اتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط واستكمال جدار النار.... عناصر القوة والضعف في الصراع العالمي شمال جنوب

جمعة, 2025-08-22 10:19

هناك أسلوب شبه موحد يتبعه الانسان العادي والسياسي والعسكري والمؤسسات والشركات وحتى الدول والإمبراطوريات عندما تظهر عليها مؤشرات الضعف والانحدار، إنه أسلوب التمرد على الواقع بالقفزة الأخيرة أو ما يسميها البعض رقصة الموت. قليلة جدا الأمثلة التي أثمر فيها هذا الأسلوب في التعامل مع ما هو تطور حتمي.

عندما نستعمل كلمة إمبراطورية فنحن لا نقصد معناها الحرفي القديم حيث كانت الإمبراطورية محكومة من قبل إمبراطور فرد يتمتع بقدسية وبتفرد في الحكم ويسعى الى توسيع إمبراطوريته بقوة نفوذه وجدارة إمكانياته، وإنما هي الإمبراطورية العصرية، وهي نظام حكم قوي لدرجة انه يستطيع ان يتوسع بلا منازع حقيقي، فينتشر فيصبح ذا نفوذ كبير فيغنى فَيَصِل قمة مجده ثم يبدأ بالضعف والاضمحلال، مفرِغاً الساحة لقوة أخرى تأتي مكانه. هذا النوع من المنظومات الحكمية ثبت عبر التاريخ انه لم يستطع ان يكرر نفسه، بل بدا وكأنما هو عبارة عن دورة بالمناوبة، ولم يحدث أن استعادت هذه المنظومات مجدها مرتين. وها هي الصين تستعد لكي تأخذ دورها مكان الولايات المتحدة الأمريكية.

جاء في كتاب الإمبريالية المفرطة: مرحلة جديدة وخطرة، الذي صدر في سنة 2024 من طرف Global South Insights:

ابتداء من أكتوبر 2023، بدأت إسرائيل معركة تهجير وتطهير عرقي وعقاب جماعي وإبادة للفلسطينيين، بدعم كامل من حكومة الولايات المتحدة. التطورات في أوكرانيا والتى تبعتها التصعيدات في غزة هي مؤشرات هامة تعكس أن هنالك تغيير كيفي داخل النظام الإمبريالي. أتمت الولايات المتحدة الآن إخضاعها الاقتصادي والسياسي والعسكري للدول الإمبريالية الأخرى. نتج عن هذا كتلة إمبريالية متكاملة ومركزة عسكريا. تهدفللمحافظة على سيطرتها على عالم الجنوب ككل، وحولت انتباهها تجاه إخضاع أوراسيا، آخر منطقة أفلتت من سيطرتها في العالم.

الأمر ليس مبالغة إذا قلنا إن عالم الشمال قد أعلن حالة العداء والحرب المفتوحة على أي قطاع من عالم الجنوب لا يمتثل لسياساته. نرى هذا من خلال الإعلان المشترك للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والناتو الذي تم نشره في 9 يناير 2023:

“نحن سوف نزيد من تعبئة مجموعة الأدوات التي تحت تصرفنا سواء أكانت سياسية، او اقتصادية، او عسكرية لخدمة أهدافنا المشتركة لصالح مواطنينا الواحد مليار”.

الفلسطينيون في غزة يشعرون بالتأكيد بالهمجية الفجة والجبرية للناتو و”التوافق الجماهيري" القسري الذي يستطيع الشمال العالمي القيام به. وكما قالت قائدة التحرير الفلسطينية ليلى خالد مؤخرا:

"نحن نعلم أنهم يتحدثون عن الإرهاب، لكنهم هم أبطال الإرهاب. القوات الإمبريالية في كل مكان في العالم، في العراق، في سوريا، في بلاد مختلفة.. يعدون للهجوم على الصين. كل ما يقولونه عن الإرهاب تحول ليصبح عنهم. لدى الناس الحق في المقاومة بكل الوسائل الممكنة، بما فيها النضالات المسلحة. هذا موجود في ميثاق الأمم المتحدة. إذًا هم ينتهكون حق الناس في المقاومة لأنها حقهم في إسترداد حريتهم. وهذا هو الأمر، هذا ما أقوله دائما أنه قانون مؤسس: حيثما يوجد القمع، توجد المقاومة. لن يعيش الناس تحت الاستعمار والقمع. علمنا التاريخ انه عندما يقاوم الناس يمكنهم الحفاظ على كرامتهم وأرضهم".

 

الإمبريالية المفرطة 

 

انساقت هذه الإمبريالية في المبالغة والمسارات الحركية، في حين أنها خاضعة أيضا للقيود التي فرضتها على نفسها الإمبراطورية المنحسرة. إن الكفاءة المتقطعة لممارساتها شعر بها ملايين الكونغوليين، الفلسطينيين، الصوماليين، السوريين، اليمنيين الذين يعيشون تحت عسكرة الولايات المتحدة، هؤلاء الذين تنخفض رؤوسهم لا إراديا عند سماعهم الأصوات المفاجئة.

