ما هو الهدف  من الكتابة عن" اتفاقية الهجرة العكسية بعد إبرامها..؟

أحد, 2024-03-10 16:30

للإجابة المختصرة قبل الشرح في المقال،  كانت قيمة الكتابة قبل توقيع الاتفاق للمشاركة في عملية  االتحسيس، بل التوعية  العامة بموضوع الاتفاقية، ومظاهرها، ومضامينها، والجهات التي تسعى لإقناع الجهات الرسمية، والرأي الوطني العام، ثم تأثير الاتفاقية  على حاضر، ومستقبل  المجتمع الموريتاني، والمغاربي، والعربي عموما…
أما الكتابة عن الاتفاقية بعد التوقيع على إعلانها،  فتأتي من أجل دراسة، وتحليل بنود الاتفاقية، وتوضيح  تفكير القائمين عليها، والظروف المحيطة  المساعدة،  أو المعيقة لها، وكذلك الاستثمار فيها وطنيا، وأوروبا….
والاتفاقية،  هي موضوع هذا المقال، وما يليه لاحقا متى تطلب الأمر الكتابة  مجددا…
و في البداية اشكر الاستاذ " يسلم بيان"  الكاتب، والأديب والإعلامي  المشرف على موقع " الساطع"  في ولاية  " كيفة"  لأنه أول من نشر الإعلان عن" خطة العمل " للاتفاق المشار إليه  من أجل تفعيل  النوايا المزمعة  على تنظيم شراكة  بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي..  وهو الذي نشر " الرابط "  على حساب  "  رابطة أدباء، وكتاب،  وفناني ولاية لعصابة"، وبحكم كوني عضوا  شرفيا في الرابطة،  فإني من المتابعين لمنشورات أعضاء الرابطة..
كما راسلني  بعض الزملاء  - مشكورين -   بنص البيان، ولسان حالهم، يطالبني بالكتابة عن الاتفاقية، وجوابي لهم، أن هذا أمر سابق لأوانه، ذلك أن بيان الإعلان، ليس هو نص الاتفاقية السياسية، وباعتبارها  "اتفاقية أمنية"، واقتصادية، وقد  حصل التصديق عليها  بالتوقيع  في اليوم السابع من الشهر الثالث الجاري  (2024/03/07 )،  حيث  وقع عليها من الطرف الموريتاني،  كل من وزيري  الداخلية، والأقتصد  باعتبارهما المسؤولين  السياسيين   الأولين في وزارة الداخلية، والأقتصاد..
  والاتفاقية  على الرغم من إطارها الأمني، فالذي  تتبع بنودها  الخمسة ، والعشرين - 25 - في الاعلان،  سيلاحظ  أنها أسندت العديد  منها إلى اتفاقات سياسية سابقة،  كاتفاقيتي : الرباط، وانيامي، بالإضافة إلى تفاقية موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي السابقة، ومن هنا فإن على السياسيين المهتمين بالشأن العام،  الرجوع  إلى تلك الاتفاقيات ،  وذلك  لدراستها، والاطلاع على الجوانب التكميلية لها  في الاتفاقية الأخيرة على ضوء المعايير السياسية، وكذلك النتائج   لكل منها، والأمر يستدعي  حقا  المزيد من الدراسة المعمقة  لفهم هذه الاتفاقية  التي لم يخف البيان  أبعادها السياسية، والقانونية، وإظهار بعديها الأمني، والأقتصادي ، لما فيها من وعود معسولة  " بافلوفية" تسيل لعابنا  في سبيل التنمية المستدامة في بلادنا، بعيدا عن المشاركة الأوروبية .. ولو أن المقصود بها مجتمع الهجرة، ولعل ظل أغصان الرخاء العام ستحمينا يقينا، إذا  استنبتت  حدائق التنمية البيئية في أطراف مدننا المشمسة  حتى الآن بعد اربعة وستين عاما من الاستقلال الوطني من التعرية المستدامية، والأحياء القصديرية على أطراف  العاصمتين السياسية، والأقتصادية….!
لذلك سيلاحظ القراء الكرام  أني متلهف  لمراجعة الاتفاقيات  اجتماعيا، واقتصاديا، وحضريا، لا قانونيا ، لأن هذه  مسؤولية الوطنيين ذوي الاختصاص من  النخبة الحقوقية، علاوة على أن  الدور أتى - هذه المرة - على الوطنيين في اللجنة القانونية في البرلمان  لمراجعة هذه  الأتفاقية،  وذلك  قبل رفع القضايا  ب"رجعية "على الرؤساء، أو الوزراء، لكن هل تفعلها، أو أنها تفضل الانتظار،  كالمحامين الذين يصرون على  أثر الجرائم ماديا، وفي الظرف المناسب خارج  نفوذ السلطة التنفيذية على التشريعية…؟! 
