هل تتحول حرب غزة تدريجيا إلى مواجهة بين روسيا والغرب.... الفشل في تدمير حماس خطر وجودي على إسرائيل

ثلاثاء, 2024-03-26 22:25

مع كل يوم يمر تأخذ معركة غزة التي تقترب من إكمال شهرها السادس أبعادا جديدة أوسع وأكثر خطورة، كما يترسخ موضعها كأحد المكونات المهمة في معادلة وتركيبة ساحة الصراعات الدولية بين الشرق والغرب وبين تحالف الناتو من جهة والتكتل الروسي الصيني المدعوم من طرف غالبية دول الجنوب من أجل تعديل النظام العالمي القائم على القطبية الأحادية أي الهيمنة الأمريكية، إلى نظام يعتمد على التعددية القطبية تكون له قواعد جديدة تخفف من الآثار والممارسات السلبية الخارقة لسيادة الدول نتيجة استخدام القواعد الحالية التي لا تخدم سوى الدول الغربية على حساب باقي دول العالم اقتصاديا وسياسيا.

بعد ستة أشهر من القتال ورغم عدم التكافؤ الهائل في القوى المادية لم ينجح الجيش الإسرائيلي المدعوم غربيا بالسلاح والمتطوعين من تحقيق الأهداف الأساسية التي وضعتها تل أبيب لحربها وذلك باعتراف سياسييها وعسكرييها وكذلك حتى من طرف من حالفها. 

التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية يمارس مناورات على الساحة السياسية قد تعطي بعض ظواهرها انطباعا بأن هناك تراجع عن الدعم المطلق لتل أبيب في حين أن واقعها مخالف تماما، لأن حلفاء إسرائيل يقدرون أنه إن لم تنجح في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها بعد هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 فإن خسارتها ستكون ذات أبعاد وجودية وستقلب رأسا على عقب كل المشاريع الغربية في منطقة الشرق الأوسط الكبير كما سوف ترسخ معادلات لتوازن قوى إقليمية غير مواتية للمصالح الغربية وداعمة للتحالف الروسي الصيني.

هذا الواقع اعترف به يوم الاثنين 25 مارس 2024 وزير الدفاعالإسرائيلي يواف غالانت خلال زيارته للولايات المتحدة وبعداجتماعه على انفراد لمدة ساعة ونصف مع مستشار الأمن القوميالأمريكي جيك ساليفان، في البيت الأبيض حيث قال "أن نتائجحرب إسرائيل ضد حركة "حماس" ستؤثر على المنطقة لعقودقادمة، وستكون بمثابة إشارة للأعداء المشتركين لكلا البلدين".

جزء من القوى الغربية وخاصة الأوروبية تجد نفسها في متاهة بين مسايرة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وخطر تعرض مصالحها السياسية والاقتصادية للخطر خاصة بعد تجربتها المرة مع الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة في وسط شرق أوروبا منذ 24 فبراير 2022 والتي كبدتها خسائر فادحة بسبب تضحيتها بدعم مادي بعشرات المليارات من الدولارات لأوكرانيا وسياسة العقوبات التي حرمتها من موارد الطاقة الرخيصة التي كانت توفر لصناعاتها فرصة مناسبة لمنافسة السلع الصينية وباقي منتجات النمور الآسيوية في السوق العالمية. رغم وجود هذا الخطر نجد غالبية دول الاتحاد الأوروبي تتناقض مع نفسها في التعامل مع الصراع في فلسطين.

رغم أن العديد من الدول الأوروبية دعمت إسرائيل تحت تأثير الضغوط الأمريكية والبريطانية، لكن استمرار الحرب والمعاناة الإنسانية في غزة، وضعت الدول الأوروبية والتي ترفع شعار حقوق الإنسان في موقف محرج، وأدرك ساستها متأخرين أن واشنطن ولندن استثمرت الموقف الأوروبي في تلك الحربلصالحهما، الأمر الذي لم يتمكن من خلاله الزعماء الأوروبيون من اتخاذ موقف واحد بشأن الحرب في غزة أو التوصل إلى صيغة واحدة بشأنها.

تصعيد الممارسات الإسرائيلية التصفوية في الأراضي الفلسطينية أجج احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء أوروبا، ونتيجة لذلك، توسعت الهوة بين الرأي العام في أوروبا والحكومات الأوروبية. ولذلك كان لا بد من قيام السلطات الأوروبية بدبلوماسية جديدة وتغيير مواقفها على الأقل ظاهريا بشأن ما يحدث في غزة من أجل إرضاء الرأي العام الذي تحتاجه في الانتخابات المقبلة.

