العد العكسي في الشرق الأوسط من أجل توازن جديد للقوى معركة الغرب الوجودية على رقعة الشطرنج الكبرى

خميس, 2025-09-18 10:25

شكل الهجوم الإسرائيلي يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 على قطر في آن واحد درسا وتنبيها وإنذارا جديدا ليس لقطر وحدها بل لبقية دول مجلس التعاون الخليجي وللعديد من دول العالم خاصة تلك التي تقيم روابط أمنية وعسكرية أساسية وكبيرة لأمنها مع الولايات المتحدة الأمريكية مفاده أنه لا يجب الوثوق بها.

تأكيدات البيت الأبيض عن أن واشنطن لم تعلم مسبقا بالعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطر وأنها عندما اكتشفت الأمر كان الوقت قد فات، ليست سوى مغالطات.

يشير الخبراء العسكريون في الشرق والغرب أن كل المنطقة الجغرافية الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط حتى حدود أفغانستان توجد ضمن رقابة القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى (سنتكوم) التي تملك مراكز وقواعد عسكرية في تركيا وسوريا والعراق والبحرين وقطر ومناطق أخرى، وبناء على ذلك لا يمكن لقوة جوية مكونة من على الأقل 15 طائرة مقاتلة مقنبلة إضافة إلى طائرات تزويد بالوقود في الجو بعبور مسافة 1800 كيلومتر ذهابا فقط نحو الدوحة محلقة كما هو معلن فوق سوريا والعراق وصولا إلى قطر دون اكتشافها من قبل أجهزة القيادة الوسطى الأمريكية أو الأقمار الصناعية التي تغطي كل المنطقة وما هو أبعد منها.

زيادة على ذلك قام القائد الأمريكي (سنتكوم) الأدميرال براد كوبر مساء السبت 6 سبتمبر بزيارة لتل أبيب وأجرى محادثات مطولة مع القيادة العسكرية الإسرائيلية.

وقالت القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى إن الأدميرال كوبر أكد التزام الولايات المتحدة الراسخ بأمن إسرائيل وبتقوية الأمن الإقليمي، كما بحث كوبر مع رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير الأمن الإقليمي والتحالف العسكري بين أمريكا وإسرائيل.

وفي السياق، قال الجيش الإسرائيلي -في بيان- إن "الزيارة ركزت على التعاون العملياتي بين الجيش الإسرائيلي والجيش الأمريكي، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي في الساحات القريبة والبعيدة، وتعزيز الجهود المشتركة لمواجهة التحديات والتهديدات في المنطقة".

وأفادت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأن كوبر -الذي عين في الثامن من أغسطس 2025 بمنصبه الجديد- أجرى خلال الزيارة تقييما مشتركا للوضع مع زامير، وزار بعض مستوطنات غلاف غزة.

من جانبها، قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إن كوبر التقى -خلال زيارته لإسرائيل التي تأتي ضمن جولة إقليمية له- مسؤولين في قيادة الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية، دون تسميتهم.

وأضافت أن زيارة كوبر إلى المنطقة تأتي في توقيت حرج، إذ بحث إمكانية شن حرب جديدة على إيران خلال الشهور المقبلة.

وأكدت الصحيفة الإسرائيلية أن التعاون مع كوبر مهم لتنسيق جهود إسرائيل مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران.

يسجل كذلك أنه ومساء يوم الأحد 7 سبتمبر نشر ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي رسالة جاء فيها: "الجميع يريد عودة الرهائن إلى ديارهم. لقد قبل الإسرائيليون شروطي. وحان الوقت لحماس أن تقبلها أيضا". وأضاف ترامب إن هذا سيكون "إنذاره الأخير".

بعد الهجوم على قطر وتأكد فشله في تصفية قيادات حماس وما روجته بعض الأوساط عن قلق في البيت الأبيض، صرح الرئيس الأمريكي ترامب، يوم الأربعاء 10 سبتمبر، إنه "غير سعيد" بالطريقة التي نفذت بها إسرائيل هجومها على قيادات حركة "حماس" في قطر.

وأضاف ترامب، في تصريحات للصحفيين خلال زيارته لمطعم في واشنطن: "لست سعيدا بالوضع برمته، إنه ليس وضعا جيدا، لكنني سأقول هذا، نريد عودة الرهائن، لكننا لسنا سعداء بالطريقة التي سارت بها الأمور".

