بين إسرائيل وإيران.. رسائل في ضربات لم تتجاوز حدود اللعبة.... حسابات الربح والخسارة بعد ستة أشهر في معركة غزة

أربعاء, 2024-04-24 18:23

الصراعات في العالم تسيير وتخضع لسيطرة الأكثر قوة، وبعبارة أخرى، العلاقات الدولية مبنية على موازين القوة لا المفاهيم الأخلاقية المعترف بها بشكل جماعي أو على القواعد التي قد يصفها البعض بالمثالية.

بشكل عام تتحرك حكومات الدول بهدف تحقيق مصالحها الوطنية غير آبهة بتطبيق القواعد. الدول التي انتهكت أو تنتهك ما يسمى بالقواعد الدولية في ظل نظام عالمي متقلب، إما أنها لم ولن تتعرض للعقوبات، أو أن العقوبات إذا فرضت غالبا لم أو لن يكون لها أي تأثير كبير. ولذلك، يمكن انتهاك القواعد بشكل علني من قبل الدول التي تثق بنفسها معتمدة على قوتها الاقتصادية والعسكرية ودرجة تأثيرها اقليميا ودوليا وكذلك على شكل التحالفات التي تملكها وتقيمها.

الصراع المتجدد في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023 وبوتيرة أشد مما سبق أي منذ يونيو 1982 حين بدأت إسرائيل عملية غزو لبنان، أصبح على وشك الانتقال إلى درجة أخطر نحو حرب إقليمية لا يمكن تقدير ما يتبعها بشكل يقيني.

يقدر كثير من المحللين أن تل أبيب عندما أعلنت الحرب على غزة بعد ساعات من عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023، لم تكن تتوقع أن تتطور المواجهة على الشكل الذي سارت به حتى الآن ولا أن تعجز عن تحقيق أهدافها المعلنة حتى بعد اقتراب المواجهة العسكرية من يومها الأول بعد المائتين. 

يوما بعد آخر تتسع نيران حرب غزة سواء بشكل مباشر أو غيره، وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال "نحن في حرب متعددة الجبهات ونتعرض للهجوم من 7 مناطق: غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والعراق واليمن وإيران، قمنا بالرد بالفعل واتخذنا إجراءات في 6 من هذه المناطق".

وأضاف غالانت: "من دون تحقيق أهداف الحرب، ستكون المشكلة أن الناس لن يرغبوا في العيش في مكان لا نعرف فيه كيف نحميهم"، وهذا اعتراف بأن هناك خطر وجودي.

تبادلت إيران وإسرائيل الضربات واختلف المحللون ووسائل الإعلام في تقدير مدى نجاح كل طرف، ولكن الواضح أن عملية استقطاب للقوى الكبرى في الصراع إلى جانب الأطراف المتصارعة قد أصبح أكثر جلاء من أي وقت مضى.

يوم الجمعة 19 أبريل 2024 أعلنت طهران تصديها لهجوم ثلاث مسيرات قرب أصفهان أطلقها متسللون من داخل أراضيها، الإعلام الغربي تحدث عن هجوم إسرائيلي دقيق ولكن لم يخلف أضرارا كبيرة ولكنه شكل رسالة إنذار لطهران.

يشير محللون أنه بغض النظر عن حقيقة ما وقع فإنه من الواضح أن روسيا والصين وعبر شبكات رصدهم وإنذاراتهم الفضائية وغيرها شكلا عمليا جبهة دعم لطهران فيما يعتبر تماثلا مع ما قام به الأمريكيون والبريطانيون من ترصد للقصف الصاروخي وبالمسيرات الإيراني على إسرائيل يوم السبت 13 أبريل 2024، وذلك يعتبر أحد تفسيرات محدودية الهجوم الإسرائيلي على أصفهان، على الرغم من أن محللين رأوا فيه بمثابة اتفاق غير معلن بين الجانبين على "عدم التصعيد" والذهاب لحرب مفتوحة. وقد وغابت التصريحات الرسمية الإسرائيلية بشأن الهجوم، لكن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت تقارير أجنبية عن ضربة إسرائيلية على إيران، بينما قللت طهران من أهمية الهجوم.

وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية تسنيم ذكرت أنه "خلافا للشائعات وللتأكيدات الصادرة عن وسائل الإعلام الإسرائيلية ... ليس هناك أية تقارير تفيد عن هجوم من الخارج على مدينة أصفهان أو على أي منطقة أخرى من البلاد".

لكن هناك عدة معطيات تحدثت عنها وسائل الإعلام الغربية تفند الرواية الإيرانية ومنها ما أفاد به مصدر أمني عراقي لموقع الحرة الأمريكي يوم الجمعة 19 أبريل، بأن مجموعة صواريخ سقطت في مدينتين عراقيتين، تزامنا مع التقارير التي تحدثت عن "هجوم إسرائيلي على إيران".

وذكر المصدر لـ"الحرة" أن "صاروخين إسرائيليين سقطا في محافظة واسط المحاذية لإيران، فيما سقط آخر في منطقة اللطيفية جنوبي العاصمة بغداد". وأضاف المصدر: "يبدو أن هذه الصواريخ سقطت بسبب خلل فني".