الواقع هو أن الدول الغربية تفضل القواعد التي تضعها بنفسها وفقا لاحتياجاتها عن طريق الإدارة الدولية الانتقائية، بدلا من استخدام القائمة التي تقترحها الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهذا ليس جديدا في الواقع، لكن الصراع الفلسطيني سلط الضوء على هذا الأمر بشكل صارخ.

وكما ذكرت صحيفة بريطانية أنه بينما يتعايش الناس مع العجز عن وقف المذابح في غزة، يقدم زعماء سياسيون "في دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا رواية أخرى غير دموية للحرب...، تتجاهل فيما يبدو الحقيقة وعدد الوفيات...، وتلجأ بدلا من ذلك إلى لغة سيريالية تدعو إلى اتخاذ الاحتياطات الممكنة لحماية حياة المدنيين".

وأدى هذا "الإصرار الغريب على عدم تسمية الواقع كما هو"، إلى كشف النفاق الغربي والمشاركة الفعلية في عملية إبادة خاصة وأن السلاح يتدفق بدون قيود من الغرب على تل أبيب.

أوروبا المتخبطة تجاه حرب غزة والغارقة في وحل حرب أوكرانيا والمنقسمة بشأن توسيع المواجهة مع الكرملين في وسط شرق أوروبا ترى في الأفق أخطارا متزايدة في حرب غزة وتحولها إلى حرب إقليمية تلحق بها أضرارا أضعاف ما أصابها من ضربات اليمن في مداخل البحر الأحمر.

واشنطن وتل أبيب تتابعان بقلق التطورات على الجبهة الإسرائيلية الشرقية خاصة الأردن الذي اعتبر وزير خارجيته أيمن الصفدي، أن المجتمع الدولي "أمام مفترق إنساني، أخلاقي، قانوني وأمني، فإما أن يتحمل مسؤوليته ويوقف العدوان على غزة والغطرسة الإسرائيلية ويحمي الأبرياء ويحمي صدقيته وأمن المنطقة ... وإما أن يسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزراء التطرف والكراهية والعنصرية في حكومته بجر المنطقة إلى أتون حرب إقليمية ستهدد الأمن والسلم الدوليين". 

كما أشار الصفدي، إن الأردن لن يوقع اتفاقا لتبادل الطاقة والمياه مع إسرائيل، مشيرا إلى أن اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل قبل عقدين هي الآن، في خضم الحرب الجديدة "وثيقة على الرف يغطّيها الغبار".

صحيفة "يسرائيل هيوم" أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي غير مؤخرا "انتشاره العملياتي" على الحدود مع الأردن التي يبلغ طولها 310 كيلومترات، وذكرت إن الخطوة جاءت في أعقاب الارتفاع الكبير في تهريب الأسلحة من المملكة، و"المخاوف من هجمات مسلحة ترعاها إيران.

وعلى الجبهة الجنوبية مع سيناء المصرية يقف العالم فوق برميل بارود ينتظر شرارة.

مع اقتراب حرب غزة من دخول شهرها السابع تتفاعل الأوضاع على ساحة المواجهة العسكرية مع التطورات السياسية لتشكيل واقع قادم.

 

فشل واضح

 

أكدت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، في تقرير لها يوم الخميس 21 مارس 2024، أن "إسرائيل" تعيش"لحظة غير مريحة"، بعد أن راكمت الفشل في مواجهة حركة حماس، وفي جبهتها الداخلية، وفي مواجهة "الحرب القانونية" التي تشن عليها حول العالم.

ورجحت المجلة أن يؤدي فشل محادثات وقف إطلاق النار إلى ترك "إسرائيل حبيسة المسار الأكثر كآبة منذ نشوئها قبل 75 عاما"، والذي تميز بـ"احتلال لا نهاية له، وسياسات يمينية متشددة، وعزلة".

ورأت المجلة، في تقريرها، أنّ "كثيرين من الإسرائيليين ينكرون هذه الحقيقة اليوم"، مؤكدة أنه على الرغم من ذلك، فإن "الحساب السياسي سيأتي في نهاية المطاف".

ووصفت المرحلة الحالية بأنها "لحظة غير مريحة أبدا لأصدقاء إسرائيل"، التي شنت حربا، بعد 7 أكتوبر، لكنها "فشلت في مهمتها بصورة واضحة". 