وعندما سئل عما إذا كانت الضربة الإسرائيلية على "حماس" قد فاجأته، قال: "لا أتفاجأ أبدا بأي شيء، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط"، وأضاف: "سأدلي ببيان كامل لاحقا، لكنني سأخبركم بهذا، كنت مستاء للغاية من كل جانب".

يذكر أن ترامب سعى، في وقت سابق، إلى النأي بنفسه عن الهجوم الإسرائيلي، بنشر بيان سابق صادر عن البيت الأبيض، أوضح فيه أن القرار بشن الهجوم اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن الولايات المتحدة "علمت به متأخرا جدا للتدخل".

وكتب ترامب على منصته "تروث سوشيال": "كان هذا قرارا اتخذه رئيس الوزراء نتنياهو، ولم يكن قرارا اتخذته بنفسي"، مدرجا العبارة في بيانٍ قرأته سابقا المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت.

وأضاف ترامب أيضا أنه "بحلول الوقت الذي علمت فيه إدارته بالهجوم وأبلغت القطريين، لم يكن هناك الكثير مما يمكنه فعله لوقفه".

وذكر أيضا إنه وجه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لإتمام اتفاقية التعاون الدفاعي مع قطر، على الرغم من أن البلدين لديهما اتفاقية قائمة قام ترامب بتعديلها عندما زار قطر في مايو.

وفي المقابل، ذكر رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، أن بلاده تحتفظ بحق الرد على الهجوم الإسرائيلي. وكشف أن الولايات المتحدة أبلغت قطر "بعد وقوع الهجوم بـ 10 دقائق"، مضيفا: "عملية غادرة 100 في المئة لم يتم العلم بها إلا في وقت حدوثها".

في دعم واضح جديد لسلوك تل أبيب قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن الرئيس دونالد ترامب يريد الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة دفعة واحدة وتحييد خطر حركة "حماس"، للمضي نحو الخطوة التالية.

وأضاف روبيو في تصريحات من قاعدة أندروز الجوية، السبت13 سبتمبر، قبيل مغادرته إلى إسرائيل: "سنبحث ما إذا كان لأحداث الأسبوع الماضي تأثير على هدف تحرير الأسرى دفعة واحدة".

وفي القدس المحتلة اقتحم ماركو روبيو ورئيس الحكومة الإسرائيلية، يوم الأحد 14 سبتمبر، ساحة حائط البراق شرق القدس المحتلة. وقال نتنياهو في حديث مع الصحافيين بعد الاقتحام الذي شارك فيه أيضا السفير الأمريكي مايك هاكابي، إن الخطوة تظهر مدى "قوة التحالف الإسرائيلي-الأمريكي". وأضاف: "إنه (تحالف) قوي وصلب مثل حجارة حائط المبكى (حائط البراق) التي لمسناها للتو"، فيما اعتبرت محافظة القدس أن الاقتحام "خطوة استفزازية" تشكل انتهاكا صارخا للوضع التاريخي والقانوني القائم في المدينة المحتلة.

مغالطة أخرى تم الترويج لها عن أن قرار الغارة الإسرائيلية اتخذ في الأيام الأولى من شهر سبتمبر 2025، حيث ذكرت شبكة CNN: أفاد مصدران إسرائيليان أن هجوم الدوحة الذي استهدف قادة حماس كان "قيد التخطيط لأشهر"، لكن وتيرته تسارعت في الأسابيع الأخيرة. وأضاف المصدران للشبكة الأمريكية أن الهجوم كان قيد التخطيط لما يقرب من شهرين إلى ثلاثة أشهر قبل أن تصادق القيادة الإسرائيلية على تنفيذه. وكان الجيش الإسرائيلي قد قال إن هجوم الدوحة جزء مما يسمى عملية "قمة النار"، وصرح في بيان له إنه استهدف "قيادات عليا" في حركة حماس بـ"ضربة دقيقة" في عملية مشتركة مع جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) والتعاون مع دول.

 

ترمب أعطى الضوء الأخضر

 

في إسرائيل كشفت القناة 12 والقناة 14 الإسرائيليتين أن الرئيس ترامب أعطى الضوء الأخضر للهجوم على قادة حماس بالدوحة وأن الهجوم تم بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة.

وأشارت القناة 12 إلى أنه من أهداف زيارة قائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي إلى إسرائيل يوم 6 سبتمبر تنسيق الهجوم. ونفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضلوع الولايات المتحدة في عملية استهداف قادة حماس أو التنسيق معها بشأن العملية، حسب زعمه. وقال نتنياهو: «العملية في الدوحة إسرائيلية فقط ومستقلة تماما».