ويوم الاثنين 22 أبريل وفي رد على تأكيدات من موسكو عن فشل الهجوم الإسرائيلي ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية، أن "الصاروخ المستخدم في الهجوم الإسرائيلي المزعوم على قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة أصفهان الإيرانية"، هو "صاروخ جو أرض تم تطويره محليا ويطلق عليه اسم 'Rampage' (الهيجان)".

 

توازن رعب جديد

 

نشر المحلل العسكري الإسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشواع تقريرا تطرق من خلاله للتصعيد الأخير بين طهران وتل أبيب وتآكل الردع الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023.

وقال المحلل العسكري في التقرير الذي جاء بعنوان "توازن رعب جديد بين إيران وإسرائيل" إنه لسنوات عديدة لم تهاجم إيران إسرائيل بشكل مباشر، ومنذ السابع من أكتوبر 2023 تآكل الردع وبدأت طهران في خلق نظام جديد.

وأضاف يهوشواع "الاختبار التالي سيكون عندما "تظهر إمكانية تصفية" جنرال إيراني آخر وقد يتم النظر في الأمر بجدية لكن من المشكوك فيه أن يتم تنفيذه"، مردفا بالقول "وهذا يشكل بالفعل انتهاكا للردع، وهو ما يجب على إسرائيل استعادته".

ويوضح المحلل العسكري أن التصعيد الأخير أنشأ توازنا جديدا من الرعب بين إيران وإسرائيل استنادا إلى التآكل الدراماتيكي للردع الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر.

وذكر أنه خلال هذه السنوات أقامت إيران بقيادة قائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني ما يوصف بـ"حلقة النار" حول إسرائيل لتشكل مجالا للمناورة حتى الحصول على القنبلة النووية.

وتابع قائلا: "لكن كل هذا انتهى قبل أسبوع، في تلك الليلة الدرامية عندما تم إطلاق ما لا يقل عن 350 قطعة ذات قدرة فتاكة على إسرائيل بما في ذلك أكثر من 110 صواريخ باليستية، ولم يكن الهدف أقل من استراتيجي قاعدة "نيفاطيم" الجوية التي تشكل عنصرا أساسيا في الحفاظ على التفوق الجوي الإسرائيلي في المنطقة.

ويضيف المحلل أن الخطوة الإيرانية وضعت إسرائيل أمام أجندة جديدة بعد أن قرروا في إيران بشكل فعلي إنهاء العصر الذي يوصف بالمعركة بين حربين، أي ردع إسرائيل من شن عمليات ضد مندوبين إيرانيين في الأراضي السورية واللبنانية.

ويفيد في تقريره "بعيدا عن عواقب السابع من أكتوبر، فقد أدرك الإيرانيون جيدا الصدع الذي تشكل بين إسرائيل وحليفتها الأكثر أهمية الولايات المتحدة.. لذلك يمكننا أن نزعم بأننا نجحنا في تشكيل تحالف دفاعي دولي والرد بشكل يظهر وكأنه أحرج الإيرانيين من دون الانجرار إلى حرب بتنسيق مع واشنطن التي فعلت كل ما بوسعها لتوضح أنها ليست شريكة في الهجوم". 

ويشير المحلل العسكري إلى أن التطورات الأخيرة في أعقاب الهجوم الإيراني أثارت جدلا في إسرائيل حول جدوى القرار باغتيال محمد رضا زاهدي، الذي اتضح أن تصفيته قرب القنصلية الإيرانية كان خطأ وأن الاستخبارات لم تقدر شدة الرد الإيراني الذي كاد يدخل إسرائيل إلى جبهة معقدة بأضعاف من الجبهات التي باتت متورطة فيها في قطاع غزة ولبنان.

وشدد على أن هذا يعد إخفاقا استخباراتيا آخر إلى جانب الفترة التي سبقت "حارس الأسوار" (الحرب على غزة عام 2021) والإخفاق الأكبر في 7 أكتوبر.

وذكر في تقريره أنه "وبعد أن انسكب الحليب بالكامل" واجهت إسرائيل عددا محدودا من الخيارات في الرد على الهجوم الإيراني، مبينا أنه كانت لدى الجيش خطة جاهزة للرد الفوري والشديد لكنها كانت معقدة للغاية، وتقرر الانتظار وتقييم الأضرار وبالتالي تأجيل الرد.

ويقول المحلل إنه وبحسب المؤشرات والتقارير في وسائل الإعلام العالمية، فقد كان الرد عملية جراحية تهدف إلى إظهار تفوق القدرات الإسرائيلية الاستخباراتية والعملياتية والتكنولوجية على الأنظمة الدفاعية في إيران وإلحاق الضرر بها.

وفي ختام التقرير أكد المحلل أنه "يجب على إسرائيل أن تنهي وبسرعة الحرب المتواصلة في قطاع غزة والتوقف عن إطلاق شعارات فارغة حول "الانتصار المطلق" والتوصل إلى اتفاق لتحرير الرهائن، وإذا لم يحصل هذا يجب تسريع العملية العسكرية المخططة في رفح".

وبين أنه بعد وقف إطلاق النار في غزة ستهدأ النار في لبنان، وعندها فقط ستتمكن إسرائيل من إعادة بناء قوتها العسكرية وفقا للواقع الذي تغير بالكامل.

