قصة أحلام متسول الحلقة 14 / ذ. إسلمو ولد ماناّ

ثلاثاء, 2022-04-26 00:49

الفصل الثالث الزواج الذي كان سائدا في بلادنا : 

‎فقلت له ليلتئذ وأنا مصغ إليه بامعان و في نفس الوقت أقدم له قطعة خبز مدهونة بالزيت والعسل ، من أجل أن يتناولها قبل احتساء كأسه الثانية ، فهل للاكان من الأفضل لك رغم ماسبق من حجج ربما مقبول بعضها لو تزوجت في بداية شبابك أوفي أخريات كهولتك على الأقل ، و قبل أن تتولد لديك هذه الأفكار المتشائمة ، لكان لديك الآن عدة أولاد راشدين يوفرون لك معاشا محترما ويؤنسون وحشتك هذه ويوفرون لك الأمن والأستقرار الضروريين لإستمرار حياتك بشكل مرض ومقبول . 
‎فقال نعم ، فأنا لم يغب عن بالي كل ماذكرت من أمور موضوعية لكني -بدون أسف-  من أولئك الأشخاص الذين يتدبرون استشرافا في عواقب الأمور ، ويحتاطون في شأن عواقبها المحتملة ، ولست من أولئك الأشخاص الأنانيين و الأتتهازيين الذين ينجبون الأطفال من اجل استغلالهم في مصالحهم الخاصة الآنية أو المستقبلية ، ولو يتم  ذلك على حساب شقاء أولئك الأطفال حاضرا وربما مستقبلا 
‎وبتالي فضلت أن أشقى في شيخوختي أنا الذي لم أتسبب أصلا في وجودي في هذه الدنيا ، على أن أكون سببا في شقاء أوناس آخرين أبرياء ! 
‎وفي نهاية المطاف فالله هو الذي إذاشاء قدر ، أما العبد فليس له من دور في الأمر سوى تنفيذ إرادة الله عز وجل إن الهمه ذلك بفضل منه وتوفيق . 
‎فقلت له -مازحا - فلربما يكون عدم زواجك يومئذ يعود إلى تكاليف الزواج وأعبائه  الكثيرة والمتنوعة . فقال لي وهو مندفع أبدا فالزواج يومئذ كان سهلا للغاية، وأصعب مافيه فهو المهر الذي لايتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة من آلاف الأوقية مثلا وبضعة ( بيصات من النيلة ) وعدد قليل من شفرات الحلاقة (لنستات) ومرايا (واسراريح ) اي عدة مشط . وبضعة كؤوس من (اغرنفل ولغويلية )أما شروط عقد الزواج فهي الأخرى تكاد تنحصر في شرطي لا سا بقة ولا لاحقة ، ثم تأتي بعد ذلك جماعة من أكابر القوم لا يريدون من وراء إبرامهم لعقد الزواج سوى رضى الله عنهم وعفوه .
‎أما حفلة الزوا ج  فهي أيضا كغيرها بلا تكاليف تذكر ، لكونها عبارة عن تجمع شبابي حول طبل تقرعه النساء،  ويغنين على إيقاعه بما تيسر لديهن مما يحفظن من  (كفان ) (واطلع ) أوشعر ، ثم يأتي دور بعض من نساء الحي المتخصصات في زينة النساء ويلبسن العروس ملحفة  من النيلة عدد أمتارها خمسة عشر ذراعا ونصف الذراع مضاف إليها ذراعان من ثوب أخضر يدعى ( الرو م.
‎ثم يضفرن للعروس شعرها وهي مغطاة الوجه بكامله  محتشمة ،ثم يحنينها ولا يكلف ذلك سوى غداء عادي أو عشاء يتولى أهل العروس إعداده ، ثم يصنعن للعروس أيضا ما يشبه سبطانة من حرير يسمونها ( لحفيظة ) توضع داخلها تلك الروائح الزكية من لغويلية ( وتدكت ) وتعلق على صدر ثوب العروس لتجلب لها ولشريكها وكذا محيطها تلك الرائحة الزكية ، 
‎و بعد ذلك تبدأ مراسيم حفلة العرس لثلاث ليال يقرع خلالها  الطبل دون انقطاع ، لتنتطلق الحناجر بالغناء على إيقاعه ثم يبدأ الحوار الشعري المعروف ( بلگطاع ) الذي ينتقد فيه العريس بواسطة ( لغنه ) والشعر ، وذلك من طرف زميلات العروس ، كما يرد عليهن أصدقاء العريس بأشعار حسانية مماثلة  في نفس الموضوع ينتقدوهن فيها أيضا ، لتستمر سهرات العرس تلك لثلاث ليال على ذلك الإقاع المنضبط بوتيرة مستمرة منعشة لسكان الحي بما يقدم خلالها من لهو و طرب .
