القوى الكبرى بين خيار الحرب النووية الشاملة ونظام عالمي متعدد الأقطاب... العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد يكافح ليولد.

خميس, 2025-05-01 00:57

تتواصل الهزات على ساحة الصراعات الدولية خاصة مع تضارب التوجهات الظاهرية والعلنية للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس السابع والأربعين دونالد ترامب.

على كل الأصعدة تقريبا تقلبت سياسات البيت الأبيض خلال المئة يوم التي أكملها في الرئاسة ترامب يوم 20 أبريل 2025، بإستثناءات تتعلق فقط بفلسطين ونووي إيران، حيث يساند بدون أي تحفظ توجهات ومخططات الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب الساعية إلى إكمال مشروع إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الخاضع لسيطرتها.

يمر العالم اليوم بمنعطف يشبه زمن نهاية الحرب العالمية الأولى، الذي قال عنه الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي: "العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد يكافح ليولد".

مع نهاية الحرب الباردة، أصبحت الديمقراطية بصورتها الغربية والأسواق الحرة والقيادة الأمريكية مقصد البشرية فقط في عالم أحلام النخبة الأمريكية التي تؤمن بـ "نهاية التاريخ".

ويقول جوزيف برامل وماثيو بوروز في تحليل لهما على موقع "ذا ناشيونال إنترست":

كانت واشنطن أول من تحرر من وهمها، بينما اعتبرت العولمة كابوسا، عجل بصعود منافسيها. فقد هاجرت صناعات بأكملها، ومعها وظائف أمريكية، إلى المكسيك والصين. وسعت الولايات المتحدة إلى فرض الديمقراطية بمفهومها الغربي في العراق وأفغانستان، لكنها مساع باءت بالفشل. وقوضت الأزمة المالية عام 2008 المصداقية المالية الأمريكية وثقة الأمريكيين في نظامهم، فتم إنقاذ القطاع المالي، الذي كان أكبر من أن يفلس، بينما ترك الأفراد لمصيرهم يكافحون للحفاظ على منازلهم ووظائفهم.

وشهدت أواخر التسعينيات بدايات حركة شعبوية استغلها ترامب ببراعة، أوصلته إلى البيت الأبيض. فقد اتسم ترامب بجميع سمات أسلافه الشعوبيين: كان صريحا في حديثه، مبالغا في استغلال حقيقة أنه ليس سياسيا محترفا، فجذبت لغته المبالغ فيها وأسلوبه المباشر الساخطين والمهمشين، وراقت مزاعمه بالثراء والنجاح التجاري الحالمين الذين رغبوا في عودة الحلم الأمريكي.

وبالعودة إلى اقتباس غرامشي، فإن ترامب، بنهاية ولايته، لن يكون قد انتهى من تفكيك النظام القديم، لكنه، وفي الوقت نفسه، لن يكون قد قطع شوطا طويلا في إعادة بناء التعاون العالمي. وهو يتشابه مع شي جين بينغ وفلاديمير بوتين في الرغبة بتحطيم النظام القديم. سيحدث دمار كبير، إلا أن هناك أمل وإيمان بإمكانية بزوغ عالم جديد أكثر عدلا من هذه الفوضى، وبأن الدول قادرة على بناء نظام جديد يعيد إطلاق التعاون العالمي.

هناك طريقتان لحل المأزق الراهن: الأولى هي الحرب، التي يراها غراهام أليسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، القاعدة التاريخية لتسوية الخلافات بين الخصمين. وكانت التوترات قد تصاعدت في عهد بايدن، وسادت مخاوف من أن الولايات المتحدة والصين تتجهان نحو صراع حول تايوان، لكن كلا الجانبين تراجع عن حافة الهاوية. كما أثار بوتين شبح الحرب النووية بتحذيراته المتكررة من استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لردع الدعم الغربي لأوكرانيا.

الطريقة الثانية هي التعلم من تجارب القرنين الماضيين للقوى العظمى التي سعت للعيش معا بسلام، وتطبيقها على العلاقات الدولية اليوم. بالنسبة للولايات المتحدة، يجب أن تدرك أن الهيمنة العالمية غير قابلة للاستمرار، وثمن الحفاظ عليها سيكون الإفلاس الداخلي والصراع في الخارج، وربما ينتهي بمحرقة نووية. لقد نجح توازن القوى بعد "الوفاق الأوروبي"، ولو اتبعت الولايات المتحدة هذا النهج اليوم، لظلت قوة عظمى، لكن سيتعين عليها الاعتراف بالصين، ومع مرور الوقت، بروسيا كلاعبين شرعيين، مع التسلم مع أن العالم متعدد الأقطاب، وأن الولايات المتحدة لا تستطيع وضع جميع القواعد.

