الحكام العرب أمام محكمة التاريخ

جمعة, 2021-03-19 15:32

الحاكم العربى يحيط نفسه بهاله مقدسة فهو فوق القانون الذى يضعه والدستور الذى يقرره وليس قابلا للمساءلة أو النقد لأنه يعتبر نفسه شبه إله وهى مرحلة لم تعرفها مصر الفرعونية فى المراحل الأربعة التى تحول فيها الحاكم من إنسان إلى إله. ويعتقد الحاكم العربى أنه ملك الدنيا والآخرة ولا معقب عليه ولا مانع من أن يتحلى ببعض الالقاب الدينية وهو يعلم أنه لاعلاقه لها بالدين.

والحاكم العربى بهذه الطريقه هو الذى يضع القانون ويعين القضاء ولذلك لا يمكن محاكمته أو مساءلته أمام القضاء الذى وضعه ويعتقد الحاكم العربى يقينا أنه الوطن وأن ميلاده هو شهادة ميلاد للوطن وأنه لن يفنى أو يموت فإذا مات مات الوطن معه ولذلك فإن توارث الحكم بصرف النظر عن نوع نظام الحكم (أسرى أو عسكرى أو حزبى) ضرورة عنده للحفاظ على الوطن فكأن خليفته استمرار له ولكنه يدرك أن الله الحق لا يموت ولا يستخلف وهذه نقطة لا يدركها إلا عند الموت ولذلك لا يوجد عندنا ملك سابق أو رئيس سابق سواء كان حاكما عسكريا أو حاكما حزبيا. ومادام القضاء فى الدنيا عند الحاكم لا يشمله فالقضاء الوحيد الذى يخضع له رغم أنفه هو قضاء الله فيه.

ونحن لا نملك قضاء الدنيا كما أن قضاء الله فوق الجميع ولذلك لم يتبق لنا سوى محكمة التاريخ ولكن هذه المحكمة تحكمها ضوابط خمسة

الضابط الأول هو الايتحول الأحياء إلى قضاه للاموات تحركهم دوافع الكيد والانتقام .

الضابط الثانى هو أن يكون الحكم على الحاكم موثقا أو معروفا معرفه مؤكدة وألا يكون الاتهام له ظنيا أو متخيلا.

الضابط الثالث هو محاسبة الحاكم على قراراته فى إطار ظروفه وأن يضع القاضى فى محكمة التاريخ نفسه مكان الحاكم بنفس الفرضيات والظروف والمعلومات بشرط ألا يكون الحاكم قد أتخذ القرار عن جهل متعمد أو عن نزوه يغذيها نقص الشخصية وتعقدها أو انتقاما لاحد أو من أحد.

الضابط الرابع هو ما إذا كان الحاكم قد هدف من قراراته مصلحة الوطن أو مصالحه الشخصية أو أنه أدار البلاد بعقله القاصر ولاهداف شخصية فى الداخل والخارج وتعمد أن يغفل أصحاب الكفاءات الأقدر منه قطعا على اتخاذ القرار أى أن يكون قد قصر فى عمليه اتخاذ القرار .

ومادام وريثا للحكم فأن قدراته لم تختبر ولا يعنى بتحسين هذه القدرات مادامت نزواته هى التى تتحكم فى قراراته ومادام يستنكف أن يستمع إلى غيره من بنى جلدته .

