الهادى محمد المختار النحوى يُؤبّنُ شيخه العلامة محمد ولد سيدى ولد الحبيب

ثلاثاء, 2017-05-23 23:21

رحم الله أستاذي الدكتور محمد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي 
توفي قبل يومين العالم الجليل الدكتور محمد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي بالمدينة المنورة بعد أن ألمت به وعكة صحية ودفن في البقيع إلى جوار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وسلف الأمة وخلفها.
وقد تعرفت قبل سنوات عديدة على الشيخ الدكتور محمد رحمة الله عليه حيث كنت أبحث عن أحد المشايخ لأدرس عليه ما تيسر للمبتدئين من أمثالي. وحصلت على رقم هاتفه واتصلت عليه فاستأذنته إن كان بالإمكان أن أدرس عليه (كتبات) من مراقي السعود فرحب وأعطى موافقته مع أنه رحمه الله لا يعرفني.
وترددت عليه فترة من الزمن حيث درست عليه رحمه الله أجزاء من مراقي السعود للعلامة سيدي عبد اللـه بن الحاج إبراهيم ، ولا أبالغ إن قلت إنه كان يحفظ نص المراقي وشرحه ولا أتذكر أنه ردني مرة رغم اعتلال صحته في بعض الأوقات فقد كان دائما يستقبلني في بيته في مكة المكرمة بالترحيب وكرم الضيافة وحسن الخلق, وفهمت أن بيته كان قبلة لطلبة العلم ينهلون من علمه من فنون متعددة. وإضافة إلى أن بيته كان مفتوحا لطلبة العلم للدراسة فإنه كان يدرس في بعض المؤسسات التعليمية ويقدم الدروس والمحاضرات في مجالس علم منتظمة.
كما كان رحمة الله عليه يهتم بشأن الجالية الموريتانية وقد ترأس في مرحلة معينة لجنة الجالية الموريتانية بمكة المكرمة وكانت اللجنة تسعى في مصالح الجالية خاصة المحتاجين منها.
ولإبراز صورة من همة الشيخ رحمة الله عليه واهتمامه بالعلم وتراث الشناقطة اقتبس هنا قصته مع كتاب "نثر الورود على مراقي السعود" الذي بدأه العلامة محمد الأمين الشنقيطي وأكمله هو رحمة الله عليه:
"....هذا وكان من منّ الله علي أني ذهبت إلى الحجاز سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة ألف, وبعد انتهائي من فريضة الحج بدا لي أني لا بد أن أقرأ مراقي السعود, ولما هممت بقراءته على الشيخ (يقصد الشيخ محمد الأمين الشنقيطي) فإذا به مشغول جدا في تأليف أضواء البيان والتدريس في الجامعة الإسلامية والتدريس في الحرم مع ما يعتريه من الأمراض التي ألجأته أكثر من مرة إلى الذهاب إلى أوروبا ومصر للعلاج فجئت لأخي وابن عمي أحمد المذكور سابقا والذي ستأتي له زيادة تعريف وطلبت منه أن يقرئني هذا التأليف فرحب بذلك وشرح صدره لي وأعطاني نسخة من نشر البنود وهي إذ ذاك أعز من ماء العيون, وأعارني الشرح المذكور في سبعة دفاتر, كثير منها بخط الشيخ عليه رحمة الله, والباقي بخطه هو, فبدأت أقرأ عليه ثم أتردد على الشيخ في المسائل التي تقف أمامي عند المراجعة وقد نقلت جميع الشرح في دفاتر عندي, وبعد مدة نُقل الشيخ أحمد إلى الحرم المكي للتدريس في معهد الحرم, وترك لي "نشر البنود" الذي لا تكاد توجد منه في المشرق إذ ذاك إلا نسخته هذه, وواحدة عند الشيخ, فصرت أحفظ النص وأراجعه عدة مرات, وكلما واجهتني صعوبة أذهب إلى الشيخ عليه رحمة الله  فيسهلها لي حتى أتيت على أخر الكتاب.
وكان الشيخ رحمة الله عليه ترك قدرا من الكتاب لم يشرحه يقارب الخُمس, فقد ترك الكلام على الأبيات الأول إلى قول الناظم:
(كـلام ربـي إن تـعلق بمـا***يصـح فـعلا للمكلـف اعلمـا)
وهذا القدر يصل إلى واحد وعشرين بيتا, واستمر في الشرح إلى قول الناظم في مبحث المجاز:
(كذلك ما قابل ذا اعتلال***من التأصل والاستقلال)