إن توقيع الجهات الأمنية على الاتفاقية في المكاتب التي خزنت  داخل  ملفاتها،  يثير الشك، ووعلامة الاستفهام  على هذه  الاتفاقية المسماة احيانا  ب "  النوايا الحسنة  لتنظيم الهجرة  قانونيا "، لذلك نتساءل عما  هو المبرر لاعطائها  الطابع الأمني بدلا من السياسي؟!
وينبغي الإشارة إلى تأطير الاتفاقات  الدولية  لمعرفة هوية الاتفاقية الموريتانية التي اقترحها مسؤولوها  على الجانب الأوروبي، وذلك   لمن يحتاج لمعرفة هويتها، وجنسها، وخاصيتها، لأن الاتفاقات،  إما سياسية، او عسكرية، او اقتصادية، او ثقافية، او اجتماعية، او اخوية، ولن  تكون الاتفاقية الموريتانية - الأوروبية  من النوع الأخوي، وهذا الذي يمكن التأكد منه، لأن العلاقة السابقة بين بلادنا وبين المستعمرين ،  كانت محكومة بعلاقة  المغلوب التابع،  بالغالب  المتبوع  بمعنى الطاعة العمياء…!
وكان  إشراف الجانب الأمني للتوقيع على الاتفاقية،  يتعلق بهجرة  المدنيين، أمر نشاز، و يثير الإشكال في صدق النوايا الأوروبية..
 وفي كل الأحوال، فنحن  بصدد  التعرف على الاتفاقية  في إطار  الدراسة الاستكشافية الأولية ل" بيان الاعلان"، و ليس لدراسة نصوص الاتفاقية، و خلافا  للكتابة السابقة  التي قدمتها في مقالين قبل التوقيع على الاتفاقية حيث، كان الهدف محصورا  في التحسيس  بالمحاولة الثانية  للهجرة العكسية لإبعاد المهاجرين من أوروبا بعد فشل المحاولة التي أبرمتها " بريطانيا" الإمبريالية  مع حكومة " رواندا" التي تدعي بذل جهودها الوطنية من أجل التنمية الاجتماعية ، وهي بلا  أبعاد  حضارية،  إذ اعمت الحاجة  قادتها السياسيين  الى السيولة المالية لبناء المشاريع التصنيعية ، حتى على حساب حقوق المهاجرين، والاستعداد الجنوبي  لفتح سجون لهم في بلادها، والعياذ بالله من الأخلاق الساقطة  التي يبعد اهلها عن أحفاد" المرابطون" بآلاف الكيلومترات،  و لله  الحمد على البعاد، وانقطاع المزار مع رموز مجرمي الحرب الأهلية في" رواندا " الذين افتقدوا الأخلاق، والإنسانية  في تطلعهم للتنمية على حساب فقراء قارتنا...!
وقد أدت  محاولة التهجير القسري من بريطانيا  الى اسقاط  رئيس وزيرة الداخلية نظرا لرفض المشرعين لهذه الجريمة المناقضة للتشريع الوضعي والعرفي معا، فهل سيعيد  هذا الحدث السياسي  نفسه؟ ومن ستسقطه هذه الاتفاقية: منا لا قدر الله، أو منهم،، والعاقبة للمتقين بدون شك، فمن هو المتقي تبعات هذه   الاتفاقية؟ وهل هو الموقع بالإنابة في حكومتنا، أو الموقع  بلسان قلمه من الأوروبيين ؟!
 وقد أشرت في المقالين السابقين إلى ما يمكن -  تقديرا - أن تسببه الهجرة العكسية  على مجتمعنا الذي ، يتكون من قوميتين في كل منهما  العديد  من الفئات الاجتماعية  التي تنتمي بانتسابها لأسماء  اجداد اجدادها ، وهو الإطار  الجامع  ل" وحدتنا الاجتماعية الهشة "، ليس  لعدم الاستجابة  للطالب الاجتماعية الملحة  في النمو الديموغرافي،  والزيادة  السكانية غير الطبيعية  في ظل محدودية الموارد… بل لحاجة  مجتمعنا لتشكيل  بنائه  أثناء استحداث انظمته الاجتماعية، والسياسية، كما هو الحاصل في المجتمعات الافريقية المجاورة، وليس التطلع إلى أبعد من ذلك، كالذي في المجتمعات  الأوروبية التي  أظهرت  المشاكل الأخيرة حاجتها المتجددة للمحافظة على البناءات الاجتماعية، ونظمها المعاصرة المهددة  بتدفق هجرات  القوة العاملة التي كانت  سابقا مطلبا عسكريا، ثم تنمويا  لثلاث مرات منذ القرن الماضي: 

الأولى :
 كانت  الهجرة الاجبارية من أجل الاستعانة الأوروبية بالمهاجرين من المستعمرات  الافريقية  خاصة  من الشباب الذين فرض عليهم المحتل الامبريالي  التجنيد الإجباري، ليضحوا  وقودا للحربين العالميتين في القرن الماضي..

