صمود غزة يعزز مخاوف واشنطن في قدرة إسرائيل على كسب الحرب البرية الصراع في الشرق الأوسط وأوكرانيا يحدد صورة النظام العالمي لعقود قادمة

أربعاء, 2023-12-06 10:32

الحرب الدائرة في الجزء الجنوبي من الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة سواء قبل أو بعد 7 أكتوبر 2023 هي جزء من صراع أوسع بين ما يرجح أن يسميه المؤرخون مستقبلا الشمال والجنوب، أو الشرق والغرب، أو أصحاب ومسيري النظام العالمي القائم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والقوى التي تناضل من أجل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لا تفرض قوة كبرى واحدة قواعده.

هذا المعطى الذي حاول البعض نفيه وإنكاره اعترف به وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن وقبله الرئيس الأمريكي جو بايدن وغيرهما.

يوم السبت الثاني من شهر ديسمبر 2023 صرح وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في منتدى نظمته مؤسسة رونالد ريغان الرئاسية في كاليفورنيا: "لن نسمح لحركة "حماس" أو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانتصار. ولن نسمح لأعدائنا بتقسيمنا أو إضعافنا". وأضاف إن الولايات المتحدة ستظل أقرب صديق لإسرائيل في العالم، ولن تسمح لحركة حماس بالانتصار.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها وإرسال المساعدات إلى العديد من مسارح العمليات العسكرية في وقت واحد، والتي تشمل كلا من إسرائيل وأوكرانيا.

وأضاف: "الولايات المتحدة هي أقوى دولة على وجه الأرض. يمكننا القيام بمهام متعددة"، واصفا العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا بأنها "تحد لحلفاء الناتو" و"هجوم مباشر على النظام الدولي القائم على القواعد".

وتابع: "وبالتالي فإن نتيجة هذا الصراع ستحدد الأمن العالمي لعقود قادمة. ولا يمكننا أن نبقى بمنأى عن ذلك".

في مقال الرأي الذي كتبه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يوم السبت 18 نوفمبر، ونشر في صحيفة "واشنطن بوست" أكد إن "الولايات المتحدة لن تتراجع عن تحدي بوتين وحماس"، وأن الصراعات حول أوكرانيا وإسرائيل ستتحول إلى تقدم للولايات المتحدة.

تشارك القوات الأمريكية والبريطانية علنا بتقديم الدعم المباشر للقوات الإسرائيلية في حربها ضد المقاومة الفلسطينية بينما يحاول حلف الناتو المناورة بشأن دعمه لتل أبيب وذلك لوجود تحفظات عند بعض أعضائه.  خلال اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي في بروكسل يوم 29 نوفمبر ناقش الوزراء الوضع في الشرق الأوسط، إذ أدت الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة "حماس" إلى زيادة التهديدات لأمن أعضاء دول "الناتو". وقال منسق برنامج الأمن الدولي لدى المعهد البولندي للشؤون الدولية، فويتسيك لورينز، إنه "على رغم أن بعض الحلفاء في الناتو على استعداد لتقديم المساعدة السياسية والعملية لإسرائيل، فإن الحلف كمنظمة لن يشارك في القتال ضد حماس، وسيقتصر دوره على التعاون الاستخباراتي والكشف عن التهديدات للحلفاء. ومع ذلك، يتوقع لورينز دورا أكبر للناتو في حال حدوث مزيد من التصعيد، بخاصة من جانب إيران".

على الجانب الآخر وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرب روسيا مع أوكرانيا وإسرائيل ضد حماس كمعركة وجودية مع الغرب من أجل فرض نظام عالمي جديد ينهي الهيمنة الأمريكية لصالح نظام متعدد الأطراف وهو أمر يتشكل بالفعل. وأشار إلى تاريخ دعم الكرملين للعرب في كل صراعاتهم العسكرية ضد تل أبيب.

وكتب سيرجي ماركوف المستشار السابق في الكرملين في مدونته موضحا موقف بوتين: "تدرك روسيا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان إسرائيل بشكل كامل، وأنهما يجسدان الشر الآن ولا يمكن أن يكونا على حق بأي شكل من الأشكال".

وأضاف "لذلك، لن تكون روسيا في نفس المعسكر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. الحليف الرئيسي لإسرائيل هو الولايات المتحدة، العدو الرئيسي لروسيا في الوقت الحالي. وحليفة حماس هي إيران، حليفة روسيا".

