلك على وجه السرعة. لكننا نقضي على تنظيم الدولة الإسلامية“.
وجاء تصريح ترامب بالتزامن مع تصريح آخر أدلى به مستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون في وقت سابق من يوم الأحد، حين قال إن الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا مرن ويعتمد على القضاء التام على تنظيم “داعش” على أراضي سوريا، وضمان تركيا أمن الأكراد في شمال البلاد.
 وكان الرئيس الأمريكي، قد أعلن في 19 ديسمبر 2018، الانتصار على “داعش” في سوريا وبدء سحب قوات بلاده من هناك.
وفي وقت لاحق، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز″، بأن ترامب وافق على تمديد فترة انسحاب الجيش الأمريكي من سوريا إلى 4 أشهر.
 لكن قرار ترامب في 19 ديسمبر 2018 بالانسحاب من سوريا والإشارات المتباينة التي أرسلتها واشنطن بشأن موعد سحب القوات الأمريكية البالغ قوامها نحو 2300 جندي جعل حلفاء وشركاء الولايات المتحدة يعيدون النظر في التزاماتهم.
وفي أحدث إشارة غامضة، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية يوم الجمعة 4 يناير للصحفيين إن الولايات المتحدة ليس لديها جدول زمني لسحب القوات من سوريا ثم قال إنها لا تخطط للبقاء في سوريا إلى أجل غير مسمى.
وذكر مسؤول كبير آخر في وزارة الخارجية في إفادة للصحفيين قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو إلى الشرق الأوسط بداية من 8 يناير وحتى منتصف الشهر إن إحدى رسائله الرئيسية مفادها أن ”الولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط“.
وأضاف ”برغم التقارير عن الروايات المتناقضة والخاطئة المحيطة بالقرار بشأن سوريا، فإننا لن نذهب إلى أي مكان“.
بيد أن ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر قالت إن إدارة ترامب لا تزال تسعى جاهدة لاحتواء تداعيات قرار ترامب سحب القوات.
 وأفاد مستشار في وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” لوكالة أنباء رويترز إن مؤتمرا تقرر عقده في السابع من فبراير 2019 في واشنطن، يهدف إلى جمع وزراء من 79 دولة في تحالف تقول واشنطن منذ سنة 2014 أن هدفه هزيمة ما يسمى بالدولة الإسلامية يأتي في إطار جهود ”السيطرة على الأضرار“ التي ولدها قرار ترامب المفاجئ وإنه يستهدف التوضيح لأعضاء التحالف ”أن شيئا لم يحدث“ فيما يتعلق بالانسحاب.
وذكر المستشار الذي طلب عدم نشر اسمه ”كان هذا “إعلان ترامب الانسحاب” قرارا فرديا متسرعا“ أثار غضب وإحباط القادة العسكريين الأمريكيين وأعضاء التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وأضاف ”هذا “المؤتمر” ما هو إلا للحد من الأضرار“. وتملك الولايات المتحدة نحو 15 قاعدة عسكرية في الضفة الشرقية لنهر الفرات.
وتسببت الخلافات داخل الإدارة الأمريكية بشأن مسألة سحب القوات في استقالة وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” بريت ماكغورك.
انسحاب… لا انسحاب
 يوم الأحد 6 يناير 2019 أكدت مصادر أمنية عراقية لوكالات اعلامية دولية من ضمنها “ار ت” الروسية، أن جزءا من القوات الأمريكية العائدة من سوريا قد استقر في قاعدة عين الأسد التي تحتلها واشنطن داخل الأراضي العراقية.
وقالت المصادر إن “الحديث عن مغادرة القوات المنسحبة إلى محافظة أربيل ليس حقيقة كاملة، فهناك جزء كبير في قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار وفي معسكرات أخرى في المحافظة”.
وأضافت: “ما زالت هناك قوات أمريكية على الحدود العراقية السورية ولم تنسحب هذه القوات بالكامل”.
ووصفت كتل سياسية عراقية دخول قوات أمريكية من الأراضي السورية إلى العراق بالأمر الخطير جدا، مؤكدة أن “مجلس النواب العراقي ماض في إقرار قانون إخراج القوات الأجنبية بأقرب وقت ممكن”.
 قبل ذلك ويوم الاربعاء 19 ديسمبر 2018 أفادت وكالة “الأناضول” التركية بمغادرة عشرات الشاحنات المحملة بالمعدات العسكرية الأمريكية مناطق سيطرة القوات الأمريكية والكردية شرقي سوريا.
ونقلت الوكالة عن مصادر محلية، أن حوالي 100 شاحنة بينها صهاريج وآليات حفر وكاسحات ألغام، وصلت إلى معبر سيمالكا الحدودي متوجهة إلى العراق، وذلك تزامنا مع انقطاع التيار الكهربائي عن كل المنطقة.
