هل تكرر إيران تجربة كوريا الشمالية في المواجهة مع الغرب؟.... معركة البيت الأبيض مع الإعلام وخبايا حروب الشرق الأوسط

خميس, 2025-07-03 01:11

في أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء 19 سبتمبر 2017، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى كوريا الشمالية مهددا بتدميرها بالكامل. وقال ترامب أن من وصفها ب "الدول المارقة" تشكل تهديدا "لباقي الأمم ولشعوبها نفسها ولديها أكثر الأسلحة قدرة على التدمير" في العالم. وأضاف الرئيس الأمريكي أمام نحو 130 رئيس دولة وحكومة أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون "انطلق في "مهمة انتحارية له ولنظامه".

وتابع "الولايات المتحدة لديها قوة كبرى وتتحلى بالصبر لكن إذا اضطرت للدفاع عن نفسها أو عن حلفائها، فلن يكون أمامنا من خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل".

ومضى يقول أن "الولايات المتحدة مستعدة وجاهزة وقادرة" على الرد عسكريا على كوريا الشمالية "ولكن نأمل أن لا نضطر لذلك".

كما حذر ترامب الدول التي "لا تقوم بمبادلات تجارية مع مثل هكذا نظام فحسب ولكن تمده أيضا بالسلاح وتوفر دعما ماليا لدولة تهدد بإغراق العالم في نزاع نووي".

في شهر فبراير 2019 وبعد سلسلة تهديدات ومناورات سلم ترامب حسب وثيقة أطلعت عليها رويترز الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يوم محادثاتهما التي انهارت في هانوي ورقة تحتوي على دعوة صريحة لنقل أسلحة بيونجيانغ النووية ووقود القنابل والصواريخ إلى الولايات المتحدة.

 وقال مصدر مطلع على المناقشات طلب عدم نشر اسمه إن ترامب أعطى كيم نسختين بالكورية والإنجليزية للموقف الأمريكي في فندق متروبول في هانوي يوم 28 فبراير 2019. وأضاف المصدر أن هذه كانت المرة الأولى التي يحدد فيها ترامب صراحة ما كان يعنيه بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية لكيم مباشرة.

القصة انتهت كما يعرف العالم كله بتحول كوريا الشمالية إلى قوة نووية تطور بإستمرار قدراتها، واضطرار واشنطن إلى نسيان تهديداتها.

بعد فترة قصيرة من بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022 اتفق أغلب السياسيين والعسكريين في الغرب على أن موسكو لن تستطيع الاستمرار في هذا الصراع سوى لشهرين أو ثلاثة على أكثر تقدير وأن الاقتصاد الروسي سينهار وكذلك العملة الروسية الروبل بسبب العقوبات الغربية، وأكدت أجهزة الاستخبارات في دول الناتو لحكوماتها أن روسيا خسرت آلاف الدبابات في أسابيع الحرب الأولى وجيشها ضعيف كما أن صناعاتها العسكرية عاجزة عن مد الجيش الروسي بالذخيرة وأنه في نهاية المطاف سيسقط حكم الرئيس بوتين ويأتي نظام جديد صديق للغرب. سقطت كل تلك التوقعات وتمكنت روسيا من الحاق خسائر فادحة بالجيش الأوكراني ومسانديه من حلف الناتو وأصبحت تسيطر حسب اعترافات الغرب وكييف على 28 في المئة من مساحة أوكرانيا التي كانت لها عندما انهار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، كما استغلت روسيا فترة الصراع التي دخلت الأن سنتها الرابعة لبناء قوة عسكرية ضخمة وتطوير ترسانتها العسكرية النووية والتقليدية بحيث بدلت موازين القوى على الصعيد العالمي ونجحت فوق كل ذلك في بناء اقتصاد عسكري ومدني متحرر من التأثيرات الخارجية.

بعد انطلاق معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وشروع الجيش الإسرائيلي في حرب الإبادة ضد المدنيين في غزة لعجزه عن هزيمة المقاومة الفلسطينية المسلحة بقيادة حركة حماس، كانت تصدر بالتتابع تصريحات وبلاغات كثيرة من تل أبيب وتقديرات من أجهزة الاستخبارات عن قرب إنهيار المقاومة خلال شهرين أو ثلاثة أو ستة، والأن في شهر يوليو 2025 بعد 19 شهرا من المواجهة لا زالت تل أبيب تتحدث عن النصر والقضاء على حماس، بينما يضطر خبراء في الغرب وإسرائيل إلى الاعتراف بأن انتصار إسرائيل على حماس بعيد المنال وأن ما نجحت فيه إسرائيل هو فقط قتل حوالي 58 الف مدني فلسطيني.

