ما الفرق بين الإشارة في تدبير الإمارة على عهد " المرابطون"، وبين الاستشارة للإيثار بالتدبير السياسي في الجمهورية الاسلامية الموريتانية؟

أربعاء, 2021-01-20 23:43

قال  لي زميل ناصح إن العلوم السياسية تقدمت كثيرا على بعض الكتابات عند بعضنا، وينبغي مواكبتها، ولعلي أشاطره الرأي في هدفه من التنبيه، والتوجيه الكريم، وان كنت فهمت من ذلك انه كان يقصد تقدم مناهج البحث في تقديم الظواهر، وتحليل الاحداث السياسية،،وفي كلا الحالتين، فأنا اتفق معه فيما قصد  اليه من ضرورة الاستفادة من تقدم العلوم السياسية، وكذلك من ثورة المناهج البحثية، غير أن الذي لفت انتباهي هو ان هذا التقدم المعرفي، لم يستفد منه الكثير منا، ولا تمت الاحاطة علما بالمعيار الذي حكمه الأوائل في انتقاء المعارف من جهة استجابتها لمطالب اهل العصر الراهن بغض النظر عن العصر الذي انتجت فيه تلك المعارف في تراثنا،، وهذه من قواعد النقد الأدبي في فكرنا العربي الاستشرافي،،لكن كيف ذلك؟

لقد وعدت  قراء موقع" وكالة اخبار نواذيبو" بأني سأقدم قراءة للفكر السياسي لمفكري عصر " المرابطون" انطلاقا من رؤية معاصرة موجهة بالفكر الاجتماعي السياسي الحديث، والمعاصر، إنه الفكر الذي يدفع قراءه دفعا في اتجاه الحداثة وما بعد الحداثة  خاصة  حين  استغرقتنا التفاصيل في التجارب  السياسية في التحولات الكبرى في المجتمعات الغربية الأمر الذي احسسنا معه بالابتعاد عن عوامل النهضة التي تحافظ على الهوية الحضارية، وتدعم التحديث الذي يستند الى التراث الفكري للأمة باعتباره  المدخل لأي نهضة عربية  يراد لها ان تستجيب لمطالب المجتمع العربي، ومنه مجتمعنا الموريتاني الذي يقف على عتبة ابواب  التغيير الاجتماعي المنشود بحول الله وعونه. 

وقد كان التفاعل مع الاحداث من جهة، ومع اصحاب المقالات التي تنشر في المواقع الموريتانية، وغيرها من الأمور التي ادت الى  التأخير في الكتابة، لا خلفا بالوعد عن احياء تراثنا الفكري السياسي الذي سيلاحظ القراء أنه متقدم على الارهاصات الفكرية لدى الكثير من الكتاب، كما قرأنا نماذج لهم في الصحافة، ولا نجادل في ان الكثير منهم لازالوا في طور الهواة، كذلك من ضمنهم من مثلوا واجهات " المشهد" السياسي، وقد كان الكثير من الوجوه في هذا المشهد الجميل، قد انيطت به مسؤوليات عليا في التدبير السياسي منذ الاستقلال!

ولعل البعض يتمنى لو هو يغيب الحراك السياسي الوطني، وذلك من ان اجل ان يتسنى له الظهور بوحده  مزدانا بحلة " الطاووس" في ذيله  في المشهد السياسي ضمن " سيرك" الرئاسة الى حين، فإنما يستغرب  من قصور وعيه، وعلو همته  فيما يرى النائم في احلام يقظته،،وكل ذلك " غراما عليها الدهر" حبا للرئيس ولد غزواني و"من الحب ما قتل"، غير ان " الناصح" المتيم، تناسى أن موريتانيا تقع بين ظهرانيي المجتمعات الافريقية والعربية التي تقدمت عن بلادنا في مجالات عديدة ، وتخلفنا عنها ميدانيا جراء عوامل من أهمها: تدني الوعي السياسي الى حد ما لدى الافراد، وانعاكسه على التدبير السياسي العام، كواحد من العوامل المؤثرة  سلبا لا ايجابا بلغة التقييم المعياري،،وهذا من نواقص الوعي السياسي لدى شبيبتنا، وتخلفه بالنظر الى ما في تراثنا السياسي المنتج على عهد "المرابطون"،، ففي مجال الاستشارة السياسية  نقرؤ في الاقتباس التالي  ل" ابي بكر"  أنها : " تفيد المستشير  عقلا يزيده الى عقله، وهداية يجمعها مع هدايته"، وقسم المشورة الى اربعة اقسام : 

  (( أحدها/ 

ـ تقصير  المستشير  عن معرفة التدبير،،

والثاني/

ـ خوفه من الغلط، وان لم يكن  من اهل التقصير،،

والثالث/

ـ أن الفطن النحرير ربما ستر عليه الحب، والبغضة وجوه الرأي والروية، فإنهما  يعدلان  بالفكر عن الاصابة، فيحتاج  الى مشورة  من رأيه، صاف من كدر الهوى، مبصر لوجوه الآراء،،

والرابع/

ـ ان المستشار ربما كان في الفعل شريكا، أومعينا، فيكون مشورته داعية  الى استلافه، واغراء له في معرفته ان كان الفعل انما يفعل برأيه" (الاشارة في تدبير الامارة ص 21).

ففي هذا الاقتباس آراء تصل مستى الفروض النظرية، وقد تسأل عن ما هي الفروض النظرية؟ وما قيمتها الفكرية؟ وقبل الاجابة  في حلقة تالية، سنسأل صاحب المقال: " لو سألني الرئيس عن الحوار مع الحراك السياسي الذي يمثل المعارضة الوطنية، لأشرت عليه بعدمه،،" !  

هل ترى في الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وهو جنرال، حصل على شهادة جنرال في العلوم الاستراتيجية، ومع ذلك ترى أن عنده  جهلا معرفيا في مجال التدبير السياسي، حتى تقدم له انت الشاب متنور الفكر, هذه المشورة "الفكرونية"؟

وما مصدر خوفك على الرئيس من الغلط؟ وهل تشعر بالتقصير عنده؟ ولماذا لاتصارح مجتمعك بذلك، حتى يخبره الأخير بالنيابة عنك، أيها الوطني المحب لرئيسك، والغيور على مستقبل بلادك ان شاء الله ؟

وما هي اوجه الحب الجارف، أو البغض الأعمى عند ولد غزواني، حتى  تسعى انت  ـ المستشارـ الى تصويب رأيه، باعتبارك صاحب رأي منزه عن الهوى، وحصيف عن التباس الآراء عليك؟

 وهل انت شريك في التدبير السياسي، أو أنك  من الاعوان، حتى يؤخذ  برأيك على وجه الاستعارة على الاقل،، أو انك كاتب رأي  مع كامل الاحترام  والتقدير لك،،ولرأيك مهما اختلف معه المختلفون، وهمشه الغيورون  على أساس ان من مقاصدك" خالف تعرف"، لكنك صوت من الوطن، فليسمع، وليحاور صاحبه عساه ان يرجع الى الصواب المتمثل في ترجيح الأثرة على الإيثار؟

إشيب ولد أباتي