حتى الآن هذه ليست المسيرة الدموية التى بدأتها الحرب الباردة، وخاضت معارك بالوكالة تبعتها الإمبريالية الاقتصادية من خلال البنك الدولي والمؤسسات التنموية الأخرى. إنها إمبريالية المليونير الغارق الذي مازال يؤمن بشدة أنه ينبغي أن يعود على متن يخته. إنها استعراض عضلات القوى التى ما تزال قوية– القوة العسكرية. على الرغم من ذلك فإن غياب قوى الإنتاج ومعرفة أن القوة المالية بلغت نقطة حرجة، فإن حزمة التقنيات الإمبريالية للسيطرة التي حازتها الولايات المتحدة لم تعد قيد تصرفها. لذلك توجه جهودها من خلال الميكانيزم الذي كان دوما بحوزة يدها: الثقافة (السيطرة على الحقيقة) والحرب.

تشكلت تكتيكات الإمبريالية المفرطة جزئيا من خلال تجديد الحرب الهجينة، التى تشمل الحرب القانونية والعقوبات المفرطة والإستيلاء على الاحتياطات القومية والأصول، وأساليب أخرى من الحرب غير العسكرية. يتم نشر أدوات تكنولوجية جديدة للمراقبة والاتصالات المستهدفة لشن السيطرة الإمبريالية على معركة الأفكار. وقد شمل ذلك تنفيذ أساليب أكثر انحرافا وسرية ضد الحقيقة، مثل السجن السياسي لناشر ويكيليكس جوليان أسانج، الذي كشف العديد من الجرائم الضخمة في حق عالم الجنوب.

خسرت الهيمنة تاريخيا في ثلاثة مراحل: الإنتاج، التمويل، العسكرية.

فقدت الولايات المتحدة هيمنتها في الإنتاج لكنها ما تزال تحتفظ بمناطق من الهيمنة التكنولوجية، بالإضافة إلى تلك التي تشمل المجال العسكري. إنها تشهد تحديا لهيمنتها المالية على الرغم من أنه ما يزال في مراحل مبكرة جدا ويدور حول وضع الدولار الأمريكي. وعلى الرغم من أن الإنخفاض في الجوانب الاقتصادية والسياسية ربما يكون سريعا إلا أنها ما تزال محتفظة بالهيمنة العسكرية خالقة ميل للولايات المتحدة للسعي للتغلب على عقبات الإنخفاض الاقتصادي عبر الحل العسكري أو ما هو مرتبط بالوضع العسكري. 

لقد حددت الولايات المتحدة الصين كمنافس إستراتيجي لها. إن برنامج الحد الأدنى للولايات المتحدة هو الكبح والتقليص الاقتصادي للصين، بشكل كاف لضمان إستمرار مستقبل الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة.

رأسمالية الولايات المتحدة عقلانية من منظورها في محاولاتها للحد من صعود الصين. سيؤدي الفشل في القيام بذلك إلى تدهور الميزة النسبية التي تتمتع بها الولايات المتحدة في السيطرة على مستويات عالية من قوى الإنتاج والامتيازات الاحتكارية الناتجة عن هذه السيطرة. هناك توافق شبه كامل بين الجهات الفاعلة في الولايات المتحدة للإستمرار على إدارة الإنفصال عن الصين (على الرغم من شبه استحالة إعادة تحديث القوى الإنتاجية الأمريكية بالكامل محليا) وعلى تعزيز الاستعدادات العسكرية ضد الصين.

إن عالم الشمال هو كتلة موحدة عسكريا، وسياسيا، واقتصاديا مكونة من 49 دولة. تشمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا وإسرائيل واليابان والدول الثانوية في شرق وغرب أوروبا. في الإطار العسكري، تركيا (كعضو في الناتو) والجمهورية الكورية والفلبين (في حقيقة الأمر هي مستعمرات عسكرية للولايات المتحدة) مدرجين في تعرفينا للكتلة العسكرية للولايات المتحدة، على الرغم من أنهم جزء من عالم الجنوب.

تحمل عالم الشمال لأكثر من 20 سنة انخفاضا نسبيا ملحوظ في الاقتصاد، يرافقه انخفاض سياسي واجتماعي وأخلاقي. إن ادعاءاتها “الأخلاقية” الكاذبة بالحقوق المدنية و”حرية الصحافة” أصبحت الآن مجرد مهزلة تامة، إذ تسعى لجعل دعم حقوق الفلسطينيين غير قانوني (تشمل الدعم على الإنترنت). هذا الدعم الكامل للإذلال والدمار للسمر في العالم يذكرنا بالقرون الماضية، ويفضح عما يمكن أن نصفه بـ “الهشاشة البيضاء” الجماعية.

