خطر الحرب يتأرجح بين الصين والولايات المتحدة.... القوى العظمى تضعف وتتراجع تدريجيا ولا تنهار بسرعة

ثلاثاء, 2022-11-22 01:15

منتصف سنة 2022 ويوم 17 يونيو أعلن مسؤولون عن "ساعة القيامة" انه لم يعد يفصل العالم عن قيام حرب نووية سوى دقيقتان فقط، بتوقيت هذه الساعة. يذكر أن "ساعة القيامة" هي ساعة رمزية تم استحداثها عام 1947 من قبل مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو.

وتنذر هذه الساعة بقرب نهاية العالم بسبب الصراع والسباق الجاري بين الدول النووية، حيث إن وصول عقارب الساعة إلى وقت منتصف الليل يعني قيام حرب نووية تفني البشرية، أما توقيتها الآن فهو دقيقتان قبل منتصف الليل.

وكانت أبعد مسافة مسجلة للساعة عن منتصف ليل "يوم القيامة"، هي 17 دقيقة، وذلك عقب نهاية الحرب الباردة في تسعينات القرن العشرين.

نزاعات وحروب مستعرة أو في حالة انتظار وأخطار في التقدير يمكن أن تأتي بالانفجار الكبير. المرحلة التي يعيشها العالم مع نهاية السنة الثانية من العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين تعتبر أخطر من العديد من سابقاتها ذلك لأن في خلفية غالبية نوعيات وصور الصراع الدائرة، الرهان على شكل النظام العالمي القادم ونهاية أو استمرار النظام الذي ساد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية العقد التاسع من القرن العشرين.

شكل التدخل العسكري الروسي بتاريخ 30 سبتمبر 2015 لدعم دمشق في الحرب شبه الدولية الدائرة في بلاد الشام المدخل الفعلي للجهود الروسية لمواجهة التفرد الأمريكي الغربي في التحكم بمصائر دول العالم المصنفة غربية كعدوة والأقل قوة. وفوق ارض بلاد الشام وعلى محور تصارع قوى إقليمية من أجل النفوذ المحلي وتدخل غربي مباشر أو عبر حوالي 180 ألف مسلح من 80 بلدا حسب تقديرات الأمم المتحدة، تم صقل أدوات واستراتيجيات المواجهة المتجددة في وسط شرق أوروبا بأوكرانيا بين روسيا وحلف الناتو، وكذلك في شرق آسيا بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة والصين وروسيا وداعميهماالمختلفين.

منذ مطلع القرن الواحد والعشرون، أخذت الولايات المتحدة تراجع أولويات اهتمامها وحساباتها الإستراتيجية وفقا للمتغيرات الدولية، لاسيما بعد ان أصبحت الصين القوة الاقتصادية الثانية عالميا، لتعيد اهتمامها الاستراتيجي المباشر للمنطقة من خلال تبني إستراتيجية إعادة التوازن، وإعادة توصيفها للمنطقة لتضم منطقة المحيط الهادي والمحيط الهندي ضمن مفهوم "الاندو- باسفيك".

لا أحد يجادل بأن الولايات المتحدة في حالة انحدار نسبي، لكن أنصار المحافظين الجدد في واشنطن يجادلون أن هذا لا يعود إلى صعود الصين والهند والبرازيل وبقية سرب النمور، بل إلى أوضاع الولايات المتحدة الداخلية، على الصعيدين السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي. فآسيا الصاعدة حسب وجهة نظرهم لا تزال في حاجة إلى سنوات عدة كي تصل إلى موازنة القوة الأمريكية عسكريا واقتصاديا.

يقول الباحث مايكل هدسون عالم الاقتصاد الأمريكي، أن العالم يشهد تحولات ضخمة في موازين القوى بسبب صعود القوى الكبرى الآسيوية الثلاث الصين والهند واليابان معا للمرة الأولى في التاريخ، إلا أن الصحيح أيضا حسب رأيه، أن أيا منها أو حتى كلها مجتمعة، لا تطمح ولا هي قادرة على الحلول مكان الزعامة الأمريكية في العالم في المرحلة الراهنة.

التطورات التي يشهدها العالم منذ ما يوازي تقريبا عشر سنوات تدحض هذه التوقعات وتشير إلى أن العالم دخل فعلا مرحلة التحولات المتسارعة في معادلة موازين القوى، هذه الوضعية تنعكس على علاقات بكين وواشنطن وتقدم تفسيرا لتصاعد خطر المواجهة العسكرية خاصة بعد تعزز التحالف بين الصين وروسيا.