 

حماس ترمم نفسها

 

صرح اللواء في الاحتياط، ورئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي سابقا، إسرائيل زيف، يوم الأحد 21 أبريل 2024، بأن التناقض بين أهداف الحرب على قطاع غزة وعدم إنجازها، "جمد كل ما يقوم به الجيش، وأعطى المفاتيح لحماس لترميم نفسها". 

وفي حوار وتحليل مع "القناة الـ 12" الإسرائيلية بشأن عودة حماس إلى السلطة في القطاع، أضاف زيف أن "هدف الحرب كان إزالة سلطة حماس، ولكن رئيس الحكومة نتنياهو لا يتخذ قرار استبدال سلطة حماس". 

وبحسب زيف، فإن "نتيجة ذلك هو أن حماس تنتظم وتبنى وتسيطر من جديد، وتقوم بتوزيع المساعدات الإنسانية، كما أنها بدأت في عملية الترميم، في حين أن المستوطنات خالية ومهملة".

ووفقا له، فإن "الحرب في قطاع غزة انتهت منذ أكثر من 3 أشهر"، مشيرا إلى أن "الجيش ليس لديه أهداف محددة، لذلك لم يبق داخل القطاع وسحب 4 فرق، لأنه لن يكون فعالا وسوف يتلقى إصابات فقط".

وعقبت "القناة الـ 12" على كلام زيف بالقول، إن "حماس لم تقوض، بل على العكس، فهي لا تزال السلطة الحصرية في قطاع غزة".

ولفتت إلى أنه "بدأت أعمال ترميم في قسم من المناطق في القطاع بمبادرات فردية تديرها حماس بعد مغادرة معظم قوات الجيش الإسرائيلي"، مؤكدة أن "السكان هناك بدؤوا في العودة إلى الروتين".

وفي وقت سابق، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن "إسرائيل" لن تتمكن من تحقيق أهداف حربها على غزة، مؤكدة أنها هزمت هزيمة مطلقة في هذه الحرب.

وكتب مراسل الشؤون السياسية في صحيفة "هآرتس"، حايم لفينسون، في مقال: "لقد خسرنا الحرب. هذا هو الاستنتاج الواضح لكل إسرائيلي"، مضيفا أن "صعوبة الاعتراف بذلك تلخص كامل النفسية الخاصة والجماهيرية لإسرائيل".

وذكر لفينسون:"الحقيقة هي أن أهداف الحرب لن تتحقق. لن يتم تدمير حماس. ولن يعاد الأسرى بضغط عسكري. الأمن لن يعود".

 

الانتقال لقتال من نوع مختلف

 

يتخبط حلفاء إسرائيل في محاولتهم معالجة التعثر في الحربعلى غزة، يوم الإثنين 22 أبريل أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلا عن مسؤولين أمريكيين قولهم بأن إسرائيل لم تستطع ولاتستطيع القضاء على "حماس"، ولكنها خفضت احتمال تكرار 7 أكتوبر وعليها القتال ضد كبار قادة الحركة. 

ويشكك المسؤولون الأمريكيون في الافتراضيات التي تقول إنالعمليات الإسرائيلية المكثفة يمكن أن تستمر لمدة شهرين آخرين،ناهيك عن سنوات.

وتعتبر واشنطن أن على إسرائيل أن تعلن النصر على "حماس" وتنتقل إلى نوع مختلف من القتال، أي القتال ضد كبار قادةالحركة.

وأكد المسؤولون للصحيفة إن إسرائيل لم تستطع ولا تستطيعالقضاء على "حماس"، ولكنهم جعلوا احتمال تكرار أحداث 7 أكتوبر 2023 منخفضا للغاية.

وصرح الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكيةدوغلاس لندن أن المقاومة الفلسطينية لإسرائيل التي تجسدهاحماس وغيرها من الجماعات المسلحة، هي فكرة بقدر ما هيمجموعة مادية وملموسة من الناس.

وأضاف الرجل الذي قضى 34 عاما في الوكالة في تصريحلصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: "على الرغم من الضرر الذيقد تسببه إسرائيل لحماس، إلا أنها لا تزال لديها القدرة والمرونةوالتمويل وسلسلة طويلة من الناس الذين ينتظرون على الأرجحالاشتراك والانضمام بعد كل القتال وكل الدمار وكل الخسائر فيالأرواح".

وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلا عن مسؤولين أمريكيين يومالاثنين بأن الأنفاق ستسمح لحركة حماس بالبقاء وإعادة تشكيلنفسها بمجرد توقف الحرب في قطاع غزة. 

وأضاف المسؤولون أنه وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التيمنيت بها حماس إلا أن قسما كبيرا من قيادتها العليا في غزة مازال في مكانه متخفيا في شبكة واسعة من الأنفاق ومراكزالعمليات تحت الأرض، مؤكدين أنهم أصحاب القرار فيمفاوضات صفقة الرهائن.

ويمتد نظام الأنفاق لمئات الأميال في نقاط تصل إلى 15 طابقاتحت الأرض، وفقا لمسؤولين إسرائيليين وأمريكيين.

ولم تتمكن إسرائيل من تدمير الأنفاق التي أمضت حماس سنواتفي بنائها، لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم سيطروا علىمعظم النقاط الرئيسية، أي المجمعات الاستراتيجية تحت الأرضالتي استخدمتها حماس لقيادة قواتها.

