
ليس هناك في هذه المرحلة ومع اقتراب جريمة الابادة في غزة من عامها الثالث على التوالي من قرار يعلن انتهاء أخطر وأبشع جريمة ابادة في التاريخ الحديث في غزة المستباحة في ترابها وبحرها وجوها، وكل ساعة بل وكل دقيقة تمضي دون التوصل الى هدنة شاملة بضمان اتدولية بعدم تكرار ما حدث فان ذلك يعني توسع قائمة الشهداء والضحايا وامتداد قائمة المصابين ومبتوري الاطراف والمرضى الذين لا يجدون مشفى لاحتضانهم وعلاجهم وامتداد قائمة المهجرين والمرحلين بين الدمار المنتشر في كل مكان وبين المخيمات أو ما بقي منها ..
ومن هذا المنطلق فان الساعات القادمة ستكون حاسمة حتى وان كنا نستشعر ونستشف كذب وابتزاز وتشفي كيان الاحتلال وتصريحات رئيس وزراءه المنافقة للتوصل الى هدنة يتوق اليها أهالي القطاع قصفا أو جوعا في ظل استمرار الصمت الدولي الرهيب. وقناعتنا أن اخر ما يريده ناتنياهو نهاية للحرب تضعه في مواجهة الرأي العام في الداخل والخارج وتدفع به الى مواجهة القضاء الاسرائيلي والقضاء الدولي مع تواتر القضايا التي تلاحقه من الفساد الى الابادة الجماعية
لا نريد الانسياق وراء التفاؤل المفرط بشأن التوصل الى هدنة قريبة خلال زيارة ناتنياهو الى البيت الابيض التي حددت على مقاسه ولانقاذه من مصير محتوم رغم كل المظاهرات الاحتجاجية المرابطة أمام البيت الابيض للمطالبة بانهاء الابادة و بمحاسبة المسؤول الاول عنها وعن جرائم جيش الاحتلال الذي سقطت عنه صفة الجيش النظامي كما سقطت عنه ورقة التوت الاخيرة التي تخفي عنصريته، والاكيد أننا ازاء واقع يغيب عنه توازن القوى وانعدام وسطاء ومفاوضين قادرين على تحقيق الحد الادنى من العدالة الانسانية المطلوبة لغزة وللقضية الفلسطينية وللشرعية الدولية.. والاكيد أن ناتنياهو الذي تعود على الخداع والمراوغة يدرك جيدا كل هذه الحقائق التي يستمد منها تسلطه..
يصر الرئيس الامريكي دونالد ترامب ومنذ اعلانه وقف الحرب بين ايران واسرائيل والتي كانت أمريكا طرفا مباشرا فيها على أنه يريد انهاء الحرب في غزة وانه يرى فرصة للسلام.. ولكن تمضي الايام تباعا وتبقى تصريحاته أقرب الى المخدر لمن يصدقون تصريحاته.. ترامب الذي ما انفك يروج لهذه الفكرة لا يبدو متحمسا على أرض الواقع لفكرة انهاء جريمة الابادة البشعة التي يقودها جيش الاحتلال في قطاع غزة منذ نحو اثنين وعشرين شهرا والاكيد أنه سيكون من الغباء اعتبار أن ترامب ليس بامكانه تطويع حليفه نتنياهو ودفعه لانهاء المذبحة لان هذا الكلام مجانب للصواب ولا يمكن باي حال من الاحوال أن يكون لاي رئيس حكومة اسرائيلي القدرة على تقييد أو منع او عرقلة أي قرار أمريكي لو أن صاحب القرار كان بحجم القرار والمسؤولية و الارادة المطلوبة لتنفيذه .الا أن ما يحدث ومنذ اعادة انتخاب ترامب خلفا لسلفه بايدن ان هذا الاخير ما انفك يدين سلفه ويشتمه علنا و يشكك في قدراته و لكنه في المقابل يتخذ مواقف وقرارات أخطر وابشع من قرارات بايدن .ويبدو أن ترامب الذي يطمح للفوز بجائزة نوبل للسلام في نهاية ولايته له نظرة غريبة و مريبة لمفهوم السلام الذي يريده على مقاسه و مقاس حليفه ناتنياهو ..