 

التهجير نحو سيناء

 

منذ أن تم استئناف المواجهات العسكرية في غزة يوم الجمعة الأول من ديسمبر 2023 عاد النقاش يدور في تل أبيب وواشنطن بشكل خاص عن فرص الجيش الإسرائيلي في تحقيق مكاسب على حساب المقاومة الفلسطينية وتحقيق وعود حكومة نتنياهو في القضاء على حماس وابعاد كل خطر مستقبلي من قطاع غزة ومشروع تهجير سكان القطاع إلى شمال سيناء.

غير أن اللافت هو أن هذا الجدل لم يتناول بأي شكل تقريبا اخطار اندلاع حرب أو مواجهة عسكرية بين مصر وإسرائيل خاصة بعد أن شرع الجيش الإسرائيلي في الضغط على الفلسطينيين المتكدسين في جنوب القطاع ودفعهم جنوبا نحو الحدود المصرية في سيناء.

إذا كان هناك تجاهل مقصود بشأن هذا الأمر في واشنطن وعواصم أخرى فإن وزير خارجية أمريكا السابق ومهندس سياستها الخارجية لعقود ولو من خارج الإطار الرسمي تناول الموضوع بشكل ضبابي حيث قال هنري كيسنغر في مقابلته الأخيرة مع بوليتيكو قبل وفاته بأيام، إن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إقامة الدولتين لا يضمن هدوء الوضع في المنطقة في المستقبل.

وأضاف: "حل الدولتين لا يضمن أن ما رأيناه في الأسابيع الأخيرة لن يتكرر مرة أخرى... أعتقد أنه ينبغي تسليم الضفة الغربية إلى السيطرة الأردنية بدلا من السعي إلى حل الدولتين الذي في نتيجته ستسعى إحدى الدولتين وستصمم على سحق إسرائيل".

وأشار كيسنغر إلى أن هناك حاجة إلى المزيد من الإجراءات النشطة من واشنطن لمنع تصعيد الصراع في المنطقة. يسجل أنه تجاهل ما يعتقده عن مستقبل غزة.

 

حماس تدافع عن الأمن القومي

 

في الأول من شهر ديسمبر وفي القاهرة صرح مدير أكاديمية ناصر العسكرية الأسبق اللواء صفوت الديب، إن "العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، يأتي ضمن سلسلة من مخطط تسعى إسرائيل لتحقيقه".

وأوضح خلال لقائه عبر برنامج حقائق وأسرار المذاع على قناة صدى البلد، أن العملية التي نفذتها الفصائل الفلسطينية في 7 أكتوبر، أوقفت الكثير من المخططات التي كانت تحاك بالمنطقة العربية وليس فلسطين فقط.

وأضاف الديب "حماس تدافع عن الأمن القومي المصري في هذه المرحلة، وعملية احتجاز السفن من قبل الحوثيين بمثابة ضغط على إسرائيل وأمريكا، خاصة أن إمدادات البترول لإسرائيل تأتي عبر البحر الأحمر، وفي المقابل عملية دورانه عن طريق رأس الرجاء الصالح سيستغرق وقتا طويلا"، متوقعا في الوقت ذاته تأثر دخل قناة السويس، وتأثر السياحة في سيناء، وهو ما يعتبر سلبيات بسيطة، قياسا بالإيجابيات التي تحققت لصالح الأمن القومي.

وأضاف أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لها العديد من التداعيات السياسية والاقتصادية على المنطقة، منوها أن عملية السابع من أكتوبر استطاعت أن تحدث تغييرا استراتيجيا في جميع الدول.

وأشار الديب إلى أن حماس هاجمت مركز الشاباك في غلاف غزة وحصلت على سيل من المعلومات أثناء عملية طوفان الأقصى، مضيفا أن مستقبل نتنياهو السياسي انتهى.. موضحا أن مصلحة نتنياهو في استمرار الحرب لأن مصيره السجن بعدتوقف الحرب.

يوم الأحد 3 ديسمبر 2023 صرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في بيان عن دعوة الفلسطينيين للتحرك نحو مناطق في رفح وأضاف: "نشرنا خريطة المناطق التي تقسم أراضي القطاع إلى مناطق وأحياء تعرفونها، في مسعى لمساعدتكم في المراحل التالية من الحرب، على فهم وإدراك التوجيهات الصادرة والانتقال من مواقع محددة بدقة إذا ما لزم الأمر حفاظا على أمنكم".