القصة تكررت في اليمن عنما أعلن ترامب أن صنعاء هزمت وإستسلمت، ولكن القوات اليمنية واصلت حصارها للملاحة نحو إسرائيل وقصفها الصاروخي لها.

السؤال الذي يطرح الأن هل يتكرر انكسار الرهانات الغربية في الصراع مع إيران، بعد 12 يوما من حرب مفتوحة كرست لها تل أبيب كل قدراتها العسكرية بإستثناء السلاح النووي، وهجوم أمريكي جوي وصاروخي بأحدث ما هو موجود في ترسانة القوة التي تعتبر نفسها الأولى في العالم.

تمكنت ايران من خرق الأجواء الإسرائيلية بعد ان فشلت منظومة الدفاع الجوي، أي القبة الحديدية الإسرائيلية، في التصدي للعديد من الصواريخ الباليستية التي ظلت إيران تطلقها حتى آخر لحظات سريان وقف اطلاق النار، واستطاعت إيران الحاق أضرار جسيمة في القواعد العسكرية والأبنية والشوارع الإسرائيلية والبنى التحتية، مع سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.

وسائل الإعلام الغربية والموالية لها حرصت على التكتم على خسائر تل أبيب وحركة فرارعشرات آلاف المستوطنين وحشدت إمكانياتها لتضخيم خسائر إيران كما وسعت نشر الأخبار المضللة.

قدرات نووية

في تحليل نشرته شبكة CNN الأمريكية الاخبارية يوم 25 يونيو:

ذكر تقرير سري إن الضربات العسكرية التي نفذتها واشنطن ضد 3 منشآت نووية إيرانية لم تتمكن من تدمير المكونات الأساسية لبرنامجها النووي، حيث اقتصرت على إعاقة تقدمها لبضعة أشهر فقط. 

ووفقا لتقييم أعدته وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، تتعارض هذه النتائج الأولية مع التصريحات المتكررة للرئيس ترامب، التي أكد فيها أن الضربات دمرت بالكامل منشآت التخصيب النووي الإيرانية، وكذلك مع تصريحات وزير الدفاع بيت هيغسيث الذي قال إن الطموحات النووية الإيرانية "قد دمرت بالكامل".

وأشار التقييم إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يتأثر بالضربات، كما أن أجهزة الطرد المركزي بقيت سليمة إلى حد كبير، مع وجود تقارير عن نقل اليورانيوم المخصب من المواقع قبل الضربات.

ورد البيت الأبيض على هذا التقييم بالرفض، حيث وصفته المتحدثة الرسمية كارولين ليفيت بأنه "خاطئ تماما"، واتهمت مسؤولا منخفض المستوى في المجتمع الاستخباراتي بتسريبه لوسائل الإعلام بهدف التقليل من شأن الرئيس ترامب وتشويه سمعة الطيارين الذين نفذوا المهمة.

من جانبه، واصل ترامب التأكيد على نجاح الضربات ووصفها بأنها "من أنجح الضربات العسكرية في التاريخ"، مؤكدا أن المواقع النووية الإيرانية "دمرت بالكامل".

وأظهرت المعلومات أن الضربات التي نفذتها القاذفات الأمريكية من طراز بي-2 باستخدام قنابل ثقيلة زنة 30 ألف رطل على منشآت تخصيب اليورانيوم في فوردو ونطنز لم تتمكن من القضاء على أجهزة الطرد المركزي أو اليورانيوم عالي التخصيب، حيث اقتصرت الأضرار على المنشآت فوق الأرض بما في ذلك البنية التحتية للطاقة والمرافق المستخدمة في تحويل اليورانيوم إلى معدن لصنع القنابل.

وبينما أشار التقييم الإسرائيلي إلى أن الأضرار في منشأة فوردو كانت أقل من المتوقع، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن العمليات العسكرية المشتركة أعادت البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء لمدة عامين، على افتراض قدرة إيران على إعادة البناء دون عوائق.

