
في سنة 1989 كنت طالبا بثانوية كيهيدي أحضر للباكلوريا ،التي نلتها نفس السنة ، وهي سنة اندلاع الأزمة الموريتانية~ السنغالية .
وأتذكر أنني مرة سافرت نحو العاصمة نواكشوط في احدى سيارات الميكرو باص لأتفاجأ بوجود أستاذي لمادة الفيزياء والكيمياء ، وهو رجل فولاني ستيني ، بين الركاب الذين كانوا خليطا من الفولان والبيظان .
في الطريق استوقفنا أفراد نقطة أمنية و سألونا عن بطاقاتنا الوطنية ثم ما لبثوا أن أمروا من كان معنا من الإخوة الفولان بالنزول مع حقائبهم لغرض التفتيش والتدقيق الأمني وبقينا نحن جماعة البيظان في أماكننا !. حز في نفسي أن أستاذي ضمن من أمر بالنزول فتحليت بالشجاعة وخاطبت الدركي قائلا : " يا أخي هذا رجل موريتاني وأستاذنا لمادة الفيزياء و الكيمياء بثانوية كيهيدي!" ، اكتفي الدركي بأن نظر إلى شزرا ثم واصل عمله دون تعليق أو اكتراث ! .
بعد انتهاء عملية التدقيق وعودة كل الركاب نظر إلينا أستاذنا، الذي لم أعد أتذكر اسمه، ثم خاطبنا قائلا وهو يبتسم : هذا إجراء عادي و روتيني جدا والأيام دول ثم أردف قائلا : " أتذكر أيام حرب الصحراء الغربية كانت الصورة مختلفة ومعكوسة تماما يومها كنا نحن نبقى جلوسا في مقاعدنا بالسيارات فيما يتعرض الركاب من اخوتنا البيظان للمضايقات والتفتيش الشديد وكان كل بيظاني يومئذ متهما بأنه من البوليزاريو أو متواطئ معهم ثم اختتم قائلا أرأيتم ؟! يومها لما كان الخطر قادما من حدودنا الشمالية كان التفتيش والتدقيق على ذلك النحو أما اليوم فبما أن الخطر مصدره حدودنا الجنوبية فعلينا أن نعي ذلك و نتفهمه ...
كانت كلمات أستاذنا المفضال كأنها بلسم داوى به ما في نفوسنا واخوتنا من آلام وجراح .
واليوم نحن أيضا أمام منعطف تاريخي و بحاجة لفهم و تمثل حكمة وحصافة ذلك الأستاذ . علينا أن نتعاضد و نتعاون جميعا كي نتصدى ، بما يوافق القانون ومعايير حقوق الإنسان وشريعتنا السمحة ، للخطر الوجودي الذي يشكله طوفان المهاجرين غير الشرعيين على استقرارنا و أمننا و وحدتنا الوطنية ...وهو خطر واجهته كل الدول بما فيها تلك العظمى بكل الوسائل الناعمة وحتى الخشنة حماية لمصالحها رغم حاجتها لليد العاملة وقدرتها الاستعابية الهائلة ..
حفظ الله بلادنا من كل سوء .
د. الراجل امدن