لكن المحلل الفلسطيني، أشرف العكة، أكد في تصريحات لموقع "الحرة" الأمريكي، أن دعوة إسرائيل للسكان بالتوجه نحو رفح "يعني مضيه قدما في عملية تهجير باتجاه رفح ولاحقا سيناء، وتتم العملية تحت وطأة الجوع والحصار والأمراض والقصف".

في محاولة تضليل مكشوفة أشار أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، إلى إن إسرائيل لا تمتلك "طموحات توسعية لا في قطاع غزة ولا في أي من دول الجوار... لسنا معنيون بتفريغ قطاع غزة من سكانه.. الادعاء بأن لإسرائيل مخطط يهدف إلى تهجير سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء، هو من نسج خيال الصحافة الناصرية التي أدمنت على الكذب والافتراء".

وحول التطرق إلى فكرة التهجير على لسان مسؤولين وسياسيين إسرائيليين، أكد في حديثه لموقع الحرة، أن المقصود "تهجير مؤقت". وتابع: "أتمنى أن تظهر مصر قدرا أكبر من التعاون معنا من أجل إبعاد المدنيين عن مناطق الحرب، حتى ننتهي من العمليات العسكرية، ولكن القيادة المصرية على ما يبدو غير معنية بأمن وسلامة الفلسطينيين. لقد ساعدناها في حربها ضد دواعش سيناء وهي ترفض التعاون معنا ضد دواعش غزة. موقف القاهرة غير مفهوم وليس على مستوى الحدث".

 

10 سنوات من الحرب

 

منذ عام 1945 لم تحقق واشنطن نصرا مؤزرا في حروبها الخارجية باستثناء حرب الخليج عام 1991، حيث يعكس انسحابها من أفغانستان والعراق مشكلاتها في التعامل مع حرب العصابات. 

قبل أيام قليلة من سقوط سايغون في أبريل 1975، وهو حدث يمثل نهاية حرب فيتنام، أجرى القائد بالجيش الأمريكي، الكولونيل هاري ج. سمرز جونيور، محادثة في هانوي مع عقيد من جيش فيتنام الشمالية، اسمه تو، خلال مفاوضات سلام بين الجانبين. قال سمرز: "أنت تعلم أنكم لن تهزمونا أبدا في ساحة المعركة". فكر العقيد الفيتنامي الشمالي لحظة، ثم أجاب: "قد يكون الأمر كذلك بالنسبة لكم، لكنه أيضا ليس كذلك بالنسبة لنا". وردت هذه المحادثة في كتاب سمرز عام 1982 حول الاستراتيجية: تحليل نقدي لحرب فيتنام.

ويوضح هذا الحوار التناقض الأمريكي في معظم الصراعات التي ستأتي لاحقا. بعد عام 1945 أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى، وجعلها سقوط الاتحاد السوفييتي في ما بعد الزعيم الأوحد في العالم، لكنها لم تعد تكسب حرباً بشكل أساسي. لم تحقق البلاد نصرا واضحا لا جدال فيه بعد حرب الخليج عام 1991. لقد تغيرت طبيعة الحروب، ما يشكل مستنقعا خالصا.

يتحدث السياسيون اليمينيون في تل أبيب وواشنطن ولندن عما سوف يحدث بعد الإنتصار على المقاومة الفلسطينية في غزة، وكأن المعركة قد حسمت.

يوم السبت الثاني من ديسمبر 2023 حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إسرائيل من أن هدفها المعلن بـ"القضاء بالكامل" على "حماس" قد يجر حربا تمتد "10 سنوات"، داعيا إلى "مضاعفة الجهود للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار".

وتساءل ماكرون في مؤتمر صحافي على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب28" في دبي: "ماذا يعني القضاء على حماس بالكامل؟ هل يعتقد أحد أن هذا ممكن؟... إذا كان الأمر كذلك، فإن الحرب ستستمر عشر سنوات".

وأضاف "لذا يجب توضيح هذا الهدف" من جانب "السلطات الإسرائيلية"، محذرا من "حرب لا تنتهي".