يتشكل عالم الجنوب من مستعمرات سابقة وشبه مستعمرات والقليل من الدول المستقلة الغير أوروبية ومشاريع إشتراكية سابقة وحالية. إن النضالات من أجل التحرر الوطني، والإستقلال، والتنمية، والسيادة الاقتصادية والسياسية ما تزال في حاجة للاكتمال في معظم دول الجنوب.

 

القفزة الأخيرة

 

القفزة الأخيرة كانت لها عدة أوجه لعل أبرزها بالنسبة لتل ابيب أسطورة إسرائيل الكبرى التي طرحها من جديد رئيس وزراء إسرائيل يوم 13 أغسطس 2025 كهدف أساسي، بعد حديثه عن مخطط احتلال قطاع غزة والذي سبقه الوعد بقرب تدمير المقاومة الفلسطينية وكل من يعادي تل ابيب. 

ولكن محاولة ترهيب الجوار تصطدم بواقع أن أكثر من مليون و 200 الف مستوطن يهودي غادروا منذ 7 أكتوبر 2023، والمعدل الشهري ارتفع بنسبة 72 في المئة بعد حرب ال 12 يوما بين تل ابيب وطهران، الاقتصاد الإسرائيلي في حالة سقوط سريعة رغم سخاء الدعم الأمريكي والبعض الأوروبي في ظل نفاق مفضوح عن معارضة حرب الإبادة في غزة. المؤامرة لنزع سلاح المقاومة في لبنان لن تمر رغم الضغوط الأمريكية الغربية لأن إنجاز دلك لا يمكن تحقيقه سوى بتدخل عسكري أمريكي مباشر وهو أمر مستبعد لأن ساسة واشنطن يدركون أن سقوط قتلى أمريكيين في حروب خارجية سيدمر أمريكا من الداخل ولأن تجارب حروب الفيتنام وأفغانستان والصومال وغيرها أثبتت الفشل في مواجهة ثورات شعوب.

مسلسل التهديدات الأمريكية لغالبية دول العالم بالتعريفات الجمركية وإغلاق الأسواق وفرض العقوبات ومصادرة الأصول والأرصدة وتحديد ساعات الفصل والإنذارات وتحريك الأساطيل والأسلحة النووية والتلويح بالحرب العالمية الثالثة وتدمير اقتصاديات روسيا والصين والهند والبرازيل وغيرها، شكلت بدورها القفزة الأخيرة لإمبراطوريات تجد نفسها على سفح جبل منحدر نحو المجهول.

 

هزيمة لأمريكا 

 

القمة التي جمعت الرئيسين الأمريكي، دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، فرضت واقعا جديدا على الساحة الدولية وأكدت مؤشرات تبدل موازين القوى.

ففي صحيفة واشنطن بوست، اعتبر الكاتب، ماكس بوت، في مقاله أن القمة بمثابة "هزيمة" للولايات المتحدة.

وقال إن اجتماع الجمعة بين ترامب وبوتين "لم يكن الأسوأ، لكنه لم يكن جيدا أيضا، إلا من وجهة نظر الكرملين"، ويقارن الكاتب القمة مع اجتماعات سابقة عقدت منذ 8 عقود بين الرؤساء الأمريكيين ونظرائهم الروس.

وأشار إلى قمة ألاسكا لم تكن مثل هلسنكي في عام 2018 حين"أهان ترامب نفسه وبلاده بقبوله تأكيدات بوتين بأن روسيا لم تتدخل في انتخابات 2016، متجاهلاً استنتاجات أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي أكدت العكس".

ورأى أن "أفضل ما يمكن قوله عن قمة ألاسكا هو أنها كان يمكن أن تكون أسوأ".

واستند الكاتب في ذلك، إلى أن ترامب لم يعلن تأييده لمطلب بوتين بأن تسلم أوكرانيا المزيد من الأراضي لروسيا مقابل وقف إطلاق النار، ولم يتفق الزعيمان على تخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا.

لكن الكاتب قال "إن لم تكن قمة ألاسكا كارثية، فقد كانت بالتأكيد هزيمة"، ورأى أن بوتين "خرج منتصراً بشكل واضح من أحدث مواجهاته مع رئيس أمريكي".

 

أوهام إسرائيل الكبرى

 

ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" يوم 13 أغسطس 2025 أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قال في مقابلة مع قناة "آي 24" إنه يشعر بأنه في "مهمة تاريخية وروحية" وأنه "مرتبط بشدة برؤية إسرائيل الكبرى".

وتشمل إسرائيل الكبرى وفق مزاعم إسرائيلية مناطق تضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وجزءا من الأردن ولبنان وسوريا ومصر.