تنسيق أم تصادم
 يوم الأحد 6 يناير 2018 ذكرت وكالة أنباء رويترز أن جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي أضاف شرطا جديدا للانسحاب الأمريكي من سوريا قائلا إنه يجب أن توافق تركيا على حماية الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة.
وقال بولتون الذي يقوم بجولة تستمر أربعة أيام وتشمل إسرائيل وتركيا إنه سيحث في المحادثات مع مسؤولين أتراك، بينهم الرئيس رجب طيب أردوغان، على ضرورة ضمان سلامة الأكراد.
وقال للصحفيين قبل محادثات مع مسؤولين إسرائيليين إن الانسحاب سيتم بطريقة تضمن أن الدولة الإسلامية قد ”هزمت ولا يمكنها إحياء نفسها أو أن تشكل تهديدا مرة أخرى“.
وأضاف أن الانسحاب سيتم بطريقة ”تضمن الدفاع عن إسرائيل وأصدقائنا الآخرين في المنطقة ضمانا مطلقا وتعتني بمن حاربوا معنا ضد الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى“.
وسئل بولتون عما إذا كان الانسحاب الأمريكي من سوريا لن يتم إلا إذا ضمنت تركيا سلامة المقاتلين الأكراد فقال ”هذا صحيح بشكل أساسي“.
لكن تركيا انتقدت واشنطن مرارا لعلاقتها العسكرية بالوحدات التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة كردية تشن تمردا منذ 34 عاما على الأراضي التركية.
قال بولتون ”لا نعتقد بأن الأتراك يجب أن يقوموا بعمل عسكري دون تنسيق كامل وموافقة من الولايات المتحدة على الأقل حتى لا يعرضون قواتنا للخطر وأيضا حتى يلتزمون بطلب الرئيس بعدم تعرض قوات المعارضة السورية التي قاتلت معنا للخطر“.
وذكر بولتون، الذي حل بتركيا يوم الاثنين 7 يناير، أن الولايات المتحدة ستجري محادثات مع أنقرة لمعرفة أهدافها وقدراتها.
وذكر إبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان إن أهداف تركيا هي وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني والدولة الإسلامية.
ونقلت وكالة الأناضول للأنباء عنه قوله في تصريحات أدلى بها عقب تعليقات بولتون ”أحد أهداف حرب تركيا ضد حزب العمال الكردستاني وامتداداته السورية هي إنقاذ الأكراد من قسوة وقمع هذه الجماعة الإرهابية“.
وأضاف ”تركيا ستواصل بحسم جهودها لإنهاء الحرب وتوفير الأمن وتنفيذ عملية الانتقال السياسي دون تمييز بين أشقائنا السوريين على أساس الدين أو العرق أو الطائفة“.
 وفي رد على تحذيرات واشنطن نقلت وكالة الاناضول للأنباء عن المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله يوم الأحد إن الادعاء بأن تركيا تستهدف الأكراد غير منطقي مضيفا أن أنقرة لا تستهدف سوى مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني.
والتقى بولتون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد وطمأن إسرائيل بالتزام الولايات المتحدة بأمنها.
اسطوانة مشروخة
 من تل أبيب قام بولتون بإعادة استخدام الاسطوانة المشروخة التي استغلتها واشنطن مرارا خلال سنوات الحرب لتبرير تدخلها العسكري المباشر في محاولة لإسقاط دمشق، حيث حذر يوم السبت 5 يناير الحكومة السورية من مغبة اعتبارها الانسحاب العسكري الأمريكي المتوقع دعوة لاستخدام الأسلحة الكيماوية.
وقال بولتون للصحفيين ”ليس هناك تغير على الإطلاق في موقف الولايات المتحدة وأي استخدام من جانب النظام السوري لأسلحة كيماوية سيقابل برد قوي للغاية.. كما فعلنا في مرتين سابقتين“.
 وذكر إنه لا يلمح إلى أن سوريا مستعدة على ما يبدو لاستخدام أسلحة كيماوية. وأضاف بولتون ”ونحن نعكف على تفاصيل كيفية تنفيذ الانسحاب وملابساته لا تريد أن يرى الأسد أن ما نفعله يمثل أي تخفيف لموقفنا المعارض لاستخدام أسلحة الدمار الشامل“.
وأضاف إنه إذا استخدمت الأسلحة الكيماوية ستكون هناك ”الكثير من الخيارات على الطاولة… إذا لم يستوعبوا الدروس المستفادة من الضربتين السابقتين فإن الضربة القادمة ستكون أشد حسما“.
 ترى مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أن تحذيرات وتهديدات بولتون تكشف عن حالة إمتعاض قصوى في البيت الأبيض نتيجة مسلسل فشل المخططات التي وضعها المحافظون الجدد.
