
يعيش العالم مع نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين حالة عدم استقرار قصوى وتوتر ومواجهات عسكرية واقتصادية وسياسية تتعمق وتتسع مع مرور الوقت، حتى أنه وبعد 35 سنة على نهاية الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي تكثر بشكل غير مسبوق التحذيرات بشأن قرب نشوب حرب عالمية ثالثة.
هذه الحالة الخطرة التي يمر بها العالم تعود بشكل أساسي إلى أن القوة العالمية التي فرضت تحكمها على العالم منذ العقد الأخير من القرن العشرين وحتى منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وجعلت الامتثال لقواعد ما سمي بالنظام العالمي الذي وضعته أساسا للإستقرار والأمن لبقية دول المعمور، ترفض التأقلم مع وضع دولي مختلف نتيجة بروز قوى جديدة منافسة سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي، قوى تتجرأ على عصيان إملاءات الولايات المتحدة.
مشكلة واشنطن أنها لم تقبل التعامل والتعايش مع واقع تبدل موازين القوى على أكثر من صعيد لغير صالحها، وتسعى بكل الوسائل لاستعادة هيمنتها السابقة وهو ما يساهم في تشتيت قدراتها.
يقول جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو منذ عام 1982، وأحد أبرز منظّري الواقعية في العلاقات الدولية:
بحلول سنة 2019، بدا واضحا بأن النظام الدولي الليبرالي صار في ورطة عميقة، فالطبقات التكنونية التّي تدعمه تشهد حالة تحولٍ، ولا يوجد إلا الشيء القليل يمكن فعله لأجل إصلاحهوإنقاذه. في الحقيقة، فإن هذا النظام كان محنم عليه الفشل منذ البداية بما أنه يحمل بذور خرابه في ذاته.
يرعب سقوط النظام الدولي الليبرالي النخب الغربية التي بنته والتي استفادت منه بالعديد من السبل، لقد اعتقدت هذه النخب بحماس أن هذا النظام بقي وسيظل قوة مهمه في ترويج ما تصفه السلام والازدهار حول العالم. كما ألقى العديد منهم اللوم على الرئيس دونالد ترامب بسبب ما لحق به من فناء. على كل حال، فقد أعرب ترامب عن ازدرائه للنظام الليبرالي أثناء حملته الانتخابية الرئاسية سنة 2016، ومنذ أن أمسك بالسلطة مرة أولى وثانية اتبع ترامب سياسات بدا بأنها صممت بغية هدمه.
لكن قد يكون من الخطأ التفكير بأن النظام الدولي الليبرالي يعيش في ورطة بسبب بلاغة ترامب وسياساته وحسب. في الحقيقة، فإن هناك مشكلات أساسية أعمق تلعب دورا في ذلك، وهو ما يفسر سبب تمكن ترامب بنجاح من تحدي نظامٍ يحظى بتأييد شامل تقريبا بين نخب السياسة الخارجية في الغرب.
هنا ثلاثة أنماط من الحجج. أولا، فلأن الدول في العالم الحديث تكون مترابطة بعمق بطرق متعددة، فإن النظم تكون ضرورية لأجل تسهيل التفاعلات الفعالة وفي الوقت المناسب. هناك العديد من أنماط النظم الدولية، وأي نمط يصعد فهو يعتمد أساسا على التوزيع العالمي للقوة. لكن حينما يكون النظام أحادي القطبية، فإن الإيديولوجيا السياسية للقطب الواحد مهمة أيضا. يمكن للنظم الليبرالية الدولية أن تنشأ فقط في الأنظمة الأحادية القطبية أين تكون الدولة القائد دولة ديمقراطية ليبرالية.
ثانيا، لقد قادت الولايات المتحدة نظامين مختلفين منذ الحرب العالمية الثانية وهما، نظام الحرب الباردة والذي يشار إليه على نحوٍ خاطئ في بعض الأحيان باعتباره "نظاما دوليا ليبراليا"، في حين أنّه لم يكن ليبراليا ولا دوليا، بل كان نظاما محدودا مقتصرا أساسا على الغرب، كما كان نظاما واقعيا في كل أبعاده الأساسية. لقد حمل بعضا من الملامح التّي كانت متسقة أيضا مع النظام الليبرالي إلا أن تلك المميزات كانت مرتكزة على منطق واقعي. في المقابل، فإن نظام ما بعد الحرب الباردة الذّي قادته الولايات المتحدة هو نظام ليبرالي ودولي، ولذلك فهو يختلف بطرق أساسية عن النظام المحدود الذّي هيمنة عليه الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة.