وحين سئل نتنياهو أثناء المقابلة عما إذا كان يشعر بأنه "في مهمة نيابة عن الشعب اليهودي" أجاب بأنه "في مهمة أجيال". وأضاف: "لذلك إذا كنت تسألني عما إذا كان لدي شعور بالمهمة تاريخيا وروحيا، فالجواب هو نعم".

في استكمال حدد نتنياهو يوم الخميس 14 أغسطس، 5 مبادئ أساسية لإنهاء الحرب في غزة.

إعادة جميع الأسرى الأحياء والقتلى على حد سواء،.نزع السلاح كله من قطاع غزة وليس فقط نزع سلاح حماس، بل التأكد من عدم تصنيع السلاح في القطاع وعدم تهريبه إليه.

السيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة، بما يشمل الحزام الأمني.

إدارة مدنية بديلة لا تتبع لحماس ولا للسلطة الفلسطينية، أي "أشخاص لا يربون أبناءهم على الإرهاب، ولا يمولون الإرهاب، ولا يرسلون إرهابيين".

وأضاف نتنياهو: "هذه المبادئ الخمسة ستضمن أمن إسرائيل. هذا هو معنى كلمة النصر".

وختم قائلا: "هذا ما نعمل عليه ويجب على الجميع أن يفهم ذلك".

وفي سياق الحديث عن الوضع في غزة أِكد نتنياهو استمرار العمل على ما سماه خطط التهجير الطوعي لسكان القطاع من مناطق القتال في المقام الأول وخارج القطاع بعد ذلك.

وفي نفس السياق صرح نتنياهو أن إسرائيل تخوض حربا على ثماني جبهات، سبع منها موجهة ضد إيران ومن سماهم وكلائها في المنطقة.

وشدد نتنياهو في مؤتمر صحفي على أن "هذه الحرب تدار بتكامل بين المؤسسات الأمنية والعسكرية وتحت توجيه المستوى السياسي".

وأضاف: "نواجه خيارا واحدا: إما أن ننتصر أو يتم القضاء علينا، ونحن الآن نحقق النصر"، محذرا من أن بعض الأطراف السياسية الداخلية تتبنى "وجهات نظر متطرفة تزعزع الثقة وتؤثر على الجاهزية القتالية".

وردا على تقارير المجاعة في غزة، قال نتنياهو: "صور الأطفال الضعفاء ملفقة، فهم يعانون من أمراض جينية وليس بسبب سوء التغذية"، متهما وسائل الإعلام بـ"نشر الأكاذيب وحملات التشويه ضد إسرائيل".

كما أشاد نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واصفا إياه بـ"الحليف العظيم"، مشيرا إلى قرار ترامب باستخدام "طائرات B-2 لقصف المنشآت النووية الإيرانية". كما هاجم بعض الجامعات الأمريكية واتهمها بـ"تبني أفكار تدعو إلى القضاء على إسرائيل".

وختم تصريحه بالقول: "اليوم لدينا القدرة على الدفاع عن الدولة اليهودية، ولن نتراجع عن تحقيق النصر، بمساعدة المعارضين أو بدونهم".

 

لا يمكن هزيمة حماس

 

بعيدا عن أحلام نتنياهو تناولت وسائل إعلام إسرائيلية مع منتصف شهر أغسطس 2025 الأزمة العميقة التي تواجهها الحكومة والجيش في إدارة الحرب على قطاع غزة، مشيرة إلى فشل المستوى السياسي في تحديد أهداف واضحة للعملية العسكرية، وعجزه عن تحقيق نصر حاسم على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ورأى محللون أن استمرار العمليات العسكرية لن يؤدي إلى تغيير جذري في الواقع، بل سيعيد إسرائيل إلى المربع ذاته الذي بدأت منه، مع اضطرارها للتفاوض في نهاية المطاف بشأن مصير الأسرى المحتجزين لدى حماس بعد مقتل مزيد من الجنود.

وذكر دان هارئيل نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق في حديث للقناة الـ13 إن المستوى السياسي قاد الجيش إلى "طريق مسدود" في غزة بسبب "إدارة فاشلة" للمعركة، مضيفا أن الهدف الحقيقي من إطالة أمد الحرب قد يكون مرتبطا بالانتخابات المقبلة حتى لو كان الثمن المزيد من القتلى.

وشدد هارئيل على أن المشهد لا يقتصر على ساحة القتال، بل يتزامن مع الدفع لتمرير قانون التهرب من الخدمة العسكرية، في وقت يتكبد فيه الجنود والمخطوفون أثمانا باهظة، من دون أن يملك المستوى السياسي رؤية واضحة لما بعد العمليات في القطاع.