لكن الخبراء يشككون في هذه التقديرات، حيث أشار جيفري لويس الخبير في شؤون الأسلحة إلى أن العديد من المنشآت النووية الرئيسية تحت الأرض بقيت سليمة ويمكن أن تشكل أساسا لإعادة إحياء سريع للبرنامج النووي.

وفي تطور متصل، ألغيت إحاطات سرية كان مقررا عقدها لكل من مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين حول نتائج الضربات، مما أثار تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذا الإلغاء، خاصة في ظل التناقض بين التصريحات الرسمية المتفائلة والتقييمات الاستخباراتية الأكثر تحفظا.

كما أثيرت تساؤلات حول فعالية القنابل الأمريكية "محطمة القبو" في اختراق المنشآت النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض، حيث فضلت الولايات المتحدة استخدام صواريخ توماهوك في ضرباتها على أصفهان بدلا من هذه القنابل، بسبب شكوك في قدرتها على اختراق المستويات العميقة للمنشأة.

دلائل مادية

يوم الجمعة 27 يونيو 2025 وثقت صور أقمار صناعية نشرتها شركة "Maxar" الأمريكية، عودة نشاط محدود إلى منشأة فوردو النووية الإيرانية.

وذكر مراسل "بيزنس إنسايدر" جايك إيبشتاين في تدوينة على منصة "X" الجمعة، أن صورا جديدة التقطتها الأقمار الصناعية اليوم أظهرت نشاطا في منشأة فوردو النووية في إيران.

وأفاد بأنه يمكن رؤية مركبات ومعدات بناء بالقرب من الثقوب التي أحدثتها الغارات الجوية الأمريكية وحول مدخل المجمع تحت الأرض.

كما أوضحت وسائل إعلام أنه تم رصد حفارة وجرافة كبيرة في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم.

من جهتها، أفادت شبكة "سي إن إن" الأمريكية نقلا عن خبير الأسلحة والأستاذ في معهد ميدلبري للدراسات الدولية جيفري لويس، بأن صور الأقمار الصناعية التجارية أظهرت أن إيران تمكنت من الوصول إلى الأنفاق في أصفهان.

وقال لويس: "كان هناك عدد معتدل من المركبات المتواجدة في أصفهان يوم 26 يونيو".

وأضاف: "تم إزالة العوائق من مدخل واحد على الأقل من مداخل النفق بحلول منتصف صباح يوم 27 يونيو".

ووفقا لخبير الأسلحة، أظهرت صور إضافية التقطتها الأقمار الصناعية في 27 يونيو بواسطة شركة "Planet Labs" أن مدخل الأنفاق كان مفتوحا في ذلك الوقت.

هذا، وأفاد التقييم الأولي لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) بأن هياكل المواقع النووية فوق الأرض تضررت بشكل متوسط إلى شديد.

وفي الـ22 من يونيو قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان، إن المداخل المؤدية إلى أنفاق تستخدم لتخزين جزء من مخزون اليورانيوم الإيراني في مجمع أصفهان النووي مترامي الأطراف تضررت في غارات عسكرية نفذتها الولايات المتحدة يوم السبت 21 يونيو.

وأضافت الوكالة في بيانها: "تأكدنا من تضرر مداخل أنفاق تحت الأرض في الموقع".

خرسانة مقاومة

بعد أت انضمت واشنطن يوم السبت الموافق 21 يونيو 2025 إلى الحرب ضد إيران واستخدمت قنابل خارقة للتحصينات لضرب ثلاث منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان أكدت مجلة أمريكية 

أن الخرسانة الإيرانية تستطيع الصمود في مواجهة القنابل الأمريكية الخارقة

وذكرت مجلة "Popular Mechanics" الأمريكية: "إذا أخذنا بالمثال التاريخي دليلا، فثمة احتمال أن تكون المنشآت النووية الإيرانية قد صمدت. ويعود السبب إلى أن الخرسانة لا تزال حتى اليوم الطرف المنتصر في سباق التسلح الصامت بينها وبين القنابل. ففي أواخر العقد الأول من الألفية، على سبيل المثال، ترددت أنباء عن تعرض ملجأ في إيران لقنبلة خارقة للتحصينات. لكن بدلا من اختراق الخرسانة، 'علقت' القنبلة فيها بشكل غير متوقّع، وذلك لأن إيران كانت قد أصبحت آنذاك رائدة في مجال تكنولوجيا الخرسانة فائقة المتانة، حيث تفوقت أحدث إنجازاتها في هذا المجال على قدرة القنابل الخارقة للتحصينات التقليدية".