وتتضمن تلك المشاعرات تفكها لطيفا ينعش سهرات الليالي الثلاث ، كما يحاولن صديقات العروس خلال أيام العرس ولياليه تلك اخفاء العروس عن أنظار العريس وأصدقائه بما يسمى ( الترواق ) من اجل أن يتعبوا في البحث عنها، أويقدمون لصديقات العروس مايحضرن به مائدة معتبرة تدعى( القدوة ) لليتناولها الجميع داخل خيمة العرس . كما أن أهل العروس عليهم أيضا تقديم وليمة معتبرة لأهل الزوج ترسل إليهم تسمى ( الواجب) 
‎وإذا ما حاول العريس مايعرف يترواح العروس إلى أهله ، أي نقلها من خيمة العرس إلى خيمة أهله في نهاية أيام العرس فإنه سيحدث عراك حينئذ  بالأيادي والألسن بين صديقات العروس واصدقاء العريس ، وغالبا ماتحدث فيه جروح وإصابات ويسمى ذلك ( بلگلاع ) وهو عادة يعتبر  كمؤشر على نهاية مراسيم افراح الزواج ، كما يعبر أيضا  عن حزن ولوعة صديقات العروس على فراقها لهن ولربما لزمن طويل أو حتى إلى الأبد !
‎كما أن هنك أيضا مراسيم أخرى تتعلق بانتقال الزوجة نهائيا إلى أهل العريس - وذلك بصفة دائمة - ويتطلب ذلك الأمر إذا ما كان أهل العروس أغنياء أو متوسطي الحال فإنهم سوف يرحلونها إلى أصهارها بجمل ودابة أخرى تحمل عليهما أمتعتها مثل ما (يعرف ) (بأرحال ) والقرب و ( لخطير ) (والتيزياتن ) و (آگرمي )وغير ذلك من جهاز العروس المتعارف عليه يومئذ .
‎ثم تأتي العروس أيضا ببقرات حلوب أو نوق ، ومما سبق نستنج بأن نفقات الزواج كما رأينا كانت يومئذ بسيطة جدا وتعد أكثر تكاليفها على أهل العروس منها على الزوج وأهله . وأحيانا يأتي الزوج بعروسه إلى خيمة أهله قبل ميلاد أطفاله لتعيش معهم في بيتهم ، ولكنها إذا ما رزقت بأطفال فإن على الزوج حينئذ الأستقلال بأسرته في بيت خاص به ، ويعتمد حينئذ على دخله الخاص في وطنه إن أمكنه ذلك . وإلا فعليه أن يسافر خارج الوطن بحثا عن الرزق من أجل إعالة أ سرته بشكل مرض . وقد  يحدث خلاف بين الزوجين ويتم الطلاق ، وتعود المرأة إلى أهلها صحبة جهازها وكذا أطفالها لتثقل كاهلهم بنفقتها هي وأطفالها خصوصا إذا كان قد تزوج والدهم و رما يكون دخله محدودا !
‎ولقد شاهدت بأم عيني في حياتي أمثلة كثيرة من مأساة  أولئك الأسر والأطفال معا ، في هذا الشأن ، وكذا غياب أي دور إيجابي يذكر للدولة في معالجة تلك المشاكل ، إذن فتلك المشاكل وكذا واقعي الخاص غير المستقر جعلا ني أعزف عن فكرة الزواج ذاته رغم حاجتي الماسة إلى فوائده الكثيرة والمتعددة وكذا المنفعة المتوخاة من الأولاد والبنات لو رزقت بهم منه ! 
‎كل ذلك وغيره كان حاضرا في ذهني وأنا مقلع دائما عن اتخاذ قرار الزواج . ولم يكن الجانب المادي - قطعا -هو العائق الوحيد بالنسبة لي في شأنه  ، خصوصا يوم كنت منتجا ومتوسط الحال مثل غيري من المتزوجين يومئذ ، 
‎فقلت له صحيح ماقد ذكرت عن الزواج مما يجعله سهلا وربما في متناول معظم الرجال ، ولكن فما هو مصدر تلك السهولة من وجهة نظرك حيث عايشت المرحلة ؟ 
‎فقال سيدي إن أمور الزواج كما ذكرت لك بعضا منها ، فيعود معظم أسباب سهولتها إلى بساطة الحياة نفسها يومئذ في بلادنا بصفة عامة ، وذلك في مختلف جوانبها قبل أن نصير مجتمعا استهلاكيا يقلد الغير في نمط عيشه بعيدا عن تعاليم ديننا الحنيف . 
‎فالمرأة مثلا قد كان يكفيها ثوبا واحدا من ( النيلة ) من عدة أمتار تلبسه

(يتبع)