تُعَرًفُ التوشيحات بأنها آليةٌ يسمح من خلالها المشرع بمنح مكافآت معنوية رمزية و تشريفية للمواطنين الذين يتميزون بالشجاعة الاستثنائية و التضحية الخارقة و الإيثار الفائق و الإبداع غير المسبوق و التفاني الخارج علي المألوف في العمل و الخدمة العَصِيًةِ علي اللِحَاقِ للمواطن و الوطن...
وفي بلادنا يُحدد مرسوم طبقات و مراتب و درجات التوشيحات و شروط و ظروف منحها و يأخذ البعض صادقا و مُصِيبًا علي هذا المرسوم استنساخه "الأمين"شكلا و مضمونا للتنظيم الفرنسي في منح المكافأة و التكريم الرمزي دون بذل أي جهد في تَبْيئَتِهِ و مَرْتَنَتِهِ حتي يكون أكثر مقروئية و قبولا و تقديرا من كافة الموريتانيين.
و لقد تابعتُ منذ نهاية السنة المنصرمة مسلسلا "يُبَثُ" يوميا تقريبا في أوقات ذَرْوَةِ و سَنَامِ المشاهدة عبر نشرة الأخبار في الثامنة مساء بالقناة التلفزية الرسمية "الموريتانية"التي يلاحظ الجميع أنها ازًيًنَتْ قليلا مَظْهَرًا و مَخْبَرًا خلال السنتين الأخيرتين و "نُقِصَ من عُمُرِهَا" و أضحت أكثر جاذبية و مشاهدة و تأنقا...
فخلال كامل شهر دجمبر 2015 و الأيام التي خَلَتْ من شهر يناير 2016 تباري الوزراء في توشيح أكبر عدد من الموظفين و الخُدًامِ العموميين التابعين لقطاعاتهم بأوسمة و ميداليات الاستحقاق الوطني من مختلف الدرجات و استفسر الموريتانيون عن سبب حِيًازَةِ قطاع الدفاع الوطني قَصَبَ و كأس السبق من خلال العدد الكبير من المُوَشًحِينَ!!
وذات مشاهدة جماعية صدفة لا ترتيبا و تخطيطا "لِحَلَقَةٍ" من مسلسل التوشيح شملت قطاعين وزاريين حيويين تَسَاءَلْنَا و نحن جماعة من قُدَامَي العارفين بالإدارة العمومية و مصادرها البشرية عن وجاهة توشيح الموظفين المُكَرًمِينَ فأجمعنا علي أنه لا شيئ يُبَرِرُ تكريم الغالبية منهم باستقراء الظواهر والله وحده المُطًلِعُ علي السرائر.!!
و أضاف بعضنا تخوفه الشديد من تمييع التوشيح بعد أن نجحت "مَصَانِعُ التمييع" في "إذابة" " المكانة المعنوية" و تمييع و ابْتِذَالِيًةِ التمثيل الحكومي و الدبلوماسي و البرلماني بحيث أصبح يحمل أَلْقَابَ و "أَسْفَارَ"الوزير و السفير و البرلماني عندنا من لو أنصفه "دَهْرُهُ السياسي و الإداري" لما تجاوز عَتَبَةَ مَأمورَ الإدارة و مُلْحَقَ السفارة و وكيل البرلمان.!!
و من الأكيد أن تخوف صاحبنا في محله ذلك أن أَلْسِنَةَ الجميع رَطِبَةٌ من أن التوشيح لم يعد يعني شيئا للمُوًشًحِ و لا المُوَشِحِ و لا "المُوًشًحِ عنه" و لا المُوًشًحُ له ذلك أنه لكثرة عدد المُوًشًحِينَ سنويا فقد طال التكريم مثلا جميع الموظفين ببعض القطاعات و العمال غير الدائمين و غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أن يشمل لاحقا بعض المُراجعين المُدْمِنِينَ و "زوار المكاتب الدائمين".!!
كما لم يَشْفَعْ التوشيحُ للمُوشًحين في الترقية الإدارية و الحظوة السياسية و لم يمنع غير المُوشًحين من الترقية الإدارية الصاروخية غير المستحقة و القيادة المتسلطة للموشًحين من قطاعاتهم كما لم يَعْصِمْ التوشيح بعض الموشًحين من التنحية و الإقالة و الإعفاء و التشهير و التجريد من المهام بسبب و بلا سبب!!
و في اعتقادي أن التوشيح الإداري بمثابة "راتب معنوي و رمزي"جليل يُكمل الراتب المالي الزهيد يُمنح للمتميزين من الموظفين العموميين كفاءة و أمانة و تضحية و قوة في الحق و صبرا علي أذي و شَعَثِ و وَعْثَاءِ المسار الإداري و يجب أن يُخضع لمعايير علمية عادلة قابلة للقياس تَنْفِي عنه شُبُهَاتِ الزًبُونِيًةِ التمييع و المِزَاجِيًةِ،...
و اقتراحي في هذا الصدد أن تُتَخَذَ الإجراءات الإدارية العاجلة لإنقاذ ملف التوشيحات من غَيَابَاتِ جِبَابِ الابتذالية و التمييع فَيُسْنَدَ إلي لجنة وطنية عليا من الممكن أن تدعي " اللجنة الوطنية للتوشيحات" تتبع لرئاسة الجمهورية و ترأسها شخصية وطنية من الموظفين السامين المتقاعدين المُتَوَاتَرِ علي كفاءتهم و استقامتهم.
و تضم في عضويتها ممثلا لرئيس الهيئة العليا للفتوي و المظالم و ممثلا لوسيط الجمهورية و ممثلين اثنين عن التشكلة النقابية الاكثر تمثيلا للموظفين العموميين و المفتش العام للدولة و المدير العام للوظيفة العمومية و قاضيا منتخبا من طرف زملائه علي أن يتم نشر أعمال التقرير الختامي لأعمال اللجنة كل سنة قصد ترسيخ ثقافة الشفافية و رقابة المواطن علي الشأن العام.