وأفاد مسؤول في المخابرات العسكرية الإسرائيلية تحدث شريطةعدم الكشف عن هويته امتثالا لبروتوكولات الجيش، بأنه تم تدميرحوالي 70 في المئة من المجمعات.

وتوضح الصحيفة الأمريكية أنه ورغم أن العمليات العسكريةالإسرائيلية في غزة أدت إلى إضعاف حماس وقتل آلاف منعناصرها وتصفية قائد عسكري كبير واحد على الأقل، إلا أن تلأبيب لم تحقق أهدافها الأساسية من الحرب "تحرير الرهائنوتدمير حماس بالكامل".

وتقول "نيويورك تايمز" إن الحرب كلفت إسرائيل باهظا، حيث قتلجيشها أعدادا كبيرة من المدنيين الفلسطينيين بالإضافة إلىانتشار الجوع على نطاق واسع في غزة، كما أثار مقتل عمالالإغاثة غضبا وإدانة واسعة في أرجاء المعمورة.

إلى ذلك، ذكرت "نيويورك تايمز" أن بحسب التقييم الاستخباراتيالسنوي الذي صدر في شهر مارس، شككت وكالات المخابراتالأمريكية في قدرة إسرائيل على تدمير حماس فعليا.

وذكر التقرير: "من المحتمل أن تواجه إسرائيل مقاومة مسلحةمستمرة من حماس لسنوات قادمة.. وسيكافح الجيش من أجلتحييد البنية التحتية تحت الأرض لحماس والتي تسمح لعناصرالحركة بالاختباء واستعادة قوتهم ومفاجأة القوات الإسرائيلية".

إلى ذلك، بينت الصحيفة الأمريكية أن تل أبيب وحماس تستعدانلعملية أكبر في مدينة رفح الجنوبية، آخر معاقل حماس التي لمتصلها القوات الإسرائيلية، مؤكدة في السياق أن هناك حالة عدميقين بشأن ما قد يأتي بعد رفح، مع تساؤلات حول من سيحكمغزة ويتولى توفير الأمن في القطاع بعد الحرب.

ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن أربع كتائب من مقاتلي حماستتمركز في المدينة وأن آلاف المقاتلين الآخرين لجأوا إليها، إلىجانب أكثر من مليون مدني.

وتقول تل أبيب إنه يجب تفكيك تلك الكتائب، حيث صرح مسؤولونإسرائيليون بأن الطريقة الوحيدة لتدميرها هي من خلال توغلكبير للقوات البرية في رفح.

ويؤكد خبراء أمنيون إسرائيليون في السياق أن تدمير الأنفاق بينغزة ومصر التي تزود حماس بالأسلحة وفق زعمهم، سيكون هدفاحاسما أيضا.

لكن العملية العسكرية المخطط لها أصبحت نقطة خلاف بينالولايات المتحدة وإسرائيل، حيث أفاد مسؤولون أمريكيون بأنإسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح وبدون ذلك فإنعدد القتلى في غزة سوف يرتفع أكثر.

ويقول المسؤولون العسكريون الأمريكيون إن على إسرائيل أنتصمم خطتها على غرار حصار الموصل بالعراق في عام 2017 من قبل القوات العراقية والقوات الجوية الأمريكية، حيث تم إجلاءمليون ساكن من المدينة قبل الهجوم، علما أن 3000 مدني علىالأقل لقوا مصرعهم نتيجة للعملية العسكرية.

ووفق الصحيفة، يريد المخططون العسكريون الأمريكيون أن تنفذإسرائيل غارات مركزة على نقاط قوة حماس، ولكن فقط بعد نقلالمدنيين.

ويشدد المسؤولون الأمريكيون في تصريحاتهم على أن الطريقةالوحيدة لحمل إسرائيل على وقف عملية رفح هي إبرام صفقةإطلاق سراح الرهائن، إلا أنه وفي المقابل يؤكد الإسرائيليون إنالعملية الوشيكة في رفح هي وحدها التي أبقت حماس فيالمفاوضات مع تزايد الغضب بين عائلات الرهائن بسبب فشل تلأبيب في تحريرهم.

وخلال تفصيلها وخوضها في العديد من النقاط بشأن الحربالمستمرة منذ 6 أشهر، طرحت الصحيفة سؤالا جوهريا حيث قالت"بعد ستة أشهر من الصراع، ماذا حققت إسرائيل ومتى وكيفيمكن أن ينتهي القتال؟"، مشيرة إلى أن الإجابة عن السؤالتخلق توترات عالمية متزايدة الشدة حول حرب كلفت إسرائيل الدعمحتى من حلفائها المقربين.

 

شروط وقف إطلاق النار

 

أكدت مجلة "نيوزويك" الأمريكية في تقرير لها يوم 19 أبريل 2024 أن حركة حماس تصر من تحت الأنقاض على فرض شروطها في المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشيرة إلى أنه "بينما يركز العالم على دورة الانتقام الإسرائيلية - الإيرانية، فإن الحرب في غزة لا تزال مستمرة".

وذكرت المجلة إن الحركة رفضت المقترح الأخير الذي وضعه المفاوضون الغربيون، وتصر على إعادة نصف الأسرى فقط، إضافة إلى شروط أخرى تعرف أنها غير مستساغة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، التي تتعرض لضغوط محلية ودولية.