وقالت المجلة إن أول وجوه الفشل هو "الكارثة الإنسانية التي كان يمكن تجنبها في قطاع غزة".

ورأت "ذي إيكونوميست" أن "النتيجة المرجحة، بعد رفض حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة خططا لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، من جانب السلطة الفلسطينية أو قوة دولية، هي إعادة الاحتلال العسكري" للقطاع. 

وأضافت المجلة أن "إسرائيل" فشلت أيضا في الداخل، بحيث أدت الخلافات الداخلية إلى "ترجيح كفة اليمين". ظهر ذلك قبل الـ7 من أكتوبر، في الصراع بشأن التعديلات القضائية، "قبل أن تأتي الحرب وتفاقم المخاطر".

ورأت "ذي إيكونوميست" أنّ "الأحزاب اليمينية المتشددة عرضت مصالح "إسرائيل" للخطر من خلال استخدام الخطاب التحريضي، وإذكاء عنف المستوطنين"، لتخلص إلى أن "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لم تعد تتولى المسؤولية، بصورة كاملة".

 

الطريق المسدود 

 

وتطرقت المجلة البريطانية إلى فشل "إسرائيل" الأخير، متمثلا بـ"الدبلوماسية الخرقاء"، بحيث كان الغضب من الحرب أمرا لا مفر منه، وخصوصا في "الجنوب العالمي"، لكن أداء "إسرائيل" كان سيئا في مواجهة ذلك الغضب، مؤكدة أن "الحرب القانونية" واتهامات الإبادة الجماعية ألحقت الضرر بسمعة "إسرائيل".

وتوقفت "ذي إيكونوميست" عند قول تشاك تشومر، أكبر حليف لـ"إسرائيل" في مجلس الشيوخ الأمريكي، إن "زعيم "إسرائيل" (نتنياهو) ضائع"، مؤكدة أن هذه الصورة القاتمة لا يتم الاعتراف بها دائما في "إسرائيل".

وقالت المجلة البريطانية إن حديث نتنياهو عن "غزو رفح، وتخيلاليمين المتشدد إعادة الاستيطان في غزة"، والحديثَ عن "مساعدة الحرب لإسرائيل على استعادة الردع وترسيخ قاعدة، مفادها أن قتل الإسرائيليين يؤدي إلى الدمار"، أمر من "قبيل خداع الإسرائيليين أنفسهم".

وأكدت"ذي إيكونوميست" أن الضرر الذي يلحق بسمعة "إسرائيل" قد يزيد في صعوبة مواصلة القتال في غزة، مذكرة بأن التهديد طويل الأمد يأتي من إيران وحزب الله، ومواجهته تتطلب شراكة عسكرية مع الولايات المتحدة، وهذا يحتاج إلى دعم الحزبين الرئيسين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، ودعم الدول الخليجية العربية أيضا.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أن مسار "إسرائيل" سيؤدي إلى تهديدات للاقتصاد، وتعميق عزلتها عن الغرب، الأمر الذي قد يضعف الردع لديها، موضحة أنه قد يتم إدراج الشركات الإسرائيلية في القائمة السوداء، الأمر الذي قد يدفع هذه الشركات إلى نقل شركات التكنولوجيا الفائقة إلى الخارج، أو إلقاء القبض على العاملين فيها إذا كانوا من جنود الاحتياط.

ورأت "ذي إيكونوميست" أنه يجب على الولايات المتحدة أن تساعد "إسرائيل" على تجنب هذا المصير، محذرة واشنطن من أنها "إذا فشلت، فسوف تدفع هي نفسها ثمنا دبلوماسيا باهظا"، مؤكدة أنّ الأفضل هو وقف إطلاق النار، وفتح الطريق أمام محادثات "حل الدولتين"، ومن دون ذلك فإن "السياسة الأمريكية سوف تحتاج إلى إعادة ضبط".

وأكدت المجلة أنّ "احتضان بايدن المبكر لإسرائيل فشل"، وتوقعت، في المقابل، أن أي محاولة أمريكية لإرغام "إسرائيل" على الخروج من غزة، بينما لا يزال في وسع حماس إعادة تنظيم صفوفها، أو الحد من الدعم العسكري لـ"تل أبيب"، أو سحب دعمها في الأمم المتحدة، سيضع أمن "إسرائيل" في خطر.