في مؤشر آخر على الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في هجومها كشف رئيس بعثة جامعة الدول العربية بالأمم المتحدة السفير ماجد عبد الفتاح، عن سر قبول الدول العربية ببيان صحفي يصدر عن مجلس الأمن دون السعي لإصدار قرار ملزم لإسرائيل بعد هجوم الدوحة.

وأكد الدبلوماسي العربي أن الرغبة العربية القوية كانت تتجه لاستصدار قرار ملزم من مجلس الأمن، بشأن العدوان الإسرائيلي على قطر. وأوضح رئيس بعثة الجامعة العربية أن تدخل الولايات المتحدة بصفتها عضوا دائما قادرا على التعطيل بالفيتو دفع لقبول الجانب العربي ببيان صحفي، خضع لصياغة التفاوض بين الدول الأعضاء داخل مجلس الأمن. 

وندد مجلس الأمن يوم الخميس في بيان صحافي بالهجوم الذي شن مؤخرا على العاصمة القطرية الدوحة، لكنه لم يذكر إسرائيل في البيان الذي وافقت عليه كل الدول الأعضاء البالغ عددها 15.

 

الحماية الأمريكية 

 

جاء في تقرير للكاتب فيفيان نيريم نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يوم 11 سبتمبر 2025:

تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة. وقد اشترت أنظمة دفاعية بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة، كما أهدت مؤخرا طائرة "بوينغ" فاخرة للرئيس ترامب.

لكن هذا لم يمنع "إسرائيل"، حليف الولايات المتحدة الرئيسي، من شن هجوم عسكري جريء على الأراضي القطرية، بهدف اغتيال كبار المسؤولين في حركة "حماس" الذين اجتمعوا لمناقشة اقتراح وقف إطلاق النار لغاية إنهاء الحرب في غزة، وهو اقتراح كان يحظى بدعم الرئيس ترامب.

الباحثة في "معهد دول الخليج في واشنطن" كريستين ديوان تقول إن "عدم قدرة قطر على حماية مواطنيها، رغم وجود القيادة المركزية الأمريكية على أراضيها، دفع السكان المحليين إلى التساؤل عن قيمة الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مشكلة حقيقية لقادة هذه الدول التي يجب أن تقلق الولايات المتحدة أيضاً".

وكان الهجوم الإسرائيلي قد أحدث صدمة في بعض العواصم بين قادة هذه الدول التي كانت "إسرائيل" تسعى في السنوات الأخيرة إلى كسبهم كحلفاء محتملين، والذين لطالما اعتمدوا على الولايات المتحدة كضامن رئيسي لأمن دولهم.

وبحسب مصادر قطرية رسمية، فقد أدى الهجوم على حي سكني في العاصمة القطرية الدوحة إلى مقتل بدر سعد الحميدي، أحد أفراد قوات الأمن الداخلي القطرية، وهو أول مواطن خليجي يقتل على يد "إسرائيل" منذ عقود، كذلك تضررت المباني المستهدفة وتصاعد منها الدخان الأسود.

وكانت قطر قد استضافت القيادة السياسية لحركة "حماس" بناء على طلب الولايات المتحدة، ما جعل من الدولة وسيطا أساسيا في المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب على غزة. وأكدت الحركة الفلسطينية في بيان أن نجل خليل الحية كبير مفاوضي "حماس" قتل مع 4 آخرين من المنتسبين إلى الجماعة.

ولم يتضح بعد كيف سيؤثر الهجوم الإسرائيلي في مفاوضات وقف إطلاق النار المتعثرة أصلا. وقد قال رئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إثر الهجوم: "لا شيء سيردعنا عن القيام بدورنا كوسيط"، حتى مع اتهامه بنيامين نتنياهو بمحاولة "إفشال كل مفاوضات لخلق فرص للسلام".

ويقول المحللون إن العملية الإسرائيلية سيمتد تأثيرها إلى ما هو أبعد من قطر. كما أن الهجوم يمثل نقطة تحول محتملة في المنطقة، التي لطالما هيمنت عليها التحالفات والمصالح الأمريكية. أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت بدر السيف اعتبر أن "هذا اختبار حاسم. وإذا لم يتخذ حكام الخليج أي إجراء حازم الآن، فهذا يعني أن ما شهدناه سيؤدي إلى مد النفوذ الإسرائيلي نحو نظام إقليمي تقوده تل أبيب". 