ورأت الصحيفة أنه "عادة ما يستسلم الخاسرون في الحرب"، لافتة إلى أن "الأمر ليس كذلك بالنسبة لحماس"، وأن السبب وراء هذا "التحدي المذهل في زمن الحرب بسيط، وهو أنه حتى الآن حماس هي المنتصرة". 

وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، قد أكد، أن حماس متمسكة بشروطها في المفاوضات، ولن تذهب إلى أي صفقة من دون تحقيقها.

وجدد هنية تأكيد تمسك المقاومة بضرورة إعلان وقف إطلاق النار بشكلٍ دائم في غزة، والانسحاب الشامل من كل القطاع، وعودة النازحين إلى أماكن سكنهم بلا قيد أو شرط، ثم الإغاثة والإيواء والإعمار ورفع الحصار، وصولا إلى التوصل إلى صفقة للأسرى جدية، مشددا على أن "من دون ذلك لن تذهب الحركة إلى أي اتفاق ينتقص من هذه المطالب".

 

حرب إقليمية مفتوحة

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم السبت 20 أبريل 2024:

قلق عالمي من التصعيد الأخير في الشرق الأوسط خاصة بعد الضربات الإيرانية لإسرائيل،

تصعيد على عدة مستويات على أكثر من جبهة، يدفع منطقة الشرق الأوسط إلى احتمالات "حرب مفتوحة"، والتي قد تعني دخول المنطقة في حروب لا نهاية أو حدود لها، خاصة بعد تحطم "التابوه" بمواجهات مباشرة بين إسرائيل وإيران، رغم كونها لا تزال محدودة ووفق ضوابط تمنع الانزلاق.

وإلى جانب المعارك التي تجري في غزة حيث يقترب الجيش الإسرائيلي من تنفيذ هجوم واسع على رفح، تواجه إسرائيل الهجمات الإيرانية واشتباكات مع حزب الله اللبناني، ناهيك عما يحدث في البحر الأحمر من استهداف لحركة الشحن البحري من قبل جماعة الحوثي في اليمن.

ما يجري من "أفعال وردود فعل" ينذر بلهيب قادم للشرق الأوسط، على ما أكد محللون لموقع "الحرة"، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة تحتاج للتدخل بتهدئة التصعيد الحاصل في المنطقة المتوترة، خاصة مع خشية المجتمع الدولي أن تتحول عقود من العداء بين إسرائيل وإيران إلى حرب شاملة.

ولفتوا إلى أن ما يحدث في "أوكرانيا" قد يشكل تحذيرا عما يمكن أن نشهده في المنطقة، حيث تتعقد الحيثيات في الشرق الأوسط، وحتى بعض الدول التي لا علاقة مباشرة لها في الحرب قد تجد نفسها في "عين العاصفة" مجبرة على حماية أراضيها.

سيناريوهات التصعيد التي قد تنتهي بحرب إقليمية في الشرق الأوسط تبدو أقل احتمالا، وفق ما يؤكد المحلل السياسي العسكري الأمريكي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز لموقع "الحرة".

ويضيف أن معرفة سيناريوهات التصعيد بدقة "يعتمد على مدى الرد الإسرائيلي الذي قد تنفذه على طهران، وعلى كيفية رد إيران على هذا الرد"، مشيرا إلى أنه يرى بأن "إيران وإسرائيل كلا منهما لا يريد الدخول في قتال مباشر مع الآخر، ولكن من الصعب التكهن بالأفعال وردودها على المدى القريب والمتوسط، إذ قد نرى حربا بالنهاية حتى لو كان الطرفان لا يريدانها".

ويعتقد وايتز أن ما يؤرق بشكل كبير قد لا تكون المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، وإنما فيما "يحصل بالاشتباكات مع حزب الله، أو حتى بتأثير الهجمات التي ينفذها الحوثيون في البحر الأحمر".

ويشرح بأنه في الوقت الذي يمكن فيه رصد الصواريخ القادمة من إيران، إلا أن "مواجهة الصواريخ القادمة من حزب الله قد تشكل تحديا خاصة وأنها تطلق من مناطق قريبة جدا على إسرائيل، وفي حال وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة قد نرى غزوا بريا إسرائيليا لجنوب لبنان لدفع حزب الله للداخل اللبناني".

وحذر تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست من أن الهجمات الإيرانية أعادت الزخم للحدود الإسرائيلية مع لبنان، حيث يخوض حزب الله حربا طويلة وصامتة قد تتبع إستراتيجية انتقامية من إسرائيل.

ولفت أن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن "الباب قد يكون مفتوحا لصراع شامل"، فيما يقول مسؤولون إسرائيليون إنهم "يريدون تجنب حرب شاملة".

وذكر محللون ومسؤولون سابقون في إسرائيل لوكالة رويترز أن خيارات تل أبيب تتنوع بين شن هجمات على منشآت إيرانية إستراتيجية، بما يشمل المواقع النووية أو قواعد الحرس الثوري، وبين عمليات سرية واغتيالات وهجمات إلكترونية على منشآت صناعية إستراتيجية ومنشآت نووية.

ويحذر مسؤولون إيرانيون من أن أي هجوم إسرائيلي كبير سيؤدي إلى انتقام فوري.

وصرح مسؤول إيراني كبير للوكالة إن خيارات إيران للرد تشمل إغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره نحو خمس تجارة النفط العالمية، فضلا عن حث حلفاء طهران على استهداف مصالح إسرائيلية أو أمريكية، ونشر صواريخ لم تستخدم من قبل.