لعل الشرق الأوسط هو الأصعب بين كل الصراعات الدولية الحالية، بالنظر إلى عدد الأطراف والحروب طويلة الأمد. فضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية لن يؤجج سوى المزيد من الاضطرابات. ولا يمكن قمع سبعة ملايين فلسطيني إلى الأبد. ومن غير المرجح أيضا أن تختفي "حماس" و"حزب الله"، حتى وإن أضعفتا بشدة. 

يقول مفكر فرنسي أن المعاناة الهائلة التي يعيشها الفلسطينيون تعطينا إنطباعا بأن تل أبيب تنتصر ولا عودة عن ذلك، ولكن هذا ما تحاول وسائل الإعلام الغربية فرضه على العالم. إسرائيل في مأزق حقيقي يهدد بتمزيقها كدولة وكيان مزروع في قلب الشرق الأوسط المركز.

100 الف جندي احتياطي من الجيش الإسرائيلي رفضوا أوامر استدعائهم للخدمة في شهر مارس 2025، حسب القناة 13 العبرية، غادر إسرائيل 1800 مليونيرا سنة 2024 فقط وحسب موقع واينت هاجر 8500 من من خبراء التكنولوجيا الفائقة الكيان الصهيوني. الاستثمارات الأجنبية فرت والسياحة انتهت منذ أكتوبر 2023، غالبية شركات الطيران الأجنبية هجرت مطارات إسرائيل ميناء إيلات على خليج العقبة والبحر الأحمر تحول إلى مدينة أشباح، أكثر من مليون شخص يحملون الجواز الإسرائيلي استقروا في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، الخلافات الداخلية في إسرائيل في تصاعد حتى أن 60 في المئة من الإسرائيليين حسب صحيفة معاريف يرون أن هناك خطرا حقيقيا لنشوب حرب أهلية. حماس ورغم 18 شهرا من الحرب بأسلحة بسيطة في مواجهة جيش مزود بأفضل ما وجد في الغرب لم تهزم وتواصل تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر يومية وحسب الاستخبارات الغربية ارتفع عدد مجنديها إلى 40 الفا، وأكثر من 75 في المئة من أنفاقها بقي سليما.

أغلب مساكن قطاع غزة وبنيتها التحتية دمر وأكثر من 52 ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ قتلوا في حرب الإبادة الإسرائيلية ولكن لم تنجح تل أبيب في تهجير سكان القطاع خارج أراضيهم. فيتنام خسرت 2.5 مليون قتيل في حربها مع واشنطن ولكنها انتصرت في النهاية. حزب الله في لبنان خسر الجزء الأهم من قياداته العليا ولكن الجزء الأكبر من وحداته المقاتلة يبقى سليما وهو يسد الأن الثغرات التي تبين أنها كانت لديه. اليمن صمد في وجه الضربات الأمريكية وواصل إسناده لفلسطين حتى أنه اعتبر لغزا في الصمود. طهران ترفض شروط واشنطن وتل ابيب حول النووي والصواريخ حتى الحين وتناور لكسب الوقت حتى تصل إلى ما بلغته كوريا الشمالية من قدرات عسكرية أنهت تهديدات ترامب خلال ولايته الرئاسية السابقة لإعادتها إلى العصر الحجري.

حرب ترامب التجارية أساسا مع الصين تدخل النفق المظلم، وروسيا تكسب بشكل ثابت الحرب ضد الناتو في وسط شرق أوروبا. انه عهد جديد.

 

صمود اليمن

 

بعد نحو 6 أسابيع من الغارات الأمريكية المكثفة على المناطق والمدن في اليمن، لا تزال القوات اليمنية تؤكد أن عملياتها في البحر الأحمر وضد الأهداف الإسرائيلية لن تتوقف إلا بوقف الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.

وفي هذا السياق، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، يوم السبت 26 أبريل استهداف قاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية في النقب بصاروخ باليستي وموقعين آخرين في منطقة تل أبيب ومنطقة عسقلان، كما أعلن استهداف قطع حربية في حاملة الطائرات الأمريكية "إس إس هاري ترومان" شمالي البحر الأحمر.