وكانت طموحات دول الخليج الغنية بالنفط مثل السعودية والإمارات وقطر وعمان والكويت والبحرين قد ازدادت في السنوات الأخيرة، مستخدمة ثرواتها الطائلة لكسب نفوذ عالمي. وتسيطر هذه الدول مجتمعة على ما يقارب 4 تريليونات دولار من أصول صناديقها السيادية، ويتمتع العديد منها بنفوذ كبير في أسواق الطاقة العالمية، فيما تعتمد أجنداتهم المحلية على سمعتهم كملاذات آمنة للتجارة والاستثمار والسياحة في منطقة الشرق الأوسط المتقلبة، وهي السمعة التي ضربها هجوم "إسرائيل" بشكل مباشر.

وقد أضاف رئيس مجلس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن "نتنياهو أعلن بنفسه أنه سيعيد تشكيل الشرق الأوسط، فهل هذه رسالة بأنه ينوي أيضا إعادة تشكيل الخليج؟".

 

رد عسكري غير وارد

 

الرد العسكري من دول الخليج غير وارد، لأن أي تصعيد إضافي سيضر بالأجندات الداخلية لحكام الخليج. ورغم الإحباط من السياسة الأمريكية في المنطقة، فإنهم ما يزالوا يعتمدون على الدعم العسكري الأمريكي. ويرى بعض المحللين أن هذه الدول لديها "أدوات كثيرة متاحة"، من ضمنها الدبلوماسية والنفوذ الاقتصادي. وفي حال قررت الصناديق السيادية الخليجية اتخاذ إجراءات "سحب الاستثمارات بما يضر بالمصالح التابعة لإسرائيل أو الولايات المتحدة"، فسيكون لذلك تأثيره.

لم يتضح بعد كيف ستستجيب دول الخليج، لكن الواضح هو أنها مرة أخرى تتساءل عن جدوى الضمانات الأمنية الأمريكية، وهذه المرة بعد أشهر فقط من جولة الرئيس ترامب في المنطقة، حيث أشاد بحكامها، ووقع سلسلة من الصفقات التجارية بمئات المليارات من الدولارات.

يقول الأستاذ الجامعي السيف في إشارة إلى كل دول الخليج إن "من الصعب على الولايات المتحدة أن تلبي احتياجاتنا في هذه المرحلة. علينا إيجاد بديل آخر أو علينا الاجتماع مجددا مع الرئيس ترامب لمناقشة الأمن بشكل مجرد، وليس مجرد حملة تجارية مكثفة".

ومن المرجح أيضا أن يؤدي الهجوم إلى تقويض آمال ترامب في توسيع "اتفاقيات أبراهام"، وهي سلسلة من الصفقات التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 2020، والتي أدت إلى تطبيع الإمارات والبحرين العلاقات مع "إسرائيل"، وهي اتفاقيات اعتبرها ترامب إحدى أهم إنجازاته السياسة الخارجية في ولايته الأولى، لكن قطر لم تكن جزءا من الاتفاقيات، وكان لديها توترات مع بعض جيرانها في المنطقة.

لكن الهجوم وحد دول الخليج بإدانة "إسرائيل"، وأثار مخاوف متبادلة بشأن ضعفهم. وقد زار حاكم الإمارات محمد بن زايد آل نهيان قطر زيارة رسمية في اليوم التالي للهجوم رفقة مستشاره المؤثر للأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد.

وفي وقت سابق، قال المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية المختص بشؤون شبه الجزيرة العربية جوزيف فرسخ "إن شركاء الولايات المتحدة وصناع السياسات الأمريكيين أنفسهم تأخروا حتى يدركوا أن العقلية المتشددة لإسرائيل تشكل تهديدا للمنطقة بأكملها. وعلى المدى الطويل، سوف تدرك دول الخليج أن العمل مع إسرائيل أمر سيئ حتى للأعمال التجارية".

 

الحلفاء يدركون

 

جاء في تحليل كتبه بولا هانكوكس من شبكة CNN نشر يوم الخميس 11 سبتمبر 2025:

من الممكن التماس العذر لقطر لو ظنت أنها بمنأى عن الهجوم الإسرائيلي، فهذه الدولة الخليجية الصغيرة حليف رئيسي للولايات المتحدة، استقبلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل 4 أشهر فقط، وفرشت له السجاد الأحمر، وأُبرمت صفقات بمليارات الدولارات، وأهدته طائرة رئاسية مثيرة للجدل.

