تدوينة للأستاذ محمدولدالباه بعنوان/ نَبِيُنا ونَبِيُهمْ..

جمعة, 2017-01-06 04:54

كتبتُ قبل أيام بيْتَينِ شعراً حسَّانياً متواضعيْنِ، استغربُ فيهما اهتمامنا واحتفاءنا بعيد "نبيِّ النصارى" عسيى بن مريم عليه السلام واهمال الاحتفال بعيد نبينا محمد بن عبد الله صلى عليه ربنا وسلم..
ثُم عدتُ إليهما اليوم ففوجئتُ ببعض التعليقات اللطيفة تُنبهنى إلى ان عيسى ليس نَبِيَّهم وانما هو نَبِيُّنَا نحن، وانه لا يجوز التفريق بين الرسل واننا نحنُ أولى بعيسى من النصارى.. 
إشاراتٌ من هذا القبيل تكررت.
ولولا انها تكررت لأهملتُها. 
لكن تكرارها أزعجنى حتى احسستُ معهُ ببعض الذنب فشكرا لتنبيهات الإخوة الكرام الذين لا أشك فى حسن نية بعضهم..
إلا اننى عندما راجعتُ كلامى هذا بعيدا عن اكراهات "الشعر" لم انكر منه ما نكره الإخوة.
فعيسى عليه السلام ليس نبينا.
وعيسى عليه السلام ليس رسولنا.
بل كان نبي امة سلفت على امتنا ولد فيهم وارسل إليهم ورفع من بين ايديهم واقتصرت رسالتهُ عليهم ولم تتجاوزهم إلينا فيما اعلم..
صحيحٌ ان من إعجاز القرآن الكريم وبلاغته، ان الله سبحانه وتعالى لما نسب عيسى لأمه حرصَ على ذلك فى دقَّة مُتناهيةٍ.
فاجتنب ربطه بقومه.
واجتنبَ نسبتًهُ لهم لأن نسبة شخصٍ مَا إلى قومِ مَا تقتضى حتما ان يكون ذلك الشخصُ وُلدَ لأحَد أولائك القوم، وليس لعيسى من بين القوم ابٌ..
فلذلك يكادُ يكون عيسى الوحيدَ مِن بينِ الرسل الذى لم يُنْسَبْ لقوم بينما أمرَ القرآنُ نبينا وحبيبنا أنْ "أنذر ((عشيرتك)) الأقربين" وذكر أن أبراهيم "حاجَّهُ ((قومُهُ)). 
وقال "ولقد أرسلنا نوحا إلى ((قومه))"، 
و"إلى عاد أخاهم هودا" 
و"إلى ثمود ((أخاهم)) صالحاً 
و"لوطا إذ قال ((لقومه))"
وإلى مدين ((أخاهم)) شعيبا
و"فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانُها إلا ((قومَ)) يونس"
وفى مقابل جميع هؤلاء لا تجد فى القرآن كله ما ينسبُ عيسى إلى القوم بل انك تحار عندما تقرأ فى القرآن قوله تعالى 
"وإذ أيدتك بروح القدس تكلم ((الناس))...
و قوله "أانت قلت ((للناس)) أتخذونى.." 
فلم يقل أأنت قلت لقومك ولا أيدتُك بروح القدس تكلم قومك.. والطريف المُعجِزُ في ههنا هو ان "الناس" الذين عناهُم القرآن فى مثل هذه الأيات هم قوم امِّه مريم العذراء كما يُؤكدُ ذلك قولُه "وأتت به ((قومها)) تحملُه" فنسبهم لها دونَهُ.
والأدهشُ من ذلك ان القرآن جاء فيه: "ولما ضُرب عيسى بن مريم مثلا إذا ((قومُك)) منه يصدُّون" فنسب القوم عمدا إلى حبيبنا عليه الصلاة والسلامُ ولم يقل إذا ((هم)) منهم يصُدون، ولا إذا ((القوم)) منه يصدون حتى لا يترك وجها لاحتمال نسبة قوم إلى عيسى عليه السلام...
وخلاصة هذه الفقرة ان نسبة عيسى عليه السلام بهذا المفهوم إلى  قوم بعينهم مُستبعدة وربما تكون ذنبا يستوجِبُ الإستغفارَ.
وإذا كان أمرُهُ كذلك، وربما كان كذلك فعلا، يكونُ السببُ الذى نأى به عن الإنتساب إلى النصارى من هذا الوجه هو ذاته السبب الذى يمنعه من الإنتساب إلينا من باب أحرى، فانتبِه لذلك يرحمك الله.
 اما وجه النسبة الثانى وهو الذى أرَدْتُهُ فلا مراء في ان عيسى كان رسول النصارى ونَبِيَّهُم دون غيرهم فإليهم وإليهم وحدَهُم حمل الرسالة وأدى الامانة كما اخبرنا بذلك  نبيُنا الكريمُ فى كتابنا المبين، فهو واتباعُه من النصارى فى عداد من عنتهم الآية الكريمة: "ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا.." إذ لا نجد لهُ عليه السلامُ، أُمَّةً بُعِثَ فيها ولها غير أمة النصارى.
أما إشارةُ بعضهم علَيَّ ب"عدم التفريق" بين الرسل الكرام فكانت إشارة فى غير محلِّها. لأنى اعتقد فى هذه المسألة  ما يعتقده العلماء والمفسرون وهو ان التفريق بينهم لا يجوزُ فى الايمان بنبوتهم ورسالاتهم وكتبهم وعصمتهم فيما جاءوا به عن الله عز وجلَّ.
أما التفرقة بينهم من باب التفضيل فأمرٌ جَازَ بدليل "ولقد فضَّلْنا بعض النبيين على بعض"، وبدليل انَّا نحنُ معشرَ المُسلمين نعتقدُ أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو "إمامُ المرسلين وأشرفُ النبيين، وخير من تسعى به قدمٌ" وهذا الإعترافُ منا لهُ بالشرف والامامة نُكررهُ يوميا على ألسنتنا وفى رسائلنا وفوق منابرنا، فلا ينبغى إذن ان نُخادع انفسنا بأننا لا نفرقُ بين الرسل عليهم صلاةُ ربنا.
وفىِ هذا كِفايةٌ إن شاء اللهُ، وان عُدتُم فاسْتَزَدْتُم، عُدْنا فزِدنا.