في عام 1816 نسبت إلى الإمبراطور نابليون الأول في سانت هيلين قوله: "اتركوا الصين نائمة، فالصين عندما تستيقظ سيرتجف العالم كله."

تروج واشنطن بإستمرار في عهد الرئيس جو بايدن لفكرة أنها لا تسعى للدخول في صراع مفتوح مع بكين حتى أن الرئيس الأمريكي صرح بعد لقاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ منتصف نوفمبر 2022 أنه من الممكن إدارة الاختلاف مع الصين دون تحول المنافسة إلى صراع، غير أن تصرفات البيت الأبيض تسير في عكس هذه المقولة.

 

البنتاغون والتحدي الصيني

 

يوم 19 نوفمبر 2022 صرح وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن في منتدى هاليفاكس للأمن الدولي 2022 الذي استضافته كندا: "الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ "تدفع باتجاه شيء مختلف للغاية عن رؤية الولايات المتحدة لنظام دولي حر ومستقر ومنفتح".

وأضاف: "إننا لا نزال يقظين بشأن التحدي الذي تمثله الصين. وأصبح النشاط العسكري الصيني في مضيق تايوان أكثر خطراوأكثر استفزازية. طائرات جيش التحرير الشعبي الصيني تطير بالقرب من تايوان بأعداد كبيرة بشكل شبه يومي".

ووفقا لأوستن، هناك زيادة في المواجهات الخطيرة بين الطائرات الصينية والقوات الجوية الأمريكية وحلفائها، بما في ذلك كندا، "الذين يتواجدون بشكل شرعي في المجال الجوي الدولي فوق بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي". واشار أوستن إلى الحرب الروسية ضد أوكرانيا كتحد آخر واتهم موسكو وبكين بالرغبة في بناء عالم قائم على حكم الأقوياء.

قبل ذلك ويوم الأربعاء 16 نوفمبر صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية مارك ميلي بأن الولايات المتحدة لن تسمح بتحول الجيش الصيني إلى أقوى جيش في العالم. وذكر ميلي خلال مؤتمر صحفي، "نحن سنكون الأولين في العالم بعد خمس سنوات وبعد عشر سنوات وبعد خمسين عاما، ولن نسمح للصين بأن تكون الأولى في العالم".

وتابع قائلا إن الصين تعتزم "تحقيق المساواة أو تجاوز الولايات المتحدة من الناحية العسكرية"، وإن بكين تعمل على تنفيذ هذه المهمة. وأضاف: "لكننا لا نراوح مكاننا ونعمل على ذلك أيضا... وما دمنا في المركز الأول عالميا فسنقوم بردع الحرب التي يخشاها الكثير من الناس، الحرب بين الدولتين العظميين أي بين الصين والولايات المتحدة".

بدوره، أكد وزير الدفاع لويد أوستين أنه على الولايات المتحدة والصين الحفاظ على قنوات الاتصال بين العسكريين، على اعتبار أنهما دولتان كبيرتان ولهما قدرات عسكرية كبيرة. وأضاف: "آمل في أنهم سيفتحون قنواتهم للاتصال، ليس فقط على المستوى الوزاري بل وعلى مستوى رئيسي الأركان".

يذكر أن البنتاغون نشر في أكتوبر 2022 الإستراتيجية الجديدة للدفاع الوطني، التي تشير إلى الصين بمثابة أكبر تحد بالنسبة لواشنطن.

 

القرن الـ21 عصر منطقة آسيا

 

يوم 18 نوفمبر 2022 ذكر البنتاغون الأمريكي نرفض تعزيز الدول علاقاتها العسكرية مع روسيا والصين. وقال نائب وزير الدفاع الأمريكي، كولين كال: "تعتبر الولايات المتحدة أنه من المقبول أن تقيم دول أخرى علاقات مع الصين، لكن من غير المرغوب تعميقها في المجال العسكري، لأن "المخاطر كبيرة جدا" مقابل "مكافأة بسيطة".

وأكد أن ذلك ينسحب على العلاقات بين الدول وروسيا أيضا، وأضاف: "على الصعيد الأمني​​، مزايا العلاقات مع بكين وموسكو محدودة".

يشير محللون في العاصمة الأمريكية واشنطن أن تقدم وتوسع علاقات بكين في مناطق عديدة من العالم أحيت المخاوف من التصريحات التي أدلى بها الرئيس الصيني مطلع سنة 2017 حين قال: “الصين مستعدة لملء الفراغ في القيادة العالمية الناجم عن تحول الولايات المتحدة الأمريكية للداخل أكثر من كونها قوة عالمية”.

