أطلق الدارسون احكامهم العادلة بخصوص ما عانت منه الأمة العربية في فترات قصيرة من تاريخها، وهي تلك المراحل الفاصلة بين غياب القيادات التاريخية العظيمة، وظهور أخرى مهما كان طول انتظارها، والصبر، والمصابرة، والعجز عن مواجهة المخاطر المحدقة بتداعياتها.
وتزامن غياب القادة، وانتظار ظهور آخرين، يأتون باعجارهم الثوري لقهر أعداء الأمة ، وتصفية الحسابت مع امثال " أبو رغال" الدلال لجيوش " أبرهة الحبشي" من الاحتلاليين، وكثيرا، ما:
١ - اختفي الوعي الراقي، والتفاؤل المبرر بانبلاج عصر جديد..
٢ - وحصل التراجع غير المبرر، النكوص لدى الفاعلين السياسيين، وعلى أثر ذلك أصيبت الأمة بتبعات تلك الفترات الاستثنائية التي شكلت مراحل مظلمة من التاريخ نظرا لتهافت الدعوات المغرضة، وظهور تلك أشباه الزعامات الوهمية، وكذلك ضباب الرؤية الموجهة للأمة للدفع نحو الخروج من عنق الزجاجة…
ونظر لإمكان اسقاط الاستنتاجات العامة، ومقاربة احكامها على المواقف هنا، وهناك خلال فترات التراجع بخصائصها الانتكاسية على تقدم أمتنا العربية، إن في الماضي، او الحاضر منذ حرب الردة ، وظهور "مسليمة" الكذاب، وادعائه النبوة المقرونة بالتخرصات التي لا تضاهي، أي طرح عقدي، او فكري خلافا لما في القرآن الكريم، وكذلك ما تميز به الفكر العربي في المهرجانات الفكرية ذات القوالب الإبداعية لدى الشعراء في سوق "عكاظ "، وحواضر العرب الاخرى التي كانت منارات للفكر في شبه جزيرة العرب قبيل، استلهامها رسالة الإسلام الخالدة، والأقتداء برسولها المرشد (عليه الصلاة والسلام ) وخليفته " أبي بكر الصديق" (رضي الله عنه)..
ولعل تلك القراءة الواعية لأحداث التاريخ، تمكننا من فهم واقع أمتنا العربية في نتائج المرحلة السياسية الثاوية نظرا لغياب القادة المفاجئ، والسيئ التأثير في تاريخنا الحديث بعد، أن انجزوا الثورات السياسية، والثقافية، واستطاعوا في فترة وجيزة، الانتقال بالأمة من مجتمعات زراعية ورعوية تحت الاحتلال منذ سبعة قرون ، انتهت بفضل الله بثورات وطنية وقومية منذ منتصف القرن الماضي، كان أولها ثورة ٢٣ من يوليو ١٩٥٢ في مصر، وما تبعها من ثورات لحركات التحرر التحرر العربي التي شكلت انجازاتها نقلة نوعية، ظاهرة العيان والتأثير الإيجابيين على تطور مجتمعاتنا الحضرية، حيث اتسعت مجالات التحضر، والتحديث المتسارعين نحو الحداثة المعاصرة، غير ان التراجع المهدد لوجودنا الحضاري لا تخفي معالمه، وهو الذي بدأ معه الحولات في تراجع يوما
الخمسين سنة الماضية جراء الحروب الاحتلالية التي استهدفت الوحدة بالتفكك في الأبنية الاجتماعية في مراكزنا الكبرى ذات التأثير كالعراق، وسورية، وفلسطين، واليمن، والسودان ، والصومال، وليبيا..
وياتي ذلك في هذه الفترة الفاصلة بين غياب القادة التحرريين الوطنيين، والقوميين ، وحضور آخرين لم يأتوا بعد لمواجهة الاستسلام ، والزج بالامة في اتون قطار الخيانة العظمى التي روج لها أمراء الحروب الطائفيين، "وكلاء" المحتلين الأمريكان، والصهاينة، والغرب الامبريالي…!
ولعل من الأهم، التأكيد في المراهنة على دور القوة الحية في مجتمعات الأمة العربية المطالبة اليوم لخلق مبادآت، وجعل منها مبادرات شعبية عامة، وذلك لمواجة المشروع الاستسلامي"التطبيعي" ، الذي يقوده " الأوباش"، أحفاد " مسيلمة " الكذاب ، ويرجون لإيجاد محطات هنا، وهناك في اقطار الوطن العربي من طنجة الى المنامة، والإمارات ، والرياض، والقاهرة، وعمان، والخرطوم، ورام الله في فلسطين المحتلة للأسف... !