الثانية:
 كانت الهجرة   الاجبارية من أجل المشاركة في بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية  وذلك  في سبيل بناء المدن، والتنمية في مختلف المجالات كالبناء، و الزراعية ، وشق الطرق الوطنية، والبنى التحية، وآخرها تعبيد الطرق الدولية الرابطة بين دول الاتحاد الأوروبي…

الثالثة: " الهجرة العكسية":
وقد حددها المؤرخون الاجتماعيون  في هجرتين متفاوتتي التأثير:
الأولى : " هجرة سياسية عقائدية" :
 والهدف منها  تطهير أوروبا من   الجماعات غير القابلة" للتكيف" الاجتماعي مع مجتمعات أوروبا، وذلك نظرا للصراع معها  الذي استغرق  القرنين الثامن عشر، والتايع عشر،  وكانت الخشية  في الأخير من  تزايد الطوائف اليهودية  المنعزلة  في احيائها، وتعاظم جرائمها الاقتصادية  على السلم الاجتماعي الأوروبي، حيث  أن التقديرات، رجحت تأثيرها  على الوحدات الاجتماعية في دول القارة الأوروبية جمعاء، ولذلك خطط الأوروبيون  لإبعاد " اليهود " من أجل بناء المجتمعات  الأوروبية،  اثناء تشكيل  انظمة داخلية  بعد الحرب العالمية الثانية، ولذلك  شجعت الهجرة اليهودية  في كل إطار أوروبا، وكانت بريطانيا رأس الأفعى، بعد ألمانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفييتي، كما أخرج  اليهود،  حتى من شرق أوروبا  الى فلسطين، ووظفت الدعاية الصهيونية  لكون فلسطين  أرض الميعاد، والحلم الذي يجسد  الأسطورة في المعتقد  الصهيوني العنصري الدموي..!
واليوم  يشاهد العالم الجريمة الأوروبية  في نتائج  تلك الهجرات الصهيونية التي" اعطى فيها من لا يملك، لمن لا يستحق "، وهذه التجربة المؤلمة،  تدفع كل عربي إلى الخشية  من الهجرة إلى أقطار الوطن العربي من أوروبا  الاستعمارية التي لم تخف  - حتى في مرحلة " الاستعمار الجديد"  على حد تعبير جان بول سارتر -  أطماعها  الامبريالية في السيطرة، وفرض التبعية  سلما  بالاتفاقات التي تتحين الفرص لها مع الأنظمة السياسية الوطنية،  كالرئيس محمد ولد غزواني الذي لا يشك وطني عروبي مثلي  في وطنيته، ولكن الخشية من رموز  الحكومة الفاسدة،  ولذلك، فالأوروبيون  تواضعوا  على توظيف علاقاتهم مع رموز النخب السياسية العربية، والأفريقية القابلة لبيع الأوطان لها في أقطار الوطن العربي، ودول إفريقيا الشقيقة، علاوة على  ذلك سياسة  أوروبا   في تدمير اوطاننا بالحروب البينية،  كالحرب بين كل من " اتشاد" وليبيا،  وزعزعة الاستقرار بالحروب الأهلية داخل الاقطار الافريقية،  كالحرب في ليبيريا، وساحل العاج، وزايير…

الثانية : " الهجرة العكسية " 
وهي المعروفة في الإعلام الدولي، والاعلام العربي، والاعلام  الوطني الحر، وكذاك الاجتماعي المتداول  لنشر  الدعاية السياسية، والآن يواجه الاتفاقية بالمنشورات الرافضة  للهجرة العكسية  من أوروبا  الى رواندا، ثم أخيرا  إلى  موريتانيا… 
 ومن المهم أن يفرق القارئ الكريم  بين الكتابات السياسية المعارضة  للأنظمة السياسية، ومنها الكتابة التي  يقوم بها المعارضون في الحراك السياسي الحزبي، وكذلك المغردون في الخارج الذين يعتاشون على معارضة الأنظمة السياسية في أوطانهم عليهم الخزي ، والاحتقار من الجميع..!