ثالثا، أما النظام الدولي الليبرالي لحقبة ما بعد الحرب الباردة، فقد كان مصيره الانهيار، لأن السياسات الأساسية التي اتكأ عليها مَعيبة ومشوهة بشكل عميق. إن عملية نشر الديمقراطية الليبرالية حول العالم والتي تعد مسألة ذات أهمية قصوى لأجل بناء هكذا نظام، لا تعتبر عملية صعبة للغاية وحسب، بل إنها تسمم في العادة العلاقات مع البلدان الأخرى وتقود في بعض الأحيان إلى حروب كارثية. تعد النَزعَة القومية (Nationalism) داخل الدول المستهدفة العقبة الأساسية لترويج الديمقراطية، كما أن سياسات توازن القوى تعمل كقوة كابحة مهمة أيضا.
غزة لبنان إيران
في منطقة الشرق الأوسط المركز تخوض الولايات المتحدة مع غالب مكونات تحالفاتها الغربية معركة تعتبرها مصيرية في الصراع الأوسع مع الصين وروسيا الذي يشمل سائر قارات العالم.
في غزة وبعد الفشل الإسرائيلي الغربي على مدى أكثر من سنتين وثلاثة أشهر في هزيمة المقاومة الفلسطينية عسكريا، نصب فخ نزع سلاح حركة حماس وبقية قوى المقاومة كمخرج من الصراع، نفس الأمر يسعى لتنفيذه في لبنان بسحب الأداة التي مكنت هذا القطر من ردع إسرائيل لأكثر من ثلاثة عقود بعد أن أجبرته على الانسحاب من الجنوب اللبناني صيف سنة 2006 دون شرط.
على مدى سنوات يسعى الغرب لمنع إيران بعد أن دمر العراق وليبيا وسوريا من امتلاك قدرات الردع ونزع سلاحها من الصواريخ والطاقة النووية. ومع نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين يسير الغرب على خطى خوض حرب واسعة ليس ضد طهران فحسب بل ضد المكونات الثلاث التي تتحدى هيمنتها في المنطقة.
جاء في بحث وضعه الأستاذ والكاتب الصحفي بوستة مسعود:
منذ نهاية الحرب الباردة، صار مصير الدول التي تدخل في مواجهة مع الغرب محكوما بمسارين رئيسيين: إما الاستسلام والانخراط في النظام الدولي بشروطه القاسية، كما حدث في ليبيا، والعراق، أو إتباع نهج الردع القائم على القوة العسكرية والنووية، كما في حالة كوريا الشمالية.
اليوم، تقف إيران عند منعطف خطير يشبه ما عرفته تلك الدول،لكنها تحمل في جعبتها خبرات تاريخية، وحزمة من الخيارات المحدودة، التي قد تحدد مستقبلها السياسي ومصير شعبها لعقود قادمة.
استطاعت كوريا الشمالية أن تفرض معادلة مختلفة، فبرغم العقوبات الخانقة والعزلة الدولية، تمكنت من تطوير برنامجها النووي حتى صار حقيقة لا جدال فيها.
يذكرنا الغرب، في كل مرة يتحدث فيها عن "قبول إيران بالشروط"، بما جرى للعراق، وليبيا. فالعراق، الذي أنهكته حرب الخليج ثم الحصار الطويل، انتهى به المطاف إلى الغزو المباشر عام 2003، وإسقاط نظامه بالكامل، بحجة امتلاكه أسلحة لم يعثر عليها.
لم يكن العراق يمتلك ردعا نوويا، ولا شبكة تحالفات قوية تحميه، فصار مثالا على الدولة التي استسلمت تدريجيا حتى استنزفت ثم سقطت.
أما ليبيا، فقد قررت طوعا التخلي عن برنامجها النووي عام 2003، ظنا أن ذلك سيؤدي إلى اندماجها في المجتمع الدولي، لكن النهاية كانت مأساوية: تدخلا عسكريا غربيا أطاح بالنظام، وأغرق البلد في فوضى مستمرة.
بالنسبة لطهران، تبدو ليبيا المثال الأكثر إيلاما، لأنها تظهر بوضوح أن التخلي عن ورقة الردع لم يضمن الأمن ولا الاستقرار.