وأكدت المجلة البريطانية أن الحرب على غزة حطمت عددا من الأوهام، متمثلةً بـوهمِ إمكان تجاهل الفلسطينيين، ووهم أن معاداة "إسرائيل" نادرة، ووهم أن "إسرائيل" تستطيع الاستمرار في التوسع الاستيطاني، بالتزامن مع الكلام بشأن "حل الدولتين"، ووهم أن "اليمين المتشدد يمكن ترويضه".

 

إسرائيل تخسر الحرب

 

في تل ابيب ويوم 17 مارس اتهم الوزير الإسرائيلي المتطرف جدعون ساعر، مجلس الوزراء الإسرائيلي بـ"سوء إدارة" الحرب على غزة، مشيرا إلى أن إسرائيل تخسر الحرب مع حركة حماس.

وأشار ساعر في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية إلى "تعديلات" في الهجوم العسكري على قطاع غزة. وقال "يوما بعد يوم نبتعد عن النصر(على حماس).. كان يجب أن ندخل معبر رفح منذ وقت طويل.. لا توجد خطة منظمة، وفقا لما أفهمه، لتدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية، ولا توجد سيطرة على دخول المساعدات الإنسانية".

وصرح ساعر إنه أعطى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنذارا نهائيا: "إذا لم أدخل حكومة الحرب في غضون أيام قليلة، فسوف أستقيل".

وأوضح كذلك: "قلت إنني سأبقى في الحكومة طالما يمكنني التأثير في الاتجاه الصحيح.. أريد فرصة لمحاولة إحداث تأثير.. خارج مجلس وزراء الحرب، لا يمكنني التأثير".

وزعم مسؤول إسرائيلي كبير أن واشنطن بدأت بتأخير بعض المساعدات العسكرية وأن إسرائيل قد تخسر الحرب مع حماس.

بينما قال الكاتب الإسرائيلي، يوفال نوح هراري، إن الأهداف السياسية لدى حماس، "واضحة تماما" وقد تحقق بعضها بالفعل، بينما في إسرائيل فهي "غامضة إلى غير موجودة".

وذكر في مقالة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" إن "خلاصة القول: بدون أفق سياسي، ستهزمنا حماس".

نشرت القناة 13 الإسرائيلية، يوم السبت 23 مارس 2024 تقريرا ذكرت فيه أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، وجه تحذيرا لرئيس الوزراء نتنياهو، قائلا: "حتى لو قمتَ بعملية في رفح، فسيظل هناك تحد كبير في غزة يسمى حماس". 

جاء ذلك خلال مشاركة وزير الخارجية الأمريكي في اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي، خلال زيارته لتل أبيب، الجمعة 22 مارس.

كما حذر بلينكن، نتنياهو من أن أمن إسرائيل ومكانتها في العالم معرضان للخطر، حسبما قال مصدر مطلع على الأمر، لموقع "AXIOS" الأمريكي.

في هذه الأثناء تظاهر آلاف الإسرائيليين، السبت 23 مارس 2024، في ساحة كابلان وسط تل أبيب، ومناطق أخرى في المدينة، للمطالبة بإبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، وإجراء انتخابات مبكرة، في حين اعتقلت شرطة الاحتلال 12 متظاهرا، بتهمة "إثارة الشغب".

وأغلق المتظاهرون شوارع حيوية، أهمها شارع "بيغن" المحاذي لمقر وزارة الدفاع وسط المدينة.

كما رفعوا صور عشرات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، ولافتة كتب عليها "169"، في إشارة إلى عدد أيام الحرب منذ السابع من أكتوبر.

 

مواجهات القوى الكبرى

 

بينما تتواصل المواجهات العسكرية في غزة، يتابع حزب الله على الجبهة اللبنانية حرب استنزاف ضد الجيش الإسرائيلي ويقلص يوميا من مخزون تل أبيب من الصواريخ المضادة سواء التابعة لنظام القبة الحديدية أو مقلاع داوود بمعدل لا يمكن تعويضه حتى الآن، كما يفرض حشد أكثر من 80 الف جندي إسرائيلي على مشارف الجبهة الشمالية استعدادا لكل الاحتمالات. ويقدر خبراء أن عدم تصعيد حزب الله لعملياته وهو مدرك أن تل أبيب ستحول ثقلها العسكري نحوه إذا فرغت من معركة غزة مؤشر على ثقته بأن الكفة تميل لصالح المقاومة الفلسطينية.