بينما الهدف  من هذا المقال، هو  تأطير البحث الاجتماعي، والثقافي،  وذلك  لفهم  " بيان  إعلان الاتفاقية " ،  وتحليله  والتنبؤ بمآلات الاتفاقية، وتداعياتها الآنية، والمستقبلية، وهذه الكتابة من جملة البحوث  التنظيرية،  وليس لدي هدف سياسي، يمكن ان يحدد به  القارئ  الكريم ، إن كنت  "مع" ..أو " ضد" ، لأن الغاية  اسمى من  السعي  لتشويه الأنظمة السياسية الوطنية،  وكتاباتي  الشخصية  منذ أربع سنوات في المواقع الاجتماعية، و الوطنية، والقومية،  لم  أهدف  منها  للتعريض  بالنظام السياسي اطلاقا،  لا في عهد محمد بن عبد العزيز،  ولا في عهد محمد ولد  الشيخ الغزواني، وإنما  كان هدفي حصرا في التوجيه  التوعوي، وإثراء النقاشات الثقافية  ذات التوجه  التنويري في الغايات  الأولية، والقصوى معا…
ومن هذا المنطلق سأوضح للقراء الكرام مدى فهمي  لما ورد في بيان  "الهجرة العكسية، أو التهجير اختياريا،  كان أم قسريا  من أوروبا  إلى موريتانيا"،  والمبررات  الأوروبية كما عرضها الإعلام الغربي الذي نشر بعض مضمون الاتفاقية، ثم اعتذر عما  نشره منها..!
 أما  ابعاد الاتفاقية في موريتانيا، فهذه مسؤولية الوطنيين والقوميين  الذين يراقبون عن قرب علاقات النظام واتفاقاته..  
ففي أوروبا تعاظمت الأزمات الاقتصادية، والسياسية  جراء "الحرب الأوروبية - الروسية" علاوة على الانزعاج  الناتج من زيادة  استغلال  دعاية أحزاب اليمين المتطرف في الأوساط الانتخابية ، ونجاحاتها في المواسم الانتخابات، وتأثر شعبية  الانظمة الحاكمة  بما تقدمه تلك الشعارات من  معاداة  للمهاجرين، وللأنظمة المستقبلة لهم  باعتبار الأخيرة  تعمل سياسيا  لتغيير البني الديموغرافية  الأوروبية بالأقليات  الأفريقية ، والآسيوية ، وكذلك من أمريكا اللاتينية..
ولهذا فإن إبرام الاتفاقية الامنية - والاقتصادية مع موريتانيا، هو في جزء منه،  يهدف في الكثير منه  إلى الدعاية  للانظمة الأوروبية القائمة، ومحاولتها  انتهاز فرصة تاريخية قد لا تتكرر مع أي نظام سياسي في أفريقيا ، وذلك لإعادة المهاجرين إلى البلدان الطاردة لابنائها، واعتراض البواخر المحملة  بهم ، وتوجيهها  إلى :
(أولا) -  البلدان التي تسعى لاستقبال المهاجرين، إما  للرفع من نسبة  الكثافة السكانية،  او الاستنفاع منها، وستتحمل حكوماتها  تنظيم دمج المهاجرين في المجتمع الرواندي، او الموريتاني،
(ثانيا) - ترحيل المهاجرين الذين لا تستطيع  الدولة الموريتانية استقبالهم  إلى البلدان الأفريقية، أو الآسيوية،  أو اللاتينية باعتبارها الدول الطاردة لابنائها، ولن تسعى لاستعادتهم لمساعدة الضغوط عليها…
 ومن جهة أخرى، فإن  حماية  الاتفاقية بتوقيعها من الجهات الأمنية الموريتانية،  قد يراه البعض عاملا مساعدا - بمعنى إيجابيا - وذلك   لتوقيف العمل بها  متى كانت تهدد الأمن الوطني، ومن جهة أخرى  قد يكون  اختيار وزير الداخلية ، الهدف منه  التحضير ل " كبش الفداء "  للتخلص منه،  ومن الاتفاقية معا ، كما حصل في ابريطانيا،، ولكن قبل هذا،  وذاك  تشكل  هذه الواجهة الأمنية  حماية للأتفاقية ، وحصانة للنظام السياسي الذي وقع عليها كل من  وزيري الداخلية، والأقتصاد..!