 

حالة حصار

 

الأكاديمي المحلل السياسي الأردني، عامر السبايلة يقول إن "إسرائيل ترى نفسها، في حالة مواجهة مع سبعة أطراف في المنطقة، والتي تضم المواجهة مع: حماس في غزة، والضفة الغربية، وحزب الله في جنوب لبنان، وإيران، والميليشيات الموجود في العراق وسوريا، والحوثي في اليمن".

ولم يستبعد في رد على استفسارات موقع "الحرة" تصاعد الصراع في الشرق الأوسط "لأننا دخلنا في مرحلة الاستهداف المباشر العابر للحدود، لتصبح المنطقة كلها أمام مشهد مفتوح للانتقال والتوسع إلى جبهات".

بعد أسابيع طويلة من التلويح بالهجوم على رفح، كشفت تقارير إسرائيلية وغربية، عن بروز "مؤشرات جديدة"، توحي بأن القوات الإسرائيلية تستعد لشن هجوم بري وشيك على المدينة الجنوبية، حيث يتواجد نحو 1.4 مليون نازح فلسطيني.

ويرجح السبايلة أن إسرائيل "بعدما ستنفذ هجومها الموسع في رفح وغزة" ستركز على محيطها الجغرافي المباشر باستهداف "الضفة الغربية، وجنوب لبنان، وأجزاء من سوريا"، فيما ستترك مهام المواجهة في "البحر الأحمر للتحالف الغربي الذي تتصدره الولايات المتحدة".

والعديد من دول منطقة الشرق الأوسط، حتى وإن لم تكن طرفا مباشرا في الصراعات "إلا أنها ستجد نفسها مجبرة على التدخل لحماية نفسها من الصراع المفتوح" والتي قد تشمل الأردن وحتى العراق أو دولا أخرى في المنطقة بحسب السبايلة.

 

خفض التصعيد 

 

تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية أشار إلى أن تقارير وتقييمات أولية تفيد أن كلا الجانبين الإيراني والإسرائيلي "ربما يسعيان إلى خفض التصعيد" للتوتر المتصاعد، ويوضح أنه رغم محدودية تأثير هذه الضربات إلا أن سلسلة "الأفعال وردود الفعل الأخيرة" تمثيل "مرحلة أكثر إثارة للقلق في الشرق الأوسط، فصواريخ إيران ومسيراتها التي أطلقت على إسرائيل لم يكن الهدف منها تحقيق الضرر بشكل أساسي بقدر ما هي استعراض للقوة الإيرانية وبأن طهران تظهر قدرا في ضبط النفس وأنها ستواجه إسرائيل وجها لوجه إذا لزم الأمر.

الرد الذي حصل في إيران وتنسبه المصادر إلى إسرائيل، إذا ما اكتفى بهذا القدر من التصعيد المباشر، قد ينجح في تجنب تبادل أعمال عدائية "ولو لبعض الوقت" بين الطرفين بحسب التحليل.

ويشرح أنه إذا استمرت "ديناميكية" التوتر بين إسرائيل وإيران بالدخول في موجهة مباشرة أو حتى من خلال حلفاء طهران، ستجذب المنطقة إلى "حرب مفتوحة" سيشارك فيها حلفاء كل من الطرفين.

ويقول مايكل هوروويتز المحلل في مؤسسة "لو بيك" للاستشارات للمخاطر الجيوسياسية، لفرانس برس إن الرد الإسرائيلي "رد محسوب يهدف إلى إظهار قدرة إسرائيل على ضرب الأراضي الإيرانية من دون إثارة أي تصعيد".

ويقول جوليان بارنيس-دايسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية "يبدو أننا في وقت يسعى الجانبان إلى الخروج من دائرة التصعيد الحالية إذ نفذت إسرائيل هجوما محدودا للغاية لإظهار الرد على الضربات الإيرانية، بينما سرعان ما قللت طهران من أهمية الحادث حتى لا تضطر إلى الرد عليه".

بدوره، يشير حسني عبيدي من مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي الذي يتخذ من جنيف مقرا، إلى "شبه تماثل" بين الهجومين الإيراني والإسرائيلي، ما قد يدفع الطرفين إلى التفكير في إمكانية ترك الأمر عند هذا الحد.

ويقول لفرانس برس إن "الضربة الإسرائيلية استهدفت قاعدة جوية كانت بمثابة منصة لإطلاق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل"، مضيفا أن "الإسرائيليين كانوا حريصين على عدم المساس بالمواقع النووية المهمة الموجودة في المحافظة نفسها، أي أصفهان".

ومن شأن هذا الوضع أن يرضي طهران التي "ليس لديها مصلحة في استمرار هذا التوتر"، لأن "أولويتها القصوى" هي مواصلة برنامجها النووي، الذي يعد ضمان بقاء النظام، وفقا لهذا الخبير في شؤون الشرق الأوسط.

من ناحية أخرى، يعتبر حسني أن إيران تمكنت من قياس "القدرة الإسرائيلية في إطار الدفاع الجوي" خلال هجومها عليها، فضلا عن التعبئة "غير المسبوقة للولايات المتحدة" وعلى نطاق أوسع للمعسكر الغربي الذي انضمت إليه الأردن. 