نموذج الصمود عبر الردع
على النقيض، استطاعت كوريا الشمالية أن تفرض معادلة مختلفة، فبرغم العقوبات الخانقة والعزلة الدولية، تمكنت من تطوير برنامجها النووي حتى صار حقيقة لا جدال فيها. واليوم، لا يجرؤ الغرب على التفكير في غزو بيونغ يانغ، ليس حبا بالنظام ولا احتراما لسيادته، بل خوفا من قدرة الردع النووي والصاروخي التي راكمتها.
كوريا الشمالية دفعت ثمنا اقتصاديا واجتماعيا باهظا، لكنها ضمنت بقاء النظام وعدم تكرار سيناريو بغداد أو طرابلس.
يعرف الغرب جيدا نقاط ضعف إيران، لذلك يركز على سلاح الاقتصاد: العقوبات على النفط، وتقييد النظام البنكي، وتجفيف مصادر العملة الصعبة.
تتابع إيران هذه التجارب بعناية، وهي تدرك أن الغرب يعرض عليها خيارين لا ثالث لهما: إما القبول الكامل بالشروط، ما يعني التراجع عن مشروعها النووي وتقليص نفوذها الإقليمي، أو مواجهة عقوبات خانقة قد تفضي في النهاية إلى محاولة إسقاط النظام. وفي كلتا الحالتين، تبقى مساحة المناورة محدودة.
لكن الدرس المستخلص من التجارب الثلاث يكاد يكون واضحا: من يتخلى عن أوراق القوة الإستراتيجية يسقط، ومن يحتفظ بها – مهما كان الثمن- فسيبقى.
ولذلك، يبدو أن طهران تميل أكثر فأكثر إلى الخيار الكوري الشمالي: التمسك بمشروعها النووي كضمانة وجودية، حتى لو أدى ذلك إلى عزلة طويلة.
التجارب أثبتت أن الحصار الاقتصادي، رغم قسوته، لا يؤدي بالضرورة إلى انهيار الأنظمة، بل قد يزيدها تشددا.
فالعراق صمد أكثر من عقد تحت الحصار، وكوريا الشمالية تحولت إلى اقتصاد حرب مكتف ذاتيا نسبيا، وإيران نفسها خبرت العقوبات منذ عقود، وطورت بدائل محلية وتحالفات مع روسيا والصين.
الحرب قادمة
بينما يستمر الجدل حول خيارات طهران، تستعد إسرائيل والولايات المتحدة لتجربة شن حرب ثانية ضد إيران ما بين نهاية سنة 2025 وصيف 2026 لعلهما تنجحان فيما فشلت فيه حربالأثنى عشر يوما التي بدأت في 13 يونيو 2025. شن الحرب يعني الاقتناع في الغرب بأن إيران أصبحت على وشك صنع سلاح نووي أو ربما أنتجته فعلا وتطوره ليصبح قابلا من حيث الحجم لينقل بالصواريخ أو الطائرات.
فجر الجمعة 19 ديسمبر 2025، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوتالإسرائيلية، أن السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي،أعرب عن أمله في عدم نشوب حرب مع إيران، وحث طهران علىإعادة النظر في طموحاتها النووية.
وقال هاكابي في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية: "آمل ألا تندلع حرب. آمل أن تعود إيران إلى رشدها".
وأضاف أن التحركات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة تهدف إلىتوجيه رسالة واضحة إلى طهران، وحث القادة الإيرانيين علىاستخلاص العبر من المواجهات السابقة.
تأتي تصريحات هاكابي في الوقت الذي يحذر فيه مسؤولونإسرائيليون وغربيون من أن أي خطوة من جانب إيران لاستئنافتخصيب اليورانيوم بمستويات عالية قد تستدعي ردا.
وقد أبلغ دبلوماسيون أوروبيون موقع "المونيتور" في وقت سابقمن شهر ديسمبر أن إسرائيل قد تشن ضربة على إيران خلالعام 2026 إذا ما تأكدت من أن طهران بصدد استئناف تخصيباليورانيوم. وقال دبلوماسي غربي إن أي حملة جديدة ستكونعلى الأرجح قصيرة ومكثفة، ومن المتوقع أن ترد إيران بإطلاقصواريخ.