على بعد أكثر من 1700 كيلومتر وعند مدخل البحر الأحمر الجنوبي يتابع الحوثيون بنجاح شل حركة السفن تجاه إسرائيل وفشلت العمليات العسكرية الأمريكية البريطانية في منع قوات صنعاء من مواصلة عملياتها وهناك حسب مصادر الرصد تقارير لعدد من أجهزة المخابرات الغربية عن أن موسكو تقوم بتقديم معونات عسكرية خاصة الصواريخ المضادة للسفن ومعلومات إستخبارية عن الحركة البحرية مما يتيح لقوات صنعاء تحقيق نجاحات أوسع. 

وكان مسؤول إعلامي روسي معروف في الكرملين قد صرح خلال بث تلفزيوني في شهر فبراير 2024 إن موسكو يجب أن تزود الحوثيين اليمنيين بأسلحة روسية لاستخدامها في الهجمات على السفن الأمريكية والبريطانية، قائلا "إن هذا هو الوقت المناسب".

وقدم فلاديمير سولوفيوف، وهو شخصية بارزة في وسائل الإعلام الروسية وحليف قوي للرئيس فلاديمير بوتين، هذا الاقتراح خلال حلقة من برنامجه الذي يبث على قناة "روسيا-1".

وصرح أيضا "سيحصل الحوثييون على كل شيء. وسيكون لديهم زوارق شبه غاطسة مسيرة، وسيكون لديهم أسلحة قوية، وسيحصلون على كل شيء".

 

صنعاء وبكين وموسكو 

 

يوم 21 مارس 2024 كشفت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية عن وجود تفاهم روسي صيني مع صنعاء بشأن البحر الأحمر، ينص على عدم استهداف سفن البلدين في البحر الأحمر وخليج عدن.

ونقلت الوكالة عن مطلعين على المحادثات أنها جرت بين دبلوماسيي البلدين في سلطنة عمان، مع رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام.

وذكرت الوكالة أن "المتحدثين بشأن الأطراف الثلاثة رفضوا التعليق على هذه المعلومات".

وفي الوقت نفسه، تحدثت الوكالة عن إعلان اليمن استهداف السفن المرتبطة بـ"إسرائيل" والولايات المتحدة وبريطانيا، وتأكيد صنعاء، في وقت سابق، بأن السفن التجارية الروسية والصينية ليست مستهدفة بالهجمات. 

كما أشارت الوكالة إلى أن الشركات الصينية والروسية لم تعلن أنها تتجنب المنطقة، وأن بيانات تتبع السفن تظهر أن العديد منها لا يزال يرسل سفنه عبرها.

وأعلن قائد حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، في كلمة له بتاريخ 14 مارس، أن القوات المسلّحة اليمنية ستمنع السفن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي من العبور عبر المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح أيضا، مؤكدا أن عملياتها بلغت مدى غير مسبوق، بحيث وصلت 3 منها إلى المحيط الهندي.

 

معركة عمياء 

 

يوم 14 مارس 2024 نقلت صحيفة "فايننشال تايمز"، عن مصادرها، أن الأمريكيين والبريطانيين يفتقرون إلى المعلومات الإستخبارية في حملتهم ضد الحوثيين في البحر الأحمر. وعلى وجه الخصوص، ليس لدى الخبراء العسكريين الأمريكيين معلومات حول القدرات التي كان يتمتع بها اليمنيون قبل بدء استهدافهم، وبالتالي لا يمكنهم تقويم الأضرار التي لحقت بهم بشكل كامل.

فمن الممكن أن يكون الحوثيون قد أخفوا أسلحتهم بعناية، باستخدام الملاجئ والأنفاق المبنية في الجبال لإخفاء إمكاناتهم العسكرية، كما يقومون بحماية المعلومات الداخلية بعناية من التسريبات. الأمريكيون وحلفاؤهم، غير قادرين ليس على معرفة ذلك فحسب، بل وعلى وقف توريد الأسلحة التي ترسلها طهران وغيرها إلى مسلحي أنصار الله.

وتوافق مديرة معهد "روسترات" للاستراتيجيات السياسية والاقتصادية الدولية، إيلينا بانينا، في موسكو على أن هجمات الحوثيين بدأت مؤخرا تصبح منهجية، وبدأت تصيب معظم الأهداف.