وحسب الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، لقاء مكي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية فشلت فشلا ذريعا في ضرباتها على اليمن، بدليل أنها أعلنت عدم قدرتها على الانتقال للمرحلة الثانية، وتحدثوا عن سيناريو بديل وهو إيقاف الحملة العسكرية على الحوثيين.

واعتبر أن الرئيس ترامب وصل لطريق مسدود، وتبين أن السقف الذي وضعه بشأن اليمن غير واقعي، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة، ورغم قوتها العسكرية عجزت في اليمن.

وقدرت بعض التقارير أن الغارات الجوية التي ينفذها الجيش الأمريكي على مواقع اليمنيين بلغت كلفتها المالية نحو مليار دولار أمريكي في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من الحملة العسكرية.

وأفادت وكالة أسوشيتد برس، بأن قيمة المسيرات الأمريكية السبع التي جرى إسقاطها في الايام الاولى للحملة تزيد على 300 مليون دولار، وأن الخسارة المستمرة في المسيرات الأمريكية تجعل من الصعب على القيادة الأمريكية تحديد مدى دقة تضرر مخزونات الأسلحة في اليمن.

وعلى ضوء عجز واشنطن عن تحقيق أهدافها ضد الحوثيين، يعتقد العميد حنا أن الضغط الذي يمارس على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخصوص إدخال المساعدات إلى قطاع غزة يدخل في إطار إرضاء الحوثيين حتى يوقفوا عملياتهم في البحر الأحمر وضد الأهداف الإسرائيلية.

كما أن الزيارة المرتقبة لترامب إلى المنطقة تستلزم التهدئة، فلا يمكن أن يأتي الرئيس الأمريكي واليمن يقوم بإطلاق الصواريخ، وفقا للخبير العسكري والإستراتيجي.

وفي السياق نفسه، يرجح الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، أن تحصل تهدئة قريبة في قطاع غزة قبل زيارة ترامب، ليوقف اليمنيون عملياتهم، خاصة وأنهم ربطوا منذ البداية وقف عملياتهم بوقف الحرب على غزة ووقف الضربات الأمريكية عليهم.

 

إغلاق منفذ تجسس

 

وفي مؤشر جديد على فشل واشنطن أعلن الجيش الأمريكي يوم الأحد 27 أبريل 2025 إنه لن يكشف عن تفاصيل محددة بشأن ضرباته العسكرية على اليمن، مشيرا إلى ما وصفه بأنه الحاجة إلى “الحفاظ على أمن العمليات”. 

الإجراء الأمريكي جاء بعد ساعات من قرار الحكومة اليمنية في صنعاء مطالبة السكان بالإسراع بتسليم أجهزة ستارلينك التي توفر لهم الاتصال عبر الأقمار الصناعية الأمريكية التي يملكها ماسك، بعد أن تأكد لدى وحدات الهندسة التابعة للقوات اليمنية أن القوات الأمريكية تستخدم أجهزة ستارلينك التي أدخلت إلى البلاد تحت غطاء توفير خدمة الأقمار الصناعية وشبكة الانترنت للمناطق المختلفة في اليمن من أجل التجسس وتحديد مواقع لاستهدافها من طرف الطيران الأمريكي وصواريخ الأسطول الأمريكي. 

في 18 سبتمبر 2024 أعلن المليونير الأمريكي ومالك شركة "سبيس إكس" إيلون ماسك أن خدمة "ستارلينك" أصبحت متاحة في اليمن" في تدوينة عبر حسابه على منصة إكس.

وفي ذلك التاريخ أكدت صنعاء أن تقديم خدمات الإنترنت من قبل شركة أجنبية في أي منطقة في كافة أنحاء الجمهورية، يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي اليمني ويقوض القدرة على حماية خصوصية المواطنين وبياناتهم.

وكانت صحيفة "ذا كريدل" الأمريكية قد حذرت من استخدام أجهزة ستارلينك للتجسس على اليمن وغيره من الدول التي تتيح استخدامها.

وأوردت صحيفة "ذا كريدل" أنه في مارس 2024 واجهت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نقصا في المعلومات الاستخباراتية في حملتهما في البحر الأحمر، وخَاصة فيما يتعلق بقدرات ترسانة القوات المسلحة اليمنية، وقد أبرزت هذه الفجوة الاستخباراتية حاجة الغرب إلى شبكة تجسس موثوقة.

وفي السياق ذاته كشف تقرير لوكالة رويترز أن شركة "سبيس إكس" وقعت عقوداً سرية مع وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير نظام أقمار صناعية تجسسية قادر على اكتشاف التهديدات العالمية في الوقت الحقيقي.