ويقول محللون إن التخصيب لا يزال السبب الرئيسي للتصعيد.وقال راز زيمت، من معهد الدراسات الأمنية القومية الإسرائيلي،إن العودة إلى التخصيب، أو أي أنشطة متعلقة بالأسلحة، أومحاولات استعادة اليورانيوم الذي يعتقد أنه فقد في هجماتيونيو، ستستدعي على الأرجح ردا إسرائيليا.
وأضاف زيمت: "كلما مر الوقت دون أن تتوصل الولايات المتحدةوإيران إلى اتفاق نووي، زادت احتمالية اندلاع جولة جديدة منالصراع".
الجيل الرابع
تفيد مصادر غربية أن صورا بالأقمار الصناعية أظهرت نشاطاجديدا في موقع نطنز النووي الإيراني الذي تضرر سطحيا فقط والواقع أسفل الجبال خلال نزاع يونيو، ووفقا لما ذكره مركزأبحاث أمريكي يوم الخميس 18 ديسمبر، في حين لا تزال الوكالةالدولية للطاقة الذرية غير قادرة على الوصول إلى العديد منالمنشآت الإيرانية الأكثر حساسية بعد أن تبين أنها تتجسس لحساب الغرب.
يوم السبت 20 يونيو 2025 صرح المتحدث باسم منظمة الطاقةالذرية الإيرانية بأن بلاده حققت تقدما نوويا كبيرا، وأن تطويرقنبلة ذرية سيكون سهلا للغاية إذا ما قررت طهران المضي قدمافي ذلك.
وقال بهروز كمالوندي: "إن أبسط مهمة هي بناء قنبلة نووية، لأنهالا تتطلب التحكم في الوقود وتنفجر فورا"، واصفا إياها بأنهاأسهل بكثير من بناء محطة طاقة نووية.
وأضاف: "إن بناء محطة طاقة نووية، الذي يتطلب التحكم فيمستويات الوقود والتفاعل، أمر صعب ومعقد تقنيا".
وذكر كمالوندي إن إيران وصلت إلى "أقصى حدود قوتها فيالمجال النووي، ولم يعد هناك أي شيء مجهول أمامنا".
تصريحات كمالوندي جاءت في نفس الوقت تقريبا الذي ذكر فيهتقرير إعلامي إسرائيلي أن إيران درست مفاهيم متقدمة للأسلحةالنووية تعتمد على الاندماج النووي النقي قبل حربها معإسرائيل، واصفا أبحاثا حول نهج نظري لا يتطلب اليورانيوم أوالبلوتونيوم.
وأشار التقرير، الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الجمعة19 ديسمبر، إلى أن علماء إيرانيين درسوا ما وصفه التقرير بأنهسلاح نووي من "الجيل الرابع" يعتمد على الاندماج النوويالنقي، وهي تقنية لم يسبق لأي دولة أن نجحت في إنتاجها.
وأضاف التقرير: "لا يتطلب هذا الاندماج اليورانيوم أوالبلوتونيوم، ولا ينتج عنه أي إشعاع أو تساقط نووي تقريبًا".
وذكر التقرير الإسرائيلي أنه من غير الواضح سبب سعي إيرانوراء أبحاث الاندماج النووي الخالص، نظرا للصعوبة التقنيةالبالغة لهذا النهج.
وحدد التقرير عدة تفسيرات محتملة، منها أن هذا العمل يهدفإلى التغطية على الاهتمام المستمر بالأسلحة النووية التقليدية، أواستكشاف سبل للالتفاف على أطر عدم الانتشار النووي الدولية،أو بناء معرفة علمية من شأنها تقصير جداول التطوير إذا مااختارت طهران مسارا آخر لاحقا.
ومن التفسيرات الأخرى التي ذُكرت أن إيران تسعى لاكتسابخبرة في مواجهة تحديات الفيزياء النووية بالغة التعقيد، حتىوإن لم يكن مسار الاندماج النووي نفسه عمليا.
ويتوافق التقرير الإسرائيلي إلى حد كبير مع تقرير نشرته صحيفةواشنطن بوست، والذي ذكر أن وكالات الاستخبارات الأمريكيةوالإسرائيلية بدأت بجمع معلومات في عام 2023 تشير إلى أنعلماء إيرانيين كانوا يستكشفون عدة مسارات للأسلحة النووية،بما في ذلك مفاهيم قائمة على الاندماج النووي.