أما بالنسبة لدورها كوسيط لإنهاء الحرب في غزة، فقد التقى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني شخصيا بكبير مفاوضي حركة "حماس"، خليل الحية، الاثنين، للدفع نحو وقف إطلاق النار الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة واتفاق الرهائن.

وكان من المتوقع أن ترد "حماس" في اجتماع لاحق مساء الثلاثاء، وقبل ساعتين من ذلك الرد، قصفت طائرات إسرائيلية مبنى سكنيا في العاصمة القطرية، الدوحة، مما أسفر عن مقتل 5 عناصر من "حماس" وضابط قطري.

ويسود العاصمة القطرية، شعور بالصدمة والخيانة.

فالمفردات التي يستخدمها رئيس وزراء قطر قوية ومؤثرة ومخالفة بذلك رده المعتاد الهادئ على التقلبات المستمرة في محاولات إنهاء الحرب المستمرة في غزة والتي استمرت 23 شهرا. 

وفي مقابلةٍ مع بيكي أندرسون من شبكة CNN، الأربعاء، وصف الهجوم بأنه "إرهاب دولة"، وحذر من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "قضى على أي أمل" للرهائن، و"قوض أي فرصة للسلام"، كما قال إنه يجب "تقديمه للعدالة"، متهما إياه بـ"انتهاك جميع القوانين الدولية".

وكانت قطر الدولة التي لا تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل قد دعت وفودها للتفاوض بشكل غير مباشر مع "حماس"، وهي مبادرة قدرها ترامب، الذي تحدث عن "مخاطرة الدوحة بشجاعة معنا للتوسط في السلام".

 

التشكيك في التحول نحو أمريكا

 

لا تتوقف الرسالة المستفادة من هذه الضربة عند حدود قطر، فدول الخليج العربي، التي دأبت على التحول بنشاط نحو الولايات المتحدة، سياسيا وماليا، قد تتساءل الآن عن الفوائد المفترضة من هذا الخيار.

وكانت الضمانات الأمنية الأمريكية ضمنية في الصفقات المبرمة والمذكرات الموقعة. 

وتعهدت السعودية وقطر والإمارات بصفقات ضخمة بقيمة 3 تريليونات دولار خلال زيارة ترامب في مايو 2025، مع التزامها بتعهداتها في الاتفاق.

وذكر الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إتش هيلير: "أعتقد أن هذه الدول ستتساءل عما يمكنها فعله لردع الهجمات المستقبلية، وأيضا، ما نوع البنية الأمنية التي تحتاج إلى الاستثمار فيها الآن بدلا من الاعتماد على شريك لم يتمكن من حمايتها حتى من أحد حلفائه".

ولحق الضرر بالثقة بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين، وإن لم يتضح بعد مدى هذا الضرر، ويعتمد ذلك بشكل كبير على تطمينات الرئيس ترامب لحلفائه ورسائله العلنية لإسرائيل. 

وينبغي أن يكون السؤال الأوسع هو: ما هو نوع التأثير المثبط الذي سيخلفه هذا على جهود الوساطة المستقبلية؟.

وفي حين أن قطر لم تغلق باب التوسط في السلام في غزة، إلا أن المفاوضات في أحسن الأحوال عالقة، وفي أسوأها عالقة جراء محاولة الاغتيال الإسرائيلية الأخيرة.

وقال الزميل الأول في سياسات الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حسن الحسن: "هذا هو نوع المخاطر التي لن تكون دول كثيرة في المنطقة على استعداد لتحملها مقابل دور الوساطة".

ولطالما كانت قطر ومصر وسيطتين بين إسرائيل و"حماس".

وسهلت سلطنة عمان المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وبنجاح أكبر بين الولايات المتحدة والحوثيين، كما سهلت الإمارات عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا. 

وتعد السعودية نفسها منصة لمفاوضات السلام حول العديد من النزاعات المختلفة.

وسيراقب قادة كل دولة من هذه الدول رد ترامب عن كثب في مواجهة ما يبدو عجزا أمريكيا في الشرق الأوسط. 

وعززت الضربة الإسرائيلية الاعتقاد الذي لطالما عبر عنه الكثيرون في المنطقة عن نية إسرائيل تخريب مفاوضات السلام.