وبينت الصحيفة أن هناك جانبا آخَرَ مثير للقلق وهو تورط إسرائيل، حَيث ورد أن أقمار التجسس الإسرائيلية، أوفيك -13 وَأوفيك- 14، مرتبطة بشبكة أقمار ستارلينك الصناعية، وقد تقدم "سبيس إكس"، كطرف ثالث، إرشادات استخباراتية حاسمة لهذه الأقمار الصناعية، مما يعزز من قدرات المراقبة في تل أبيب على المنطقة.

 

حشد غير مسبوق

 

تستخدم الولايات المتحدة سفنا حربية وطائرات مقاتلة وقاذفات وطائرات مسيرة متنوعة لشن ضربات ضد الحوثيين، حيث أصبحت الطائرات الآن قادرة على الانطلاق من حاملتين تابعتين للبحرية في المنطقة.

وأمر بيت هيغسيث وزير الدفاع الأمريكي في مارس 2025 بزيادة وجود السفن الحربية التابعة للبحرية في الشرق الأوسط، موجها حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس هاري ترومان” لتمديد انتشارها، بينما توجهت حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس كارل فينسن” إلى المنطقة.

وتتمركز حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس ترومان”، برفقة مدمرتين وطراد من مجموعة القوة الضاربة في البحر الأحمر. وتتمركز حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس فينسن”، مع مدمرتين وطراد، في خليج عدن.

وتتواجد المدمرة الثالثة التابعة لمجموعة ترومان الضاربة في البحر المتوسط، ومدمرتان إضافيتان تابعتان للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر (ليستا جزءا من مجموعة ترومان).

ويدرس هيغسيث حاليا طلبا من القيادة المركزية الأمريكية لتمديد فترة انتشار حاملة الطائرات ترومان مرة أخرى. وقد يمكن قبول هذا الطلب من إبقاء حاملة الطائرات ترومان وبعض مجموعتها الضاربة على الأقل في المنطقة لعدة أسابيع إضافية.

وكان من النادر في السنوات الأخيرة أن تحتفظ الولايات المتحدة بحاملتي طائرات في الشرق الأوسط في آن واحد. وعادة ما يعارض قادة البحرية مثل هذه الانتشارات لأنها تعطّل جداول صيانة السفن وتؤخر عودة البحارة المرهقين أصلا بسبب وتيرة العمليات العالية بشكل غير معتاد.

وفي عام 2024، أمرت إدارة الرئيس السابق جو بايدن حاملة الطائرات الأمريكية “دوايت دي أيزنهاور” بالبقاء في البحر الأحمر لفترة طويلة، حيث خاضت السفن الحربية الأمريكية أشرس معارك بحرية منذ الحرب العالمية الثانية.

ولقد مرت سنوات منذ أن خصصت الولايات المتحدة هذا القدر الهائل من القوة الحربية للشرق الأوسط.

ويهاجم اليمنيون بلا هوادة السفن التجارية والعسكرية في المنطقة بالصواريخ والطائرات المسيرة، حيث تدرج قياداتهم ذلك ضمن جهود وقف حرب إسرائيل على حماس في قطاع غزة.

وشنت قوات الحوثي أكثر من 100 هجوم على سفن تجارية بين نوفمبر 2023 ويناير 2024، باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة. وأسفر ذلك عن غرق سفينتين ومقتل أربعة بحارة. وتسببت هذه الهجمات المتواصلة في تعطيل كبير لطرق التجارة في البحر الأحمر، الذي تمر عبره سنويا سلع تقدر قيمتها بحوالي تريليون دولار.

 

تغير لهجة ترامب

 

جاء في تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية يوم السبت 26 أبريل 2025:

في تراجع مفاجئ، أعلن الرئيس ترامب عن استعداده "لتقليص كبير" للرسوم الجمركية التي فرضها على الواردات الصينية، والتي بلغت نسبتها الإجمالية 145 في المئة، في تحول يعكس الضغوط السياسية والاقتصادية التي تتعرض لها واشنطن بسبب اضطراب الأسواق وتزايد التحذيرات من ارتفاع الأسعار.

وجاء هذا الموقف عقب اجتماع عقده ترامب مع مسؤولين تنفيذيين من شركات تجزئة كبرى مثل "وولمارت" و"هوم ديبوت"، والذين حذروا من أن استمرار الضرائب المرتفعة على الواردات سيؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد وارتفاع الأسعار على المستهلك الأمريكي. وكان هذا الاجتماع قد أعقب أسابيع من التقلبات الحادة في الأسواق، مع توجه المستثمرين إلى تصفية استثماراتهم الأمريكية.