صدمة الاكراد
 بداية شهر يناير 2019 ذكرت صحيفة “ذي نيويورك تايمز” الأمريكية، إن طلب الأكراد في شمال سوريا، من الحكومة السورية حمايتهم بعد انسحاب القوات الأمريكية، فاجأ بعض المسؤولين الأمريكيين.
وقال بين هوبارد مراسل الصحيفة في منطقة الشرق الأوسط، إن الأكراد شعروا بالخذلان إثر انسحاب الولايات المتحدة حليفتهم من سوريا، وتوجهوا إلى دمشق طلباً للحماية من الهجمات التي قد تشنها تركيا عليهم.
وبحسب الصحيفة، من المحتمل أن يفسح هذا الطلب المجال لقوات الجيش العربي السوري المدعومة من روسيا وحزب الله اللبناني لاستعادة الأراضي التي تقع تحت سيطرة الأكراد بالقرب من الحدود التركية. وهو ما سيكون خطوة كبيرة في طريق حكومة دمشق لاستعادة الأراضي السورية المفقودة على مرِّ نحو ثمانية أعوامٍ من الحرب.
وكان هذا الطلب أيضاً هو أولى العلامات على أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا لا يغير التحالفات في الصراع فحسب، بل يعود بنفعٍ مباشرٍ كذلك على حكومة سوريا.
وذكرت وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة أمريكياً إن الجيش السوري ينبغي أن يرسل قواتٍ إلى مدينة منبج الواقعة بالقرب من الحدود التركية.
وبحسب الصحيفة، يعني هذا الطلب أن أحد حلفاء الولايات المتحدة يطلب من أحد أعدائها حمايته من حليف أمريكي آخر، وهو تركيا.
حرب بين الفصائل
 بينما تتخبط واشنطن في محاولتها تطبيق المعادلة المستحيلة “الانسحاب والبقاء” في سوريا، تنشب معارك تصفية بين الفصائل المسلحة التي استخدمت طوال ثمان سنوات للإطاحة بدمشق، بينما تسعى فصائل كردية للتصالح مع الحكومة السورية وإستقدام الجيش العربي السوري لحمايتها.
 نقلت وكالة أنباء رويترز يوم 6 يناير عن سكان في قرى سورية قرب الحدود مع تركيا إن القوة الرئيسية للمسلحين المدعومة من تركيا انتشرت على امتداد خطوط المواجهة قرب مواقع من يوصفون بالمتشددين في شمال غرب سوريا لصد أي تقدم جديد للمتشددين بعد هجوم أدى إلى توسيع سيطرتهم في آخر معاقل من تصفهم أنقرة بالمعارضة بالبلاد.
ودخل مقاتلو هيئة تحرير الشام التي كانت مرتبطة سابقا بالقاعدة يوم الأحد بلدة الأتارب بعد أيام من انتزاع السيطرة على بلدة دارة عزة من منافسيهم في هجوم عسكري امتد بعد ذلك عبر إدلب ومناطق قريبة من الحدود التركية مخلفا أكثر من 230 قتيل في الجانبين. وتقع الأتارب ودارة عزة في ريف حلب الغربي.
ودخل رتل من مقاتلي هيئة تحرير الشام بلدة الأتارب ذات الكثافة السكانية العالية بعد إجبار وجهائها على تسليم السيطرة عليها من خلال التهديد باقتحامها وتدميرها إذا لم يغادر مقاتلو المعارضة المخالفون لأفكارهم المتشددة.
وأثار هجوم هيئة تحرير الشام قلق ما يسمى الجيش الوطني المعارض وهو القوة الرئيسية لمقاتلي المعارضة الذين تدعمهم حاليا تركيا والتي تهدف إلى توحيد الفئات المختلفة في شمال غرب سوريا.
وقال المتحدث باسم ما يسمى بالجيش الوطني السوري المعارض الرائد يوسف حمود ”اتخذنا قرار المشاركة بصد بغي هيئة تحرير الشام على ريف حلب وادلب وريفها.
”هناك جيوب تعمل عليها قواتنا لمنع تمدد قوات هيئة تحرير الشام وبسط سيطرتها على مزيد من القرى والبلدات.
”تهدف هيئة تحرير الشام إلى إنهاء تواجد فصائل الجبهة الوطنية للتحرير وبسط سيطرتها على كامل مدينه ادلب وصبغها بالسواد“.
ويضم الجيش الوطني حسب البلاغات الأمريكية نحو 35 ألف مقاتل ويعد من أكبر الفصائل المسلحة الممولة من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وأطراف اخرى في حرب أدت إلى سقوط مئات الآلاف من القتلى وتشريد 11 مليون شخص خلال السنوات الثمان الأخيرة.
وتعد هيئة تحرير الشام القوة المهيمنة في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة مسلحي المعارضة كما أن لديهم أيضا إدارة مدنية تدير الخدمات الأساسية في بلدات كثيرة منها مدينة إدلب.