وقالت: "إذا لم يكن كل ما يحدث، قبالة سواحل شبه الجزيرة العربية، خطة شيطانية من النخب الأنغلوساكسونية نفسها، فمن المنطقي أن مقاطع فيديو أخرى ستطير قريبا حول العالم، وهذه المرة لمشاهد غرق السفن الحربية التابعة للبحرية البريطانية والأمريكية".

 

دروس صعبة للغرب

 

نشرت وكالة الانباء الألمانية "د ب ا" يوم 20 مارس تقريرا جاء فيه:

أصبحت البحرية الأمريكية مشغولة تماما في البحر الأحمر، حيث واصل الحوثيون عرقلة وخنق حركة الملاحة البحرية عبر الممر الاستراتيجي على الرغم من الهجمات المتكررة من جانب القوات البحرية التابعة للولايات المتحدة وبريطانيا والتي تستهدف القضاء على التهديد.

ومنذ يناير 2024، ضربت البحرية أهدافا للحوثيين بشكل متكرر باستخدام الصواريخ والمسيرات وطائرات “إف18- سوبر هورنت”. وأشار نائب الأدميرال براد كوبر، نائب قائد القيادة المركزية الأمريكية في فبراير إلى أنه يتعين على المرء أن يعود إلى الحرب العالمية الثانية ليجد معارك بحرية بنفس الحجم والنطاق. ويشارك أكثر من 7 آلاف بحار في القتال. وكما قال: "إنهم يتعرضون لإطلاق نار، نحن نتعرض لإطلاق نار، ونحن نقوم بالرد بإطلاق النار".

وذكر المحلل الأمريكي والمحامي الدولي المتقاعد رامون ماركس، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنترست الأمريكية، إنه على الرغم من القوة البحرية الأمريكية، لا يزال الحوثيون متماسكين، ويهاجمون بشكل متكرر حركة الملاحة التجارية والسفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر. وفي شهر مارس، أطلق الحوثيون صاروخا مضادا للسفن على السفينة الأمريكية “يو إس إس لابون”، وهي مدمرة من فئة “أرلي بورك” تردد أنها تتكلف ما يقرب من مليار دولار. وقد انتشرت حرب العصابات من الأرض إلى البحر.

وصرح ماركس إن ما يحدث في البحر الأحمر، يظهر كيف أن تطوير صواريخ متنقلة وأرضية مضادة للسفن، ومسيرات رخيصة يحدث ثورة في الحرب البحرية، تماما كما أحدثت حاملات الطائرات ثورة في القرن الماضي. ولم يعد بإمكان سفن القتال السطحي، بما في ذلك حاملات الطائرات، التحكم بشكل كامل في البحار. ويجب على المنصات السطحية هذه، أن تراقب أنظمة الأسلحة الشاطئية التي يمكن أن تصل إليها الدول وحتى المتمردون. بعد أن نجحت أوكرانيا في صد البحرية الروسية بالمسيرات والصواريخ في البحر الأسود، تمكن الحوثيون من نقلالاسلوب إلى البحر الأحمر، وهو شيء لم يكن من الممكن تصوره قبل أعوام قليلة.

ويرى ماركس أن الدرس الاستراتيجي الذي يمكن تعلمه من حملتي البحر الأسود والبحر الأحمر، هو أن إحصاء عدد السفن الحربية ربما لم يعد أفضل دليل لتقييم قدرة دولة على غلق الممرات البحرية أو السيطرة عليها. إن الصواريخ الشاطئية والمسيرات غير القابلة للغرق، القادرة على ضرب أهداف على بعد مئات وحتى آلاف الأميال في البحر، يمكن أن تشكل الآن نفس تهديد السفن الحربية السطحية أو تهديدا أكبر. وتمتلك الصين صواريخ متنقلة مضادة للسفن ومسيرات منتشرة بطول سواحلها (ومن بينها الجزر) والتي تمتد على مسافات يبلغ مجموع طولها 19 ألف ميل. وستشكل مواجهة هذه الصواريخ الصينية الأرضية غير القابلة للغرق وأنظمة المسيرات تحديا أكبر للبحرية الأمريكية من قتال الحوثيين.

وهناك نتيجة أخرى لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وهي التسبب فيما يمكن أن يكون تغييرا دائما في أنماط التجارة الدولية والنقل. وبشكل تقليدي، تمر 40 في المئة من التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا عبر البحر الأحمر. واضطرت شركات التجارة البحرية إلى تغيير مسارها بسبب هجمات الحوثيين المستمرة، لتسلك الرحلة الأطول والأكثر تكلفة حول قارة أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح.