في الوقت ذاته، كشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ أن الحكومة الصينية تدرس تعليق الرسوم الانتقامية التي فرضتها بنسبة 125 في المئة على بعض السلع الأمريكية، في خطوة قد تمثل بداية لتخفيف التوتر التجاري.

إلا أن هذا التفاؤل اصطدم بنفي رسمي من المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية هي يادونغ، الذي صرح بعدم وجود تقدم في المحادثات الثنائية.

وفي المقابل، أعلن ترامب لاحقا أن "اجتماعا عقد صباح الجمعة مع الصين"، رافضا الإفصاح عن أسماء المشاركين بقوله "لا يهم من هم. قد نعلن عنهم لاحقا، لكن الاجتماع حصل هذا الصباح".

وأظهرت البيانات الأخيرة أن الرسوم الجمركية المتبادلة بين الجانبين قد بلغت ذروتها منذ بداية العام 2025، حيث فرضت الصين ضرائب تراوحت بين 10 في المئة و15 في الئة على الواردات الأمريكية، في حين رفعت واشنطن الرسوم إلى 145 في المئة في بعض الحالات.

وصرح كريستوفر والر، عضو مجلس الاحتياطي الفدرالي، إن استئناف تطبيق الرسوم المرتفعة قد يدفع الشركات الأمريكية إلى تسريح المزيد من الموظفين، مؤكدا أنه سيدعم خفض أسعار الفائدة في حال ارتفعت معدلات البطالة.

من جهته، أشار رئيس الوزراء الكندي مارك كارني إلى أن بلاده "ليست مضطرة لإبرام صفقة على المدى القصير"، مضيفا "سوف نبرم الصفقة الصحيحة، وليس الصفقة السريعة"، في تأكيد على تزايد التردد في الاستجابة لمطالب واشنطن.

أما آرثر كروبر، مدير الأبحاث في شركة "غافيكال دراغونوميكس"، فقد علّق على الموقف الأمريكي قائلا "تظهر الإشارات القادمة من البيت الأبيض ساعة بساعة إلى أنهم في حالة تراجع فعلي". وأضاف "واشنطن بدأت تدرك ضرورة الدخول في مفاوضات فعلية مع بكين، والسؤال الآن هو متى، وكيف ستكون هذه المفاوضات".

في ظل هذا الواقع، يسعى البيت الأبيض إلى تحقيق اختراق في المفاوضات مع الصين لتبرير سياسته التجارية القاسية، فيما تتطلع دول مثل الهند والنرويج وسويسرا إلى التفاوض على اتفاقيات جزئية لتخفيف التصعيد وحماية مصالحها الاقتصادية.

من جانبه حذر الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز من ترامب يقود أمريكا للانهيار العظيم.وأشار إلى أن ولاية ترامب الثانية تعاني من فوضى عارمة، قد تفضي إلى انهيار كبير في الولايات المتحدة. تحت عنوان "انهيار كبير يجري على قدم وساق"، وانتقد فريدمان سياسات ترامب، معتبرا أنها تفتقر إلى التماسك وتعتمد على المظالم الشخصية والانتقام، وسط إدارة يهيمن عليها الولاء المطلق للرئيس. وأشار فريدمان إلى أن ترامب وحده يتحمل مسؤولية الإخفاقات السياسية والاقتصادية، من التعامل مع أوكرانيا إلى فرض الرسوم الجمركية، لافتا إلى أن غياب رؤية واضحة لدى ترامب حول موقع أمريكا في العالم أدى إلى قرارات متخبطة تضر بالمصالح الأمريكية.

 

فشل سياسي

 

تحت عنوان "إنقاذ العالم ليس مسؤولية الولايات المتحدة" كتب دوغ باندو مؤلف كتاب "الحماقات الخارجية: الإمبراطورية الأمريكية العالمية الجديدة"، يوم 24 أبريل 2025 مقالا في "ذا ناشيونال إنترست" تناول فشل السياسة الأمريكية حول العالم.وجاء في المقال:

ينبغي على الرئيس ترامب أن يتجاهل "كتلة" السياسة الخارجية وأن يتصرف بضبط النفس على الساحة الدولية.