وتفصل خلافات ونزاعات على النفوذ والمال ومداخيل الجباية المقاتلين المتشددين عن جماعات في الجيش السوري الحر تجمعت تحت لواء الجبهة الوطنية للتحرير التي حصلت على دعم تركيا.
انعاش داعش
 جاء في تقرير نشر في العاصمة اللبنانية بيروت ونشرته صحيفة الأخبار اللبنانية يوم 4 يناير “من خارج السياق، جاء قرار الرئيس الأمريكي سحب قوات بلاده من الشرق السوري. الخطوة أحدثت مفاجأة حتى لأقرب حلفاء واشنطن في المنطقة، وأُثيرت تكهنات كثيرة حول أسبابها وأهدافها. وبعيداً عن الجنوح نحو اعتبارها “استسلاماً أمريكياً مبكراً” وتخلياً عن الورقة السورية، تؤكد مصادر كردية مطّلعة أن القرار الأمريكي يأتي في إطار إنعاش تنظيم “داعش” وإحياء سيطرته على المنطقة الاستراتيجية شرق الفرات، لا سيما على الحدود السورية العراقية، لقطع التواصل بين البلدين، وبين أطراف المحور المعادي لإسرائيل وواشنطن، وهو أحد الأهداف الاستراتيجية الأمريكية للحرب التي شنت على سوريا منذ 2011.
المصادر أكدت أن فشل الاستراتيجية الأمريكية السابقة في ما خص سوريا والعراق، بعد سلسلة الهزائم التي تعرضت لها، جعلت واشنطن أمام خيارين: إما الخروج من المنطقة من دون أي مكاسب، أو استمرار نفوذها، السياسي والعسكري، عبر أطراف أخرى، ويبدو أن الأمريكيين اختاروا الخيار الثاني عبر إنعاش تنظيم داعش وتعزيز سيطرته في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا.
نهوض سوريا تهديد لإسرائيل
 يوم فاتح يناير توقع اللواء تامير هايمان، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”، حدوث “تغيير مهم” في سوريا في عام 2019، من دون أن يحدده. وأضاف هايمان، خلال محاضرة له في تل أبيب، أن الوجود الإيراني “مع عودة الاستقرار إلى سوريا تحت مظلة روسية شيء نراقبه من كثب”.
جاء في تحليل نشر في بيروت يوم 5 يناير، لتصريحات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: لم يكن إقرار اللواء تامير هايمن، بأن سوريا “تسير الآن نحو الاستقرار” إلا وصفاً لواقع قائم أكثر منه ترجيحاً لمسار على آخر، وهي حقيقة تؤكدها هرولة المهزومين للعودة إلى دمشق، من دون أن يلغي ذلك إمكانية أن يكون جزءاً من خيار جديد لأهداف بديلة. بدا تقدير هايمن أنه إقرار بواقع كان أبعد ما يكون عن مروحة رهاناتهم، خصوصاً أنه أتى بعد سلسلة تقديرات فاشلة وسمت كل محاولات استشراف مستقبل سوريا آنذاك. بدأ مسلسل الفشل منذ اللحظات الأولى للأحداث السورية، عندما توقعت المؤسسة الإسرائيلية، بشقيها السياسي والاستخباري، “السمة الغالبة” سقوط الرئيس بشار الأسد خلال أسابيع، ومن استبعد قليلاً، تحدث عن أشهر.
بعد ذلك، توالت التقديرات البديلة التي حاولت استشراف مستقبل التطورات بالاستناد إلى رهاناتهم على الجماعات الإرهابية التي كانوا يرون أنه من الصعوبة القصوى نجاح محور المقاومة، حتى مع المساعدة الروسية “في بدايات التدخل”، في القضاء على سيطرتهم على الأراضي السورية. واستناداً إلى هذا المفهوم توقعوا في تل أبيب استنزاف حزب الله بما يؤدي إلى إضعافه، على أمل أن يساهم ذلك في تقييد الحزب في مواجهة إسرائيل، وتوفير الأرضية لخيارات وسيناريوات تسمح بتوجيه المزيد من الضربات إليه. انسحب هذا التقدير أيضاً على الرهان على إمكانية تحول سوريا إلى مستنقع للقوات الروسية بما يؤدي إلى تقسيم البلد في صيغة هي أبعد ما تكون عما هو قائم الآن.
على خط موازٍ، يرى التقدير الاستخباري الإسرائيلي السنوي، كما ألمح هايمن، أن “حضور إيران يساند هذا الاستقرار”، وهو ما يكشف عن جوانب أساسية من خلفية تركيز الخطاب السياسي الإسرائيلي على الوجود الإيراني في الساحة السورية، خصوصاً أنه أضاف: “يمكن أن يحدث “ذلك الوجود” مستقبلاً تغييراً مهماً في 2019، لبناء قوتها “طهران” على نحو يمكن أن يمثل تهديداً مستقبلياً لإسرائيل”. مرة أخرى تؤكد “أمان” رسمياً أن منبع مخاوفها تكمن في استعادة سوريا قدراتها العسكرية والصاروخية وتطويرها، وهو ما ترى فيه تل أبيب تهديداً لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي إزاءه. وتكشف أيضاً عن أن التقويم الاستراتيجي لمجمل التطورات التي شهدتها سوريا هو أن إسرائيل خرجت خاسرة من هذه الحرب، وباتت أمام بيئة إقليمية تنطوي على تهديدات لم تكن لتخطر على بال أي من قادتها.
