المغرب في حاجة إلى فعالية الإنجاز وشرعية الأداء… فالغاية ليست التشخيص وإنما العلاج

خميس, 2021-10-14 15:24

منذ إعلاننا الشروع في الإعداد لبرنامج تلفزيوني ” إقتصاد×سياسة “، أصبح اهتمامي بالشأن المغربي يزداد بالتدريج، و أصبح كثير من القراء المغاربة يقرؤون مقالات الكاتب بشكل دوري بجريدة رأي اليوم اللندنية، بمجرد أن أضع رابطها على صفحتي الرسمية أو صفحة برنامج  إقتصاد×سياسة ، بل إن جرائد إلكترونية مغربية أصبحت تنقل بعض مقالاتي  حرفيا من هذه الجريدة، و دون الإشارة إلى مصدر المقال، صحيح أنهم يذكرون إسم و صفة الكاتب و لا يحرفون المقال و لكن يتجنبون ذكر المصدر،  فالكاتب يحرص على أن تنشر مقالاته بهذا المنبر الإعلامي الذي له وزنه في الساحة العربية و الدولية، فخط الجريدة التحريري على درجة عالية من المهنية ، و من هنا أنبه أن مقالاتي لا أرسلها في الغالب إلا لرأي اليوم ، و عندما يكون الأمر له صلة بالمغرب و الشأن المحلي أرسل المقال بعد فترة لموقع لكم المغربي ، أما أن يتم السطو على المقال دون ذكر المصدر فذلك سلوك مهني مجانب للصواب و لأخلاقيات الصحافة و البحث العلمي…فلكل مقام مقال ، خاصة و أني عندما إطلعت على تعليقات القراء ببعض هذه المواقع الإلكترونية، وجدت أنها دون المستوى و تعبر عن نوعية من القراء الذين لا أستهدفهم في كتاباتي ذات الطابع الأكاديمي ، لإني أتوجه في الغالب للطلبة و الباحثين ، مع العلم أنا مقالاتي في الأصل هي جزء من المحاضرات التي  ألقيها  على الطلبة أو في المؤتمرات العلمية و أحاول تبسيط المعرفة بغرض تعميم الفائدة، أو أنها جزء من كتب و أبحاث  نشرتها باللغة الإنجليزية…لذلك ، فإني  أعيد التذكير و التنبيه إلى أن مقالاتي أرسلها حصرا إلى رأي اليوم اللندية بشكل دوري و منتظم،  و أحيانا للقدس العربي و موقع لكم المغربي..

هذه المقدمة و الملاحظات الشكلية كان لابد منها ، لأننا أهل مهنة الإعلام و لسنا بالمتطفيلين عليها، فالكاتب في الغالب الأعم،  لا يكتب بمنابر صحفية في ملكيته منذ 2011،و لأسباب يطول شرحها، بل يترك أمر  كتابة الافتتاحية لمدير النشر و رئيس التحرير ، و يكتفي بدور المقاول، و أيضا عملا بنصيحة الراحل خالد الجامعي الذي نصحني بالتخصص و عدم الانخراط في الشأن المحلي، و التركيز على تجربة التنمية في الصين و شرق أسيا ، و تبسيطها للقراء العرب ، و لازلت أعمل بنصيحته، و كما يقول المثل الفرنسي “الرجال  تربط بأقوالها و الثيران بقرونها “…

و بينما أتابع تصريحات حكومة أخنوش بعد تنصيبها،  و خاصة تصريح رئيس الحكومة بمناسبة انعقاد أول اجتماع حكومي برئاسته  يوم 11 أكتوبر /تشرين الأول 2021 ، و قد أكد  في تصريحه على ” أن  حكومته ينبغي أن تتعامل  بشكل جدي مع الانتظارات والآمال المعقودة عليها، و الوعي  بدقة المرحلة الحالية والمستقبلية… وقد اعتبر أن السياق الاستثنائي الذي يواجهه المغرب، يفرض التزاما وتجندا كبيرين، سواء على المستوى الخارجي، والمتمثل في تعزيز المكتسبات ودعم قضيتنا الوطنية الأولى، وتحصين الزخم والمكانة التي تتمتع بها بلادنا قاريا ودوليا، أو على المستوى الداخلي، للخروج من الأزمة التي فرضتها انعكاسات الجائحة، وما أملته من ضرورة إصلاح قطاعات حيوية ومهمة، وتجاوز بعض الإشكاليات والأعطاب التي لا يمكن القبول بها في مغرب اليوم…” و على كل، هذه الخطوط العريضة  تم تأكيدها و شرحها بشكل مفصل في البرنامج الحكومي الذي قدم لأعضاء البرلمان المغربي بغرض مناقشته…