في رد على التحديات الأمريكية وبتاريخ 17 نوفمبر 2022 أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى أن القرن الحادي والعشرين هو عصر منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي حققت بالفعل نتائج عظيمة في الاقتصاد وستحقق المزيد بالمستقبل. وجاء ذلك ضمن رسالة مكتوبة وجهها الرئيس الصيني إلى قمة أبيك في بانكوك، ونشرتها وزارة الخارجية الصينية.

وأضاف الرئيس الصيني: "القرن الـ21 هو قرن منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتمثل هذه المنطقة ثلث سكان العالم وأكثر من 60 في المئة من الاقتصاد العالمي وما يقرب من نصف التجارة. هذه هي منطقة النمو الأكثر ديناميكية للاقتصاد العالمي".

ووفقا لشي فإن دول المنطقة حققت بالفعل نتائج اقتصادية بارزة، وستتمكن في المستقبل من كتابة "فصل أكثر روعة".

 

قوة الصين الاقتصادية

 

تختلف التوقعات بشأن خطر نشوب نزاع مسلح بين بكين وواشنطن، يوم 12 أكتوبر 2022 أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اعتقاده بأن الصين القوية اقتصاديا في غنى عن اللجوء إلى قوة السلاح لتحقيق أهدافها.

وفي كلمة ألقاها أثناء الجلسة العامة لمنتدى "الأسبوع الاقتصادي الروسي"، قال بوتين: على حسب معرفتي للفلسفة الصينية، بما في ذلك في مجال بناء الدولة وشؤون الإدارة، فهي لا تقتضي استخدام القوة.. الصين قوة اقتصادية عملاقة، ومن حيث تعادل القدرة الشرائية، فقد سبقت الولايات المتحدة لتصبح أول اقتصاد في العالم. وفي مقدور الصين أن تحقق أهدافها الوطنية عبر تطوير قدراتها هذه".

وذكر الرئيس الروسي أنه لا يتوقع لجوء الصين إلى قوة عسكرية لحل مشكلة تايوان، لافتا إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ في إحدى خطاباته الأخيرة أكد عدم نية بلاده حل مشكلة ما بقوة السلاح.

وفي تطرقه إلى خلافات بين دول في بحر الصين الجنوبي أشار بوتين إلى أن روسيا تتمسك بضرورة إعطاء دول المنطقة إمكانية لحل جميع خلافاتها بهدوء وعبر عملية تفاوضية واستنادا إلى القواعد الأساسية للقانون الدولي، بعيدا عن تدخل دول خارجية بالمنطقة".

كما أعلن بوتين أنه يعتبر الصين شريكا موثوقا جدا لروسيا، مشيرا إلى أن التبادل التجاري بين البلدين يزداد بشكل مطرد. وذكر الرئيس الروسي أن التبادل التجاري بين بلاده والصين سيقدر بمبلغ يتجاوز 100 مليار وفقا لنتائج الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، بل ويمكن أن يبلغ مستوى قياسيا نهاية العام، وذلك وسط الكساد العام الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي.

إذا كان سيد الكرملين يقدر أن القوة الاقتصادية كافية لاستبعاد فرضية الحرب بين بكين وواشنطن فإن هناك من يخالف ذلك فقد جاء في تحليل نشرته مجلة لوبوان Le Point الفرنسية في 11 أغسطس 2022: لا شك أن التصعيد بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان نبأ سيئ لازدهار العالم وأمنه، خصوصا أن الهوة بين القوتين ما فتئت تتسع لدرجة أنهما لم تعودا تتعاونان في مجالات كانت محل إجماع مثل التغير المناخي، ويمكن لأدنى خطأ في التقدير من قبل أي منهما أن يتسبب في كارثة.

وأوضحت لوبوان في مقال لكاتبها لوك دو باروشي أن الصواريخ الصينية التي حلقت في سماء تايوان يوم 4 أغسطس لم تعكس غضب بكين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايبيه فحسب، بل أظهرت كيف يتفاقم العداء بين بكين وواشنطن.

فالعالم، وفقا للكاتب، مختلف عما كان عليه عام 1995 عندما لم يحتج الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون إلا إلى إرسال حاملتي طائرات لإخماد توتر في مضيق تايوان، وهو طريق بحري أساسي للتجارة العالمية.