من جهته، رأى لواء الاحتياط دورون هارار -وهو قائد وحدة إدارة الأزمات والمفاوضات سابقا- أن إسرائيل ستجد نفسها بعد أشهر قليلة أمام نفس الوضع الراهن، وستضطر إلى الجلوس مع حماس للتفاوض على ملف الأسرى، مؤكدا أن من الأفضل الدخول في هذا المسار منذ الآن.

وأشار هارار إلى أن الإصرار على العمليات العسكرية فقط سيقود إلى نتائج مكررة، لأن "الحل النهائي" سيبقى مرتبطا بالتفاهمات السياسية، وليس بمواصلة العمليات التي تستنزف الجنود دون أفق إستراتيجي واضح.

وفي السياق ذاته، قال المقدم الاحتياط إيلي مايبري للقناة الـ12 إن القتال في قلب مدينة غزة يختلف كليا عن المواجهات السابقة، موضحا أن إدخال كتيبة كاملة إلى مبنى متعدد الطوابق قد يتحول إلى كارثة إذا انهار المبنى أو تعذر تأمينه، مما يعرض قوات بأكملها لخطر الإبادة.

ولفت مايبري إلى أن طبيعة غزة العمرانية المزدحمة تجعل أي تقدم بري محفوفا بالمخاطر، وأن إدارة المعركة في بيئة كهذه تتطلب قرارات ميدانية حساسة، ولا يمكن اختزالها بشعارات سياسية أو توقعات سريعة بحسم المعركة.

أما الباحث في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب عوفر شيلح فقد اعتبر أن إسرائيل اتخذت لأول مرة قرارا يقترب من "جريمة حرب" بشكل معلن من جانب حكومتها، مشددا على أن الجيش المستنزف لا يمكنه تحقيق النصر، لأن "هزيمة حماس عسكريا أمر مستحيل".

وأوضح شيلح أن حماس "قوة حرب عصابات مسلحة" لا يمكن القضاء عليها بالقوة العسكرية، بل فقط عبر خلق بديل قوي يفرض نفسه على المجتمع الغزي، وهو ما لم تسع إسرائيل إلى تحقيقه منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.

وأضاف أن رئيس الأركان إيال زامير كان يعتقد بداية أن العملية العسكرية قد تفتح الطريق أمام صفقة لتبادل الأسرى أو إضعاف حماس، لكنه وبعد مرور أكثر من 6 أشهر أدرك أن هذه الفرضية انهارت، وأن الجيش غير قادر على تحقيق انتصار إستراتيجي.

وبحسب شيلح، فإن زامير يسعى حاليا إلى إرضاء المستوى السياسي عبر إبقاء الجيش في مواقع دفاعية، وتنفيذ عمليات جوية وبرية محدودة فقط، لمنع حماس من إعادة بناء قوتها، من دون الادعاء بإمكانية القضاء عليها.

وخلص المحللون إلى أن إسرائيل عالقة في معركة استنزاف طويلة الأمد، وأن المستوى السياسي يفتقر إلى إستراتيجية بديلة، مما يجعل احتمالات التسوية أو العودة إلى طاولة المفاوضات أكثر ترجيحا من أي حسم عسكري على الأرض.

 

نحو الهاوية

 

في مقال نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية نهاية شهر يوليو 2025، شبه الكاتب عودة بشارات الطبقة السياسية في إسرائيل بقطيع يسوقه رئيس الوزراء نتنياهو نحو الهاوية، في إشارة إلى غياب القيادة الواعية وحالة الانقياد الجماعي الأعمى في الساحة السياسية.

وقال الكاتب إنه شاهد على الشبكة مقطع فيديو متداولا يظهر راعي أغنام يقود قطيعه نحو النهر ثم يقفز في الماء فيتبعه الكلب، ثم تقفز الأغنام الواحدة تلو الأخرى، بترتيب مثالي.

وأضاف أن هناك فيديو آخر يقدم قصة مشابهة بالرسوم المتحركة، ولكن على متن سفينة في عرض البحر، حيث تقفز الحيوانات المسكينة بحماس في أعماق البحر.

وعلّق قائلا "يؤسفني أنني لا أستطيع أن أدخل إلى عقل الخروف الذي يقفز بحماس أو استسلام خلف الراعي وكلبه الوفي. هل هو انقياد أعمى للزعيم؟ أم ضغط اجتماعي؟ أم هو الخوف من أن تُكسر قواعد الجماعة؟".

كما يؤكد الكاتب أن الواقع السياسي في إسرائيل يذكره بلعبة شهيرة في الطفولة تعرف بـ"حسن قال"، حيث يطيع اللاعبون الأوامر فقط عندما تبدأ بجملة "حسن قال"، بينما يخسر من يطيع أمرا لا تسبقه تلك الجملة.