المعروف أنه قبل الحرب التي استمرت 12 يوما في يونيو، والتيبلغت ذروتها بغارات جوية أمريكية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية،كانت إيران تخصيب اليورانيوم إلى مستويات نقاء تقاربمستويات إنتاج الأسلحة النووية.
برنامج نووي متطور للغاية
رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية غروسي صرح منتصف شهر ديسمبر: "لدى إيران ما هو أكثر بكثير من هذه المنشآت الثلاث.لديها برنامج نووي متطور للغاية، يشمل أنشطة بحثية ومواقعأخرى عديدة".
وأشار إلى محطة بوشهر النووية العاملة وخطط إيران لإنشاءمفاعلات إضافية، بما في ذلك مشاريع مع روسيا، مضيفا: "العمل مستمر في جميع هذه المجالات".
بينما يدعم الغرب توجهات غروسي حث وزير الخارجية الروسي،يوم الجمعة 19 ديسمبر، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية علىالتمسك بما وصفه بالنهج المحايد وغير المسيس تجاه الملفالنووي الإيراني، مضيفا أن أي تعاون متجدد يجب أن يتم وفقشروط تعتبرها طهران عادلة.
ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن سيرغي لافروف قوله فيالقاهرة: "ندعو المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، غروسي،الذي يسعى جاهدا لإعادة التواصل مع طهران، إلى الالتزام التامبالمهمة التأسيسية لأمانة الوكالة".
وأضاف لافروف: "يشمل ذلك حيادية التقييمات وموضوعيتهاومهنيتها، فضلا عن الأنشطة الأوسع نطاقا لهذه المنظمة". وقاللافروف إنه لا يمكن توقع أن تستأنف إيران تعاونها الكامل معالوكالة الدولية للطاقة الذرية في ظل شعورها بالتعرض للهجماتوالضغوط السياسية.
وأضاف: "تدعم موسكو الجهود المبذولة لاستئناف المحادثات بينإيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن فقط على أساس عادلتعتبره طهران متوازنا ومتسقا مع ولاية الوكالة".
وقد تبنى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدعم منالغرب، قرارا شهر نوفمبر يحثّ إيران على توفير الوصول الكاملإلى برنامجها النووي والمعلومات المتعلقة به. وأفاد دبلوماسيونبأن القرار أُقر بأغلبية 19 صوتا مقابل 3 أصوات معارضةوامتناع 12 دولة عن التصويت، حيث صوتت روسيا والصينوالنيجر ضده.
وزير الخارجية الإيراني عراقجي صرح من جانبه: إن نهجواشنطن يرقى إلى "الإملاء وليس التفاوض"، متهما الولاياتالمتحدة بمحاولة تحقيق ما فشلت في تحقيقه بالقوة من خلالالدبلوماسية.
وقال: "يريدون منا قبول انعدام تخصيب اليورانيوم وفرض قيودعلى قدراتنا الدفاعية. هذا ليس تفاوضاً".
غزة نفس الوصفات ونفس الفشل
في تحليل بقلم كريستيان جوريه على موقع أوريان 21 الفرنسيذكر المحلل والخبير الفرنسي إن "خطة الرئيس الأمريكي دونالدترامب للسلام"، التي أُعلن بموجبها وقف إطلاق النار مقابل تبادلالأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ليستسوى إعادة إنتاج لفكر ومقاربة سياسية قديمة تعود إلى بدايةالألفية، يوم ظهرت "اللجنة الرباعية للشرق الأوسط" عام 2002.
وأوضح الموقع أن اللجنة الرباعية، التي ضمت حينها الولاياتالمتحدة وروسيا "التي كانت تسعى للتعافي من عواقب إنهيارالاتحاد السوفيتي"، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، كانتمحاولة لإحياء عملية السلام بعد انهيار اتفاق أوسلو، وثمرة لحقبةما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.
وأشار الكاتب إلى أن اللجنة الرباعية كانت جزءا من سعيواشنطن لتوحيد جهودها الدبلوماسية تحت شعار "الحرب علىالإرهاب"، والضغط على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفاتللانخراط في التوجه الأمريكي الجديد، ومنذ ذلك الحين، أصبحتإدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جزءا من منظومة أمنيةأمريكية هدفها حماية إسرائيل وتطويع الفلسطينيين، لا تحقيقالسلام الفعلي.