وأوضحت المجلة أن القنابل التقليدية تتميز بغلاف فولاذي رقيق مملوء بالمتفجرات، بينما تختلف القنابل الخارقة للتحصينات بتصميمها الأكثر نحافة وغلافها الأكثر سماكة مع كمية أقل من المتفجرات. ويعتمد هذا التصميم على تركيز الضغط في مساحة أصغر، مما يمكن القنبلة من اختراق الخرسانة والوصول إلى الأهداف المدفونة في أعماق الأرض.

ومنذ ذلك الحين، خضعت الذخائر المضادة للملاجئ لتطويرات متلاحقة. ففي أوائل العقد الأول من الألفية، طوّر سلاح الجو الأمريكي سبيكة فولاذية متخصصة لهذا الغرض، عُرفت باسم "إيجلين ستيل" (Eglin Steel) - وهي سبيكة منخفضة الكربون والنيكل، تحتوي على خليط من التنجستن والكروم والمنغنيزوالسيليكون وعناصر أخرى. وفي السنوات الأخيرة، انتشر استخدام سبيكة USAF-96 التي تتمتع بخصائص مماثلة مع سهولة أكبر في التصنيع والمعالجة.

ظلت هذه القنابل تعتبر فعالة حتى فترة قريبة، نظرا لأن الخرسانة التقليدية مادة هشة ذات مقاومة ضعيفة لإجهاد الشد، مما يؤدي إلى تشققها وتفكك هيكلها. إلا أن ظهور تقنيات الخرسانة فائقة المتانة أحدث تحولا جذريا في هذا المعادلة.

وأفادت المجلة في تحليلها: "تتحقق هذه المتانة الاستثنائية عبر تحويل الخرسانة إلى مادة مركبة (composite material) من خلال تدعيمها بألياف فولاذية أو غيرها. تعمل هذه الألياف على تماسك المادة وتمنع انتشار التشققات، مما يزيد من قدرتها على امتصاص الصدمات ويحول دون انهيارها."

إحباط 

اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" يوم 25 يونيو أن التقرير الاستخباراتي الأمريكي حول نتائج الضربة الأمريكية لإيران، عكر على الرئيس ترامب نشوة نصر كان يأمل في تحقيقه قبل قمة "الناتو" في لاهاي يوم الأربعاء.

وأوضحت الصحيفة أن التقرير الاستخباراتي حول إيران حال دون تحقيق ترامب للاحتفال الذي كان ينتظره في القمة، مشيرة إلى أنه عند وصوله إلى هولندا للمشاركة في الاجتماع السنوي لحلفاء "الناتو"، كان يسعى جاهدا للحفاظ على هدنة هشة بين إسرائيل وإيران عبر مزيج من التوبيخ والإقناع. وكان يأمل أن يذكر التاريخ بقصف المنشآت النووية الإيرانية في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ثم وساطته للتوصل إلى اتفاق سلام بعد أيام قليلة. لكن بعد ساعات فقط من هبوطه، تسرب تقرير استخباراتي جديد يطعن في زعمه المتكرر بأن الضربة الأمريكية "دمرت" البرنامج النووي الإيراني.

ولفتت الصحيفة إلى أن نتائج التقرير المبدئي كانت "ضارة بشكل خاص" لأنها صادرة عن البنتاغون نفسه، في حين كان ترامب متشوقا للاحتفال بانتصاره في "الناتو" والتباهي بتنفيذ هجوم لم يجرؤ أي من سابقيه على القيام به. لكن مع تسريب التقرير إلى الصحافة، تحطم مزاجه المتفائل تماما.

وردا على ذلك، اتهم ترامب في ليلة الأربعاء كلا من قناة "سي إن إن" وصحيفة "نيويورك تايمز" بالسعي لتشويه مصداقية الضربة الأمريكية على إيران.

ووصف المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف تسريب المعلومات بأنها "خيانة" تستوجب التحقيق.

من جانبها قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الموظف الذي كشف لشبكة "سي إن إن" بيانات استخباراتية أولية حول نتائج الضربات الأمريكية على إيران يجب أن يحكم عليه بالسجن.

وأكدت أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي يجب أن يجري تحقيقا لمعرفة من سربه"، واصفة التسريب بأنه "غير قانوني".