على أن الواقع أنه و الاهم من كل المواقف العاطفية و الانطباعية الرافضة لتصريحات و مواقف ترامب من الابادة في غزة منذ اعلانه عن رغبته في تهجير أهل القطاع بكل الطرق المتاحة قصفا و تجويعا و تحويله الى ريفيريا لرجال المال و الاعلام فان الرئيس الامريكي وهذا الارجح يتبنى كليا مواقف حكومة مجرم الحرب ناتنياهو الصهيونية العنصرية و يدافع عنها في المحافل الاقليمية والدولية باعتماد حق الفيتو في مجلس الامن الدولي لتحصين الاحتلال و بسياسة الترهيب و العقوبات و منع المساعدات للدول التي تصوت ضد ارادة الادارة الامريكية في الجمعية العامة للامم المتحدة مهما كانت هذه القرارات مجحفة و ظالمة ..يقول ترامب هناك فرصة جيدة للتوصل إلى اتفاق بشأن هدنة في غزة خلال هذا الأسبوع، وذلك قبل اجتماعه في واشنطن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مجرم الحرب الملاحق من الجنائية الدولية الذي يريد ترامب انقاذه من المحاكم الاسرائيلية و المحاكم الدولية ..
نتنياهو كان صرح قبل التوجه إلى الولايات المتحدة بأن إسرائيل تعمل على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة “وفقاً لشروط وافقت عليها”. وأنه أرسل وفد التفاوض إلى الدوحة “بتعليمات واضحة” حول الاتفاق وعزمه إعادة جميع المحتجزين في غزة وضمان ألا يمثل القطاع أي خطر على إسرائيل.. وهو ما يعني أن ناتنياهو لا يزال يراهن على الاهداف التي سبق و اعلنها في غزة وهي استعادة الرهائن واعلان حماس التخلي عن السلاح حتى يتمكن من تسويق الامرالى الرأي العام الاسرائيلي المنقسم بشأن حكومة نتنياهو ..
طبعا, لا يختلف اثنان في أن الاهم اليوم وفيما تقترب حرب الابادة من عامها الثالث على التوالي وهي الحرب الاطول في تاريخ الكيان وقف جرائم الاحتلال فكل لحظة تمر دون اقرار الهدنة يعني مزيد الشهداء والضحايا والمصابين والجرحى الذي لا يجدون مشفى يأويهم ويعني مزيد المهجرين والمشردين بين الدمار المنتشر في القطاع وبين ما بقي من خيم تحت الشمس الحارقة..
لا شيء يؤشر الى أن أي هدنة قادمة اذا تحققت لن تكون كسابقتيها في نوفمبر (2023 وهدنة ثانية لنحو شهرين في مطلع 2025 تم التوصل إليهما عبر وساطة قطرية وأميركية ومصرية.. ستكون فعلا مفاجأة اذا توخى ترامب مع حليفه ناتنياهو سياسة الضغط لانقاذ ما بقي من غزة فنحن ازاء رئيس هو الاقوى في العالم يفاخر بأنه منع الموساد الاسرائيلي من اغتيال زعيم ديني في ايران و هو المرشد الاعلى للايرانيين و لا يتحرج من ذلك و ازاء اقوى رئيس امريكي يهدد عمدة مدينة نيويورك المنتخب ديمقراطيا بسبب قناعاته , وازاء الرئيس الاقوى في العالم المنزعج بشأن مساحة اسرائيل التي يعتبر أنها صغيرة ولا تقارن ببقية دول الشرق الاوسط و نحن ازاء رئيس لم يتوقف من ولايته الاولى الى ولايته الراهنة عن تحقيق أحلام الكيان الاسرائيلي و في 2017 اخترق القوانين الدولية ووهب القدس عاصمة لكيان الاحتلال و أغلق مؤسسات منظمة التحرير في واشنطن و جفف منابعها وأعلن تقديم الجولان هدية للصهاينة ونشر اتفاقية ابراهام وأطلق قطار التطبيع مكافأة لكيان الاحتلال على كل جرائمه وانتهاكاته في حق الشغب الفلسطيني على مدى عقود و هو لا يتحرج من الدعوة لإفراغ غزة من اهلها و تحويلها الى منتجع سياحي تحت سلطانه و على أشلاء ابناءها لينتفع من بحرها و موقعها الاستراتيجي و كل ذلك طبعا بفضل فريقه من المسيحيين الصهيونيين المراهنين على تحقيق حلم اسرائيل الكبرى و الادعاءات التوراتية الزائفة.
لهذه الاسباب وغيرها وهي كثيرة لا يمكن التعويل على ترامب لإنهاء الابادة وانصاف أهل غزة.. ولكن مهما كان مال هذه الجولة من المفاوضات فقد تدفع الى طي حلقة دموية من حلقات صراع تاريخي طويل لم يزل للشعب الفلسطيني فيه طول نفس واصرار على رفض الاستسلام والتخلي عن الارض التي ارتوت بدماء ابناءها والتي لا يمكن أن تتنكر لهم مهما تنكر لهم الاقربون وغيرهم من المخادعين ..
اسيا العتروس صحفية وكاتبة تونسية