ويرى الكاتب أن خطة ترامب 2025، مثل "خريطة الطريق" التيقدمتها الرباعية عام 2003، ليست سوى أداة لفرض "سلام علىالطريقة الأمريكية" يقوم على نزع السلاح الفلسطيني، وتفكيكالمقاومة، وإقامة سلطة تكنوقراط محلية، لا طابع سياسيا لها.
وتنص النقاط الأولى من الخطة على أن "غزة ستكون منطقةمنزوعة التطرف، خالية من الإرهاب، وتحت رقابة مراقبين دوليين"،وهو ما يعني عمليا نزع سلاح حماس والفصائل تحت إشرافأمريكي مباشر.
ويفسر جوريه هذا الكلام بأنه استمرار للمقاربة الأمنية الغربية،التي تخلط بين الإرهاب الدولي والمقاومة الوطنية، وتتعامل مع غزةكملف أمني، لا سياسي.
وهكذا، يرى الكاتب أن الفلسطينيين يعاد حصر دورهم في المهامالبلدية البسيطة، كما حدث في اتفاق أوسلو الثاني عام 1995،في حين تبقى مفاتيح القرار الحقيقي بيد القوى الدولية، وفيمقدمتها واشنطن.
وذكر الكاتب بأن الرباعية كانت واجهة للدبلوماسية الأميركية،تتحكم واشنطن في قراراتها وتستعملها للضغط على الطرفالفلسطيني عبر حلفائها الأوروبيين والعرب، وأكد أن هذا الأمريتكرر اليوم، إذ لا توجد آليات للمساءلة أو للمحاسبة داخل"مجلس السلام"، ولا أحد يعلم من سيقيم قراراته أو يتحملتبعاتها.
وبهذا، تتحول المؤسسات الدولية -حسب الكاتب- إلى أدواتلتكريس التفرد الأمريكي وحماية المصالح الإسرائيلية، في الوقتالذي يقصى فيه الفلسطينيون من أي دور فعلي في تقريرمصيرهم.
وتنتقل خطة ترامب من فكرة "السلام من أجل التنمية" إلى "الربحمن أجل السلام"، لأن ترامب، كونه رجل أعمال قبل أن يكونرئيسا، يرى في دمار غزة فرصة لبناء "مدن حديثة" على شاكلةدبي أو موناكو.
وقد روج جاريد كوشنر صهر ترامب، منذ عام 2024، لفكرةتحويل غزة إلى "منتجع عالمي"، كما صرح ترامب نفسه عام2025 بأن "غزة يمكن أن تصبح ريفييرا الشرق الأوسط".
وتنص الخطة على إطلاق "برنامج ترامب للتنمية الاقتصادية"،الذي يستقطب كبار مطوري العقارات العالميين لإقامة مشاريعاستثمارية ضخمة على شاطئ البحر المتوسط، ولكنه يطرح سؤالامحرجا لم يغب عن الكاتب الذي تساءل: "هل يعني ذلك تهجيرسكان غزة لإفساح المجال لهذه المشاريع العملاقة؟".
وخلص جوريه إلى أن "خطة ترامب" ليست مشروع سلام بقدر ماهي خطة وصاية سياسية واقتصادية لإخضاع غزة للإشرافالأمريكي، مع دور شكلي للفلسطينيين، وبمباركة عربية ودوليةمحدودة.
وبذلك، يرى الكاتب أن ما يسمى "السلام الأمريكي" ليس سوىإستراتيجية متواصلة لإدامة السيطرة الاستعمارية وإعادة إنتاجالإخفاقات ذاتها التي عرفها الشرق الأوسط منذ أوسلو حتىاليوم، مع تغير الأسماء والأدوات فقط.
نهاية التسوية بأكملها
يوم السبت 20 ديسمبر 2025 صرح وزير الخارجية التركيهاكان فيدان بأن انتهاك إسرائيل المستمر لوقف إطلاق النار فيقطاع غزة يشكل "مخاطر جدية" على عملية التسوية بأكملها.
وقال في أعقاب المفاوضات في ميامي مع المبعوث الأمريكيستيف ويتكوف وممثلي مصر وقطر حول غزة، يوم السبت، إنالمفاوضات كانت لها "أهمية بالغة"، معبرا عن تفاؤل حذر بشأنها.
وأضاف أنه جرى خلال المفاوضات بحث المشاكل التي ظهرتأثناء المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة الأمريكية لوقف إطلاق النارفي غزة.