الصحافة غاضبة

دخلت الصحافة الأمريكية في موجة غضب على الرئيس ترامب بعد أن هاجم في 25 يونيو 2025، على هامش قمة الناتو في لاهاي الهولندية، الصحافية ناتاشا بيرترNatasha Bertr من قناة CNN، التي نشرت  تقريرا حول الهجوم الأمريكي غير الناجح على منشآت إيران النووية.

وفي تفاصيل تصريح ترامب، وصف الصحافية بأنها “تنشر أخبارًا كاذبة” و”تحاول تدمير سمعة طيارينا الوطنيين”، مضيفا أنها “كسرت سمعة شبكة CNN كانت عظيمة”، وأنها “لا تستحق أن تكون مراسلة لها ويجب طردها كالكلب”.

ووصف أيضا صحفيي نيويورك التايمز بأنهم "أشخاص سيئون ومريضون"؛ يحاولون التقليل من شأن الطيارين الأمريكيين المشاركين في الضربات على إيران.

وقد دافعت المؤسستان الإعلاميتان عن صحة المعلومات ومفادها أن المنشآت النووية لم تدمر بل تم تأجيل جهود إيران لبضعة شهور فقط.

 ومتابعة للموضوع كتب دافيد بودر david bouder المحلل السياسي بوكالة أوسوسيتد بريس AP الأمريكية، إنه عند استهداف الوطنية لدى الآخرين، يحاول الرئيس وحلفاؤه تكرار استراتيجية استخدموها في الماضي لتشويه سمعة الصحافيين وإثارة الشكوك حول عملهم. وأضاف في نفس السياق، أنه في مقابلة مع كيتلين كولينز من CNN ليلة الثلاثاء 24 يونيو، رفض السيناتور الجمهوري عن أوكلاهوما، ماركواين مولين، الأسئلة المتعلقة بالضربات على إيران، قائلا إنه يجب الاحتفاء بها وليس أن تستخدم “كأمر يثير الانقسام بيننا.”

وتعكس هذه المقابلة حسب بودر نفس النهج الذي استخدمه ترامب وحلفاؤه بالتشكيك في دوافع وطموحات الصحافة، ووصمهم بأنهم "يجلبون الانقسام" بدلًا من نقل الحقيقة.

قدرة تكتيكية ملموسة

صرح المرشح لمنصب قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية (سينتكوم) براد كوبر بأن إيران تحافظ على "قدرات تكتيكية ملموسة" رغم الأضرار التي ألحقت ببنيتها التحتية العسكرية.

وجاءت تصريحات كوبر خلال جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ الأمريكي، يوم الثلاثاء 24 يونيو، ردا على سؤال حول تقييمه لحالة القوات المسلحة الإيرانية.

وأشار كوبر إلى أن إيران عرضت عنصرا من قدراتها أثناء الهجوم على قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر يوم 23 يونيو، مؤكدا أن إيران لا تزال تمثل "خطرا جديا" على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.

وبشأن احتمال إغلاق إيران لمضيق هرمز، قال المرشح لقيادة "سينتكوم" إن القوات الأمريكية كانت سترصد أي محاولات لوضع الألغام في مياه المضيق في حال قامت طهران بذلك، مضيفا: "لدينا فهم جيد لما يبدو عليه ونحن نتابعهم باهتمام وكنا سنعرف ذلك".

وأكد أن لدى الولايات المتحدة ما يكفي من القدرات لإعادة فتح مضيق هرمز في حال إغلاقه بواسطة وضع الألغام. ولكن المسؤول الأمريكي لم يتحدث عن مواجهة سد المضيق بإغراق سفن في ممريه الضييقين.

المعرفة النووية

تناولت صحيفة ذا تايمز البريطانية بالتعليق الهجوم على إيران، وأشارت إلى أن المنشأتين النوويتين الرئيسيتين في إيران تقعان منذ سنوات في أعماق كبيرة تحت الجبال، ما يجعل تدميرهما مهمة شبه مستحيلة.

ورغم ذلك، لم تتراجع إسرائيل عن محاولة توجيه ضربات متكررة، في إطار حملة تهدف إلى منع طهران من تطوير قنبلة نووية.