وبالنتيجة الأولية، أن من يكون ضد الاتفاقية  من الطيف المدني  السياسي، يكون بالضرورة  ضد الأمن الوطني، وضد التعاون الأمني الدولي، وهذا لا سابق  له،  في اتفاقية دول الساحل السابقة  التي أجازت أنظمتها السياسية، ذلك  التدخل العسكري الأوروبي في الشأن الوطني أمنيا، وقد  وقعها نظام الحكم السابق في بلادنا،  ووافق عليها النظام الحالي، ولم تثار حولها عاصفة من الرفض ، أو الخشية، كهذه  الاتفاقية  خاصة  في الإعلام المغاربي أولا، والدولي ثانيا، والاجتماعي الوطني ثالثا  حين صحا من النوم، مؤخرا  على الاتفاقية التي ، كانت تحت قيد  الأخذ، والرد  فيها منذ سنتين…!
 ولا أظن أن وطنيا، سيجاهر برفضه لهذه  الاتفاقية بعد توقيعها  بالأمس إلا ضمن تخصصه القانوني.. نظرا لحرص كل مواطن على الأمن العام  لمجتمعه، ولبلادنا حفظها الله تعالى من كل سوء…
ولذلك  يتوقع من القانونيين  في الحراك السياسي  المدني الحزبي، أن  يدافع عن الحقوق المدنية،  والسياسية، وفوق ذلك أن يشترك مع النظام السياسي الوطني في الدفاع عن الثوابت الوطنية الثلاثة: الوحدة الديموغرافية، والوحدة الجغرافية، والنظام السياسي الجمهوري.. 
وهذا الذي يحمل القانونيين  في الأحزاب السياسية، مسؤولية  لتقديم دراسات متأنية  تتوخى الصدقية  المدفوعة بالانتماء الوطني، والاجتهاد النصوح، والبواعث  ذات الغايات الأسمى  من الدعاية للاتفاقية، أو التعريض بها، نظرا لعدم جدوائتهما  اجتماعيا، ووطنيا، وقوميا..
وبما  أن الباحثين، توقعوا من  أن  الاتفاقية خرجت من  المجال " التوعوي"  للباحثين  في الاجتماع، والثقافة  الذين سعوا  مخلصين داخل الوطن، وخارجه، من أجل توعية الرأي الوطني العام، وليس  للوطنيين،  هدف   للإعراب عن معارضة لاتفاقية ينشد  منها النظام ،  الصالح العام،، ولكن التعبير  هنا في هذا المقال، هو  عن رؤية اجتهادية  في إطار الاختلاف في الرأي،  كحق يكفله  الدستور الموريتاني..
وكان الهدف اساسا  للكتابة  ليس معارضة النظام في الاتفاقية، وربما  لأني في الخارج، ولو رجعت للوطن، لكان الموقف مختلفا، إذ يصبح للمعارضة مصداقيتها، و قيمتها الوطنية… 
لذلك فقد اقتصرت كتابتي على استحضار عوامل الخشية التي قوبلت بها  الاتفاقات الموازية  التي عرضت  على انظمة  أقطار المغرب العربي الأربعة، ورفضتها  الحكومة  التونسية، والجزائرية، والليبية، باستثناء المغرب  في حدود الاتفاق السياسي  الثنائي مع اسبانيا،  كالحد من عبور  المهاجرين  من المغرب الى اسبانيا، وهو الاتفاق السياسي المشروط بتعديل الموقف الإسباني إلى الحكم الذاتي للصحراويين، ولم يكن اتفاقا امنيا،  و لم تكن  له أبعاد  مستدامة  مستقبلا،  حتى  تهدد  مجتمعات المغرب العربي في  وحدة العقيدة، والوحدة الثقافة، والقيم الأخلاقية المشتركة، فضلا عن التجانس في  البناء الاجتماعي القبلي، والنظام السياسي الجمهوري  - بنسبة اربعة من خمسة -  والحرص المشترك على الوحدة الجغرافية، والانتظارات المستقبلية  على ضوء وحدة التاريخ العام ،  وحماية مجتمعات  الحاضر، والمستقبل، وهي  من  العوامل المشتركة لوحدة المصير  بين أبناء الأمة العربية، ولذلك كان الاهتمام المشترك بين أبناء المغرب العربي، هو المبرر لهم، ولغيرهم   لقبول،  أو الخشية، او رفض  المهاجرين غير العرب  للوطن العربي الواحد من المحيط إلى الخليج...