وأشار إلى أن جميع الإجراءات المستقبلية يجب أن تكون مبنيةعلى مبدأ إدارة القطاع من قبل سكان غزة مع الحفاظ على وحدةالأراضي وتوفير جميع الظروف اللازمة للسكان.
خلاف تل ابيب وأنقرة حول مشاريع غزة وسوريا حيث تساند تلأبيب وواشنطن حركة قسد الانفصالية الكردية التي تعتبر جزء منمشروع أكبر يمس وحدة اراضي تركيا والعراق وإيران، تفرضوضعا جديدا في رسم خارطة التحالفات وترغم أنقرة على إنهاءوهم امكانية تحقيق مكاسب باللعب على الحبلين حيث عليهاالحسم خاصة أن نوايا الطرف الإسرائيلي أصبحت تتجسدبوضوح.
يوم 21 ديسمبر 2025 كشف تقرير عبري أن الاستعدادات لـ"اليوم التالي" بغزة تجري، فيما تعتزم إسرائيل عدم السماحلتركيا بدخول القطاع، ودعت أذربيجان للدخول فى الصورة.
ووفقا لـ"معاريف"، أوضحت إسرائيل أن إدخال قوة تركية إلىغزة يعد "خطا أحمر"، فيما اعتبرته الصحيفة "تمهيدا لضربةقاضية" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وبينما يقدر الجيشالإسرائيلي أن المصريين سيشاركون في تنفيذ المرحلة الثانية، إلاأن التوقعات تشير إلى أنهم لن ينشروا قوات شرطة داخلالقطاع. وذهبت التقديرات إلى أن دولا مثل أذربيجان ودولاإسلامية أخرى من "الدائرة الثالثة" ستكون هي المشاركة فيالقوة الدولية متعددة الجنسيات.
يذكر أنه في بداية العام، كشفت وثيقة رسمية لوزارة الخارجيةالإسرائيلية عن عمق العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيلوأذربيجان، والتي تشمل تعاونا اقتصادياً واسعا، ودعما فريداللجالية اليهودية، وحواراً سياسياً مستمراً. وصرح وزير الخارجيةجدعون ساعر بأن "العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان هي نموذجفريد للشراكة بين دولة يهودية ودولة مسلمة".
وقدمت الوثيقة لمحة عن "عمق الروابط الاستراتيجية معأذربيجان"، التي صنفت كواحدة من أهم شركاء إسرائيل فيالشرق الأوسط. وأكد ساعر أن هذه الشراكة، المبنية على المصالحالمتبادلة والحوار المفتوح، "من المتوقع أن تستمر في التعمق وتكوننموذجا لدول إسلامية أخرى".
وتجدر الإشارة إلى أن التوتر المتزايد في العلاقات التركيةالإسرائيلية بشأن سوريا "يضر بالاستقرار الإقليمي وبمصالحباكو"، كما أعلن رئيس أذربيجان في أبريل 2025. وخلال لقاءعقد في العاصمة الأذرية، أكد الرئيس إلهام علييف على الدورالهام لبلاده كوسيط بين الطرفين، وأعرب عن أمله في أن تنجحأذربيجان هذه المرة أيضا كما حدث في جولة المصالحة السابقةعام 2022 في قيادة عملية تطبيع بين أنقرة وتل أبيب.
سلاح حزب الله
جاء في تحليل لعميد متقاعد في الجيش اللبناني نشر يوم 8 ديسمبر:
لا توجد في لبنان قوة قادرة على نزع سلاح حزب الله، هذااعتراف يجمع عليه تقريبا غالبية المراقبين غربا وشرقا، البديلقوات اجنبية، ولكنها تجربة فشلت قبل عقود وكلفت الامريكيينوالفرنسيين مئات القتلى من قواتهم، والغرب اليوم لا يتحمل مقتلمواطنيه يريد فقط بدائل، إذن ما هو الحل.
بمضمونه وبتوقيته 8 ديسمبر، كان لافتًا الكلام الأخير للمبعوثالأميركي توماس براك والذي قال فيه: "إن نزع سلاح حزب الله لايمكن أن يتم بالقوّة، وإن الحل يجب أن يكون سياسيًا عبرالتفاوض، وإن الجيش اللبناني لن يكون قادرا على نزع سلاحشريحة كبيرة من الشعب، وإن أي محاولة عسكرية أحادية من"إسرائيل" ستكون لها عواقب وخيمة "، ولتأتي تصريحاته هذهمتناقضة بشكل كبير مع السياق المتشدد والمشبع بالتحريضوبالتهديد، والذي كان قد اعتمده مؤخرا حول مسألة الانتهاء منسلاح حزب الله من ضمن الإستراتيجية الأمريكية لإنهاء الحرببين لبنان و"إسرائيل".