ورأت الصحيفة أن هذه الضربات أثارت تساؤلات بين الخبراء: هل ستحقق هدفها فعلاً؟ أم أنها ستؤدي فقط إلى إبطاء البرنامج النووي الإيراني بشكل مؤقت؟

ولفت التقرير إلى أن الهجوم جاء بعد يوم واحد فقط من إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لم تلتزم بتعهداتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم.

واستندت ذا تايمز إلى تقييم وكالات استخبارات غربية وتقديرات إيرانية تشير إلى أن إيران لم تصنع حتى الآن قنبلة نووية، لكنها تملك المعرفة التقنية اللازمة للقيام بذلك.

كما ذكّرت بأن طهران تؤكد باستمرار أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، لكنها لم تستبعد قدرتها على تطوير سلاح نووي في حال تعرضت منشآتها لهجوم.

ونقلت الصحيفة عن كيليسي دافنبورت، مديرة منع الانتشار النووي في "منظمة الحد من الأسلحة"، قولها إن "إيران قد تنسحب من معاهدة منع الانتشار وتتخذ قراراً بتصنيع أسلحة نووية".

وأضافت: "إسرائيل لا تستطيع تدمير المعرفة التي راكمتها إيران في مجال التطوير النووي"، مشيرة إلى وجود "مخاطر حقيقية من نقل اليورانيوم المخصب إلى مواقع سرية، ما يجعل الضربات قادرة على تأخير البرنامج، لكن غير كافية لإيقافه بالكامل".

حل اللغز

جاء في تقرير لوكالة رويترز يوم الأحد 29 يونيو:

تسبب القصف الأمريكي والإسرائيلي للمواقع النووية الإيرانية في معضلة بالنسبة لمفتشي الأمم المتحدة في إيران تتعلق بكيفية معرفة ما إذا كانت مخزونات اليورانيوم المخصب، وبعضها قريب من درجة النقاء اللازمة لصنع الأسلحة النووية، لم تمس أو قد دفنت تحت الأنقاض أم تم إخفاؤها في مكان سري.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، التي تراقب برنامج طهران النووي، قالت إنه لم تتضح بعد الأضرار التي لحقت بمنشأة فوردو، وهي منشأة في أعماق جبل تنتج الجزء الأكبر من اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب.

وصرح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي المتهم بالعمل لصالح واشنطن إن من المرجح للغاية أن تكون أجهزة الطرد المركزي الحساسة المستخدمة في تخصيب اليورانيوم داخل فوردو قد تضررت بشدة.

لكن هناك غموضا أكبر بكثير حول ما إذا كان قد تم تدمير تسعة أطنان من اليورانيوم المخصب في إيران، من بينها أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء قريبة من الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة.

وتسعى حكومات الغرب جاهدة لتحديد ما حدث لهذا اليورانيوم.

وتحدثت رويترز إلى أكثر من 10 مسؤولين حاليين وسابقين مشاركين في جهود كبح البرنامج النووي الإيراني، قالوا إن الهجمات ربما وفرت الغطاء المثالي لإيران لإخفاء مخزونها من اليورانيوم، ومن المرجح أن يكون أي تحقيق وبحث تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية شاقا ويستلزم وقتا طويلا.

وذكر أولي هاينونن، الذي كان كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الفترة من 2005 إلى 2010، إن البحث سيتضمن على الأرجح عملية معقدة لاستعادة المواد من المباني المتضررة بالإضافة إلى البحث الجنائي وأخذ العينات البيئية، وهو ما يستغرق وقتا طويلا.

وقال هاينونن، الذي تعامل على نطاق واسع مع إيران في أثناء عمله بالوكالة الدولية للطاقة الذرية ويعمل الآن في مركز ستيمسون للأبحاث في واشنطن “قد تكون هناك مواد لا يمكن الوصول إليها، أو متناثرة تحت الأنقاض أو فقدت أثناء القصف”.

ووفقا لمقياس للوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن الكمية التي تزيد على 400 كيلوغرام من اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة نقاء تصل إلى 60 بالمئة، وهي درجة قريبة من نسبة النقاء 90 بالمئة تقريبا اللازمة لصنع الأسلحة، تكفي إذا ما تم تخصيبها بدرجة أكبر لصنع تسعة أسلحة نووية.

وحتى لو تبقى جزء بسيط من هذه الكمية دون معرفة مصيره، فسيكون مصدر قلق كبير للقوى الغربية التي تعتقد أن إيران تبقي على الأقل خيار صنع الأسلحة النووية مطروحا.