ولفت المقال إلى أن الجيش الصيني لم يكن آنذاك يضاهي القوة الأمريكية، وهو ما تغير الوقت الحالي. فالصين بنت، بصبر، ما يكفي لخوض حرب مع أمريكا، فلديها اليوم قوات بحرية قوية وقدرات صاروخية متقدمة، ويمكن لأدنى خطأ في التقدير من قبل أحد الطرفين المتنازعين أن يتسبب في كارثة.

ويزعم الكاتب أن هدف الزعيم الصيني من احتواء تايوان لا يختلف كثيرا عن هدف نظيره الروسي فلاديمير بوتين من احتواء أوكرانيا، فكلاهما لا يمكنه "التعايش مع نموذج ليبرالي بجواره يمكن أن يعطي أفكارا تخريبية للشعوب التي يحكمانها بقبضة من حديد".

وهذا، حسب الكاتب، ما جعل الديمقراطيات الآسيوية، التي تخشى أن تعامل بكين تايوان بنفس الطريقة التي يعامل بها الكرملين كييف، تتطلع أكثر من أي وقت مضى إلى دعم واشنطن.

مجلة "لوبس" الفرنسية ذكرت من جانبها إن خبرين عن الأسلحة الصينية نشرا حديثا سيغيران بوجه جذري رأي العالم في التنافس بين بكين وواشنطن، إلى درجة أن قائد جيش الولايات المتحدة الجنرال مارك ميلي أعلن "أننا نشهد واحدا من أكبرالتحولات في القوة الجيوستراتيجية لم يشهد العالم مثله على الإطلاق". وأوضحت المجلة في تقرير بقلم فنسان جوفير أن الصدمة الأولى كانت عندما كشفت "فاينانشيال تايمز" (Financial Times) يوم 16 أكتوبر 2022 أن الجيش الصيني نجح قبل 3 أشهر في الدوران على ارتفاع منخفض حول الأرض بصاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت 5 مرات، ويتحكم فيه عن بعدوهذا تفوق مطلق حاليا. 

 

الحرب

 

أورد مقال بمجلة ريسبونسيبل ستيتكرافت الأمريكية "Responsible Statecraft" خلال شهر أكتوبر 2022 أن أي حرب بين الولايات المتحدة والصين ستكون لها عواقب تشمل كل العالم مع تأثير أكبر بكثير من الحرب الروسية الأوكرانية، وستكون كارثة يجب أن يتجنبها الجميع.

وذكرت المجلة -التي يصدرها معهد كوينسي للإدارة المسؤولة للدول بواشنطن "Quincy Institute for Responsible Statecraft"- في مقال إنه لا يمكن احتواء حرب تشارك فيها الولايات المتحدة والصين بسهولة، ونقلت عن مايكل أوهانلون من معهد بروكينغز تحذيره من احتمال توسع الصراع أفقيا ليشمل مناطق أخرى، وعموديا بتهديدات الأسلحة النووية أو استخدامها الفعلي، و"يمكن أن تصبح حرفيا أسوأ كارثة في تاريخ الحروب".

ونقل المقال، الذي كتبه دوغ باندو المتخصص في الشؤون السياسية، عن مايكل بيكلي وهال براندز من معهد أمريكان إنتربرايز بواشنطن، أنه إذا اندلع الصراع بالفعل، فلا ينبغي للمسؤولين الأمريكيين أن يكونوا متفائلين بشأن الكيفية التي سينتهي بها، إذ سيتطلب كبح أو عكس مسار الهجوم الصيني غرب المحيط الهادي استخداما مكثفا للقوة، ولن تعترف بكين بالهزيمة حتى لو فشلت في تحقيق أهدافها الأولية.

ومن الناحية التاريخية، كما يقول الباحثان، فإن الحروب الحديثة بين القوى العظمى عادة ما تطول، وكل هذا يشير إلى أن الحرب بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن تكون خطيرة بشكل لا يصدق.

ويضيف الكاتب إن عواقب مثل هذا الصراع ستظهر في كل العالم، مع تأثير أكبر بكثير من الحرب الروسية الأوكرانية، إذ سيتم تدمير الصناعة التايوانية تماما، وفرض عقوبات من الحلفاء ضد بكين وشركائها التجاريين، وستجبر الدول الكبيرة والصغيرة على الانحياز لأحد الجانبين، وتقاطع كل من أمريكا والصين تجاريا بعضهما البعض، إن لم يكن الدول الأخرى.

وأضاف أنه إذا غزت الصين تايوان، فإن منطقة المحيطين الهندي والهادي ستغرق في حرب واسعة طويلة الأمد يمكن أن تشمل هجمات مباشرة على الولايات المتحدة، بما في ذلك هاواي وربما البر الأمريكي.