قد يكون العالم مكانا قبيحا. "تغزو" روسيا أوكرانيا، والسودان غارق في حرب أهلية، وهايتي تعج بالعصابات العنيفة، ويتصاعد الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والصومال يمزقه العنف، إسرائيل تشن حربا ضد الفلسطينيين، يرتكب النظام العسكري في بورما جرائم قتل وفوضى.

وتطول القائمة: لا تزال سوريا منقسمة ومعرضة للخطر بعد سنوات من الصراع، يهلك العنف مسيحيي نيجيريا والمسلمين المعتدلين، تهدد الصين باستعادة تايوان بالقوة، تقتل إدارة ترامب اليمنيين وتهدد بقصف إيران، يدفع الأوروبيون واشنطن نحو مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو.

هذه الصراعات وغيرها من الصراعات المحتملة مريعة، بينما يتطلع كثيرون، لا سيما في واشنطن، صوب الولايات المتحدة بحثا عن حلول. فمن وجهة نظرهم، لو كان العم سام مستعدا "للقيادة" لأجبر الأسد على الاستسلام، والخضوع لرغبات الحمل، وسيكون كل شيء على ما يرام.

مع الأسف، أثبتت هذه الاستراتيجية، كما أثبتت العقود الثلاثة الماضية، أنها كارثية. وتبين أن إصلاح العالم يتجاوز قدرات الولايات المتحدة الأمريكية بكثير. بل إن الأهم من ذلك، أن كل هذه المعارك ليست ضمن مسؤولية الأمريكيين.

وهذا اعتقاد مثير للجدل في واشنطن، حيث تصعب مقاومة الإيمان بالولايات المتحدة كدولة الحملات الصليبية. وحتى إدارة ترامب، التي تضم عددا أكبر من محاربي المحافظين الجدد مقارنة بالواقعيين من حركة MAGA (جعل أمريكا عظيمة مجددا)، تبدو هي الأخرى مصممة على شن حرب في مكان ما. في الواقع، ثمة قناعة واسعة بأن على واشنطن أن تعالج كل مشكلة وتصحح كل خطأ. حضرت مؤخرا مؤتمرا حول الاضطهاد الديني حول العالم، وهي قضية كنت أغطيها لسنوات. وفوجئت عندما انتقدني زميل قديم بشدة لمعارضتي المستمرة لاستمرار الوجود العسكري لواشنطن في سوريا.

لا يهم أن الشعب الأمريكي لم يفكر قط في حماية أكراد سوريا، ناهيك عن الجدل بشأن هذه القضية. أو أن الرئيس لم يتفاوض ولم يصادق مجلس الشيوخ على معاهدة دفاع. وأن سوريا لم تكن يوما مصلحة أمنية مهمة للولايات المتحدة. وأن واشنطن ألحقت ضررا كبيرا بالمدنيين السوريين بتأجيج الحرب الأهلية وفرض عقوبات قاسية. وأن الحفاظ على حامية عسكرية يورط الولايات المتحدة في أكثر مناطق العالم تقلبا. وأن حماية الأكراد السوريين تتطلب وجودا عسكريا مستمرا، وربما دائما. وأن القوات الأمريكية في سوريا تواجه تحديات متعددة، بما في ذلك روسيا وإيران و"داعش" والمتطرفين الإسلاميين المستقلين وتركيا، حليفة "الناتو"، ونظام دمشق الجديد، الذي كان قادته مرتبطين سابقا بتنظيم القاعدة. أو أن مثل هذه التدخل ليس في مصلحة الأمريكيين.

 

الشرق الأوسط أولا

 

مع ذلك، أراد الزميل القديم بقاء الجيش الأمريكي، مؤكدا، ليس للأبد. ومع ذلك، لا أحد في المنطقة، لا سيما في الحكومة السورية الناشئة حديثا، والتي ترغب في استعادة السيطرة على كامل الأراضي التي تدعي سيطرتها عليها، وتركيا، التي غزت شمال سوريا واستخدمت قوات بالوكالة للسيطرة على المناطق الحدودية الكردية، مستعد للتخلي عن مطالبه، وهو ما يعني أن أي التزام أمريكي يجب أن يكون مفتوحا، وأن أي قوات أمريكية يجب أن تبقى على أهبة الاستعداد للقتال دائما.

لا يوجد واجب على أي حكومة أهم من حماية شعبها. وعندما يتحدث الدستور الأمريكي عن "الدفاع المشترك"، يعني هذا الدفاع المشترك عن الأمريكيين لا عن العالم، والأهم من ذلك أنه يعني أيضا الدفاع لا شن حملات صليبية كبرى حول العالم لجلب الجنة إلى الأرض.