إيران ترد

في العاصمة الروسية موسكو أشار المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى أن سمعة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تضررت بشدة بعد الهجمات غير المسبوقة على المواقع النووية الإيرانية.

وأشار بيسكوف إلى أن قرار إيران بتعليق التعاون مع الوكالة هو نتيجة للهجوم والهجمات غير المبررة على المنشآت النووية للجمهورية.

وشدد بيسكوف بأن موسكو تُواصل اتصالاتها مع شركائها بشأن الوضع في إيران، قائلا: "نراقب الوضع عن كثب ونُواصل اتصالاتنا مع شركائنا في طهران".

وفي وقت سابق من يوم 25 يونيو أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن البرلمان الإيراني وافق على مشروع القانون القاضي بتعليق تعاون طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بسبب تجسسها على إيران لحساب إسرائيل وواشنطن.

كما نقلت وكالة أنباء "إيسنا" عن السفير الإيراني في فيينا، أسد الله أشرق جهرمي قوله: "كان لدينا تعاون جيد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل هذه الهجمات، وكانت جميع المنشآت النووية تحت الإشراف الكامل للوكالة".

وأضاف: "سيتم اتخاذ القرار اللازم بشأن مستقبل التعاون".

من جانبه اعتبر مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي أنه لا يمكن لما وصفه بالمجتمع الدولي قبول وقف عمليات التفتيش في المواقع النووية الإيرانية.

وقال غروسي: "إن استمرارية عمليات التفتيش في المنشآت النووية الإيرانية أمر بالغ الأهمية. وربما سنقوم ببذل جهود في فيينا لإعادة التواصل مع إيران".

وأكد أن آلية التفتيش الحالية للمواقع النووية الإيرانية "مُعطلة حالياً"، موضحا أن إيران أفادت في وقت سابق بأنها اتخذت إجراءات احترازية فيما يتعلق بمخزونها من اليورانيوم المخصب.

وفي تصريحات سابقة له أعلن غروسي أن الوكالة لا تمتلك معلومات عن مكان وجود اليورانيوم المخصب لدى إيران.

وقال في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز": "نحن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لذلك لا نقوم بالتخمين هنا. ليس لدينا معلومات عن مكان وجود هذه المواد".

وأضاف غروسي في مقابلة مع شبكة سي.بي.إس نيوز “القدرات التي يمتلكها الايرانيون موجودة هناك. يمكن كما تعلمون أن يصبح لديهم في غضون أشهر، فلنقل بضع سلاسل من أجهزة الطرد المركزي التي تدور وتنتج اليورانيوم المخصب، أو أقل من ذلك”. 

وأضاف “بصراحة، لا يمكن للمرء أن يدعي أن كل شيء اختفى وأنه لا يوجد شيء هناك”.

وذكر غروسي أن “إيران دولة متطورة جدا من حيث التكنولوجيا النووية.. لذا لا يمكنك إلغاء ذلك. لا يمكنك إلغاء المعرفة التي لديك أو القدرات التي تملكها”.

الصواريخ بدلت المسار

في طهران صرح علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يوم الاحد 29 يونيو إن سبب تغير مسار الحرب هو القدرة الصاروخية، مؤكدا أن انتصار بلده في المواجهة أثبت قدرتها وغير المعادلات السياسية والأمنية.

وقال علي لاريجاني: "إن انتصار الجمهورية الإسلامية في هذه المواجهة لم يثبت فقط قوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل غيّر أيضا المعادلات السياسية والأمنية للغرب، وسبب تغير مسار الحرب هو القدرة الصاروخية التي أبرزتها إيران في الأيام الأخيرة".

وأضاف: "انتهت هذه المرحلة من المواجهة مع انتصار الجمهورية الإسلامية الإیرانیة، ودخل الكيان الصهيوني إلى الميدان بقوة، لكنه في النهاية اضطر إلى التوسل، وبعد 12 يوما من العدوان على بلدنا والردود الساحقة من قبل القوات المسلحة الإيرانية، اضطر النظام الصهيوني إلى قبول وقف إطلاق النار".

وأكد أن "العديد من الخبراء الغربيين يعترفون بأن لديهم مشاكل مع الكيان الصهیوني ومن هذا المنطلق لجأوا إلى الأمريكيين لتحريك القضية نحو السلام من خلال الوساطة، على الرغم من أنهم يعرضون الوضع بشكل مختلف".