ويتوقع الكاتب هزيمة الولايات المتحدة وحلفائها على المدى الطويل لأنه، كما يقول، من غير المرجح أن يستسلم الشعب الصيني للهزيمة، وأن الجغرافيا والقومية والمصلحة ستدفع بكين المهزومة، مثل ألمانيا المهزومة بعد الحرب العالمية الأولى، إلى إعادة التنظيم وإعادة التسلح من أجل مباراة العودة في المستقبل. وستكون الولايات المتحدة، التي تواجه شيخوخة سكانها وتسونامي الديون، مترددة في إنفاق مئات المليارات سنويا ليس لأمنها فقط بل لمراقبة آسيا بشكل دائم على بعد آلاف الأميال.

وصرح أيضا إن حربا مثل هذه ستكون أول حرب تقليدية كبرى بين القوى النووية. وقد تجد الحكومتان صعوبة في تجنب اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل. واستخدام الصين لقواعد البر الرئيسي سيجبر الولايات المتحدة على استهدافها. وستكون أهداف الصين على الأقل ممتلكات وقواعد أمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، مما يسفر عن قتل الكثير من المدنيين، وستشعر كل من بكين وواشنطن بالضغط للتصعيد، وهو ما لن يكون له نقطة توقف واضحة.

 

استنساخ أخطاء سياسة بايدن

 

حرب في آسيا قد تنشب بسبب تكرار الولايات المتحدة لنفس خطأ توسع الناتو في أوروبا، وذلك عبر سياسات بايدن ضد الصين، ولكن هذه الحرب ستكون مدمرة أكثر من الصراع الأوكراني، وستلحق خسائر ضخمة بالولايات المتحدة نفسها. 

وهناك أوجه تشابه لافتة بين سياسات بايدن ضد الصين الحالية وسيناريو توسع الناتو الذي أغضب روسيا وأدى إلى حرب أوكرانيا الدائرة حاليا، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر خلال شهر مايو 2022.

وثارت مناقشات محمومة بين المحللين وصناع القرار حول مستقبل الناتو أوائل التسعينيات، بعدما ترك انهيار الاتحاد السوفييتي الجيش الروسي في حالة من الفوضى. والتمست الدول القريبة من روسيا توفير الحماية لها من تهديد مستقبلي هي على يقين بظهوره بعد أن تلملم موسكو شتات نفسها. على أن آخرين رأوا مستقبلا مختلفا، مستقبلا تصبح فيه روسيا دولة متعاونة شبه منزوعة السلاح ومندمجة مع أوروبا. وقالوا إنه لن تعود حاجة إلى الناتو إذا تحقق هذا السيناريو.

وإحياء الحديث عما كان متوقعا وما لم يكن كذلك، أصبح مهماالآن لتحليل ما تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها في شرق آسيا، التي تشهد تعزيزات عسكرية قد تكون مصيرية. 

الروس حذروا بشكل واضح من توسع الناتو، والصينيون الآن يكررون التحذير ذاته ففي التسعينيات، لم يكن واضحا ما إذا كانت روسيا ستجدد طموحاتها العسكرية. 

على أن المسؤولين الروس قالوا بوضوح غير مرة، إنهم يعتبرون توسع الناتو تهديدا أمنيا. وحتى القراءة السريعة للتاريخ الروسي تكشف مدى خطورة تهديد توسع الناتو في أعين الروس.

وبالمثل الآن، عبر القادة الصينيون عن رأيهم بوضوح في توسع الحضور العسكري الأمريكي بآسيا. فتوجه أمريكا نحو آسيا، المستمر رغم ما يحدث في أوروبا، يمثل تهديدا أمنيا وجوديا في نظر القادة الصينيين.

وإلمام بسيط بالجغرافيا والاقتصاد يوضح السبب. إذ تعد الطرق التجارية في بحر الصين الجنوبي شريان حياة حيويا للتنمية الاقتصادية لبكين. وأي وجود عسكري أجنبي في تلك المنطقة خارج عن نطاق التعاون مع الصين يشبه يدا تمتد لخنق الاقتصاد الصيني.

والاتفاقات العسكرية مثل أوكوس AUKUS الذي قررت بموجبه واشنطن ولندن تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، تزيد من شعور الحصار الذي يراود الصين بقوة، وهو شعور شديد الشبه بالشعور الذي راود موسكو حين كان الناتو يتطلع إلى التوسع بعد عقد تقريبا من انتهاء الحرب الباردة. 