ينبغي على واشنطن أن تكون مستعدة لردع الحروب ضد خصومها وهزيمتهم. وبالنظر إلى ان الولايات المتحدة لا تحتاج إلى انتظار وصول الغزاة إلى أراضيها، إلا أنه ينبغي على واشنطن التحرك لمواجهة تهديد حقيقي، لا السعي لخلق نسخة مثالية من السلام الأمريكي في أقاصي بقاع الكرة الأرضية. لقد أصبح الدفاع عن الولايات المتحدة أكثر تعقيدا في عالم اليوم، حيث يمكن أن تتخذ النزاعات أشكالا مختلفة. ومع ذلك، فإن الدفاع لا يزال يعني الدفاع، وكما يعرف قضاة المحكمة العليا معنى المواد الإباحية عندما يشاهدونها، لا يعرف الأمريكيون معنى شن الحروب الإنسانية عندما يسمعونها، ولتقييد "الكتلة" كما يطلق على مؤسسة السياسة الخارجية، من الضروري تحديد غاية السياسة الخارجية والوسائل العسكرية بدقة.

إن ما يجعل الشؤون الدولية معقدة للغاية هو أنها حكيمة، وتتطلب اتخاذ قرارات في ظل ظروف متغيرة باستمرار، ويتعين على صانعي السياسات التعامل مع الواقع كما تظهر، لكن النتائج غالبا ما تكون عكسية، وأحيانا كارثية.

وفي الواقع، فإن عددا من النقاط الساخنة حول العالم اليوم، وبعضها مشتعل حرفيا بدرجات متفاوتة هي مسؤولية الولايات المتحدة والغرب بمفهومه الأوسع. ومن ذلك النزاع الروسي الأوكراني، حيث كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يخوضون حربا بالوكالة، ويساعدون أوكرانيا علانية لقتل الآلاف من الروس. واختارت موسكو بد ء الأعمال العدائية، وهو "غزو" غير عادل وغير مبرر. لكن، ومع ذلك، فإن واشنطن وشركاءها في "الناتو" قد انتهكوا وعودا متعددة بعدم تمدد التحالف إلى حدود روسيا، وشنت حربا عدوانية ضد صربيا، وهي صديقة قديمة لموسكو، وتم تشجيع تغيير النظام في جورجيا وأوكرانيا المتاخمتين لموسكو، وتم إقصاء رئيس منتخب ديمقراطيا كان يميل شرقا. لو شن الاتحاد السوفيتي حملة مماثلة ضد المكسيك، لكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على شفا الحرب، كما حدث في أزمة الصواريخ الكوبية، وكان من الممكن أن يسفر الأمر عن كارثة. تمتلك روسيا أسلحة نووية، وتستخدمها للتعويض عن نقص الأسلحة التقليدية، وتهتم بأمر أوكرانيا أكثر بكثير من الولايات المتحدة، التي لم تتحد قط حكم موسكو على تلك المنطقة، حتى أثناء الحرب الباردة.

 

آفاق السلام مع روسيا

 

في الشرق الأوسط، أثبتت الولايات المتحدة أنها قاتل بارع، فقد شنت حربا على العراق (مرتين)، وعلى كل من ليبيا وسوريا واليمن، متسببة في ذلك بسقوط مئات الآلاف من الضحايا المدنيين، وها هي تهدد إيران مجددا، وهي حرب قد تكون أسوأ من كل الحروب السابقة مجتمعة.

ولطالما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تحرك واشنطن من خلال التدخل العسكري المباشر أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة مساعدتها في الدفاع عن نفسها حال ردت إيران. ويبدو أن ترامب حذر صديقه المزعوم، نتنياهو، فخلال ولايته الأولى اشتكى من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "مستعد لمحاربة إيران حتى آخر جندي أمريكي".