وذكر كانت أمريكا وإسرائيل تفترضان إمكانية إنهاء النظام الإيراني في غضون 5 أو 6 أيام وكان هدف نتنياهو الرئيسي هو استسلام الشعب الإيراني".

وأشار إلى "دور الشعب الإيراني في هذه المواجهة"، قائلا: "الشعب الإيراني منتصر في هذه المواجهة، وسيواصل انتصاراته في قضايا أخرى".

وكشف علي لاريجاني أن 6 صواريخ إيرانية أصابت قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر بدقة وقوة، مشيرا إلى أن ترامب يعيش في أوهامه

وقال لاريجاني: "من أصل 14 صاروخا أطلقتها إيران أصاب 6 منها القاعدة الأمريكية في العديد، وأصابتها بقوة وكل صاروخ منها كان يحمل رأسا حربيا بوزن 400 كيلوغرام . نحن نعرف تماما ما حدث، لكن دعوا ترامب يستمتع بأوهامه".

في تعزيز لتصريحات المسؤول الايراني كشفت القناة 13 العبرية يوم الأحد 29 يونيو، أن هناك الكثير من الإصابات في قواعد الجيش ومنشآت استراتيجية إسرائيلية بسبب الصواريخ الإيرانية لم يتم الحديث عنها حتى اليوم.

يأتي ذلك، رغم فرض السلطات الإسرائيلية رقابة عسكرية مشددة على الإعلام، حيث منع نشر معلومات أو صور أو فيديوهات، على وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل التواصل الاجتماعي، تتعلق بمكان سقوط الصواريخ الإيرانية، أو الأضرار التي تسببت بها، خلال الحرب التي بدأتها إسرائيل في 13 يونيو، واستمرت 12 يوما، ردت فيها القوات المسلحة الإيرانية على الهجمات الجوية الإسرائيلية برشقات صاروخية مكثفة، مستخدمة صواريخ بالستية فرط صوتية وموجهة لإصابة أهدافها بدقة داخل إسرائيل.

ولفتت القناة 13، إلى أن الإسرائيليين لم يفهموا إلى أي مدى كان الإيرانيون دقيقين وإلى أي مدى تسببوا بضرر في أماكن كثيرة، مشيرة إلى أن إصابة معهد "وايزمان" للدراسات، كانت معروفة للجميع لكن بقيت هناك أماكن كثيرة لم يتم الكشف عنها.

وبينما كشفت طهران أن عدد قتلاها تجاوز 610 قتلى بالإضافة إلى إصابة أكثر من 4700 شخص، مؤكدة أنها "لا تخفي شهدائها"، أحجم الجانب الإسرائيلي عن نشر معلومات دقيقة، وأشارت الإحصاءات الرسمية إلى مقتل حوالي 29-30 مدنيا، وإصابة أكثر من 1300 شخص وفقا لخدمة الإسعاف الإسرائيلي، فيما تحدثت بعض التقارير غير الرسمية عن مقتل ما لا يقل عن 200 مدني إسرائيلي، لكن الأرقام الرسمية لا تدعم هذا الرقم، ويبدو أن التكتم الإسرائيلي على الخسائر أدى إلى تضارب في الأرقام.

الهاوية

في موسكو ويوم الأحد 29 يونيو حذر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في تعليقه على التصريحات حول تغيير النظام في إيران، من أن مناقشة الدول لتغيير الأنظمة في دول أخرى قد يؤدي بالعالم إلى الهاوية. 

وقال بيسكوف: "لا يحق لأي دولة أو مجموعة دول مناقشة تغيير السلطة في دول أخرى. إذا حدث هذا، فسوف ينحدر العالم إلى الفوضى المطلقة".

وفي وقت سابق خلال المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، كتب الرئيس ترامب في حسابه على منصة "تروث سوشيال": "ليس من الصحيح سياسيا استخدام مصطلح "تغيير النظام"، ولكن إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على جعل إيران عظيمة مرة أخرى.. لماذا لا يكون هناك تغيير في النظام في إيران؟".

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن "مصادر إيرانية مطلعة رفضت الكشف عن هويتها" أن "المرشد الإيراني يستعد لاحتمال اغتياله وأنه سمى خلفاءه في حال مقتله".

 

عمر نجيب

[email protected]