و صرح مؤرخ الرؤساء على شبكة سي إن إن (تيموثي نافتالي)، وهو باحث في جامعة كولومبيا وكان مديرا سابقا لمكتبة الرئيس ريتشارد نيكسون: "دونالد ترامب هو أول رئيس يسعى باستمرار إلى إنشاء واقع منفصل، ليس فقط بتلوين الحقائق بشكل مضلل أو حذف المعلومات الضارة ولكن بابتكار قصص بلا أساس".

وقال نافتالي: "لقد اكتشف أن الكذب الكبير أقوى من الكذب الصغير، وإذا كنت ستنجح في الكذب، فمن الأفضل أن تختار الكذب الكبير".

 

تحذير حماس

 

ذكر تقرير نشرته القناة 14 الإسرائيلية، أن مصر وتركيا أبلغتا قيادات بارزة في حركة حماس، في العاصمة القطرية الدوحة، بوجود تحضيرات جدية لعملية اغتيالات محتملة تخطط لها إسرائيل.

من جهتها، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في تقرير صباح يوم الأربعاء 10 سبتمبر، أن مسؤولين مصريين وأتراكا نقلوا تحذيرات إلى كبار قادة حماس في قطر خلال الأسابيع الأخيرة، داعينهم إلى تعزيز الإجراءات الأمنية المحيطة بهم، خشية من تنفيذ عمليات اغتيال منسقة.

وأكدت الصحيفة أن هذه التحذيرات تأتي في سياق الدور المحوري الذي تلعبه كل من مصر وتركيا كوسيطين في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، مشيرة إلى أن كلا البلدين يسعى لحماية ممثلي الحركة لضمان استمرار الحوار، حتى في ظل التوترات الشديدة.

في موقف داعم للعملية، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة كان "يجب أن يحدث منذ زمن طويل"، واصفة إياه بعملية "قطع الرؤوس"، تهدف إلى القضاء على القيادة السياسية والعسكرية العليا لحركة حماس في الخارج.

وأضافت الصحيفة: "هذا عمل مشروع وعادل، فالدوحة لم تعد ملاذا آمنا لقيادة حركة تصنفها إسرائيل والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية، وتساهم في قتل المدنيين".

وتساءل كثيرون داخل الأوساط الأمنية الإسرائيلية: "لماذا لم تنفذ هذه العملية في الأيام الأولى من الحرب؟"، مشيرين إلى أن تأجيلها أعطى قادة حماس فرصة للتخطيط وتنسيق العمليات من مناطق آمنة.

مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين ذكرت أن المخابرات الخارجية الروسية التي يقودها سيرغي ناريشكين أبلغت حماس وأجهزة أمنية في عدة عواصم بالمنطقة بخطط إسرائيلية أمريكية لتصفية قادة حماس منذ شهر يونيو 2025، وأن الأقمار الصناعية الروسية وشبكة روسيا للإنذار المبكر في قاعدة حميميم الجوية والبحرية في طرطوس رصدت إقلاع الطائرات الإسرائيلية ووجهتها وابلغت حمس بذلك وكذلك القاهرة وأنقرة.

 

طيران تركي

 

أفاد موقع "ميدل إيست آي" يوم 10 سبتمبر 2025 بأن طائرات عسكرية تركية أقلعت من قاعدتين جويتين في ديار بكر وملاطية يوم الثلاثاء، عقب غارات إسرائيلية على الدوحة استهدفت قادة "حماس".

وذكر شهود عيان في ديار بكر أنهم شاهدوا عدة طائرات في الجو بعد ظهر بالقرب من إحدى القواعد الجوية الرئيسية في تركيا.

وأكدت مصادر مطلعة للموقع أن القوات الجوية التركية أرسلت طائرات إضافية خلال الليل، وكثفت دورياتها الجوية فوق المجال الجوي التركي.

وقال مصدر: "لم يصدر أي إعلان عن أي حالة تأهب، ولكن تم تكثيف الدوريات الروتينية في المناطق القريبة من المجالين الجويين السوري والعراقي".

ويعتقد خبراء أن القوات الجوية الإسرائيلية قد عبرت المجالين الجويين السوري والعراقي، وحلقت بالقرب من الحدود السعودية قبل أن تصل إلى الدوحة بدعم من طائرات التزود بالوقود.

 

توتر بين أنقرة وتل أبيب

 

يوم 10 سبتمبر رد كبير مستشاري الرئيس التركي أوكتاي سارال على تهديدات الصحفي الإسرائيلي مائير مصري حول استهداف تركيا بعد قصف قادة حماس في العاصمة القطرية الدوحة.