وعودا على بدء  إلى "بيان الإعلان"  عن الإفاقية الأمنية، وقد  قدم في البيان  تعريفات عديدة أهمها، أنها  " خطة عمل " لتنظيم الجهود المعبرة عن حسن النوايا الموريتانية، والأوروبية في التعاون المشترك، كما  جاء في البيان  أنها ل " إقامة علاقات مشتركة - مشروطة ب -  مبدأ المعاملة بالمثل"، وذلك سعيا من الموقعين ل " تنظيم الهجرة، والتنقل، وتشجيعه المعقلن، والوقاية من الهجرة غير الشرعية"،  وذلك " لتسهيل عملية من ليس لهم الحق في البقاء "  في إشارة إلى الهجرة العكسية  إلى موريتانيا، ومعنى ذلك  أن موريتانيا  قد تكون منطقة  مكوث مؤقت ،  لارجاع  المهجرين إلى بلادهم التي انطلقوا منها  إلى أوروبا، ولكن هناك إشارات تثير أكثر من علامة استفهام حول  استحضار المصطلحات التالية، و تضمينها في البيان  بشكل  دال على  مراعاة : " القانون الدولي … النظم الدولية ….الحاجة للحماية الدولية … طبقا لما يجري به العمل  في موريتانيا "..ما المقصود بها تحديدا ؟
فلا جواب في البيان على السؤال النفتوح..
والبحث في البيان سيبقى  مقتصرا على ما  فيه، فحسب،  وليس عما  يوضح في الاتفاقية، ومع ذلك يمكن التساؤل البحثي  حول  الفروض،  أو المسلمات التي تمت الإشارة إليها، و تحتاج إلى قراءة  متأنية  بعد التمكن من قراءة الاتفاقية، ومضمونها..
ومن المسلمات  :
#  - العلاقة بين أوروبا، وأفريقيا: 
 وقد كانت أحادية الطرف سواء في فترة  الاستعمار، أم في فترة  التبعية تحت شعارات الاستقلال الوطني،،  وليس هناك إشارة في " البيان "  لإعادة بناء العلاقة  مجددا على أساس الندية…
# - التحديات المشتركة:
ويعتبر هذا الإطار الأمني منظما للهجرة غير الشرعية، و  يشكل رؤية مشتركة  بين الطرفين : الاتحاد الأوروبي، وموريتانيا، وكان الأحرى لإنجاح هذه الاتفاقية،  أن يكون القائمون عليها  أكثر من طرفين ، وهو ما تقتضيه  تعدد السلطات الحكومية في  دول القارة، وكذلك الحاجة إلى " أقلمة"  المهاجرين..فعناصر الاتفاقية ثلاثة:  المرسل الأوروبي، و المرسلون المهاجرون،  والمستقبلون الموريتانيون،  ومع ذلك، فلا بد من الإشارة إلى  تأثير الهجرة  سياسيا على الطرف الأوروبي في" بيان "الاتفاقية، لكن ذلك لم يحصل ، وعوض عنه بالاستعداد الأوروبي لتعزيز  العلاقات  الثنائية من أجل  إدماج  المهاجرين غير الشرعيين في المجتمع المستقبل لهم…
 والسؤال الذي يطرح موضوعيا، هو لماذا  اقتصر  حل  مشكلة المهاجرين  على هذا الطرف الثالث ، واقصاء مجتمع المهاجرين، و المنظمات الأوروبية الراعية لحقوق المهاجرين السياسيين،  وطالبي الحقوق الانسانية، والحكومات الافريقية والآسيوية، وفي امريكا اللاتينية؟ وكذلك  اقصي المشرعون الأوروبيون ..!
ومن الجهة الأخرى، هل يعتبر  ترأس موريتانيا للاتحاد الافريقي  بمثابة اعطائها  رخصة لإبرام هذه  الاتفاقية  دون استشارة الحكومات  الافريقية ذات الاغلبية  المهاجرة، أو أنها استأذنتهم وهذا الذي نتوقع،  لأن  موريتانيا ستطالب من تلك الدول  عاجلا، أو آجلا  إعادة  المهاجرين من مواطني تلك الحكومات الشرعية..وقد لا تقبل  المهاجرين  مثل  جمهورية مالي، وبوركينا فاسو،  والنيجر، وتشاد، وساحل العاج..!