وأكد ماكرون على أن الأمر يتعلق بـ "الأمن الدائم" لإسرائيل الذي لا يمكن ضمانه إذا أُرسي "على حساب أرواح الفلسطينيين، وبالتالي استياء كل الرأي العام في المنطقة".

وحض أيضا على "جعل إسرائيل واثقة من استعادة أمنها في موازاة الاستجابة للتطلعات المشروعة للفلسطينيين، من خلال تحقيق الهدف السياسي المتمثل بالوعد بإقامة الدولتين". 

يوم الأحد 3 ديسمبر وفي ارتباك واضح مع تصريحات سابقة قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، إن إسرائيل قد تواجه هزيمة استراتيجية في قطاع غزة.

وأضاف الوزير: "في هذا النوع من القتال، يكون السكان المدنيون هم مركز الثقل. وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فسوف تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية".

ووفقا له، لا يمكن للجيش الإسرائيلي أن يكسب المعركة ضد حماس إلا إذا قامت القوات الإسرائيلية بالمهمة الرئيسية المتمثلة في منع مقتل المدنيين والعمل لحمايتهم في قطاع غزة.

 

إسرائيل وتدمير حماس.. 

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 28 نوفمبر 2023: تعترض هدف إسرائيل المعلن بـ"تدمير حركة حماس" في قطاع غزة شكوك لا تقتصر إثارتها على محللين ومراقبين فحسب، بل على مسؤولين كان آخرهم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ورئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

وبحسب تعبير بوريل، فإن "حماس هي أكثر من منظمة إرهابية"، وقال خلال مشاركته في منتدى الاتحاد من أجل المتوسط المنعقد في برشلونة إنها "فكرة، ولا يمكن القضاء عليها إلا عندما يوجد بديل يعطي للفلسطينيين أفقا واضحا".

في المقابل، أضاف رئيس الوزراء القطري في تصريح منفصللصحيفة "فاينانشال تايمز" أن "الهدف الإسرائيلي في القضاء على حماس في غزة ليس واقعيا". واعتبر أن "تدميرها بمواصلة الحرب لن يحدث أبدا، ولن يؤدي إلا إلى تأجيج خطاب التطرف".

وتطلق الشكوك تساؤلات حول مآلات الهدف الذي يضعه المسؤولون الإسرائيليون على رأسهم رئيس الوزراء، نتنياهو، وإن كان "مستحيلا بالفعل" والاعتبارات التي تحكم القضية.

كما تطلق، وقبلها تحليلات لباحثين في وسائل إعلام غربية، تساؤلات تتعلق بالبنية الخاصة بحماس في غزة، وما إذا كانت الأصوات الشعبية في القطاع المحاصر تؤيد ما أقدمت عليها في السابع من أكتوبر، وبالتالي الدور الذي تشكله المعارضة منها على مستقبلها سواء الآن أو في مرحلة "ما بعد الحرب".

 

نظرتان في إسرائيل

 

وتعتقد داليا شيندلين، وهي خبيرة استطلاعات رأي ومحللة سياسية إسرائيلية أن "الرأي العام في إسرائيل يؤيد هدف تدمير حماس، خاصة أنه لا يوجد شيء لدى الشارع سوى الغضب" تجاه الحركة.

لكنها تشير في حديث لموقع "الحرة" إلى محليين سواء عسكريين أو سياسيين، وأن "هؤلاء يقومون بتحليل الصراع ولديهم شك كبير في إمكانية وجود أي إجراء موضوعي لتدمير حماس بالكامل من ناحية قدراتها العسكرية والحكومية". 

وتضيف: "يمكن على الأقل أن تعتبر فكرة تدمير قدراتها العسكرية أكثر قابلية للقياس إلى حد ما من حيث أعداد المقاتلين الذين قتلوا، أو كبار القادة الذين تم تصفيتهم أو الأسلحة المستخدمة أو التي تم تدميرها". 

ومع ذلك توضح الخبيرة أن "فكرة تدميرها كقوة حاكمة هو أمر يشكك معظم الناس فيه باعتبار أنه لا يمكن تحقيقه بالكامل ونظرا لعمق ترسخ حماس في المجتمع الفلسطيني".