 

منطقة محمومة

 

ولكن على الرغم من العناصر الموضوعية التي تميل إلى خفض التصعيد، يحافظ محللون على حذرهم مشيرين إلى الشكوك المحيطة بأهداف إسرائيل.

وتقول أنييس ليفالوا من معهد الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط لفرانس برس "بالنسبة لي، تنتهج إسرائيل منطق التصعيد وليس منطق خفض التصعيد على الإطلاق".

وتؤكد أن "مهاجمة إيران هي وسيلة للحصول على دعم غربي أكبر بكثير مما حصلت عليه في قضية غزة"، في إشارة إلى أن بعض الدول العربية تعتقد أن طهران وبرنامجها النووي يشكلان في ذاتهما عاملا لزعزعة الاستقرار الإقليمي.

وبينما تقول إن الإسرائيليين اختاروا الرد على هجوم طهران من دون الالتفات إلى تحذيرات واشنطن، تشير إلى الطبيعة غير المتوقعة لرئيس الوزراء، نتنياهو الذي لم يتأثر حتى الآن بالضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة.

وتقول أنييس ليفالوا إن "هناك ما يبدو واضحا ومعقولا ولكن على أرض الواقع لدينا جهة فاعلة تتخذ قرارات تبدو كأنها تتعارض مع مصالح إسرائيل نفسها".

على مستوى المنطقة ككل، يشير جوليان بارنيس-دايسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية للوكالة إلى أن "الوضع الإقليمي بمجمله لا يزال محموما بشكل لا يصدق، بحيث أصبحت المواجهة بين هذين الطرفين أكثر مباشرة من أي وقت مضى".

وترى أنييس ليفالوا أنه في إطار السيناريو الأقل تشاؤما، ربما اضطرت واشنطن إلى القبول بقيام إسرائيل بهذا الرد الانتقامي لا أكثر، معتبرة أن "المخاطر كبيرة للغاية" بالنسبة للولايات المتحدة ودول الخليج العربي وإسرائيل.

وتؤكد تحليلات نشرتها صحف واشنطن بوست ووول ستريت جورنال ونيويورك تايمز أن الضربات التي تنسب لإسرائيل في إيران، كانت "أصغر من المتوقع"، وهذا ما يقلل فرص التصعيد الفوري بين الطرفين.

وأدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش "أي عمل انتقامي" في الشرق الأوسط، حسبما أكد المتحدث باسمه الجمعة 19 أبريل بعد الإنفجارات قرب أصفهان. 

ويؤكد المحلل العسكري وايتز أن الولايات المتحدة تحاول بأدوات دبلوماسية وعسكرية منع التصعيد في الشرق الأوسط، إذ أنها أرسلت رسائل للإسرائيليين دعتهم إلى "استجابة معتدلة" في ردهم على هجمات طهران، والتي قد تكون في نطاق هجمات سيبرانية.

وأضاف أن واشنطن تعمل أيضا على حشد الدعم الدولي لإسرائيل ودعوة الجميع لضبط النفس وتهدئة التصعيد.

أما على الصعيد العسكري، يشير وايتز إلى أن واشنطن تستخدم أدوات عسكرية "بتواجدها في المنطقة وصد الهجمات التي ينفذها الحوثيون، وتوفير الدعم لإسرائيل، وهو ما يوجه رسائل ردع إلى إيران، بأن أفعالها بالنهاية سيكون لها عواقب".

ودعا تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الولايات المتحدة إلى إتباع سياسة "التهديد لطهران والضغط على إسرائيل" لمنع نشوب حرب إسرائيلية إيرانية.

وتابع أن الصراع الإيراني الإسرائيلي غير المباشر خلال الأشهر الماضية والذي انتهى بهجمات إيرانية مباشرة والظروف الإنسانية الصعبة في قطاع غزة، تسبب في حالة من الإجهاد للسياسة الداخلية الأمريكية، وهو ما دفع بالرئيس الأمريكي، جو بايدن إلى حث إسرائيل على "أخذ النصر" بعد الهجمات الإيرانية "الفاشلة" والتفكير "مليا" في أي عمل انتقامي قد يؤدي إلى حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط.

وتخوف التحليل من أن أي صراع مفتوح في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى "سلسلة عواقب مدمرة على العالم" إذ سيدفع "بتفاقم العنف، وموجات من النزوح، ونسف أي تقدم نحو التطبيع العربي الإسرائيلي، واضطرابات اقتصادية بعيدة المدى".

وحث التحليل واشنطن لتجنب "تصعيد كارثي" بالضغط من أجل "وقف القتال في غزة، ما يحرم إيران ووكلائها من ذرائع مهاجمة إسرائيل"، وعلى الصعيد الأخر "تحذير إيران بشكل جدي" بأن أفعالها "ستولد المزيد من الانتقام".

 

ملف الأزمات

 

المحلل السياسي، السبايلة يرى أن "عدم حسم الكثير من ملفات الأزمات من قبل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هو ما أوصل المنطقة إلى ما وصلت عليه من توتر".

وقال إن "واشنطن يمكنها التركيز على الحد من التصعيد في المنطقة، والدفع بتعزيز أنظمة الدفاع، بضبط إيقاع التوترات بشكل حاسم خاصة في البحر الأحمر ومنع تمادي الميلشيات المسلحة التي تتواجد بعدة دول في المنطقة، ودعوة الجميع إلى ضبط النفس والتهدئة بشكل حقيقي، وعدم تحفيز المنطقة لنشوب حرب مفتوحة قد تطال الجميع".

محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأمريكية قال إن ما يحدث في المنطقة يدفع بطرح العديد من التساؤلات أهمها ما إذا كان الطرفان (إسرائيل وإيران) سيدخلان في صراع طويل الأمد؟، وهل تتوافر الإرادة السياسية والموارد لصراع عسكري طويل الأمد؟.

ويشرح في حديث لموقع "الحرة" إن "مسار التصعيد في الشرق الأوسط يعتمد على عزيمة شعوب هذه الدول، ودعم الحلفاء الدوليين، بحيث كل طرف يحتاج إلى التوصل لمعادلة قائمة على الحكمة والواقعية لتحديد تكاليف المزيد من التصعيد، والاستنزاف الذي سيصاحبه".

وتابع الباشا إن "الصراع الذي يدور في أوكرانيا يجب أن يمثل تذكيرا صارخا لما يمكن أن يحصل، وما سيعنيه الأمر للأطراف المتحاربة والداعمين لهم".

ويوضح المحلل الباشا أن إيران قد يكون لديها القدرة على إنتاج ذخائر على نطاق واسع، ولكن بقدرة محدودة على تحمل صراع طويل الأمد، ما يجعل من قدرتها على التصنيع الحربي من دون جدوى، وفي الوقت ذاته، أثبتت الدفاعات الجوية الإسرائيلية قدرتها على مواجهة هجمات الصواريخ والمسيرات، والتي سببت إرباكا لإسرائيل رغم أن الهجوم استمر لعدة ساعات فقط، فكيف ستصمد هذه الدفاعات إذا استمرت الهجمات لعدة أيام أو أسابيع.

وأشار الباشا إلى أنه حتى لو كانت هذه الأطراف تحظى بدعم من جهات دولية أخرى، هل ستتحمل هذه الجهات الداعمة استمرار استنزاف هذه الحروب لمخزونها العسكري من الذخائر والأسلحة المختلفة؟، ما قد يعني أن تكلفة خفض التصعيد ستكون أقل بكثير من استمرار التصعيد بالمنطقة.

ولفت إلى أن معضلة إسرائيل لم تعد تتمثل في المواجهة المباشرة مع إيران، بل بالمواجهة مع أنصارها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وحتى في الأراضي الفلسطينية.

 

لن تنشب حرب عالمية ثالثة

 

لماذا لا ينبغي الخوف من نشوب حرب عالمية ثالثة؟ حول ذلك، كتب مدير المركز التحليلي "استراتيج برو" ألكسندر فيدوروسوف، في "إزفيستيا" يوم 19 أبريل:

عندما تندلع الصراعات القديمة بقوة متجددة في مكان ما على هذا الكوكب، يتعين، بين الحين والآخر، طمأنة الأصدقاء والزملاء مفرطي الحساسية. لا تقلقوا، كما يمكن القول، هذه ليست "هرمجدون" بعد.

أولا. وقد أكون مخطئا، يبدو أن العالم لم يجن تماما بعد. لا أحد (أو لا أحد تقريبا) يركب رأسه ويعتلي "سلم التصعيد". فما زالت قنوات الاتصال بين الأطراف المتصارعة تعمل بشكل عام.

ثانيا، "حرب التفسيرات" في العالم الحديث تدور رحاها بشكل لا يقل حدة عن القتال الفعلي. ويسعى كل جانب إلى تأويل إخفاقاته الواضحة بحيث تبدو نجاحات. وهذا ليس بالضرورة أمرا سيئا.

ثالثا، إذا اتفقنا على ما سبق، نجد أن إيران، بطبيعة الحال، فازت بالجولة الحالية من المواجهة مع إسرائيل. ومع أن الغرب الجماعي أسقط حسب دعايته، بقوى دفاعاته الجوية، 99 في المئة من الطائرات المسيرة والصواريخ الفارسية، إنما، كما يقولون، هناك تفصيل بسيط. فكما يبدو، هذه الضربات الدقيقة "المثيرة للشفقة"، والبالغة نسبة وصولها 1 في المئة إلى منشآت الاستخبارات العسكرية الأكثر حماية في العالم، جعلت الكثيرين في إسرائيل والولايات المتحدة يراجعون حساباتهم.

على الرغم من التناقضات المتراكمة في العالم الحديث، لا يمكن القول إن أيا من الجهات الفاعلة الدولية الجادة تسير نحو صراع عسكري عالمي. وحتى الولايات المتحدة، إذا حكمنا من خلال ردة فعل واشنطن المنضبطة نسبيا تجاه أحدث موجة من الصراع الإيراني الإسرائيلي، تدرك ببطء حدود قدراتها التصعيدية.

كل هذا لا ينفي المساحة الهائلة التي تنفتح أمام "البجعات السوداء" بسبب انهيار النظام العالمي الأحادي القطب. ومع ذلك، لا يزال بإمكاننا اليوم أن نقول، بدرجة عالية من الثقة: لقد استبعدت الحرب العالمية الثالثة في الوقت الحالي، وعلينا الذهاب إلى العمل صباح الغد.

 

عمر نجيب

[email protected]