وقادة الصين لديهم اليوم سبب وجيه للتفكير والتصرف مثل القادة الروس بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حين عكفت روسيا على تطوير قدرات عسكرية حديثة واتخاذ قرارات تتماشى مع أهدافها الأمنية المعلنة صراحة. وبداية الطريق إلى حرب مستقبلية في آسيا تبدو شبيهة إلى حد كبير ببدايات حرب أوكرانيا التي بدت بطيئة التطور منذ ما يقرب من 25 عاما في أوروبا.

 

سياسات بايدن ضد الصين

 

في عام 1999، انضمت المجر وبولندا وجمهورية التشيك إلى الناتو. وخلال الحرب الباردة، كانت تلك الدول جزءا من حلف وارسو، مجموعة دول أوروبا الشرقية التي اعتبرتها موسكو منطقة صد حيوية لحلف الناتو. وهذا التوسع يمثل أهم توسع لحلف الناتو منذ أيامه الأولى في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكانت له أهمية إستراتيجية ورمزية ضخمة. وهذه الخطوة أنهت الجدل حول مستقبل الناتو.

إذ وجدت بعض دول حلف وارسو التي خضعت لهيمنة الاتحاد السوفييتي لنصف قرن، الحضن الغربي الذي سعت إليه لحمايتها من تهديد روسي محتمل في المستقبل.

بل دعا مسؤولون غربيون صراحة إلى مزيد من التوسع للناتو. وحدث توسع آخر أكبر عام 2004، حين انضمت سبع دول أخرى في أوروبا الشرقية إلى الناتو، من ضمنها ثلاث دول كانت جزءامن الاتحاد السوفييتي، وهي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. وأدى انضمام هذه الدول إلى انتقال الناتو حرفيا إلى حدود روسيا. ثم بدأت موسكو تزيد من إنفاقها العسكري بدرجة أثارت قلق جاراتها التي لم تنضم للناتو، خاصةً أوكرانيا. 

وبحلول عام 2008، دعا المسؤولون الغربيون أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى الحلف فعلا، وبدأت الدوامة. فقد أدى توسع الناتو إلى زيادة التعزيزات العسكرية الروسية، وهذا دفع مزيدا من الدول لطلب عضوية الناتو.

ونرى دوامة مماثلة تتشكل في بحر الصين الجنوبي. فمطالبات المسؤولين الأمريكيين بالتوجه نحو آسيا تشبه مطالبات القادة الغربيين بتوسع الناتو في التسعينيات. وأي أفكار قد تشي بأن تحول أمريكا نحو آسيا ليس مشروعا عسكريا يستهدف الصين مباشرة انهارت تماما بعد إعلان اتفاقية أوكوس، وهذا جعل العام 2021 في آسيا شبيها إلى حد كبير بعام 1999 في أوروبا، عدا أن نشوب حرب في آسيا مستقبلا قد يكون أسرع بكثير.

والمنطقة بأكملها في قبضة سباق تسلح، والصين تمتلك بالفعل جيشا جرارا يمكنه مواجهة القوات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي والتسبب في سيناريو كارثي على جميع المستويات.

ولكن الحرب في آسيا ستكون أكثر خرابا. فمن شبه المؤكد أن الضربات الأولى لحرب بين الصين وأمريكا وحلفائها اليوم ستأتي من البحر، إما في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي، حيث تشكل خلافات السيطرة مصدرا للاحتكاك. 

ومن المرجح أن يطلق كلا الجانبين صواريخ وطوربيدات تستهدف السفن الحربية والقواعد الجوية لبعضهما بعد أزمة ما أو فترة من التصعيد. ويحتمل أن تتكبد القوات الأمريكية خسائر فادحة في حاملات الطائرات والقواعد الجوية.

وفي الأثناء، ستتحمل القوات الصينية الضرر المبدئي الناجم عن هجوم أمريكي، وستحتفظ بالقوة الكافية لمواصلة إلحاق خسائر فادحة مع تقدم الحرب.

وطرق التجارة في المحيط الهادئ ستصبح مناطق صراع، وهذا سيتسبب في خسائر اقتصادية فادحة للولايات المتحدة والصين، بل والعالم بأسره. وهذا من شأنه أن ينقل الحرب إلى الأراضي الأمريكية مثلما لم تفعل أي حرب أخرى في القرن الحادي والعشرين.