ويعتبر أحمد رفيق عوض، رئيس "مركز القدس للدراسات"، أن "مراهنة إسرائيل على انقلاب المواطنين في غزة ضد حماس لا تبدو صحيحة، لأن الحركة لها جمهورها المخلص ولها مناصرون".

كما أن الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على غزة والضحايا المدنيين بالآلاف "لا يجعل الناس معتدلين بل يقودهم إلى مزيد من التشدد وهو ما خسرته إسرائيل"، حسب تعبير عوض.

ويقول لموقع "الحرة": "إسرائيل خسرت التسوية مع الفلسطينيين. هي اتهمت حماس بأنها هدمت فكرة الدولة الفلسطينية، لكن هي نفسها.. هدمت فكرة التسوية وربما إلى الأبد".

ويشير الكاتب والمحلل السياسي، ماجد عزام، إلى أن "القضاء على حماس طرح في النقاش منذ اليوم الأول للحرب"، وأن "إيهود باراك (وزير الأمن الإسرائيلي السابق) سبق وأن أكد على صعوبته بقوله إن حماس تستوطن في العقل والقلب".

على مدى الأيام الماضية، يوضح عزام لموقع "الحرة" أن "إسرائيل غيرت من خطابها وباتت تتحدث عن "القضاء على حماس بالمعنى العسكري والسلطوي".

ويضيف: "بمعنى تدمير المباني السلطوية واغتيال القادة"، وأن "تغير الخطاب جاء كتعبير واضح على استحالة القضاء على حماس كحركة".

ويقول عكيفا إلدار وهو كاتب عمود في صحيفة "هآرتس" إن "الحكومة وعدت بتدمير حماس وهي الآن رهينة التزاماتها".

ولا يرى إلدار أي بوادر حل سياسي لتحقيق هذا الهدف، ويعتقد في حديث لموقع "الحرة" أن "هذا الخيار يجب أن يأتي من واشنطن".

ويوضح الباحث الفلسطيني، عزام أن "الأصوات التي تؤكد أنه من المستحيل القضاء على حماس يتم استخدامها في الوقت الحالي كمدخل للذهاب إلى الحل السياسي"، لكن الحكومة الإسرائيلية لا تريد المضي بالخيار السلمي.

ويضيف عزام: "نتنياهو يتباهى بأنه سينتصر في الحرب ويمنع الدولة الفلسطينية، لكن هناك ضغوط بأن النافذة الزمنية والسياسية للحرب مرتبطة بخيار اليوم التالي والعودة للعملية السياسية وحل الدولتين، باعتباره الحل الوحيد للصراع من جذوره، ولمنع أي محاولات انفجار في المستقبل".

 

يجب وقف الحرب فورا..

 

يجب أن تتوقف هذه الحرب حالا، ويجب أن تصل الآن إلى نهايتها، في أي حال وبأي ثمن، فلا سبب لاستمرارها، ولا جدوى لها، فإلى متى سيحارب الجيش الإسرائيلي من أجل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومصالحه الشخصية؟.

هكذا تحدث اثنان من كبار محللي صحيفة "هارتس" العبرية، في مقالين يوم الخميس 30 نوفمبر، قالا فيه إن هذه الحرب لا نهاية لها، مؤلمة ومهينة أكثر من الحروب الأخرى، لافتين إلى أن نهايتها يفوق الفائدة التي قد تأتي منها، هذا إذا كانت هناك أصلا أي فائدة منها.

وذكر المحلل السياسي جدعون ليفي في مقاله، إنه يجب فحص استمرار الحرب بهدوء، لنصل إلى نتيجة واحدة، وهو يجب أن تتوقف هذه الحرب.

ولفت إلى أن صفقات إعادة المخطوفين وإطلاق سراح السجناء كانت حتى الآن أفضل مما هو متوقع، "حتى الكلبة بيلا تم إطلاق سراحها في وضع معقول كما يبدو".

وأضاف: "يجب الاستمرار في العمل على تحرير باقي الأسرى، حتى آخر شخص منهم، الذي قد يؤدي إلى إطلاق سراح آخر السجناء الأمنيين في إسرائيل".

وتابع: "يجدر التعود على ذلك لمن يصعب عليه الهضم، فلا حاجة لاستمرار القتال، الذي قد يؤدي إلى إحباط عمليات التحرير المقبلة، وسيعرض حياة المخطوفين للخطر".