عام بناء القوة
 يمهد هذا النوع من التقدير الاستخباري إزاء مستقبل سوريا المنظور لحقيقة أن إسرائيل عازمة على مواصلة اعتداءاتها في الساحة السورية، على أمل أن يساهم ذلك في الحد من المسار التصاعدي لدمشق، وفقاً لما شخصه هايمن في كلمته. ومع أن كل اعتداء بات ينطوي على إمكانات تدحرجه إلى مواجهة لكن محدودية الخيارات تدفع تل أبيب إلى الإصرار على خيارها العدواني، وما ذلك إلا نتيجة قناعة راسخة بأن استكمال نهوض سوريا هو تهديد للأمن القومي الإسرائيلي، وتراجع لمكانة العدو الاستراتيجية على مستوى المنطقة.
مع ذلك، من الواضح أن القيادتين السياسية والعسكرية تدركان حجم القيود التي فرملت حتى الآن الكثير من السيناريوات، وأنها عندما حاولت تجاوز بعض المعادلات في نيسان/ أبريل الماضي “اعتداء مطار تيفور” كادت تتدحرج نحو مواجهة واسعة. كما تدرك تل أبيب الرسائل والمفاعيل الكامنة في الخيارات الانكفائية للولايات المتحدة، التي سوف تنعكس سلباً عليها، حتى لو حاولت المكابرة. والواقع أن عوامل متعددة تساهم في إحكام هذه القيود على مؤسسة القرار الإسرائيلي: بدءاً من استعادة النظام سيطرته على أغلب الأراضي، وإظهاره المزيد من الاستعداد للتصدي والمواجهة، إضافة إلى تطور قدرات المحور العادي لها بصورة نوعية وغير مسبوقة في معادلات الصراع، وصولاً إلى استمرار الاشتباك السياسي مع موسكو، وهو ما ترى فيه تل أبيب عقبة رئيسية تحتاج المزيد من المعالجة.
برز كل ذلك في طيات كلام هايمن: “هذا الحضور لإيران مع عودة الاستقرار إلى سوريا تحت المظلة الروسية أمر نتابعه بدقة”. وفي مواجهة هذا الواقع المركب والمتعدد الأبعاد، تواصل تل أبيب مساعيها لتحييد الطرف الروسي والعودة معه إلى ما قبل الثامن عشر من سبتمبر 2018، موعد سقوط الطائرة الروسية. ويحضر في هذا السياق الاعتداء الجوي الأخير على سوريا، الذي كان واضحاً أن أهدافه تتجاوز البعد العسكري، القائم بذاته، وإنما محاولة إيصال رسالة إلى “جهات عدة، ليس فقط طهران ودمشق وبيروت، وإنما موسكو”.
وفق صحيفة “إسرائيل اليوم”، إن “روسيا غير راضية عن الهجمات الإسرائيلية، ليس لأنها مع إيران، وإنما لأنها ترغب في الهدوء للتمتع بثمار إنعاش الاقتصاد السوري. وفي نظرها المعادلة بسيطة: مواصلة الهجمات تساوي فوضى ومال أقل”، ما قد يعني أن إسرائيل سوف تواصل اللعب على حافة التدحرج على أمل بأن يساهم ذلك في استدراج موسكو إلى التفاهم على صيغة تؤدي تحييدها كلياً وتدفعها إلى الضغط على الطرف الإيراني. لكن مشكلة هذا النوع من الرهانات أن تل أبيب لا تعتمد عليه انطلاقاً من قناعة راسخة بأرجحية تحققه، وإنما لأنه ليست لديها خيارات بديلة أكثر نجاعة”.
إسرائيل وحيدة
 رأت دراسة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب ونشرت في صحيفة رأي اليوم يوم 7 يناير 2019، أنه بالنسبة للولايات المتحدة، التي لا تزال لديها مصالح في الشرق الأوسط، فإن انسحاب القوات المتسرع من سوريا يضعِف تأثيرها على العمليات في المنطقة، ويحد من مجالها للمناورة في مواجهة التحديات القائمة، مضيفةً أن واشنطن تركت حلفاءها بعلامات استفهامٍ فيما يتعلق بقدرتها على دعم سياساتهم، وفي الوقت عينه، تزيد من دوافع إيران لتعزيز قبضتها ونفوذها في المنطقة، وبالتالي، أضافت، تبقى إسرائيل وحدها في حملتها ضد التمركز الإيراني في سوريا، وعلى الأغلب ستحصل على دعمٍ سياسي من الولايات المتحدة في سياق هذا الصراع.