وكتب سارال عبر حسابه على منصة "إكس": "إلى كلب إسرائيل الصهيونية: من الواضح أنك لا تعرف تركيا والأمة التركية". وأضاف: "يجب أن تعلم ذلك.. قريبا، سيرتاح العالم باختفائك من على الخريطة". وتابع: "إن كنت تتساءل "من سيفعل هذا؟"، فهي الدولة التي تخطط لمهاجمتها غدا".

وكان مائير مصري قد كتب عبر حسابه على منصة "إكس": "اليوم قطر وغدا تركيا.. إسرائيل تحارب الإرهاب".

وفي غضون ذلك، وجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسالته الخاصة إلى قطر وقال: "أقول لقطر وجميع الدول التي تؤوي الإرهابيين: إما أن تطردوهم أو تحاكموهم، لأنكم إن لم تفعلوا ذلك، فسنفعل نحن".

وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي: "لقد فعلنا بقطر ما فعلته الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر".

 

مرحلة حاسمة

 

يوم 10 سبتمبر 2025 صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زمير، إن "القيادة تراقب عن كثب تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط"، موضحا أن "أمام قيادة هيئة الأركان أهداف الحرب إزاء الساحات المتعددة كلها".

وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن رئيس الأركان إيال زمير، عقد يوم الاربعاء 10 سبتمبر اجتماعا للقادة لإعطاء توجيهات تحضيرية لعملية "عربات جدعون 2"، كما صادق على خطط للمراحل اللاحقة مع قائد المنطقة الجنوبية وعدد من القادة الآخرين.

وقال رئيس الأركان مخاطبا القادة في "مقر قيادة المنطقة الجنوبية": "نحن نتابع عن كثب تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، أمامي وأمام قيادة هيئة الأركان العامة أهداف الحرب بساحاتها المتعددة كلها".

وأضاف: "نتقدم نحو المراحل التالية في مهمة إسقاط حكم حماس - هذا هو هدفنا. سنسقط هذا الحكم ولا يوجد شيء يمنعنا من تنفيذ المهمة، كما أمامنا هدفان - تحرير الرهائن، وهي مهمة أخلاقية، تشكل أولوية قصوى، وحاسمة وضرورية، إلى جانب مهمة إسقاط حماس - هذه هي مهام جيلنا".

وتابع: "كما قلت سابقا، سنهاجمهم وسنلاحقهم في كل مكان، كما فعلنا خلال الـ 24 ساعة الماضية.. نشهد حالة حرب منذ ما يقارب السنتين، والآن بلغنا مراحل حاسمة منها، ونحن نثبت الواقع للأجيال القادمة، هكذا يجب أن نرى الأمور".

 

تناقضات وحرب طويلة

 

في تناقض صارخ مع تصريحات سابقة له اعتبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، أنه لا يمكن هزيمة حركة "حماس" دون خطة سياسية لمستقبل قطاع غزة لما بعد انتهاء الحرب.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، يوم الجمعة 12 سبتمبر 2025: "تحتشد مئات الدبابات وناقلات الجند المدرعة التابعة للجيش الإسرائيلي قرب غزة استعدادا لعملية عربات جدعون 2، بهدف استعراض القوة والضغط على حماس وطمأنة الإسرائيليين".

وأضافت: "لكن زامير يحذر من أن النصر غير مرجح دون خطة سياسية لمستقبل غزة".

وأردفت: "إلى جانب الخطر الذي يتهدد الرهائن (الأسرى الإسرائيليين) في مدينة غزة فإنه في المناقشات الأخيرة، شدد زامير مرارا وتكرارا على مبدأ السلامة قبل السرعة تفاديا للوقوع في فخاخ حماس في الأزقة والأنفاق".

وقالت الصحيفة: "أكثر ما يحبط زامير، بحسب الحاضرين، هو تردد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، في اتخاذ قرار طويل الأمد من المفترض أن يبدأ بالتبلور مع نهاية العملية".

وفي إشارة إلى اليوم التالي للحرب قالت الصحيفة: "من دون قرار كهذا، من المتوقع أن تنتهي هذه المناورة كسابقتها، مع تلاشي مكاسب الجنود يوما بعد يوم مع إعادة تنظيم حماس".

وأضافت: "سينفذ الجيش الإسرائيلي أي قرار سياسي، مهما كان مثيرا للجدل: سواء أكان حكما عسكريا إسرائيليا على مليوني فلسطيني في غزة، أم إدارة بقيادة عربية برعاية أمريكية، أم نقلا تدريجيا للمناطق إلى السلطة الفلسطينية بعد أن يقضي الجيش الإسرائيلي على حماس".