وقد تراجعت إيرادات مصر من حركة المرور عبر قناة السويس من البحر الأحمر، الأمر الذي يقوض الاقتصاد المتعثر لدولة حيوية لاستقرار الشرق الأوسط. ويقول ماركس إن الأمر الأسوأ هو أن روسيا تستفيد أيضا من اضطراب الملاحة في البحر الأحمر. فقد خلقت هجمات الحوثيين ضد حركة الملاحة في البحر الأحمر، عملا تجاريا متناميا لخطوط السكك الحديدية الروسية بين الصين وأوروبا.

والأمر المثير للسخرية، هو أن العقوبات الغربية ضد روسيا لا تمنع عمليات نقل الشحنات عبر السكك الحديدية. وهناك شكوك أيضا في أن ترغب ديمقراطيات الاتحاد الأوروبي بالتضحية بتجارتها مع الصين من خلال فرض عقوبات على حركة النقل، مما سيجعلها تخسر خدمات الشحن الروسية بالسكك الحديدية ذات الكفاءة الاقتصادية.

وقال ماركس إن العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو بسبب أوكرانيا، دفعت روسيا بالفعل إلى الابتعاد عن أوروبا والتعامل بشكل أكبر مع الشرق. وخلال العامين اللذين شهدا قيام حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات، ارتفعت الواردات الروسية من الصين إلى مستويات، اتضح بما يثير الدهشة، أنها أكبر من الواردات من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا قبل أن تدخل العقوبات الغربية حيز التنفيذ.

كما تعمل روسيا على إقامة علاقات مع الهند ودول الخليج العربي من خلال تطوير طرق نقل جديدة. وتقوم موسكو ببناء خط للسكك الحديدية إلى موانئ في إيران لتقليص وقت الشحن بين الهند ودول الخليج العربي. وبالإضافة إلى هذه التحولات في طرق التجارة، خلقت هجمات الحوثيين فرصا جديدة لموسكو لتستغل موقعها المركزي في أوراسيا، وتستحوذ على المزيد من حركة الشحن التجاري من الممرات البحرية.

واستبعد ماركس أن تتمكن البحرية الأمريكية، والتي انضم إليها حلفاء أوروبيون في إطار العملية "أسبيدس" من التوصل إلى حل عسكري حاسم للقضاء على هجمات الصواريخ والمسيرات الحوثية. 

واختتم رامون ماركس تحليله بالقول إن إنهاء هجمات الحوثيين قد ينتظر حتى تحقيق السلام في غزة. وحتى عندما يأتي هذا اليوم، لن تنتهي التداعيات طويلة المدى لما حدث في البحر الأحمر. وستستمر شرايين النقل التجاري الجديدة في روسيا في الاندماج مما سيؤدي إلى تحويل اتجاه أنماط التجارة الدولية، كما سيستمر النقاش بشأن كيفية تكيف القوات البحرية الحديثة مع المسيرات الأرضية والصواريخ المضادة للسفن. وستستمر هذه التحديات أمام الغرب لفترة طويلة بعد توقف هجمات الحوثيين بشكل نهائي.

 

مجلس الأمن

 

يوم الجمعة 22 مارس 2024 أكد نائب ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي أن موسكو لن تسمح لمجلس الأمن بالانجرار إلى ألعاب الولايات المتحدة وإسرائيل القذرة واللتين تريدان القضاء على فلسطينيي غزة.

وقال بوليانسكي: "في الواقع، لا توجد (في مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن الدولي) دعوة لوقف فوري لإطلاق النار. ولم يقرر الأمريكيون سوى صياغة مفادها أن "المجلس يحدد ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار". ويمكنه أن يحدد ذلك، كما تفهمون، خلال المدة المطلوبة".

وأضاف: "هذا هو بالضبط ما تحتاجه إسرائيل وشريكها الأمريكي للقضاء على الفلسطينيين في غزة بشكل كامل أو إخراجهم من هناك".

وأشار بوليانسكي إلى أن الحديث عن إدراج الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة على مشروع القرار لأول مرة، هو "مجرد خدعة أمريكية".

وشدد على أن "روسيا لن تسمح لمجلس الأمن الدولي بالانجرار إلى هذه الألعاب القذرة".