وتابعت الدراسة قائلةً يبدو أنّ الانسحاب يهدف إلى منع الاحتكاك بين القوات الأمريكيّة والقوات التركيّة في شمال شرق سوريا، ولكن على أيّ حالٍ، لا يبدو أنّ القرار هو أحد مكونات اتفاق أوسع في سوريا يشمل روسيا كذلك .
وتابعت أنّه على الرغم من تصريحات واشنطن بأنّها لا ترغب في تكرار أخطاء إدارة أوباما عندما قرر الانسحاب من العراق، فلا توجد حتى الآن إستراتيجية منظمة لليوم التالي للقضاء على القبضة الإقليمية للدولة الإسلامية، وأيًا كان السبب المباشر ، فإن هذا القرار ، بالإضافة إلى تحركات وبيانات أخرى من الرئيس ترامب منذ توليه منصبه، يظهر أنّه حتى لو وضع لنفسه عددًا من الأهداف في الشرق الأوسط، وقبل كل شيءٍ، تغييرًا في السياسة الإيرانية، ترامب غير مستعد لمواصلة تحمل عبء ومخاطر القوات الأمريكيّة في الشرق الأوسط. موضحةً إنّه في الواقع، وبصرف النظر عن الجهود المبذولة لتجديد وتعزيز العقوبات على إيران، فإن هذه الخطوة تترك واشنطن دون سياسة متماسكة فيما يتعلق بالأهداف التي ترغب في تحقيقها.
علاوة على ذلك، شددت الدراسة، أصبح من الواضح بشكلٍ متزايدٍ لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أنّه من الصعب الاعتماد على الإدارة كمكونٍ أساسي لإستراتيجيتهم للتعامل مع التهديدات التي تواجههم، كما ينظَر إلى انسحاب القوات على أنها “خيانة” أخرى من قبل واشنطن لحلفائها، ويفاقِم قرار واشنطن فقدان مصداقيتها بين العناصر الإقليمية، ويقوِض أيضًا وضع كبار الشخصيات الإدارية التي تتحدث باسم السياسة الأمريكية.
في الواقع، رأت الدراسة أنه على الرغم من الخطاب العاطفي ضد الإدارة الأمريكية وإعادة فرض العقوبات، لم تغير إيران حتى الآن سلوكها الإقليمي، ولا سيما رغبتها في مواصلة تعزيز وجودها في سوريا ومساعدة حزب الله على زيادة قوته العسكرية، وترى طهران، أن التطورات الإقليمية في الواقع تعكِس اتجاهًا إيجابيا، وعلى وجه الخصوص ما يمكن أنْ تفسره على أنه افتقار إلى التصميم الأمريكي، وضعف السعودية بعد مقتل الصحفي خاشقجي، وجهود روسيا للحد من حرية إسرائيل في المناورة في سوريا، والنفور في إسرائيل من أي تصعيدٍ للقتال مع حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان.
وأقرت الدراسة بأن رحيل القوات الأمريكية سيسرِع العملية التي بموجبها يعيد نظام الأسد فرض سيطرته على مناطق في شرق وشمال سوريا تحت سيطرة الأكراد ويستفيد من الدعم الأمريكي، كما يعزز هذا التحرك صورة الأسد باعتباره الفائز في الحرب، بدعمٍ من التحالف الروسي الإيراني. من المحتمل جداً أن تقرر قوات سوريا الديمقراطية في هذه الحالة أن تتعاون مع نظام الأسد، لكنها ستتوقف أيضًا عن القتال ضد جيوب داعش لأنّهم يشعرون بالخيانة من جانب واشنطن، وأيضًا لأنهم يخشون من قيام تركيا بتنفيذها.
وتابعت الدراسة أنّه بقرارها سحب قواتها، تخلت واشنطن عن “الملف السوري” بشكلٍ شبه كاملٍ إلى روسيا وفقدت ورقة مساومة مهمة في الجهود للتأثير على أي تسوية سياسيةٍ في سوريا، وستحاوِل روسيا استخدام رحيل ترامب من المسرح لزيادة قدرتها على التأثير والمناورة في سوريا، وبالتالي إثبات أن سياستها تعكِس العزم والمسؤولية والمثابرة والاستقرار، والرسالة هي أن الخطوة الأمريكية تحدد وضع موسكو كعنصرٍ مركزي في الشرق الأوسط، كما ترى روسيا، ستكتسب مسألة الوجود الإيراني في سوريا أهميةً أكبر كورقة مساومة في جهودها لإقناع واشنطن بالعمل معها في قضايا أخرى، خارج الشرق الأوسط.