إن إقصاء  الحديث عن الظروف الحالية في أوروبا، والتعويض عنها بالاستعداد للدفع المالي  بسخاء  من اجل  انجاح  اتفاقية ثنائية  قسرية في الغالب، أو اختيارية  للمهاجرين ، هو من الأمور التي تتطلب الكثير من التفكير في مواجهة تحديات لن تتأخر  تبعاتها على العلاقات  بين الأطراف الفاعلة  اقليميا، ودوليا، ومنها على سبيل المثال،  ما هو المبرر لدمج  مهاجري الدول الافريقية  قسريا في موريتانيا؟ وهل سيستقبلهم  المجتمع القبلي  غير القابل لمتطلبات التغير الاجتماعي، والتحديث، وهو مجتمع له نظام  قبلي ضاغط  حتى على انظمة الحكم السابقة،  ولم يحصل العكس، ولذلك توقفت آليات  التنمية الاجتماعية في أبعادها مجتمعة بالنظر إلى ما حصل في مجتمعات، و دول الجوار المغاربي، والإفريقي معا…!

# -  الاستقرار السياسي في موريتانيا، وفي افريقيا:
والحديث عن عدم الاستقرار شكل هاجسا أوروبيا، وليس موريتانيا، فحسب ،  ولعل الحديث المتكرر  عن عدم الاستقرار، هو للإشارة إلى الخسارة الأوروبية  جراء  التغيير السياسي الذي حصل في  أقطار دول الساحل  التي خرجت  انظمتها من تحت مظلة الأحلاف العسكرية، وهذه الأخيرة  أعادت  العلاقات الأوروبية - الافريقية إلى سابق عهدها في عصر الاستعمار المباشر في القرن التاسع عشر، حتى  ستينيات  القرن العشرين ، الأمر الذي يفسرلنا ، أن العلاقة الثنائية في الاتفاقية الثنائية، سينظر إليها الجيران  على أساس محاربة التغيير السياسي في دول الساحل التي أعلنت قطيعتها مع أوروبا…!
ولعل هذا التوضيح  أعلاه في  تحديد  بعض المسلمات والعمل على تثبيت حلقاتها على سلم قاطرة  الاتفاقية التي بنى عليها كل طرف اهدافه، لذلك نتساءل ما هي أهدافنا الموريتانية من إبرام الاتفاقية، والالتزام بخطتها العملية؟
كان من السهولة  تجميع الاشارات الدالة على أهداف  الجانب الموريتاني  من الاتفاقية المذكورة   من خلال الإشارات رغم المصطلحات الإيحائية، وهي ليست لغة  للصياغة  الامنية،  أو القانونية، ولعل  البيان  السياسي  موجها للجمهورالوطني الخاص، علما أن المتكلم الحكومي، كان موريتانيا، ولهج لسانه بانتهاج حكومته  (( الاستراتيجية  في مكافحة  الإرهاب، (و)  مواجهة  تهديد الاستقرار في موريتانيا، (و تعزيز )  الحوار الديني، واستقبال المهاجرين، والمساهمة  في التنمية المستدامة ، ومواجهة الجريمة العابرة للحدود )).
والغريب كان ذكره للحوار الديني من بين الاهدف  في الاتفاقية، كما لتوظيفه   سابقا في "السلم الإفريقي"  كمحاولة بائسة،  يائسة لتوسيع النطاق  الخانق على الابراهيمية الإماراتية، الأمريكية التوجيه، والآن يوظف الحوار الديني مرة أخرى، فهل ذلك   للحاجة لتقبل أصحاب العقائد الأخرى  في وسط المهاجرين ..؟!
  أما الاتحاد الأوروبي فقد ركز على  الاهداف  التالية: (( الاهتمام بالاستقرار، وفرض الأمن المشترك، والحد من الهجرة إلى أوروبا، نظرا لانعكاسها على : الطفولة، والنساء، وحياة  المهاجرين.. والمساهمة في تنظيم الهجرة المتزايدة   في موريتانيا، وتقديم الخدمات الاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية..))
 وهناك إشارات وردت في نقاط البيان، وهي غير كافية،  ولكن ينبغي عدم إخراجها عن السياق العام  قبل التعليق عليها، لذلك لابد من الرجوع الى نص الاتفاقية، حتى تكون القراءة موضوعية…
وهناك استخدام  للغة الأوروبيين التي سعت  لتسويغ الاتفاقية ودمجها في الخطاب السياسي الوطني ،  كإعطاء هوية  اجتماعية،  غير المتعارف عليها، مثال  : (( ودعم المهاجرين،  ومجتمعاتهم المضيفة،،))، والسؤال حول المجتمعات، فأي مجتمعات تقصد بالدعم، كما لم يوضح المقصود باعادة المهاجرين في ((  العودة ، وإعادة الدمج))، وهنا تذكرت عودة سكان  أحياء المدن الى مناطقهم بعد  تسجيل مآسي معظمهم  في الأدب الروائي ، بعد  سقوط حكم النظام الماركسي في" كمبوديا "  حيث قام  بنقل  سكان الأحياء واستبد لهم بغيرهم في المدينة، كما دمج الكثير منهم في مدن نائية أخرى، وذلك  في محاولة  لتشكيل البناء الاجتماعي واستحداثه بهذه الطريقة القسرية، وستبدال قوانين العمل التقليدية  القائمة على القرابة والدين، بقانون الوظيفي…!!