إن " منتدى التفكير العربي" في ندواته الفكرية انتهي الى ارجاع مخاطر "التطبيع" الخياني فى اربعة، وهي:
١ - الانقسام بين القوى السياسية في فلسطين، وهو انقسام لم يوجد له مبرر غير الاختراق، والتبعية، والالتزام بأسوا مشروع يمثله " تيار التسوية والاستسلام" - على حد تعبير الراحل ناجي علوش - الذي بدأ قطاره منذ حرب الخليج الثانية في التسعينيات، ومن محطاته الخطرة على حاضرنا ومستقبلنا العربيين، فرض النتائج التي عبرت عن هزيمة الأمة حيث، كان مؤتمر مدريد، و مشروع" اسلو" التدميريين، وتطاول اعمار رموز الخيانيين في الأخير، الامر الذي اصاب نضالنا القومي في المقتل نظرا لكونه شل حركات المقاومة في فلسطين، وهي طلائع حركة التحرر العربي عامة...
٢ - الانتقال في ظرفية زمنية قصيرة من "التطبيع" الخياني تحت الطاولة في فترات أتخذت ظاهرة الخيانة من الحاكم الاجنبي التركي وهو ظالم ومستبد لطخ تاريخ استعماره للوطن العربي بسفك دماء احرار الأمة، ومنذ القرن التاسع عشر، ذلك هو حكم السلطان عبد الحميد الثاني الذي حكم فلسطين باسم الاسلام ، وقد ناقض مبادئ الاسلام الحنيف بعدم تحمل الأمانة، و اخطرها تلك " الفرمانات " التي اصدر تباعا لانشاء المستعمرات الصهيونية في فلسطين ابتداء من اول" فرمان " أصدره لبناء المستعمرة " منتيفيوري" في نواحي القدس، وقد أقيمت سنة ١٨٥٦م. وخلال حكم الأتراك لفلسطين أقيمت (٣٣) مستعمرة صهيونية - يرجع الى مقالات الدكتور ابراهيم علوش - ..!
وقد اتسع مجال" التطبيع " الخياني منذ القرن الماضي بزعامات عربية هذه المرة، وهم قادة آل سعود لتأسيس علاقات نظامهم الناشئ على الخيانة مع امريكا، و في خيانتهم لزعماء ثورة ١٩٣٦ المجيدة التي كادت أن تقضي على الكيان الصهاينة، وتمسح المسعمرات في فلسطين ،، لكن الخيانات تواضع عليها قادة الانظمة الوظيفية، والآن تعاظم نفوذ " التيار" الخياني العلني الذي يتابع خطواته، هذا الجيل الحالي من أسرة آل سعود، وغيرهم في البحرين، والامارات، والمغرب، والأردن ، وقد لعبوا دورا خطرة، وذلك للدفع ب"التطبيع "الى المرحلة العلنية الراهنة منذ اتفاقية كامب ديفيد منذ ١٩٧٧م.
٣ - غياب دور القوى الحية للأمة العربية، وتغييب وعي الرأي العام الوطني والقومي، ولتمرير هذا المخطط الجهنمي ، اعتمد على انهاك المواطن العربي بهمومه، وهو يكافح من أجل الحصول على قوته اليومي منشغلا عن واجبه في الدفاع عن أمته…
ولعل ذلك أدى إلى انتهاز الفرص لتعبيد الطرق الملتوية، والتحايل، والقهر الذي تعاني منه مجتمعات الأمة لفرض المشروع الصهيوني من طرف أحفاد " ابن عباد" في خياناته الشهيرة، تمهيدا لاحتلال " الاندلس " خطوة بعد خطوة منذ القرن الحادي عشر الملادي الى سقوط غرناطة ١٤٩٢م .
وهي ذات الخطوات التدريجية في الاحتلال الصهيوني للوطن العربي عبر التصهين السافر بخيانة أمراء الطوائف اليوم..
٤ - غياب دور المراكز الحضارية ، و السياسية ذات التأثير التاريخي في توجيه الاحداث، وتصويب السياسة العربية الحالية، وقطع اوصالها التي تحاول الدوائر العالمية ان تجعل منها حلقة مغلقة لسد الطرق أمام المقاومة العربية في بعديها المدني، والعسكري على حد سواء..، و احلال محل المراكز المؤثرة : "القاهرة"، و" وبغداد"، و " دمشق"، و " وصنعاء" ، و" وطرابلس" و" والجزائر" ..
مراكز اخرى ، مكروسكوبية، لا تكاد ترى نظرا لظهور " وكلاء " فيها لمشروع التصهينين، وهم في مناطق معزولة بحكم حجم الكثافة السكانية، والاستعداد النفسي للقيام بالتمثيل الاجرامي، وفرض خطوات الخيانات " العظمى المطلوبة منهم في ظل فقدان اي منهم لوازع الضمير، او الاخلاق، او الدين، أو الانتماء الوطني، أو القومي…