قلت منذ ما قبل 8 شتنبر و ما بعدها ، أن   المشهد السياسي العام في مغرب 2021  لا يحفز على التفاؤل، فبلغة المؤشرات يمكن القول أن البلاد لا تراوح مكانها ، فالخدمات العمومية من صحة و تعليم تتدهور يوما بعد الأخر و قد كشفت أزمة كورنا عورات “النموذج التنموي المغربي” ،و قد أوضحت ذلك بتفصيل في أكثر من مقال أخرها مقال ” التنمية غايتها توسيع خيارات الإنسان، و ليس تنفيذ مشاريع كبرى قد تصلح للتنافس على مكان ما ب”موسوعة غينيس” للأرقام القياسية…” ، فمعدل النمو الاقتصادي لازال مرتبط بتقلبات المناخ، و الفجوة في توزيع الدخل تزداد اتساعا، ودائرة الفقر و التهميش و الهشاشة أصبحت تمس فئات كانت في وقت قريب تعد من الطبقة الوسطى، للأسف مغرب 2021 يعيش في كنف ليبرالية متوحشة، وسباق محموم نحو تفقير الشعب، و تكديس الثروات في أيدي قليلة ، و هو ما يعني إقامة حكم “أوليغارشي” تصبح فيه الأقلية الغنية هي صاحبة القرار السياسي و الاقتصادي، و هو توجه يقود عموم المغاربة إلى طريق العبودية للقمة العيش، و في ذلك ضرب لكل الآمال في إقامة وطن حر تحترم فيه كرامة كل مغربي و مغربية …

و مشهد هجرة شباب مغاربة لمدينة “سبتة المحتلة”: قبل أشهر لازال عالقا في الأذهان ، بل قبل أيام تم الإعلان عن وفاة نحو 10 مهاجرين مغاربة غرقا و هم يحاولون ركوب قوارب الموت باتجاه الضفة الأخرى ، مشاهد الهجرة السرية  و مأساة مصنع طنجة و دهس نساء تحث الأقدام في الصويرة وهم يتسابقون للحصول على كيس دقيق  تلخص كثيرا من الكلام، و الصورة أبلغ من الكلام، مشهد أطفال مكانهم الطبيعي على كراسي المدرسة و مدرجات الجامعة، و ليس على قوارب الموت أو الارتماء في البحر لعبور المتوسط سباحة أو بقوارب سرية باتجاه الضفة الأخرى..ترميم هذه الصورة لا يمكن أن يتم بالكلمات و الخطابات و المسكنات المعهودة، منذ عقد من الزمن و الحديث يتكرر عن غياب الثروة   وفشل النموذج التنموي ، لكن الغاية ليس التشخيص و إنما العلاج…

نعم تشخيص الداء و تحديده بدقة يعد نصف العلاج، لكن الخطوات اللاحقة أكثر أهمية …و قد حاولت من خلال المقال أعلاه،  تسليط الضوء على أدبيات التنمية، و أوضحت أن مفهوم التنمية خرج بداية من رحم حقل الاقتصاد، لكن سرعان ما تمدد لحقول معرفية جديدة قاسمها المشترك توسيع خيارات الناس وهو ما جعل من التنمية البشرية مرادفا للتحديث بدرجة ما… و سأحاول من خلال هذا المقال تحديد أدوات قياس فشل أو نجاح الأداء التنموي ، و سأحدد الخطوط العريضة التي تعيق التنمية في المغرب…

أولا- أدوات قياس فشل أو نجاح الأداء التنموي “المغرب نموذجا”:

المغرب بحسب مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يحتل رتبة متأخرة في مؤشر التنمية البشرية لسنة 2020، حيث حل في المركز 121 من أصل 189، فيما حلت بلدان الجوار : الجزائر وتونس وليبيا في مراتب متقدمة ،”91″ “95” “105”، على التوالي…

ووصف مؤشر التنمية البشرية، المغرب ب الدول ذات “التنمية البشرية المتوسطة”، اذ حصل على 0.686 نقطة، ليحافظ على نفس الرتبة التي حققها السنة الماضية…

و  فشل المغرب في تحقيق نتائج متقدمة في تقرير “التنمية البشرية” العالمي، يعود بالأساس إلى ضعف مستوى الدخل القومي الفردي في المملكة، وتراجع دور المدرسة العمومية؛ ذلك أن المؤشر يستند على عدة معايير، من بينها معدلات السن والدخل الفردي، والصحة والتعليم، والمساواة بين الجنسين…

و بحسب  التقرير المرفق للمؤشر أن سنوات التعليم المتوقعة في المغرب تصل إلى 13,7، بينما يبلغ معدل سنوات التعليم 5,6 سنة فقط، في حين بلغت نسبة السكان الذين بلغوا المستوى الثانوي في التعليم والذين يتجاوز عمرهم 25 سنة، 29,1 في المائة لدى الرجال، و36 في المائة لدى النساء… فالمؤشر  فيما يخص التعليم يعتمد على معيارين ، أولا، عدد سنوات الدراسة المتوقع للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 17 سنة، ومتوسط السنوات الذي يقضيها هؤلاء الأشخاص في المدرسة؛ ففي المغرب مثلا يصل المعدل إلى 13 سنة، أما في العراق 11 سنة؛ وليبيا 12 سنة”، و الملاحظ أن هناك نسبة هدر مدرسي كبيرة في المغرب مقارنة بباقي الدّول”.