وزاد ليفي: "الصفقات وحدها هي التي ستؤدي إلى إطلاق سراح الجميع، وقد تجرى فقط في شروط وقف إطلاق النار".

ولفت إلى أن هدف إسرائيل بتفكيك "حماس" لم يتحقق، "وثمة شك في تحقيقه بثمن معقول، مضيفا: "بعد شهرين تقريبا من القتال، ما زالت حماس على قيد الحياة، وجزء من قواتها على الأقل منظم، كما يمكن رؤية ذلك أثناء عملية تنفيذ صفقات المخطوفين".

وتابع: "الجيش الإسرائيلي يقول إنه قتل 5 آلاف من مقاتلي حماس، ربما يكون ذلك صحيحا، وربما لا، ولكن القيادة العليا وجزء من بنيتها التحتية بقيت على حالها".

وزاد ليفي، مشككا في ما ذكرته قيادة الجيش الإسرائيلي: "لقد قالوا لنا إن معظم البنية التحتية والقيادة موجودة في مدينة غزة، فدمرناها، والآن يقولون لنا بأنها في خان يونس، بعد يوم على تدمير خان يونس سيقولون لنا إن بنيتها التحتية المهمة موجودة في رفح، عندها سندمر رفح أيضا، إلى أن يقولوا لنا بأن قلب حماس النابض موجود في رفح المصرية".

الكاتب والمحلل السياسي لوسي كلاين قال: "كان في هذه الحرب الكثير من المعاناة، وللعودة إلى روتين وقف إطلاق النار الذي سيستمر أسبوعا أو شهرا أو سنة أو سنتين، لن يتم فتح أي صفحة جديدة عندما تنتهي، أو أي نافذة أمل".

وأضاف: "لم تكن في حرب ما فجوة بهذا القدر بين القادة والمقاتلين، بين الضحايا والمضحين، ولم نكن في حرب ما عاجزين بهذا القدر، ليس أمام حماس بل أمام حكومتنا".

وتابع: "ما تبقى لنا هو التنهد والمنشورات المريرة، فـ9 أشهر من المظاهرات لم تسقطه، وأعضاء الكنيست يمكنهم ذلك ولكن من يثق بهم، فهم غير متاحين لإنقاذ الدولة، وربما يثقون بمليشيات (وزير الأمن القومي إيتمار) بن غفير المسلحة كي تنقذ سلطتهم وأموالهم وكرامتهم".

 

التكلفة الاقتصادية 

 

يرى عدد من المراقبين أن التكلفة الاقتصادية للحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة إذا اضيفت إلى فقدان المستوطنين الإسرائيليين الشعور بالأمن وميل الكثير منهم إلى البحث عن مكان آخر للإستقرار يشكل خطرا كبيرا على تل أبيب.

يوم الاثنين 27 نوفمبر كشف البنك المركزي الإسرائيلي، أن الحرب على قطاع غزة تكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 198 مليار شيكل (53 مليار دولار أمريكي).

وتتضمن التكلفة 107 مليارات شيكل من النفقات الدفاعية و22 مليار شيكل من التعويضات المباشرة وغير المباشرة للأضرار و25 مليار شيكل من النفقات المدنية الأخرى.

ومن المتوقع أن تصل الفائدة على الديون الحكومية الإسرائيلية إلى 8 مليارات شيكل، وأن تبلغ خسائر إيرادات الضرائب 35 مليار شيكل.

كما أعلن البنك المركزي أن الحرب على غزة لها تداعيات كبيرة، وأن درجة عدم اليقين في الاقتصاد كبيرة جدا، في ما يتعلق بالعمق المتوقع للقتال ومدته، ما يلحق ضررا بالنشاط الاقتصادي.

كما اكدت وكالة بلومبرغ سابقا أن عجز الموازنة في إسرائيل قد يصل إلى 9 في المئة من حجم ناتجها المحلي الإجمالي.

ومن المتوقع أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 حوالي 63 في المئة و66 في المئة في العام 2024.

وقال البنك المركزي الإسرائيلي أن "هناك صعوبات في عمل قطاع الإسكان في ضوء الحرب على غزة" حيث انخفضت أسعار المنازل منذ بدء عملية "طوفان الاقصى" بنسبة 0.3 في المئة. في حين شهدت السوق تباطؤا في الائتمان المصرفي للشركات الصغيرة والمتناهية الصغر.