وأذكر فى هذا الصدد أن الرئيس مبارك عندما تولى السلطة وريثا لأنور السادات ضمن قانون الوراثه غير المكتوب فى مصر فأنه عقد مؤتمرا اقتصاديا ضم خيرة الاقتصاديين فى مصر وكان الظن أن مبارك مادام جاهلا فإنه يكفى أن يستعين بعلم العالم وخبرة الخبير لأن رئيس الدولة لا يفترض فيه العبقرية فى أى دولة وفى أى نظام وإنما يفترض فيه الاخلاص لخدمة الوطن والتجرد من المصالح الشخصية والاستعانة بكل قادر فى مجاله وهو فى النهاية بين الجميع وليس فوق الجميع ولكن البعض نبه إلى أن مبارك شأنه شأن طبقته من العسكريين لا يمكن أن يستفيد من المؤتمر خاصة وأن مبارك كان بهذا المؤتمر يريد أن يصنع صورة جديدة للحاكم الديمقراطى ولكن فاقد الشئ لا يعطيه وعلى كل حال عندما هم بعد المؤتمر بأنشاء مجلس استشارى نصحته بطانته بأن ذلك لا يجوز لأن الله قد اختاره خصيصا لمهمة الحكم واستدلوا بنص قرآنى يقول ” يؤت الملك من يشاء:” ثم أردف بعضهم بأن الله الذى أختاره سوف ينير طريقه إلى القرار الصحيح فهو ليس بحاجة إلى أن ينظر تحته وإنما يجب أن ينظر إلى السماء دائما. وقال ثالث أن استعانة مبارك بالمستشارين دليل على ضعفه وعلى حاجته ليستعين بغيره وهذا يقلل من مكانته وسلطته وقال رابع أن الحاكم يتمتع بجينات خاصة تختلف عن جينات الشعب المصرى وأن هذا الشعب يجب أن يحكم من أعلى ولا يجب مطلقا الاستعانة ببعض أفراده ومن باب أولى سد الطريق نحو الديمقراطية التى تجعل الحاكم رهنا بإرادة المحكوم خاصة أن مبارك بصفته عسكريا لديه هذه التركيبة النفسية التى تحتاج إلى تحليل نفسى مطول ليس هذا مجاله.

أما الضابط الخامس والأخير فهو فى الحساب الختامى وبصرف النظر عن التفاصيل وعن المدة التى قضاها الحاكم فى الحكم فأنه يتمتع بكل السلطات والصلاحيات فلايجوز أن يقدم أعذارا عن أى نقص فى قراراته ولذلك فإن هذا الضابط يعنى بما إذا كان الحاكم فى مجمله قد أضاف إلى بلاده أو انتقص منها على أى نحو، أى هل أفاد أم أضر ببلاده بشرط ألا يكون الحاكم قد أتخذ قرارا سليما ثم حرفه سلفه وتسبب فى فساد نتائج القرار. وعلى سبيل المثال القطاع العام الذى أدخله جمال عبدالناصر وألغاه أنور السادات ومبارك ومن تبعه ضمن برنامج الخصخصه كان القطاع العام نافعا فى زمنه ولكن إدارته كانت فاسدة فيجب تقييم القطاع العام فى حدود فترة جمال عبدالناصر ولا يمكن الحكم عليه بعد أن أفسده السادات ومبارك.

وأخيراً فإن مسألة اغتيال الحاكم بزعم أن ذلك يوقف سياساته الضاره أمر مرفوض لأن السادات قد تم اغتياله بعد أن استنفد مهمته لدى من عينه وقد عمد هذا الطرف الخارجى فى الغالب إلى أن يترك درسا مرتبطا بالسادات وهو أن الجماعات الإسلامية التى كان السادات يستخدمها ضد العلمانيين والشيوعيين التابعين لعصر عبدالناصر هم الذين اغتالوه .

والحقيقة أن قرار الاغتيال من واشنطن فيما يرجح وأن استخدام التيارات الإسلامية فى مثل هذا العمل وغيره قرار أمريكى لاعلاقه له بالاسلام  والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة ظلت تستخدم الجماعات الإسلامية حتى الآن ومنذ عقود لمصالحها ولتحقيق أهداف سياساتها وأهمها ضرب الإسلام والمسلمين بالمسلمين وصرفهم عن الاقصي.

فيما سبق هى الضوابط الصارمة التى نقترحها لمحاكمة الحكام العرب الراحلين طبعا حيث لا سلطان لنا على الحكام فى السلطة كما أن محاكمتهم أمام الله شأن يختص به الله وحده ونحن لا نمانع أن يجتهد غيرنا فى ضمانات أخرى لكى نحاكم الحكام العرب الراحلين بالعدل الذى أنكروه فى دنياهم على غيرهم بقدر المستطاع انسانيا ولذلك لا يجوز لضحايا الحاكم أن يحاكموه فى محاكم التاريخ كما لا يجوز لمنتفعى الحاكم أن يظهروا فى هذه المحاكم. وأخيرا فإن هذا المنهج سوق يصحح ما افسده الحاكم في كتابة التاريخ الذي كتبه كتبته ولاعلاقة له بتسجيل التاريخ اومهمة التأربخ.

السفير د. عبدالله الأشعل كاتب مصري