 

كساد أمريكي كبير

 

انهيار العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين سيكون أقوى صدمة مالية تتعرض لها الولايات المتحدة منذ الكساد الكبير. فقد تشهد الولايات المتحدة نقصا هائلا في جميع أنواع السلع مع اختفاء نحو 440 مليار دولار من الواردات الصينية سنويا.

وستشهد شركات الإنتاج الأمريكية تكدس ما قيمته 122 مليار دولار من الصادرات إلى الصين حين لا تجد مكانا تذهب إليه. والتأثير الكلي قد يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة تصل إلى 10 في المئة.

إحتمالية وقوع هذه الحرب تزداد كل يوم، ما لم يجد قادة البلدين طريقة لوقف الديناميكيات الحالية التي تحرك دولتيهما نحو الحرب. 

وهذه الطريقة ستبدأ على الأرجح بوقف تدفق الأسلحة إلى المنطقة، وفتح محادثات بين بكين وواشنطن بهدف إبرام اتفاقيات تعاون أمني، وهذه هي الخطوة الأولى في إطار عمل أمني شامل للمنطقة.

وعلى بايدن أن ينتبه إلى مذبحة أوكرانيا باعتبارها تذكيرا بضرورة الحفاظ على السلام واتخاذ خطوات ملموسة لتحقيقه، عوضا عن السير في طريق نحو حرب تلوح في الأفق يمكن تحاشيها.

 

الإعداد للحرب مع الصين

 

جاء في تقرير نشرته وكالة الانباء الالمانية "د.ب.أ" صيف سنة 2022:

زارت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي تايوان في تحد لتحذيرات الصين، وقال والاس جريجسون، الخبير العسكري والسياسي الأمريكي، الذي شغل منصب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق للشؤون الأمنية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ من 2009 إلى 2011 وتقلد مناصب عسكرية أخرى: “لم نعد في وقت التحذير، نحن في وقت التحضير. ونأمل أن يدرك العالم ذلك في الوقت المناسب”.

وأشار جريجسون إلى أنه يمكن أن يكون مفهوم وقت التحذير مفيدا جدا، ولكن له مخاطره، فقد تبنت بريطانيا العظمى، في أعقاب الخسائر الهائلة في الحرب العظمى الأولى، قاعدة تخطيط مفادها أن القوات المسلحة يجب أن تتبع قاعدة مدتها عشر سنوات ولا تخطط لخوض حرب خلال ذلك الوقت. وهذا من شأنه أن يوفر الموارد، لأن الاستعداد العالي مكلف. ومن شأن التخطيط المسبق أيضا أن يسمح بتطوير المعدات بشكل محسوب وحكيم. وتدرس هذه القاعدة كل عام وتجدد. وكانت وزارة الخزانة سعيدة، ووزارة الدفاع أقل سعادة. وكان لقوى المحور، كما نعلم، جدول زمني مختلف.

وذكر الخبير العسكري والسياسي الأمريكي: “لقد انتهى وقت التحذير في غرب المحيط الهادئ، فمنذ عام 1945 فصاعدا، تمتعت الولايات المتحدة بتفوق جوي وبحري بلا منازع، حيث ذهبت إلى حيث أرادت وأظهرت قوتها على السواحل كما تشاء، كما اتضح في الحربين الكورية والفيتنامية. وبالمثل، كانت خطوط الاتصال الأمريكية عبر المحيط الهادئ، وبمعنى آخر خط الأنابيب اللوجستي الخاص بها، بلا منازع على نحو مماثل. لقد نشرنا حاملات طائرات وقطعا بحرية في محيط مضيق تايوان استجابة لأزمات منتصف التسعينيات”.

وبدأ الحشد العسكري الصيني الذي تحت قيادة دنغ شياو بينغ في الثمانينيات، وتسارع خلال التسعينيات ربما ردا على عمليات النشر الناجحة في واشنطن. واستفادت الصين استفادة كاملة من الاندماج المدني العسكري لضمان الدعم الوطني والصناعي لتحديث وتوسيع قواتها بسرعة استثنائية. وقد مكن التقدم في التكنولوجيا، وتحديدا ظهور أجهزة المراقبة المنتشرة والأسلحة الدقيقة عن بعد، الصين من السعي إلى السيطرة البحرية من البر. وكانت عملية التجريف الضخمة التي قامت بها بكين في بحر الصين الجنوبي من ديسمبر 2013 إلى أكتوبر 2015 دليلا بارعا على السيطرة البحرية الفعلية.