في الوقت نفسه، وبرغم أن "حماس" تستحق إدانة، لكن قتل إسرائيل لعشرات الآلاف من المدنيين يتجاوز بكثير الرد المشروع. ولا يبدو أن هناك جريمة ضد الفلسطينيين لا تبررها الولايات المتحدة. بل والأسوأ من ذلك، تندفع الولايات المتحدة بلا تفكير نحو حرب محتملة مع الصين بشأن تايوان دون تفكير يذكر بالعواقب. ولم ترتفع سوى أصوات قليلة جدا في واشنطن ضد فكرة مواجهة بكين عسكريا إذا تحركت ضد تايوان، وهو منطقة قريبة من البر الرئيسي في الصين بقدر قرب كوبا من الولايات المتحدة. مع ذلك، فإن محاربة قوة تقليدية كبرى تمتلك أسلحة نووية بشأن قضية تعتبرها هذه الدولة وجودية هي الوصف الدقيق للكارثة. وحتى في الحالات القليلة التي فازت فيها الولايات المتحدة بمناورات حربية، فإنها تتكبد خسائر فادحة في القوى البشرية والعتاد، وعادة ما تفترض هذه المناورات عدم استخدام الأسلحة النووية. ويقدم رد فعل الولايات المتحدة على الأنشطة العسكرية السوفيتية في كوبا لمحة مقلقة عن كيفية رد بكين في نهاية المطاف على تزايد النشاط العسكري الأمريكي في تايوان وما حولها.

إلا أن أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الحالات هو أن أيا منها لا علاقة له بالدفاع عن الولايات المتحدة، فيما ينبغي أن يكون هدف الحلفاء حماية الولايات المتحدة لا أن يكونوا أهل رعاية اجتماعية يجرون الأمريكيين إلى خلافاتهم مع الآخرين. في بعض الحالات، تكون هذه المعركة غير ذات صلة بمصالح الولايات المتحدة، بل قد تكون ظالمة تماما في بعض الأحيان، كما قد يكون الهدف مفيدا، لكنه ليس حيويا بأي حال من الأحوال للولايات المتحدة، مثل منع إيران من امتلاح أسلحة نووية. كما أنه، وفي أمثلة أخرى، قد تكون القضية عادلة، مثل دعم أوكرانيا أو تايوان إلا أن هذه المصلحة هي الأخرى ليست حيوية للولايات المتحدة، بالتالي لا تستأهل الصراع مع قوة نووية.

 

آفاق قيام الدولة الفلسطينية

 

إن رغبة المؤسسين في منع التدخل العسكري العشوائي خارج البلاد دفعتهم إلى اشتراط موافقة الكونغرس على الحرب، وقد أصر جورج ماسون على أن هذه السلطة "ليست آمنة كي يعهد بها" للرئيس، لذا وضعتها في يد الكونغرس. وأوضح جيمس ويلسون قائلا: "لن يكون من سلطة رجل واحد، أو هيئة واحدة، توريط الولايات المتحدة في مثل هذه المحنة، لأن السلطة المهمة لإعلان الحرب من اختصاص السلطة التشريعية ككل". وقد طرح توماس جيفرسون الحجة نفسها بلهجة أكثر وضوحا: "لقد نص الدستور على لجم شراسة كلب الحرب بنقل سلطة إطلاق سراحه".

وقد ثبت أن مخاوف المؤسسين كانت في محلها. ففي العصر الحديث، يستغل الرؤساء دورهم كقائد أعلى للجيش في إشعال صراعات لا تنتهي. وللأسف، يفشل الكونغرس في الوفاء بمسؤولياته ولا يحاسب الرؤساء التقليديين المخطئين، ونادرا ما يلتزم أي من فرعي الحكومة بالدستور.

وبعكس التهويل المستمر المستخدم لتبرير حروب الحكومة الأمريكية المتكررة، تعتبر الولايات المتحدة القوة العظمى الأكثر أمنا على الإطلاق، بينما ثبت أن التدخل العسكري هو سبب انعدام الأمن الأمريكي وليس حلا لقضية الأمن الأمريكي.

ينبغي على الرئيس الأمريكي أن يرسم مسارا مختلفا، حيث كان أول رئيس معاصر يقر علنا بخطأ الولايات المتحدة، معلنا أن "الحرب والعدوان لن يكونا غريزته الأولى". وخلال ولايته الأولى، كان مترددا في الرد على دول أخرى، وفي ترك جثث بلا داع في أعقاب الجيش الأمريكي. الآن، يسعى ترامب إلى إحلال السلام في أوروبا، وفك ارتباط الولايات المتحدة بالصراع التقليدي في هذه القارة. وعليه أن يتبع النهج نفسه تجاه الشرق الأوسط، بإنهاء التهديدات ضد إيران، والهجمات على اليمن، ودعم انتهاكات إسرائيل.

والقيام بذلك لن ينهي الحرب ويؤسس لسلام أبدي، لكنه أجدى للحفاظ على أمن الولايات المتحدة وإجبار الدول الأخرى على معالجة مشكلاتها ومظالمها.

 

عمر نجيب

[email protected]