وذكر محافظ البنك المركزي الإسرائيلي، أمير يارون، "نحن في خضم أسبوع آخر من حرب السيوف الحديدية. وبعيدا عن القضايا الأمنية، فإن للحرب تداعيات اقتصادية كبيرة، تؤثر على كل من النشاط الحقيقي والأسواق المالية.. بطبيعة الحال، ترتبط درجة عدم اليقين الاقتصادي هذه الأيام بالمجال الأمني والطريقة التي ستتطور بها الحرب على الجبهة.

 

موجة إفلاس عنيفة

 

في تقرير نشرته الخميس 30 نوفمبر، أفادت صحيفة Calcalistالإسرائيلية بأن خمسة بنوك إسرائيلية كبرى خصصت 3.1 مليار شيكل (قرابة 830 مليون دولار أمريكي) لخسائر الائتمان في الربع الثالث، بسبب الحرب الأخيرة على غزة، وهي الخطوة التي قرأها الخبراء على أنها ساتر لمواجهة موجة إفلاس ستعصف بالشركات الصغيرة.

وبينما هزت الصدمة الأولى لعملية طوفان الأقصى الأسواق الإسرائيلية، وتسببت في هبط المؤشر الرئيسي لبورصة تل أبيب وتراجع سعر الشيكل أمام الدولار، توقع المستثمرون أن يحمل استمرار العدوان لأمد طويل تكاليف اقتصادية كبيرة على الشركات الصغيرة والعائلات الفقيرة.

تحرك البنوك الإسرائيلية يأتي ضمن خطوات تشكيل وسادة أمنية لسيناريو أزمة اقتصادية وشيكة ستتسبب فيه الحرب، والتي من شأنها أن تؤدي إلى موجة من القروض لأولئك الذين سيواجهون صعوبات. ويمثل تخصيص 3.1 مليار شيكل لخسائر الائتمان في الربع الثالث قفزة بمقدار 6.9 مرة مقارنة بالربع الماضي، عندما كان الرقم 448 مليون شيكل فقط.

ولم تكن الحرب وحدها هي من ألحقت الضرر بالشركات الإسرائيلية الصغيرة. حيث دخلت الشركات الصغيرة الحرب من نقطة ضعف، إذ كان لتباطؤ الاقتصاد تأثير سلبي في دخلها، كما أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة حادة في نفقات التمويل، كما أدى التضخم إلى زيادة نفقاتها.

وحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم الخميس، ستعاني آلاف العائلات ذات الخلفية الاقتصادية الضعيفة من خطر تدهور وضعها الاقتصادي، مع استمرار الحرب. الأمر الذي من شأنه أن يترك أثرا كبيرا في الاقتصاد الإسرائيلي.

وتشير البيانات الأولية التي جمعتها وزارة الرفاه والضمان الاجتماعي الإسرائيلية إلى خطر تدهور وضع الأسر ذات الخلفيات الاقتصادية الصعبة وزيادة في عدد طلبات المساعدة. إذ قال ممثلو الوزارة "نحن حاليا في المرحلة الأولى من تحديد نطاق التدهور بهدف منعه".

 

فخ غزة

 

جاء في تقرير نشرته وكالة أنباء رويترز: تقترب الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة من الدخول في شهرها الثالث، ومع ذلك لم يتمكن جيش الإسرائيلي من تحقيق إنجاز يستطيع من خلاله تقديم صورة انتصار للجمهور الإسرائيلي، بعد تعرض قواته لضربة عنيفة في عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام، الجناح العسكرية لحركة حماس في 7 أكتوبر.

وينقل تقرير لوكالة رويترز عن عدد من المتحدثين، أن المقاومة في قطاع غزة -وفي مقدمتها كتائب القسام- لديها القدرة على تعجيز القوات الإسرائيلية بتكتيكات حرب العصابات في المناطق الحضرية.

وذكر مصدران مقربان من قيادة حماس، إن الحركة استعدت لحرب طويلة وممتدة في قطاع غزة، وتعتقد أنها قادرة على عرقلة التقدم الإسرائيلي لفترة كافية لإجبار عدوها على الموافقة على الخضوع لشروطها، ووقف إطلاق النار.