واعتبر بشارات أن هذه اللعبة تمارس اليوم في الساحة السياسية الإسرائيلية، لكن اسمها "بيبي قال"، فإذا قال نتنياهو إنه لن يعترف بالدولة الفلسطينية، يقفز خلفه يائير لابيد ثم بيني غانتس، ثم بقية المعارضة، دون أي تفكير، فالكل ينفذ فقط ما يقوله بيبي.

ويرى الكاتب أن تفاخر إسرائيل بديمقراطيتها وتعدد الآراء فيها، ليس إلا ادعاء زائفا لأن تلك الآراء فارغة وتفتقد إلى العمق ولا تناقش القضية الأهم، أي طريقة إنهاء الصراع مع الفلسطينيين.

وأشار إلى أن الإجماع شبه التام بين الأحزاب الكبرى على رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفضح العجز الجماعي عن اتخاذ قرارات مصيرية تتجاوز شعارات التعددية.

ويقول الكاتب إنه في ظل صمت الطبقة السياسية الإسرائيلية عن المجاعة في غزة باستثناء عضو الكنيست غلعاد كاريف، وغياب أي أفكار لحل الأزمة واستشراف اليوم التالي للحرب، شعر ببعض التفاؤل قبل أيام عندما وجد مقالا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك بعنوان "نداء طارئ"، لكن سرعان ما تبددت آماله عندما انتهى من قراءة المقال ولم يجد فيه أي خطة عملية أو فكرة للخروج من الأزمة.

أما من تبقى من "أنصار السلام"، فقد وصفهم الكاتب بمقولة "أيتام على موائد اللئام"، في إشارة إلى أنهم معزولون، بلا دعم ولا ظهير سياسي، مثل عضو الكنيست، اليساري عوفر كسيف، الذي حوصر إعلاميا بسبب مواقفه الجريئة المدعومة بمعرفة تاريخية دقيقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

 

الاقتصاد الإسرائيلي ينكمش

 

أفادت القناة "13" الإسرائيلية يوم 14 أغسطس أن الاقتصاد الإسرائيلي انكمش بنسبة 3.5 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2025، وذلك للمرة الأولى منذ بداية الحرب.

وبحسب بيانات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي، أوضح التقرير أن الحرب مع إيران انعكست بشكل سلبي على النتائج الاقتصادية.

وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قد كشفت في وقت سابق أن الاقتصاد الإسرائيلي خسر عشرات المليارات من الشواكل نتيجة الحرب الإسرائيلية على إيران، مؤكدة أن الحرب التي استمرت 12 يوماً ألحقت أضراراً بالناتج المحلي الإسرائيلي بنحو 52 مليار شيكل (أكثر من 14 مليار دولار أمريكي).

وأضافت: "حتى لو افترضنا أنه يمكن تعويض نصف الضرر في النشاط الاقتصادي من خلال نشاط معزز لاحقاً، فلا يزال الحديث عن ضرر يبلغ نحو 26 مليار شيكل، أي 1.3 في المئة من الناتج، وهو مبلغ كبير".

وفي سياقٍ متصل، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن الكلفة الاقتصادية للحرب المستمرة على قطاع غزة بلغت حتى الآن نحو 300 مليار شيكل (نحو 81 مليار دولار أمريكي)، مع ترجيحات بأن الرقم قد تم تجاوزه بالفعل.

وصرح شاؤول أمستردمسكي، معلّق الشؤون الاقتصادية في قناة "كان" الإسرائيلية، إن هناك نقاشاً داخلياً دائراً في وزارة المالية بشأن هذا الرقم، موضحاً أن جزءاً كبيراً من الكلفة يتعلّق بالعمليات العسكرية.

وكان مدير وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال" للتصنيف الائتماني مكسيم ريبنيكوف، قد استبعد رفع التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" قبل انتهاء الحرب في قطاع غزة، لأنها تؤثّر في اقتصادها ووضعها المالي بشكل خطير.

 

الثقل الديموغرافي

 

نشرت مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأمريكية منتصف شهر أغسطس 2025 مقالا يتناول الاستراتيجية الإسرائيلية في الشرق الأوسط بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، مركزا على تحليل قدرتها على الهيمنة الإقليمية والقيود التي تواجهها.

منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، غير أن المقال يتجاهل أن قوة إسرائيل نابعة أساسا من الدعم والمشاركة الأمريكية وانه بدون دعم واشنطن لا تستطيع تل ابيب الاستمرار في المواجهة سياسيا وعسكريا وإقتصاديا سوى لفترة قصيرة. 

المقال رغم ذلك يتضمن معلومات مفيدة.

