حين يفضح انقطاع الكهرباء في أوروبا هشاشتنا الإفريقية

اثنين, 2025-04-28 21:35

في هذا اليوم المشهود، اهتزت بعض العواصم الأوروبية على وقع صدمة لم تعهدها منذ عقود: انقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي شمل إسبانيا والبرتغال وأجزاء من جنوب فرنسا. بضع ساعات فقط من الظلام كانت كافية لإحداث فوضى واسعة: توقفت حركة المرور، شلت الأنفاق، تعطلت القطارات، وتوقفت الرحلات الجوية. هرع المواطنون إلى المتاجر الكبرى يدفعهم ذعر غامض من أشباح لم يعتادوا عليها، فالكهرباء بالنسبة لهم جزء طبيعي من الحياة، لا يتخيلون أن تغيب ولو لوهلة.
تأملت هذا المشهد البعيد، فتذكرت أواسط التسعينيات حين كنت في جزيرة "موساكا" شمال الكونغو. هناك، كانت الكهرباء زائرة مسائية مؤقتة، لا تظهر إلا من السابعة حتى العاشرة مساءً، ثم تذوب في ظلام طويل تتنفسه الجزيرة كما تتنفس هواءها العليل. لا أحد كان يستغرب ذلك. كان انقطاع الكهرباء رفيق الحياة اليومية، جزءًا من تفاصيل البؤس التي زرعها فساد الأنظمة وإهمالها عبر السنين.

في قارتنا الإفريقية، لا تنقطع الكهرباء فحسب، بل تغيب غالبية الوقت. وإن حضرت، حضرت متقطعة بين الفينة والأخرى، بينما الماء بدوره رحلة شاقة من البحث والانتظار. رغم ذلك، تعايشت الشعوب الإفريقية مع هذه الظروف القاسية كما يتعايش الناس مع الحر أو المطر، في استسلام مرير يحكي عن فشل دول بأكملها في ضمان أبسط حقوق شعوبها.
ما حدث في أوروبا خلال ساعات كشف هشاشة عالمنا نحن. أظهر كم أننا استمرأنا المآسي وجعلنا منها طقسا يوميا، في حين أن الشعوب التي تحترم نفسها لا تحتمل دقيقة واحدة من الفوضى دون أن تعتبرها كارثة قومية.

لقد سرق فساد أنظمتنا ليس فقط الكهرباء والماء، بل سرق منا الإحساس بحقنا في حياة كريمة. غاب العدل، وانطفأ النور، وتآلفنا مع الظلام حتى صار صديقًا بغيضًا، يصعب الفكاك من قبضته.
إنه مشهد واحد يختصر فصولًا كاملة من تاريخ القارة: ظلام يفضح سوء الإدارة، وانقطاع يكشف عورات أنظمة لم تع يوما أن الكرامة تبدأ من ضوء لا ينقطع، وماء لا يُنتظر.
سيدي محمد دباد "مدينة Bilbao " شمال اسبانيا
28/04/2025