(ومن تأسُّس.....***).. إلخ بيتين بعده, ولم يكمل شرح الأبيات الثلاثة, إلى مبحث التخصيص, وذلك مائة وأربعة وستون بيتا, والنظم ألف بيت وبيت, ولم يزل الكتاب محفوظا عند الشيخ أحمد من سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. أما الدفاتر التي كانت عندي فتداولتها الأيدي حتى ضاعت, ولم يزل الشيخ أحمد محتفظا بكتابه حتى صار ذلك سببا لوجوده, ولقد كنت دائما أفكر في تحقيق هذا الكتاب وإكماله, ولكن لقلة بضاعتي كنت أتحرى لعل الله أن يقيض له غيري ممن هو أحق بذلك مني, وفي سنة 1408هـ أخذ عبدالرحمن السديس من الشيخ أحمد الكتاب ليستعين به على إعداد رسالة الماجستير التي يحضرها في منهج الشيخ في أضواء البيان في تفسير آيات الأحكام. فصور الكتاب ورده للشيخ أحمد, ووصل الكتاب إلى أيدي طلبة العلم فصوروه وأقبلوا عليه, وفي يوم من الأيام معي أحد الطلبة يدرس علي مراقي السعود, أخبرني أنه رأى هذا الكتاب في المنطقة الشرقية متداولا بين طلبة العلم, فحرك ذلك انتباهي لئلا يتولى تحقيقه من لا خبرة له بعلم الأصول ولا معرفة له بأسلوب الشيخ الذي شرح به الكتاب, ففكرت في الأمر واستخرت الله تعالى وسألته العون وشرعت في العمل في الكتاب مستعينا بالله, فما كان صوابا فمن الله, وما كان خطأ فمني.
عملي في الكتاب:
 أكملت شرح البقية التي لم يشرحها الشيخ وهي 185 بيتا منها بقية مبحث المجاز, ومبحث المعرب, والكناية والتعريض, ومبحث الأمر, والواجب الموسع, وذو الكفاية, ومبحث النهي, ثم العام. وأول النظم إلى قول المؤلف (كلام ربي إن تعلق بما..) وحاولت أن يكون شرح هذه التتمة على نمط شرح الشيخ في الأسلوب والحجم حيث أني أتحاشى مباحث الكلام والمنطق كما كان يفعل, وحرصت على المراجع التي أكثر الشيخ من العزو إليها فأحضرتها جميعا, وكما أن الشيخ جعل "نشر البنود" في مقدمة ما اعتمد عليه فكذلك جعلته في المقدمة ثم يليه التنقيح وشرحه للقرافي, وشرح ابن حلول لجمع الجوامع إلى غير ذلك مما يقف عليه قارئ هذه التكملة.
أولا: خرجت جميع ما في الكتاب من الأحاديث والآثار وعزوتها لأصحاب الكتب وذكرت ما يحتاج إلى تصحيحه أو تضعيفه منها, وقد اشتمل الكتاب على أحاديث كثيرة سيأتي لها فهرس-إن شاء الله- أخر الكتاب.
ثانيا: خرجت الآيات القرآنية وبينت أرقامها من سورها.
ثالثا: علقت بعض التعليقات على ما اقتضى المقام عندي التعليق عليه وأرجو أن يكون ذلك موافقا للصواب.
رابعا: علقت على بعض المسائل التي ترد في "نشر البنود" وأرجو أيضا أن أكون أصبت في ذلك.
وقد بذلت جهدي في إخراج هذا الكتاب للقارئين إخراجا لا نظير له حيث رجعت إلى أكثر من 100 مرجع من أجل ذلك.
خامسا: هناك بعض الأحاديث والآثار وهي قليلة جدا لم أقف عليها فيما أطلعت عليه من كتب السنة بينت أني لم أقف عليها.
سادسا: ذكرت نبذة موجزة عن مؤلف مراقي السعود عبدالله بن الحاج إبراهيم، ونبذة موجزة أيضا عن الشيخ عليه رحمة الله (يقصد الشيح محمد الأمين الشنقيطي) ونبذة عن حياة الشيخ أحمد بن محمد الأمين بن أحمد الذي صار-بعد إرادة الله- هو السبب في وجود هذا الكتاب. 
سابعا: وضعت فهارس للآيات والأحاديث والموضوعات.
ثامنا: وضعت قائمة بالمراجع التي استعنت بها على إخراج هذا الكتاب.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين."
وهكذا فقد الشناقطة وأهل العلم في هذه البلاد عالما جليلا من العلماء القلة الذين كانوا على نهج سلف الشناقطة علما وزهدا واشتغالا ببث العلم والعناية به.
اللهم ارحمه واغفر له واعف عنه واجعل قبره روضة من رياض الجنة.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

 

من صفحة الهادى محمد المختار النحوى