فما هي أبعاد هذا الكلام الاستثنائي للرجل الأول للإدارةالأمريكية في "الشرق الأوسط"، كسفير واشنطن في انقرةومبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سوريا والمكلف مؤقتًاليكون محل نائبة المبعوث الخاص للشرق الأوسط (ستيفويتكوف) مورغان أورتاغوس لمتابعة الملف اللبناني - "الإسرائيلي"؟
في الواقع، هناك عدة أوجه يمكن أن تعطى لكلام براك وهي:
أولًا: الاحتمال الأول أن يكون كلامه من ضمن المناورات الخداعيةالأميركية، والتي تطبع دائمًا إستراتيجية الأميركيين، وأن يكونكلامه هذا تغطية لتحضيرات عسكرية "إسرائيلية"، جدية وقريبة،بهدف تنفيذ عملية واسعة ضد لبنان، تخلص في نهايتها إلى نزعسلاح حزب الله بالقوة، نتيجة توغل بري كبير، الاحتمال الأكبر أنيتم إطلاقه من جنوب غرب سوريا، لفصل جنوب الليطاني عنشماله، بالتواكب مع حملة جوية عنيفة تطال مروحة واسعة منالأهداف الخاصة بالمقاومة من جهة، ومن المنشآت المدنية العامةوالخاصة اللبنانية من جهة أخرى.
ثانيا: يمكن أن يكون كلامه تعبيرا عن حسن نية كجرعة دعمإيجابي من الأمريكيين للحكومة اللبنانية، مقابل ما قدمه لبنانالرسمي بقبوله بتطعيم لجنة "الميكانيزم" بمسؤول مدني لبناني(سفير لبنان السابق في واشنطن سيمون كرم )، وبمسؤول مدني"إسرائيلي"، يوري رِسنيك، الذي يشغل منصب المدير الأعلىللسياسة الخارجية في "مجلس الأمن القومي "الإسرائيلي"،الأمر الذي طالما طلبه الأمريكيون وسعى له الصهاينة بفتح آليةتفاوض مباشر بين لبنان والكيان.
ثالثًا: لا يمكن بتاتًا استبعاد أن يكون كلام براك بمثابة تنازللحزب الله، على أساس أن السياق العام مؤخرًا للسياسةالأمريكية المتوافقة مع العدو "الإسرائيلي" حول سلاح حزب الله،كان يتجه نحو فرض آلية عنيفة لنزعه بالقوة، فيكون كلام براكوكأنه تراجع أمريكي، من ضمن مسار المفاوضات التي يعتبرالأمريكيون أنها عمليا انطلقت مع التعيين اللبناني الأخير للسفيرسيمون كرم كرئيس للوفد اللبناني في الناقورة.
من هنا، وأمام هذه التفسيرات الممكنة لكلام براك المفاجىء حولاستحالة إمكانية نزع سلاح حزب الله بالقوة، وحول إلزامية إيجادالحلول والتسويات بالتفاوض وليس بالقوة، ومع عدم استبعادإمكانية جنوح العدو "الإسرائيلي" نحو تنفيذ عدوان واسع بريوجوي، رغم نسبته المتدنية، يمكن القول إن مسار التفاوض الجديقد انطلق نحو إيجاد تسوية مناسبة،، تتضمن أغلب النقاطالأساسية، التي لا يمكن ولا يجب أن يقبل لبنان بأقل منهامجتمعة وهي:
- إبعاد الحرب "الإسرائيلية" عن لبنان وتوقف مسار الاعتداءاتوالاغتيالات نهائيّا.
- إعادة الأسرى اللبنانيين.
- إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" القائم حاليا في مناطق حدوديةجنوبية.
- إعادة الاعمار لكل المناطق التي دمرها العدوان "الإسرائيلي".
- إنتاج حل وآلية لمسألة سلاح المقاومة ضمن إستراتيجية دفاعوأمن وطني برعاية الدولة اللبنانية، قادرة ان تحمي لبنان وأنتحفظ سيادته وحدوده.
عمر نجيب