وأنشأت الصين ما يقرب من ثلاثة آلاف هكتار من الأراضي فوق الشعاب المرجانية على الرغم من احتمال حدوث أضرار بيئية كبيرة. وهذه الخصائص المصنعة هي الآن عسكرة تماما مع مدارج طويلة وموانئ في المياه العميقة، على الرغم من الوعود بعكس ذلك. وكانت ردود الفعل الأمريكية والعالمية صامتة، في أحسن الأحوال. وكانت الفلبين استثناء وحيدا، ولكن سرعان ما تجاهلتها الصين. والآن، يواجه التفوق البحري والجوي الأمريكي تحديا، مع ما يترتب على ذلك من آثار وخيمة على الردع.

وأضاف جريجسون أن هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات. “ويجب وضع التوجيهات والافتراضات وإصدارها. وكبداية، يجب أن نتخلى عن افتراضاتنا الصريحة والضمنية لحرب قصيرة وحادة”. وقال: “نحن نخطئ في كل مرة”.

 

حروب القوى العظمى

 

يقدم الدكتور هال براندز، من معهد أمريكان إنتربرايز، حجة قوية ضد هذه الاتجاهات. وجاء في أهم نقاطه أنه ربما تخطط الولايات المتحدة لنوع خاطئ من الحرب مع الصين. ومن المرجح أن يكون الصراع الصيني الأمريكي طويلا وليس قصيرا. ومن المرجح أن يمتد جغرافيا بدلا من أن يظل محصورا في مضيق تايوان.

وأشار براندز إلى أن معظم اشتباكات القوى العظمى الحديثة كانت حروبا طويلة، استمرت شهورا أو سنوات بدلا من أيام أو أسابيع. ومع طول حروب القوى العظمى، فإنها غالبا ما تصبح أكبر وأكثر فوضوية وصعوبة في فك التشابك.

وأوضح أنه من شأن الحرب الصينية الأمريكية أن تنطوي على خطر أكبر بكثير من التصعيد التقليدي والنووي مما يدركه العديد من المراقبين، لافتا إلى أن حربا طويلة الأمد في غرب المحيط الهادئ من شأنها أن تضع الولايات المتحدة أمام تحديات خطيرة وبعض الفرص غير المتوقعة.

وذكر جريجسون إنه يجب أن ننظر إلى القوات المسلحة بطريقة مختلفة عن الانهيار المعتاد للجيش والبحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية وقوات الفضاء وخفر السواحل وما إلى ذلك. وأضاف أنه قبل وقت طويل من وصولنا إلى الساحة التكتيكية، حيث يحدث إطلاق النار، يجب علينا فحص الإنتاج، حيث يتم بناء قواتنا وتجنيدها وتزويدها بالأفراد والتدريب. وتساءل: هل لدى الولايات المتحدة القدرة على زيادة إنتاج السفن والطائرات والأسلحة؟ وقال إن المؤشرات المبكرة ترجح أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تستبدل صواريخ ستينغر وجافلين وأنظمة المدفعية الأنبوبية والصاروخية التي ذهبت إلى أوكرانيا في أي وقت مناسب. هل لدينا فنيون مدربون للذهاب إلى ثلاث مناوبات عمل في المصانع؟.

كما تساءل: هل لا يزال بإمكاننا تجنيد ما يكفي من الشباب والشابات للخدمة العسكرية؟ وأوردت منظمة “ميشن ريدينيس” غير الربحية التي تحظى بتقدير كبير: “في الولايات المتحدة، هناك 71 في المائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و 24 عاما غير مؤهلين للخدمة العسكرية، وتستبعد البدانة 31 في المائة من الشباب من الخدمة إذا اختاروا ذلك”.

وأشار جريجسون إلى أن الجانب التالي هو الخدمات اللوجستية، أو الحصول على القوات ودعمها المادي من الولايات المتحدة إلى مسرح القتال. وذكر إن الوقود والنفط والماء وقطع الغيار ومجموعات المعدات والمواد الغذائية هي متطلبات غير قابلة للاختزال. ويحتاج المرء فقط إلى النظر إلى الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية، عندما تمت هزيمة القوات الأمريكية في غرب المحيط الهادئ بسبب فشل خطط تقديم التعزيزات بسرعة.

وسجل أخيرا أنه “ما زال أمامنا الكثير من العمل”. ولفت إلى أن قوة أمريكا تكمن في حلفائها، لذا يجب إشراكهم في السعي النشط إلى الاستعداد. وقال إنه من شأن تنشيط المجموعة الرباعية "كواد"، التي تضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، أن يكون في حد ذاته رادعا في الوقت الذي تعمل فيه على بناء قدر أكبر من الردع.

 

عمر نجيب

[email protected]