ونوه بأن واشنطن لم تخف أن الشيء الرئيسي في مشروعها هو "ليس الصياغات الغامضة حول وقف إطلاق النار، بل الإدانة الأحادية الجانب لحماس".

وتابع: "لا توجد كلمة واحدة حول تصرفات إسرائيل التي تنتهك القانون الإنساني الدولي و32 ألف قتيل فلسطيني".

وكانت روسيا قد استخدمت حق النقض (الفيتو) يوم الجمعة 22 مارس في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع القرار الأمريكي بشأن الحرب في غزة، الذي لا يتضمن مطلب وقف إطلاق النار.

وكان مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا قد وصف مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة بأنه وثيقة مسيسة، موضحا أن الولايات المتحدة تجاهلت المقترحات المقدمة من روسيا ودول أخرى.

وأوضح نيبينزيا أنه "تم تجاهل كل تصريحات موسكو وخطوطها الحمراء مرارا وتكرارا، وكذلك مقترحات عدد من الوفود الأخرى".

وأكد أن هذه كانت "محادثة مع الفراغ، وليست عملا عاديا على وثيقة، ما جعلها مسيسة تماما".

وتابع: "إضافة إلى ذلك هناك الضوء الأخضر عمليا لعملية عسكرية إسرائيلية في رفح. ويركز الاهتمام بشكل أساسي على الإشادة بجهود الولايات المتحدة ذاتها على الأرض".

وأضاف الدبلوماسي الروسي أن "هذا ليس ما تحتاجه الوكالات الإنسانية على الأرض"، مؤكدا أنه "في غياب مطالبة مباشرة بوقف العمليات القتالية لن تكون أي فلسفة مفيدة. لقد مررنا بذلك عند تبني القرارات الإنسانية السابقة حول غزة، التي كانت تتضمن الكثير من الدعوات، بل بقيت حبرا على الورق".

وأشار إلى أنه "لا ينبغي الانصياع لمحاولات واشنطن لتقديم المرجو كأنه شيء حقيقي، حيث لا تزال الولايات المتحدة غير مهتمة بوقف حقيقي لإطلاق النار، وتعمل كل ما بوسعها لعدم منع أقرب حليف لها في الشرق الأوسط من التنكيل بالفلسطينيين".

 

تضليل

 

في العاصمة الأمريكية واشنطن وفي حديثها لموقع "الحرة"، أكدت المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، ديالا شحادة، أن مشروع القرار الأمريكي لوقف "إطلاق النار المستدام" يعني أن هناك أسباب لا تدعم استمراريته.

وتفرق شحادة بين "الدائم ومستدام"، وترى أن مصطلح "الاستدامة قد يفسر بعدة طرق"، لكنه يعني "أنه يتضمن عوامل تكفل استمرارية القرار".

وتضيف: "كان يجب وضع فقرة إضافية تفسر ما المقصود من الاستدامة"، معتبرة أنه "طالما تم استخدام مستدام ولم يستخدم "دائم" فهذا الأمر متعمد".

ورفض المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الامريكية، ساميويل وربيرغ، التوضيح الفارق بين دائم ومستدام، في حديث لموقع "الحرة"، قائلا: "ليس لدينا أي تفاصيل لمشاركتها حول ذلك".

بدوره، أشار المتخصص في إدارة النزاعات في كلية "جونز هوبكنز" للدراسات الدولية، البروفيسور دانيال سيروير، إلى "عدم وضوح" كون استخدام مصطلح "الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار" يعني "وقفا دائما أم لا".

في المقابل، يوضح خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، أن "وقف إطلاق النار المستدام"، يعني "الدائم طويل الأمد الذي يتم إقراره لمدد طويلة، وقد يستمر تطبيقه لسنوات".

ويضرب سلامة مثالا بـ"وقف إطلاق النار الدائم المستدام"، على غرار ما حدث بعد حرب أكتوبر 1973 بين مصر وإسرائيل، ما أفضى في نهاية المطاف لمعاهدة السلام بين الطرفين عام 1977، وفق حديث سلامة لموقع "الحرة".

ويكشف سلامة أن مهما طال أمد "وقف إطلاق النار"، فهذا يعني فقط "التوقيف المؤقت للقتال والعدائيات العسكرية"، لكن هذا لا يعني "وقف الحرب". ويشدد خبير القانون الدولي على أن "حالة الحرب لا تنتهي قانونا إلا بتوقيع معاهدة سلام".

 

عمر نجيب

[email protected]