"انتقلت "إسرائيل" من موقف الدفاع النشط إلى موقف الهجوم النشط. وقد تجلّى هذا التحول من خلال حملة واسعة النطاق على مستوى مسرح العمليات، امتدت من غزة وجنوب لبنان إلى سوريا واليمن، ومؤخراً مباشرة داخل إيران. ورغم أن إيران وحلفاءها كانوا الهدف الأساسي للقوات الإسرائيلية، فإن ضرباتها لم تقتصر عليهم فقط، بل استهدفت أيضاً عناصر من النظام السوري المعاد تشكيله، رغم معارضة الحكومة السورية الجديدة لإيران وقربها من أنقرة.

أدت شمولية هذه العمليات إلى استنتاج العديد من المراقبين أن "إسرائيل" تطمح إلى أن تصبح مهيمنة على الشرق الأوسط. وهذه الفكرة ليست بعيدة عن التصور. فالنظريون الواقعيون، مثل جون ميرشايمر، يجادلون بأن السعي وراء الهيمنة الإقليمية هو ضرورة طبيعية للدول. ومع ذلك، قد تكون الطريق أمام "إسرائيل" نحو الهيمنة مسدودة بقيود هيكلية ملموسة. فالهيمنة المستدامة تقوم على ركيزتين: الأولى تتمثّل بالقدرة المادية، والقوة العسكرية، والاستخبارات المتقدمة، والردع الموثوق أمام الخصوم المحتملين. أما الثانية فهي مخزون من القوة البنيوية أي السكان، والمساحة، والعمق الاستراتيجي، والموارد الطبيعية، والوزن الديموغرافي القادر على دعم مكانة قوة عظمى.

في الركيزة الأولى، "إسرائيل" مجهزة جيداً للهيمنة. أما في الثانية، فهي بوضوح أقل من المطلوب. فبالرغم من إنجازاتها اللافتة لـ "دولة" صغيرة الحجم، فهي في نهاية المطاف "دولة" لا يتجاوز عدد سكانها سبعة ملايين نسمة، مضغوطة في مساحة أصغر من ولاية نيوجيرسي. لا شك أن "إسرائيل" قوية، لكن على المستوى البنيوي، تفتقر إلى المقومات الديموغرافية والجغرافية اللازمة للهيمنة طويلة الأمد. فإذا كانت الهيمنة الكاملة بعيدة المنال، فما الهدف الذي تسعى إليه "إسرائيل" إذاً؟.

تشير الأدلة إلى أن "إسرائيل" تتبع نموذجاً مختلفاً تماماً. فبدلا من أن تصبح "أمريكا" الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين، القوة العظمى القادرة على فرض إرادتها على الدول الأصغر من خلال التعاون الدبلوماسي أو القوة، تتبنى "إسرائيل" نموذج بريطانيا في القرن التاسع عشر. إنها تنتهج استراتيجية "الموازنة من الخارج"، مركزة على منع أي دولة منافسة من السيطرة أكثر من اهتمامها بحكم المنطقة بنفسها.

 

دروس الإمبراطورية البريطانية

 

من منتصف القرن الثامن عشر وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، حافظت بريطانيا على توازن أوروبا عبر رافعتين: دبلوماسية توازن القوى والسيطرة المطلقة على البحار. وكلما هدد طامح قاري كفرنسا البوربونية، فرنسا النابليونية، أو ألمانيا القيصرية، بزعزعة التوازن، تحالفت لندن مع الدول الأضعف لاستعادة التكافؤ. وكانت بحريتها التي لا تضاهى تضمن حرية الحركة البحرية لتجارتها، بينما تمنحها القدرة على الحصار أو القصف أو الاستيلاء على موانئ الخصوم. 

الإجابة الإسرائيلية في القرن الحادي والعشرين هي صيغة ثلاثية: (1) الموازنة الإقليمية، (2) السيطرة على الأجواء، و(3) الهيمنة في الظل.

أولا، الموازنة الإقليمية. تبني "إسرائيل" بانتظام تحالفات مؤقتة حول تصورات مشتركة للتهديد. المثال الأكثر وضوحاً هو علاقاتها الوثيقة والمتنامية مع الانظمة الخليجية وبنيتها الأمنية المشتركة رداً على التهديد الإيراني. والأقل ملاحظة كان ضغطها الهادئ في واشنطن لعدم إجبار روسيا على مغادرة سوريا بعد الحرب. فرغم الخلافات الأمريكية مع الكرملين في أماكن أخرى، ساعد الوجود الروسي في سوريا على كبح القوة التركية، مما حافظ على توازن هش على الحدود الشمالية لـ "إسرائيل".