أما الدخل الفردي الإجمالي للشخص الواحد فيصل حسب التقرير إلى 7368 دولار، في حين يصل متوسط العمر عند الولادة إلى 76.6 سنة.

وبخصوص المؤشرات الفرعية للتصنيف، فقد حل المغرب في المرتبة 111 عالميا من حيث المساواة بين الجنسين، حيث تصل المشاركة في القوة العاملة بالنسبة للرجال إلى 70.1 في المائة، ولا تتعدى 21.5 عند النساء…

ثانيا- لماذا فشلت التنمية في المغرب؟

مشكلة التنمية في المغرب ليست في التشخيص و التوصيف ووضع البرامج و السياسات ، و إنما في غياب الرؤية و الإبتعاد عن الجوهر و التمسك بالقشور، و التركيز على الكمالي و إهمال الحاجي أو الضروري، المغرب بنظرنا في حاجة إلى إصلاحات جذرية تعيد البلاد إلى جادة الصواب، و تعيدها إلى الطريق السليم للتنمية والبناء، أما الإستمرار في سياسات الإلهاء ، و تبني القرارات اللاشعبية، فذلك نوع من الإستفزاز المجاني لمشاعر غالبية المغاربة الذين يعانون من التضخم و الإرتفاع المهول لكلفة المعيشة، و يعانون البطالة والتهميش و ضعف الخدمات و السلع العمومية من صحة وتعليم و نقل عمومي و يعانون من سياسات التفقير و النهب الممنهج لثروات بلادهم و توظيفها في غير مصالح غالبية الناس…

كنا نود لو أعلن رئيس الحكومة الجديد في تصريحه أن حكومته ستعملعلى   إعتماد قوانين و تشريعات تلزم بداية  الدولة بمؤسساتها المختلفة  و مسؤولييها،  باسترداد الأموال المنهوبة و المهربة و معاقبة الفاسدين و المفسدين، بدلا من الترويج لفوائد التمويل بالمديونية، لكن للأسف هو شخصيا يده مغلولة في قضايا فساد و إثراء غير مشروع ، ونعيد التذكير بقضية المحروقات و 17 مليار ، و قضية المركب السياحي بأكادير.. مكافحة الفساد تتطلب أساسا القدوة  و النموذج،   على شاكلة ما فعل رئيس وزراء ماليزيا “محمد مهاتير” عام 2018 بعد عودته للسلطة مجددا، و الذي بمجرد عودته للسلطة إتخد قرارا عاجلا و فوريا، باسترداد الأموال التي تم نهبها وفرض الإقامة الجبرية على المتورطين في قضايا فساد وغلق الحدود في وجههم، لكن للأسف الحكومة المغربية تعتمد أسلوبا إنتقائيا في المقارنة و في توظيف المؤشرات، و كلنا نعلم أن الأرقام و الإحصائيات غير محايدة وهي أقرب الطرق لتزييف الحقائق و تحريفها…

و ختاما، فالمغاربة أمام مفترق طريق ومستقبل هذا البلد و أمنه أصبح على المحك فالسياسات المتبعة تريد تفجير الوضع العام وتقود البلاد إلى المجهول، و محاولة إختزال مشاكل المغرب في فشل النموذج التنموي أو أين الثروة؟، فذلك أمر مجانب للصواب، و نأمل أن يدرك غالبية المغاربة أن بناء المغرب وتحريره من الإستبداد و الفساد السياسي، و انتهاكات حقوق الإنسان، و تقييد حرية الرأي و التعبير، و نهب المال العمومي مسؤولية جماعية، و تعيين غير الأكفاء في مناصب المسؤولية، و تغييب إرادة عموم الناس عن صنع القرارات  التي تهم حاضرهم و مستقبلهم، تجاوز هذه العوائق مسؤولية جماعية ،  و المدخل لذلك رفع منسوب الوعي و الإدراك، فعلى الجميع أن يدرك أن من يتخذون هذه القرارات و يشكلون مستقبل الأجيال القادمة، هم  نتاج لهذا المجتمع و إفراز له، فقد تم وصولهم للسلطة وللمناصب العامة بمباركة من غالبية الناس، إما بشكل مباشر بالتصويت، أو بشكل غير مباشر بالصمت و السكوت على فسادهم.. فكلنا مشاركون في الجفاف السياسي و الأخلاقي الذي يعانيه بلدنا، و كلنا نتحمل مسؤولية تغيير هذا الواقع المَعْلُول الذي يعيق التنمية و الديموقراطية، والحرية والكرامة الإنسانية لمختلف شرائح الشعب المغربي … والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..

د. طارق ليساوي إعلامي و أكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق ٱسيوي. أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة…

(المصدر رأي اليوم)