وتابعت الدراسة أنّه حتى لو كانت واشنطن لا تزال لديها مصالح في المنطقة، فإن سلوكها في سوريا وردها على مقتل خاشقجي يُضعِف نفوذها ومجالها للمناورة فيما يتعلق بالتحديات القائمة، وهذا بدوره يترك للحلفاء تساؤلات حول قدرة الإدارة الأمريكية على دعم سياساتهم، فقد توقعت إسرائيل أن تتخذ واشنطن خطواتٍ أكثر حزمًا لإبعاد إيران ووكلائها من سوريا، ومواصلة الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا من أجل منع “الجسر البري” الإيراني من الشرق إلى سوريا.
واختتمت لدراسة إنه بالنسبة لإسرائيل، فإن المغزى الرئيسي هو احتمال أن يشجع الانسحاب إيران على تعزيز قبضتها الإقليمية على المناطق التي كانت حتى الآن تحت النفوذ الأمريكي، وحتى قبل ذلك، كانت العلاقات المهتزة بين واشنطن وموسكو تعني أن إسرائيل لا تستطيع الاعتماد عليها كوسيطٍ ضد الضغوط الروسية، وفي الواقع، تترَك إسرائيل بمفردها في المعركة ضد التمركز الإيراني في سوريا، على حد تعبيرها.
العودة
 يتزايد مع بداية سنة 2019 عدد الدول التي تتراجع عن إنحيازها لصفوف أعداء الحكومة السورية، حيث تستأنف تدريجيا علاقاتها الرسمية والدبلوماسية مع دمشق.
 أفادت صحيفة “راي اليوم” التي تصدر في لندن نقلا عن مصادر مطلعة ان بريطانيا، بدأت يوم الخميس 3 يناير، العمل على ترميم السفارة البريطانية في دمشق، لتجهيزها لفتح أبوابها قريبا.
وتزايدت الدعوات البريطانية مؤخرا لفتح السفارة في دمشق حيث اعتبر اللورد كوينسبيريس كارولين كوكس، العضو المستقل في مجلس اللوردات، أن على بريطانيا إعادة فتح سفارتها في دمشق، حيث سيمنحها فرصة الحصول على المعلومات من مصدرها “المباشر”.
جاء ذلك بعد إعادة الامارات فتح سفارتها في دمشق يوم 27 ديسمبر مجددا بعد إغلاق دام سبع سنوات، وإعلان البحرين استمرار العمل في سفارتها التي قالت انه لم ينقطع ابدا، ودعوات لحضور دمشق القمة العربية المقبلة.
 نهاية محاولات عزل سوريا عربيا ودوليا ووجهت برفض عدة أطراف. وهكذا قالت جماعة الإخوان بسوريا، يوم السبت 5 يناير، إن إعادة فتح سفارات عربية لدى دمشق “دعم للإرهاب بالمنطقة”. ووصفت الجماعة في بيان نقله موقعها الإلكتروني الرسمي، إعادة فتح السفارات، “خطوة مؤسفة داعمة لنظام الأسد، وتعبير عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين”.
 وكالة أنباء رويترز ذكرت في خبر لها من الرياض أن نصر الحريري كبير مفاوضي المعارضة السورية عبر يوم الأحد 6 يناير عن استغرابه من قرار بعض الدول استئناف العلاقات مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وحثها على العدول عن ذلك.
وأضاف الحريري للصحفيين في الرياض ”هذه الخطوة المصالحة .. لا نملك فيها القدرة على وقفها“.
وأضاف ”لا يزال يحدونا الأمل بأن هناك إمكانية أن تعيد هذه الدول قراءة قراراتها التي قامت بها وينبغي أن تدرك أن العلاقة الحقيقية والمتينة والرصينة والقوية تكون مع اشقائهم من الشعب السوري وليس مع هذا النظام“.
الطريق مفخخ
كتب الصحفي والمحلل صهيب عنجريني يوم 3 يناير 2019:
 على رغم انحسار رقعة المعارك، وعودة معظم الجغرافيا إلى سلطة الدولة المركزية، لا يزال المشهد السوري مفتوحاً على احتمالات غامضة ومعقدة. سواء في ذلك ما يتعلق بملامح نهاية حقيقية للحرب، أو بمستقبل الحل وشكله، ومستقبل البلاد.