وقال المصدران اللذان رفضا الكشف عن هويتهما بسبب حساسية الوضع، إن حماس لديها من العتاد والأسلحة والصواريخ والإمدادات الطبية، ما يمكن مقاتليها -الذين يقدر عددهم بنحو 40 ألف مقاتل- من مواصلة المقاومة لأشهر عدة في مدينة من الأنفاق، محفورة في عمق القطاع الفلسطيني.

وأشار المصدران إلى أنه في نهاية المطاف، تعتقد حماس أن الضغط الدولي على إسرائيل لإنهاء الحصار، يمكن أن يفرض وقف إطلاق نار، والتوصل إلى تسوية في التفاوض من شأنها الحصول على تنازل ملموس من الاحتلال، مثل: إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين، مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.

وتنقل الوكالة عن 4 مسؤولين من حماس، ومسؤول إقليمي، ومصدر مطّلع على نهج التفكير في البيت الأبيض، إلى أن الحركة أوضحت للولايات المتحدة وإسرائيل، خلال مفاوضات غير مباشرة، أنها تريد فرض مثل هذا الإفراج عن السجناء، مقابل إطلاق سراح الأسرى لديها.

وعلى المدى الأطول، قالت حماس، إنها تريد إنهاء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 17 عاما على غزة، فضلا عن وقف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، ومدينة القدس المحتلة.

 

عدة وعتاد

 

وتؤكد مصادر في حماس، إن عدد مقاتليها يبلغ نحو 40 ألفا، ويمكنهم التحرك في أنحاء القطاع باستخدام شبكة واسعة من الأنفاق المحصنة، التي يبلغ طولها مئات الكيلومترات، ويصل عمقها إلى 80 مترا بنيت على مدار سنوات كثيرة.

وشوهد مسلحون في غزة مرارا وهم يخرجون من الأنفاق لإطلاق النار على دبابات إسرائيلية، ثم يختفون مرة أخرى في شبكة الأنفاق، وفقا لمقاطع مرئية بثتها القسام.

وفي السياق، يقول رئيس دائرة العلاقات الوطنية لحماس، علي بركة، إن الحركة طورت وعززت قدراتها العسكرية على مر السنين.وأضاف، "السلاح عندنا هو أمن قومي ليس أي أحد يعرف ماذا يوجد لدينا، نحن لا بد في كل حرب نفاجئهم بشيء جديد. نحن نعمل على أن يكون الصاروخ دقيقا وفتاكا، ونحن نطور في الصواريخ التي لدينا".

وذكر، أنه في حرب غزة 2008، كان الحد الأقصى لمدى صواريخ حماس هو 40 كيلومترا، لكن ذلك ارتفع إلى 230 كيلومترا بحلول صراع 2021.

وصرح المصدر المطلع على نهج التفكير في البيت الأبيض، الذي طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية، إن واشنطن تتوقع أن تحاول حماس استدراج القوات الإسرائيلية إلى معركة في شوارع غزة، وتكبيدها خسائر عسكرية فادحة، بما يكفي لإضعاف التأييد الشعبي الإسرائيلي لصراع طويل الأمد.

وتنقل الوكالة عن أديب زيادة، وهو فلسطيني خبير في الشؤون الدولية، وشارك في دراسات بشأن حماس، قوله، إن الحركة لا بد وأن تكون لديها خطة أطول في الأمد، لمتابعة هجومها على إسرائيل.

وأضاف، أن "أولئك الذين نفذوا هجوم السابع من أكتوبر الماضي، بهذا المستوى من الكفاءة، وهذا المستوى من الخبرة والدقة والقوة، لا بد وأنهم مستعدون لمعركة طويلة الأمد. لا يمكن لحماس أن تدخل في مثل هذا الهجوم دون أن تكون مستعدة بشكل كامل ومعبأة لمواجهة النتيجة".

من جانبه، يقول مروان المعشر، الذي سبق أن شغل منصبي وزير الخارجية، ونائب رئيس الوزراء في الأردن، ويعمل حاليا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، "مهمة تدمير حماس لن تكون سهلة المنال".

وأضاف، "لن يكون هناك حل عسكري لهذا الصراع. نمر بأوقات صعبة. وهذه الحرب لن تكون قصيرة"، مشيرا أنه "من الواضح اليوم أنه دون السلام مع الفلسطينيين، لن يكون هناك سلام في المنطقة".

 

عمر نجيب

[email protected]