حتى إقناع "إسرائيل" الأخير للولايات المتحدة بالتدخل العسكري ضد إيران، مما أدى إلى قصف منشأة فوردو النووية الإيرانية وغيرها بواسطة قاذفات "B-2" الأمريكية المزودة بقنابل خارقة للتحصينات في 22 يونيو 2025، يعكس الاستراتيجية البريطانية الكبرى أثناء حرب السنوات السبع في منتصف القرن الثامن عشر. حينها، وبالرغم من تفوقها البحري، افتقرت بريطانيا لقوة برية فعالة في أوروبا، فتحالفت مع فريدريك الأكبر ملك بروسيا لتعويض هذا النقص. وبالمثل، لجأت "إسرائيل"، غير القادرة على اختراق التحصينات العميقة للمنشآت النووية الإيرانية، إلى الولايات المتحدة، وبهذا عوضت تهديد البنية النووية الإيرانية بالقوة الجوية الأمريكية، تماماً كما فعلت بريطانيا مع حلفائها القاريين.

 

السيطرة على الأجواء

 

ثانياً، السيطرة على الأجواء. تماماً كما سيطرت بريطانيا على البحار في القرن التاسع عشر، تسيطر "إسرائيل" على الأجواء فوق الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين. فالقوات الجوية الإسرائيلية تمتلك أكثر شبكات الضربات والاستخبارات والمراقبة والدفاع الجوي تطوراً في المنطقة، وتستخدم هذه الميزة بدقة منهجية. فمنذ بدء عملياتها المستمرة فوق سوريا عام 2015، خسرت "إسرائيل" طائرة مأهولة واحدة فقط هي مقاتلة "F-16" في 2018، بينما دمرت باستمرار أهدافاً عالية القيمة على الأرض. والغارات الأخيرة ضد الحوثيين في اليمن والضربات الدقيقة في عمق إيران أظهرت قدرة على التزود بالوقود جواً لمسافات طويلة، ما يتجاوز حدودها الجوية التقليدية.

بالنسبة لـ "إسرائيل"، فإن التفوق الجوي هو درع ورمح في آن واحد: فهو يسبق التهديدات قبل نشوئها، ويضعف محاولات الدول الأخرى لبسط نفوذها، كما في القصف المكثف ضد النظام السوري المعاد تشكيله. ويرى المسؤولون الإسرائيليون أيضاً في دمشق ممراً محتملا لعودة النفوذ التركي؛ وقد صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علناً بأن "الإمبراطورية العثمانية لن تعود قريباً"، في إشارة ضمنية إلى عزم تل أبيب على منع أنقرة من بسط نفوذها في المشرق.

ثالثاً، "الهيمنة في الظل". أي التفوق الشامل على مستوى المنطقة في مجال التجسس والتخريب والعمليات السرية. قلّة من الدول تضاهي قدرة "إسرائيل" على جمع وتنفيذ معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ عبر مسارح متعددة في وقت واحد. من اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية داخل دار ضيافة بطهران، إلى الهجوم على البنية التحتية للاتصالات التابعة لحزب الله، وصولا إلى اغتيال زعيم الحزب حسن نصر الله، كان دور "إسرائيل" واضحاً. وفي داخل إيران نفسها، أنشأ الموساد شبكة معقّدة من الخلايا النائمة، ونفّذ اغتيالات لعلماء نوويين، وحتى شغل طائرات مسيرة من قاعدة جوية سرية داخل الأراضي الإيرانية.

كما تبنت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تقنيات الذكاء الاصطناعي والمراقبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال. وتستخدم وحدة "9900" في "الجيش" الإسرائيلي، المسؤولة عن جمع وتحليل البيانات عبر الأقمار الصناعية، خوارزميات متقدمة لتحليل تيرابايتات من البيانات البصرية، واكتشاف تغييرات طفيفة قد تشير إلى تحركات أو بنى تحتية لحزب الله. ومع دمج الاستخبارات البشرية (HUMINT) والإشاراتية (SIGINT) وصور الأقمار الصناعية الفورية، تنتج شبكة استخبارات متعددة الطبقات قادرة على تعقب التهديدات. وفي هذا المعنى، لا يعد التجسس مجرد قدرة مستقلة، بل هو طبقة استشعار تغذّي السيطرة الجوية وتمكن الموازنة الاستراتيجية.

وباختصار، إذا كانت "إسرائيل" تفتقر إلى الوزن الديموغرافي والجغرافي لفرض نظام مهيمن خاص بها في الشرق الأوسط، فإنها أنشأت، بدلا من ذلك، نظاماً مصمماً لمنع أي طرف آخر من فعل ذلك. إن مزيج الموازنة الانتقائية، والتفوق الجوي، والهيمنة الاستخباراتية يشكل عقيدة "الحرمان من الهيمنة". إنها وضعية تهدف إلى الحيلولة دون حكم الآخرين أكثر من سعيها للحكم، بهدف الحفاظ على توازن مستقر للقوى في الشرق الأوسط ومنع أي منافس خارجي من تهديد بقاء "إسرائيل" على المدى الطويل.

 

عمر نجيب

[email protected]