أخيرا:
 لعل هذه خلاصة  الاتفاقية الخاصة بمجتمع  "الهجرة غير القانونية " ولكن ما هو الإطار الزمني لاستئناف العمل التنفيذي؟ هل هو مرتبط  بتاريخ  التوقيع على الاتفاقية؟ وما هي اوجه الهجرة العكسية ، هل سيقتصر الأمر على  تحويل المهاجرين  من الموانئ الأوروبية الى موريتانيا، او هو سيشمل إعادة المهاجرين المتواجدين في  دول الاتحاد  الذين لم يحصلوا على رخص للعمل،؟ وهل سيحصل المهاجرون  على العمل  في موريتانيا  ليعوض عن العمل في أوروبا .. ؟
و هي اسئلة  لم نجد إجابة عنها في بيان الإعلان، وإن كنا نرى تحديدا زمنيا سابقا على الاتفاقية في الإشارة إلى  تقاسم  موريتانيا مع المجتمع الدولي في الالتزام  السابق  في التعاون كما أشير إليه في اتفاقية : "  دعم جهود  موريتانيا في تنفيذ  التزاماتها في إطار  المنتدى الدولي للاجئين 2023" 
 كما يتضمن بيان  الاتفاقية، تنظيم الهجرة القانونية من موريتانيا إلى أوروبا، ومنح التأشيرات، وإعفاء من الرسوم للتاشيرات  قصيرة الأمد، وتسهيل إرسال الأموال من دول الاتحاد إلى موريتانيا،،  ولعلها مناسبة لفتح ابواب الهجرة المنظمة من موريتانيا إلى أوروبا، وذلك لمن ضاقت عليه بلاده بما رحبت من اتساع،  ومن  ثروات واعدة، فإن لم يستفد منها الوطنيون، فليكن خيرها لابناء الفقراء الأفارقة بدلا من الأوروبيين الاستعماريين…
والسؤال الذي يستحضره القراء الكرام - ولا شك -  هو: كيف  ستتم إعادة المهاجرين: قسرا، أو اختيارا..؟
والجواب  موجود في البند( 14) :  وقد  ورد فيه (( مسألة الهجرة والترحيل القسري، هي جزء مهم من الشراكة في الاتفاقية ، وأن التعاون الخاص بهما في مجال الهجرة،  يستند إلى  نهج شامل ومنسق ، وعملي، ومتوازن مع احترام حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني بالإضافة إلى مبدأ سيادة الطرفين))..
وهل التعاون  الأوروبي  الموريتاني في هذه الاتفاقية، هو جزء من مشروع  أوروبي للحد فعلا من الهجرة ب "معرفة أسبابها المادية "؟ ولماذا لا تحل مشاكل المهاجرين  في مجتمعاتهم  بدلا من توطينهم في موريتانيا، ؟  وما هو المجال المكاني لمشاريع الاسكان الحضري، او سيكون  في القري والصحارى؟  وعن مشاريع التنمية الواعدة، هل في القطاع الزراعي، او الصناعي، او التعليمي، او الصحي،  او الإداري باعتبارها لم  تذكر في البيان؟ وما هو الحقيقي  المزمع إقامته من الذي تروج له  الدعاية الأوربية،  كحقوق الانسان،  وحقوق المرأة، ورعاية الطفولة ، وحماية  الأقليات، وهي جميعا ضرب  الأوروبيون  بها عرض الحائط، وغير قابلة للدعاية في الإعلام الأوروبي، احرى غيره  بعد موقف الحكومات الغربية الامبريالية،  المناهضة لكل الحقوق المذكورة أعلاه ، وخاصة  في  الحرب الامريكية الغربية الصهيونية  في فلسطين،، التي يتعرض أهلنا فيها لابشع  الإبادة الجماعية من طرف الأقلية الأوروبية  الصهيونية التي  وضعتها الأنظمة الأوروبية الامبريالية  فوق القانون الدولي، والإنساني..؟!

د/ إشيب ولد أباتي