وتابعت الصحيفة: "لقد فشلت بالفعل مقترحات أخرى، مثل تسليح عشائر غزة أو تشجيع الهجرة".

وكشفت النقاب عن أنه "في الأيام الأخيرة، تدرب الجنود في قاعدة تساليم (جنوب إسرائيل) على أساليب قتالية جديدة مثل تدمير المباني دون دخولها، وتجنب الانكشاف الفوري أثناء الكمائن، والتقدم عبر الأنقاض التي يستخدمها مقاتلو حماس كغطاء".

وقالت الصحيفة: "كاد رئيس الأركان أن يتوسل إلى القيادة السياسية: قرروا ما يجب فعله بغزة، إن إرسال الجنود مرارا وتكرارا إلى الأحياء نفسها للقتال الدائري ثم إلقاء اللوم لاحقا على الجيش وقادته لفشلهم في هزيمة حماس لن يحقق النصر ولن يعيد الرهائن".

وأضافت الصحيفة: "يعتقد جميع قادة الألوية والكتائب تقريبا الذين يقاتلون في غزة أن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى مواصلة العمليات البرية ضد حماس في السنوات القادمة لتعميق مكاسبه والحفاظ عليها، والسؤال هو ما إذا كان نتنياهو سيقدم القرار الاستراتيجي المفقود".

وفي 3 سبتمبر 2025، أطلق الجيش الإسرائيلي عدوانا باسم "عربات جدعون 2" لاحتلال مدينة غزة بالكامل (شمال)، ما أثار انتقادات واحتجاجات في إسرائيل، خوفا على حياة الأسرى والجنود.

وتقدر تل أبيب وجود 48 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، قتل العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

ومرارا، أكدت حركة حماس، استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين "دفعة واحدة"، مقابل إنهاء حرب الإبادة وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة والإفراج عن أسرى فلسطينيين، لكن نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، يتهرب عبر التمسك باستمرار احتلال غزة.

وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بغزة، منذ 7 أكتوبر 2023، خلّفت 64 ألفا و718 قتيلا، و163 ألفا و859 جريحا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 411 فلسطينيا بينهم 142 طفلا.

 

رقعة الشطرنج الكبرى

 

الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط حاليا يتداخل ويندمج مع عملية أوسع لرسم رقعة الشطرنج الكبرى في العالم كما وصفها زبغنيو بريجنسكي منظر السياسة الخارجية الأمريكية، والتوازنات في منطقة الخليج العربي سيكون لها تأثيرها. 

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نشرت مقالا تناول المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، وكيف أن ميزان القوة العالمي بات يتغير بشكل يجعل واشنطن بحاجة إلى تحالفات واسعة النطاق لمواجهة الصعود الصيني، خصوصا في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والعسكر.

وجاء في المقال: للمرة الأولى في تاريخها الحديث، تواجه الولايات المتحدة الصين كمنافس يتمتع بنطاق أكبر في أكثر أبعاد القوة الحاسمة، حيث قد لا تكون القدرة الوطنية الأمريكية وحدها كافية للصعود إلى مستوى التحديات.

في العصر الحالي سيكون المقياس الحقيقي للتفوق الأمريكي هو ما إذا كانت واشنطن قادرة على بناء مقياس لتحالفاتها، يدعم قدرتها على التنافس عالميا بالتآزر مع البلدان الأخرى عبر المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية. لكن، الرئيس ترامب يبدو أنه يسير في الاتجاه المعاكس. فقد أدت دبلوماسيته الأحادية، التي تركز على الرسوم الجمركية، إلى نفور الحلفاء، وأتاحت لبكين فرصاً لبناء تحالفاتها الخاصة.

وما فرضه ترامب مؤخرا من رسوم جمركية مرتفعة على الهند ليس إلّا مثالا واحدا. فقد أمضت الولايات المتحدة 3 عقود في التودد إلى الهند كقوة موازنة جيوسياسية للصين. ولكن بعد تطبيق الرسوم الجمركية على الهند، زار رئيس الوزراء ناريندرا مودي الصين للمرة الأولى منذ 7 سنوات، حيث اتفق هو والرئيس شي جين بينغ على تجاوز تاريخ العلاقات المتوترة مؤخرا، والعمل كشريكين لا كمتنافسين.

 

عمر نجيب

[email protected]