تطوي الحرب السورية عاماً آخرَ حافلاً بالأحداث الميدانية، فيما يقف مستقبل البلاد على مفترقٍ حاسم على مختلف الصعد. وإذا كانت خواتيم العام الماضي قد حملت معها ملامح انفراجة على صعيد علاقة دمشق بمحيطها العربي، مع ما قد يعنيه ذلك من فرصة لقطع خطوات في مسار التسويات المنشودة، فإن مجريات العام بمجملها تبدو صالحة لوضع “سوريا الغد” أمام احتمالات مفتوحة في ما يتعلق بالجغرافيا أي سيادةً ووحدةً وما يتصل بالهوية و”المصير المشترك” بين السوريين بمختلف مكوناتهم وانتماءاتهم. ومثلما انتهى العام 2017 على وقع تهديدات بتمدد الغزو التركي “سرعان ما تحولت إلى أمر واقع” يتكرر الحال في نهاية العام 2018. وحتى الآن، يصعب الجزم بأن سيناريو عفرين لن يتكرر في منبج، في ظل تعاظم الدور التركي، وتعقيدات المصالح التي تجمع بين حلفاء دمشق وبين أعدائها، واتساع الهوة بين الفرقاء السوريين وصعوبة مد الجسور في معزل عن التأثيرات الخارجية.
ومن المنتظر أن يشكل مصير منبج أول اختبارات العام الجديد، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على مشهد “شرق الفرات” بأكمله. وتحظى منبج بأهمية كُبرى في المعادلات المستقبليّة، سواء على صعيد موقعها الجغرافي، أو لجهة ما تمثله من حالة مفتاحية صالحة لتكريس تفاهمات بين دمشق وبين «الإدارة الذاتية” والكيانات المرتبطة بها، مع ما يعنيه ذلك “في حال تحققه” من تحجيم دور أنقرة في المعادلة السورية. وحتى الآن، أجاد الأتراك الإفادة من كل المجريات في تجذير حضورهم في المناطق التي تم احتلالُها بمسميات مختلفة “درع الفرات”، “غصن الزيتون”، “نقاط المراقبة”.
وربطت معظم تلك المناطق بأنقرة اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، فيما تواصلت بهدوء عمليات “مأسسة المجموعات المسلحة” ووضع مصطلح “الجيش الوطني” قيد التداول مع ما يعنيه ذلك من رصيد صالح للاستثمار على طاولات “الصفقة النهائية”. وأفضى العام الأخير إلى بسط سلطة الدولة السورية على مساحات جديدة من الجغرافيا، وأقصى التهديدات بعيداً من العاصمة، وأعاد فتح معابرها الجنوبية تحت سيطرة حكومية. لكنه شهد في الوقت نفسه تجذيراً للاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي، وترك الباب مفتوحاً أمام كل السيناريوات في إدلب، وانتهى على مشهدية غامضة في “شرق الفرات”. وفيما تلاشت في شكل شبه نهائي السطوة الجغرافية لتنظيم “داعش”، حظيت تنظيمات متطرفة أخرى بفرصة لالتقاط الأنفاس وتعزيز هيمنتها على حياة السوريين في إدلب وريف حلب الغربي. وأفلح تنظيم “حراس الدين” الممثل الجديد لتنظيم “القاعدة” في فرض نفسه “حاكماً بأمر الشريعة” في عدد من مناطق إدلب، تنافسه في ذلك “جبهة النصرة” التي أفلحت في تجيير اتفاق “المنطقة المنزوعة السلاح” لمصلحتها مرحلياً على الأقل لتعيد انتشارها. واستهلت “النصرة” العام الجديد بتمدد” لافت في توقيته وجغرافيته، فيما لا يزال تنفيذ اتفاق “سوتشي” ناقصاً في ظل تلاشي الحديث عن فتح أتوسترادَي “حلب، دمشق” و”حلب، اللاذقية”. وحتى الآن، تحتفظ المجموعات المسلحة بقدرتها على تهديد أحياء حلب، وريف اللاذقية الشمالي، وريف حماة الشمالي.
وأدت تطورات المشهد في الشرق السوري إلى صرف الأنظار عن إدلب حتى وقت غير معلوم، في خضم البحث عن إجابات لأسئلة “ملء الفراغ” المتوقع حدوثه فيما إذا تم تنفيذ الانسحاب الأمريكي المزعوم. ولم يسجل رابع المبعوثين الأمميين “غير بيدرسون” أي نشاط حقيقي بعد أن ورث “المهمة المستحيلة” من المبعوث السابق ستيفان دي ميستورا، الذي انضم إلى سلَفيه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، من دون تحقيق إنجاز حقيقي في مسار “جنيف” المجمد، أو حتى تطويب مسار “سوتشي” بتشكيل “اللجنة الدستورية” الموعودة. وكان العام 2018 قد شهد تكراراً لدق طبول الحرب الخارجية “الرسمية” لا سيما مع شن “العدوان الثلاثي” في شهر أبريل. وتكررت الاعتداءات الإسرائيلية على رغم المعادلات جديدة التي فُرِضت في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية. ووسط كل هذه التعقيدات، استمر السوريون داخل البلاد وخارجها، في دفع أثمان فادحة على مختلف الصعد. وعلى رغم انخفاض عديد الضحايا بفعل انحسار رقعة المعارك وخفوت “قعقعة السلاح” قياسا بالأعوام السابقة، فإن الموت ما زال حاضراً في يوميات السوريين”.
عمر نجيب
[email protected]