
ذكرني اختبار العربية الهين والسهل اليوم لتلاميذ مسابقة دخول السنة الأولى إعدادية بنص المنفلوطي عن الحرية والذي كان موضوع امتحاننا في العربية لدورة ١٩٩٤ :< استيقظت فجر على صوت هرة تموء بجانب فراشي...>
مازال كنكور يحتفظ ببعض شكل كنكور كما عرفناه في منتصف التسعينيات كأهمية الحساب والعربية وأنهما المادتان المهمتان والتجمهر أمام مراكز الامتحان، رغم أن هذه العادة أكثر في التجمعات الحضرية منها في الأوساط القروية والريف. ومازال كنكور يستغرق يومين، لكن كنكور لم يعد بنفس القوة والمستوى والصرامة. النص الذي تحدثت عنه للتو نص أدبي قوي لأحد كتاب العرب في القرن العشرين، ألفاظه جزلة، وعباراته منسابة في حلاوة وسلاسة، يطربك ولا تمل من قراءته وتكراره حتى تحفظه من غير جهد أو مشقة.
ثم جاء الدور على التمييع والتردي، فمع تراجع المستوى العلمي المقدم تهاونت المدرسة في تطبيق قواعد المرور النظيف فتفشى الغش والتسريب وبتمالؤ من الكوادر التربوية (رؤساء اللجان، مشرفين ومعلمين)، وهذا معلوم للجميع. وفي الأرياف وحتى في بعض مراكز المدن يساعد المشرفون التلاميذ على الغش متخلين وفي العلن عن أمانتهم وحفظهم لها، وهذا ربما كتغطية على فشلهم في مهمتهم التعليمية والتربوية.
أجرينا الامتحان لدورة ١٩٩٤ونحن نزيد على العشرة بواحد أو اثنين في هذه القرية النائية على هذه الربوة. وجاء المشرف ومعه مساعد ورجلا أمن، يقف أحدهما أمام باب القاعة والآخر من خلف عند النوافذ الخلفية.
وابتدأ الامتحان في ظروف طيبة هدوء مطبق ولا تهامس ولا أصوات، كل ينظر في ورقته ويقوم إلى أجوبته والمشرف يحدد الوقت على السبورة وينبه في أوقات متقطعة إلى المتبقي منه. والأجواء خارج القاعة كمثلها تماما فرغم أن بعض الأهالي قدموا إلا أنه لا أحد في القاعة ينتظر شيئا من الخارج وليسوا هم حتى في وارد أن يقدموا أي شيء لأن كثيرا منهم لا يعرف من هذا الأمر إلا عنوانه فقط.
اختتم اليومان في سلام وقفلت اللجنة وفي ظروفها أجوبة أحد عشر إلى اثني عشر تلميذا. ولا تسأل عن ما استبد بهذا الطفل من الوساوس والقلق؛ وفي كل لحظة تهامسك الذكرى بما استدركت من أجوبة وما استجمعت من بينة، ولا تكاد تخرج بيقين أو يسلمك الظن إلى شاطئ سليم. ثم أتى الخبر في مرتفع الضحى أن ثلاثة قد خلفوا كان هذا الطفل أحدهم. وجاس خلال الديار شك في الخبر وفي العدد، ما لبث أن رجع إلى مستقره ومبتدئه.
الكاتب الصحفي / سيدأحمد ولد أعمر ولد محم
